المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : د.عبدالله باحجاج يكتب: هواجس عشية قمة المنامة الخليجية



ابا مازن
06-12-2016, 04:21 PM
د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج



كاتب عماني

تنتابنا مجموعة هواجس بشأن كيفية معالجة قمة المنامة الخليجية لمجموعة تحديات كبرى وغير مسبوقة، تشكل خطرا وجوديا للأنظمة الست بصورة متباينة ومتوالية، وفي حالات تصل الهواجس إلى قلق إذا ما ربطناها بتصريحات مسئول بحريني رفيع، تحدث مؤخرا عن طرح ملف الاتحاد الخليجي دون السلطنة في هذه القمة.

القلق هنا ليس في الطرح نفسه، وإنما يعكس لنا الاستمرارية الانفعالية والمزاجية السياسية لبعض الديناميات التي لو تمكنت من تمرير رؤاها، فلن تتمكن دول الخليج الست من مواجهة تحدياتها الوجودية.

وعلى هامش المنتدى الثالث لدراسات الخليج والجزيرة العربية المقام حاليا في الدوحة – المشارك فيه بصحبة مجموعة من العمانيين -تظهر انفعالية جديدة، تبشر بالاتحاد العسكري الخليجي من خمس دول.

وتحمل جولة العاهل السعودي الحالية لدول خليجية هذه الحمولة الجديدة، هل هناك تناغم وتلاقي بين تصريحات المسئول البحريني الرفيع – رغم أنه قام بحركة لامتصاص الغضب، فُسرت على أنها تراجع – مع تسريب الاتحاد العسكري؟ على اعتبار أن هذه التسريبات تحدد ماهية التصريحات؟ وهذا يجرنا الى تساؤلات افتراضية مهمة جدا مثل: هل ستشهد قمة المنامة ولادة هذا الكيان العسكري أم سيكون من خلال قمة استثنائية خاصة بالدول الموافقة عليه؟ وما هو مستقبل مجلس التعاون الخليجي في كلا الاحتماليين؟

بمعنى، هل يمكن أن تتعايش الدول في كيانين منفصلين، أحدهما سياسي والآخر اقتصادي تنموي بمظلة أمنية وعسكرية؟

صدمنا، وما نزال في معمعتها حتى الآن، بتصريحات الاتحاد الخليجي دون السلطنة، وهي تصريحات لم تراعي السيكولوجيات والأعراف الخليجية ولا حتى البلد التي ستستضيف القمة الخليجية.

وكل من يحلل التصريحات في اطارها الزمني والسياسي الخليجي، ويربطها بموقف السلطنة – المعلوم بالضرورة – من الاتحاد، سيخرج بأنها تحمل مجموعة من الاستفزازات الآنية عشية انعقاد هذه القمة، ومن بينها مسألة مشاركة البلاد من عدمها في القمة.

والمثير في السياقات البعدية، تصاعد التعاطي مع التصريحات من قبل أقلام مأجورة، وأخرى وجدت فيها تربة مناسبة لزراعة فتنتها. فبعضها اعتبر الانتقال إلى الاتحاد (معاقبة) لأقصاء السلطنة بسبب مواقفها من أزمات اقليمية ساخنة، فيما حاول آخرين فتح جبهة أخرى بقولهم إن السلطنة تتحفظ على ادراج الحوثين بقائمة الإرهاب.

وهذا يعني وجود تيار سياسي داخل بعض الدول، وصل به التوتر من التحديات الوجودية إلى مستوى يفقده قراءته للواقع وما يجب أن يكون عليه هذا الواقع من خلال قمة المنامة.

ففعلا هناك تحديات وجودية، وغير مسبوقة، وتحتم على الدول الست مزيدا من الترابط والالتحام، وليس من منظور التفكير الاقصائي لأهم وحداتها الجيواستراجية، ولا حتى التلويح بهذا الخيار يعتبر مشروعا من قبل الفاعلين الرسميين. وهذا التوتر وقد اكتشفناه في اطروحات وتعقيبات بعض كبار المحللين والخبراء من السعودية بالذات في مشاركتنا في منتدى الدوحة– سنتناوله عبر مقالات مقبلة – رغم أنهم لم يتحدثوا في أوراقهم ولا مداخلاتهم عن الاتحاد بخمس دول، لكنهم ضخموا من تحدي الانكفاء الامريكي عن المنطقة، وقللوا من قدرة المواجهة الخليجية الفردية والمشتركة للخطر الايراني، وكذلك بالغوا من زلزال ثقيل في عهد الرئيس الامريكي دونالد ترامب.

إذا، قمة المنامة رقم (37) تنعقد غدا الاربعاء، في ظل هذه الأجواء ومناخاتها المقلقة /المرعبة. فهل ستنصاع للمبالغة في تصوير القلق والرعب؟ أم سيكون لها قراءة موضوعية ودقيقة للتحديات وشموليتها، وكذلك تداعياتها على الأمن الاقليمي الخليجي؟ وبالتالي، كيف ستكون قرارتها؟

لو تأملنا في التطورات التي حدثت في الفترة الزمنية القصيرة -باستثناء تلكم التصريحات والتسربات – فالكفة تميل إلى التفاؤل على حساب التشاؤم.

وهنا ينبغي أن نقدم مجموعة استدلالات لتدعم التفاؤل، وسنأخذ مثلا التمرين التعبوي الذي جرى مؤخرا بين الدول الست تحت اسم “أمن الخليج العربي واحد” وهو أضخم تمرين مشترك بين الدول الست، وهو الأول من نوعه، وقد أقيم في البحرين.

وقد بعث هذا التمرين برسالة اقليمية آنية وعاجلة، وهي ما يعكسه عنوان التمرين نفسه. وهذا التمرين، أظهر كفاءة وجاهزية هذه الدول مجتمعة لمكافحة الإرهاب الذي قد يمس أية دولة. وهذا التطور الأمني قد جاء من رحم الروح الجديدة التي خرجت من قمة الخليج التشاورية في يناير 2016م، ففيها تم تصويب المسيرة الخليجية المشتركة نحو استيعاب المواقف الثلاثة للدول الست من قضية الاتحاد، وهى الرافض وتمثله السلطنة، والمتحفظ وتمثله الكويت والإمارات، والمندفع وتمثله البحرين والسعودية، وذلك عندما اتفقت الدول الست على نقل تجربتها من التعاون إلى التكامل الاقتصادي وصولا للوحدة الاقتصادية.

وقد انشأت لذلك هيئة للشؤون الاقتصادية والتنموية بالإجماع على أنقاض اللجان الوزارية المتهمة بتأخر تنفيذ القرارات المعتمدة خلال السنوات الماضية من عمر المجلس منذ إنشائه. وهذه الهيئة تعبر عن ست إرادات نحو تحقيق التكامل الاقتصادي، وستكون لهذه الهيئة صلاحيات البت في المواضيع وإيجاد الحلول وطرحها على القادة مباشرة لإقرارها، حيث الفكرة من إنشاء الهيئة هي اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس. وقد عقدت هذه الهيئة أولى اجتماعاتها على مستويات عليا، واتفقت على خمس أولويات للنقلة التكاملية، وتمثل الدول الست في الهيئة بشخصيات مؤثرة في صناعة القرار، وهذا ما يجعلنا نلمس من وراءها وعي سياسي عميق متضمن إرادة سياسية جديدة لنقل المسيرة من التعاون الى التكامل.

لكن، هل ستمكن الأزمة النفطية الراهنة ومخاوفها المقبلة من تحقيق الأجندات الاقتصادية الخليجية؟ ربما يكون الخليج قد فوت على نفسه فرصة العصر الذهبي للنفط، فلو نفذ مشاريع معينة قبل بضعة سنوات فقط مثل مشروع القطار الخليجي، لربما يجد نفسه قريبا أمام طموح الاقتصاد العالمي السابع.

ولا تزال الفرصة سانحة من خلال إعادة النظر في خارطتها الاستثمارية في العالم، وإعادة بوصلتها نحو استكمال توجهاتها الاقتصادية الاستراتيجية داخل الخليج، وربما يكون الخليج قد فوت أو لنقل أجل إلى منظور زمني غير معلوم زمنيا، تكوين الجيش الخليجي الواحد، ولو لم يرفض اقتراح السلطنة في التسعينيات بتكوين جيش خليجي من مئة ألف جندي؟ ورغم ذلك، فالإمكانية متاحة؟ لكم، كيف؟

الكيفية هنا نجدها في الاستمرارية في تغليب البرغماتية الجديدة التي خرجت بها قمة تشاورية جدة، ففيها توجه استراتيجي نحو الوصول إلى الوحدة الاقتصادية، بخطوات واعية وسريعة وبأدوات مؤثرة مباشرة في صناعة القرار الخليجي، وفيها كذلك تعبئة أمنية وعسكرية خليجية مشتركة، تجلت لنا في ذلك التمرين التعبوي.

وكذلك ينبغي أن تعزز قوات درع الجزيرة العربية، ورفعها لمستوى يمكنها من المواجهة الدفاعية عن الدول المهددة، وهذه الهوامش المتاحة ظرفيا للتعاون العسكري الجماعي، ودون ذل، فإن قمة المنامة ستقفز فوق الممكن الجامع والشامل للكل، وتبعد الدول الست المتجانسة عن مسيرة التعاون والتكامل بين الدول، وتدخلها في حقبة الأحلاف والتكتلات العسكرية التي بالطبع ستستفز المنطقة.

من هنا يمتزج التفاؤل مع التشاؤم في قمة المنامة، وإن منسوب التفاؤل الراجح، لكن لا يمكن رؤيته بالعين المجردة.

http://www.atheer.om/archives/329673/%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d8%a7%d8%ad%d8%ac%d8%a7%d8%ac-%d9%8a%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%87%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%b3-%d8%b9%d8%b4%d9%8a%d8%a9-%d9%82%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84/