المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ قـصـة منـقـولـة ] زمن الجوع



صدى صوت
19-12-2016, 10:50 PM
الزمان / قبل 75عاماً
المكان / المندق - منطقة الباحة -السعودية

يقول راوي القصة :
كنت طفلا صغيراً حين نشب خلاف بين أمي وأبي ، فغادرت أمي بيتنا مصطحبة معها أخويّ الصغيرين ، وتركتني باعتباري أكبر منهما مع والدي ، وتزوج أبي زوجة أخرى وأنجب منها طفلتين ..
وفي نحو سنة 1357 أجدبت ديارنا ، وشحت أرضنا ، وانتشر الجوع والفاقة ، وضاقت الأرض بما رحبت على أهلها ، حتى أكلوا أوراق الشجر وجلود الحيوانات ، حتى كان الرجل يبيع أرضه التي كانت أغلى من روحه من أجل وجبة عشاء يمنح بها نفسه وأهله فرصة أخرى قصيرة للحياة ..
حينها شعر والدي بأنه يمثل عبئا على والده جدي وأنه لن يتمكن من الوفاء بحاجته وحاجة أطفاله، قرر الرحيل بنا ، وخرجنا حتى وصلنا إلى الشعف ( شعف زهران ) ..
فالتفت إلي والدي وطلب مني الرجوع لأبقى مع جدي وجدتي ، فاستجبت له ورحل ثم التفت يقول لي قبل الوداع : لعلنا لا نلتقى بعد هذه اللقاء أبدا يابني ،
إنها رحلة إلى المجهول ، سفر بلا وجهة ولا هدف سوى البحث عن لقمة تسد رمق الطفلتين وأمهما ..
وعدت مع جدي ، وازدات الأمور سوءا ، والجوع يخيم على المكان والزمان ، والناس تفر من البلد ، ولم يبق إلا كبار السن وبعض الصغار ..
وحين خاف جدي علي أن أموت جوعا ، أشار علي أن ألحق بأمي وأخويّ الصغيرين عند أهلها ..
فذهبت أمشي وأنا في حدود الثانية عشرة إلى أمي على بعد ثلاثين كيلا إلى الشمال من المندق وبقيت أمشى من الصباح حتى جاء المساء ووصلت إليها ففرحت بي فرحا عظيما واستقبلتني ، ورأيتها تبيع الحطب من أجل أن تسد رمق أخويّ الصغيرين ، فأضفت إليها عبئا جديدا ، ولم يمر وقت طويل حتى شعرت بأنها عاجزة عن إطعامنا ، وخافت أن يقتلنا الجوع ، فقالت انزل يا بني إلى تهامة لعلك تجد والدك أو تجد شيئا تأكله وأرسلت معي أخي الذي يصغرني ، وتركت أصغرنا معها ، وصحبنا ابن خالتي الصغير أيضا ونزلنا إلى تهامة أقود رحلة الأطفال البؤساء حيث كنت أكبرهم ، فوصلناإلى تهامة ، حيث تنتشر الملاريا والوباء والناس يموتون فرادى وجماعات من فتك المرض ، ولكن لا خيار لنا .. الموت جوعا أو وباء ، إنها خيارات متقاربة ، لابد من الركض إلى النهاية ، مضينا حيث لا نعرف طريقا ولا وجهة ، نقترب في المساء من البيوت لنؤنس وحشتنا ، ونأكل ما نجد في الطريق من الشجر حتى وصلنا سوق الثلاثاء في قلوة اليوم ، والناس يتبايعون الحبوب والتمر والزبيب ، فنستبق إلى حبة سقطت هنا أو هناك ، والناس لا يكترثون بمنظر الأطفال الجياع يبحثون عن الحبوب كالطير وذلك لأن الفاقة تضرب الجميع والجوعى كثر ..
تفرقنا في السوق فلما جاء المساء لم أجد اخي ولا ابن خالتي ..
بحثت عنهما طوال الليل فلم أجد أخي الصغير وعمره ثمان سنوات إلا في الصباح فضربته بعنف لشدة خوفي عليه وألمي من فراقه ليلة كاملة ، ثم ندمت ندما شديدا على ضربي إياه وهو الصغير الشريد الجائع ، فكنت أحتضنه طوال الليل وأبكي ندما ورحمة به ، ولم أجد ابن خالتي إلا في اليوم الثالث ، وجدته قد مات جوعا أو مرضا ..
حينها قررت العودة إلى أمي في الحجاز وقد خسرنا في الرحلة ابن خالتي وصعدت بأخي الصغير إلى أمي وأعلمتها بوفاة صاحبنا ، فحزنوا إن كان بقي في قلوبهم حزن حينها ، وبكوا إن بقيت لهم عيون يبكون بها ..
وما إن وصلت حتى ارتفعت حرارة أخي الذي كان رفيقي في الرحلة لقد أصابته الملاريا هو الآخر، وظلت أمي وأنا نسهر معه طوال الليل ، وكنت أضمه إلى صدري وأبكي ، وحين بزغ الفجر أرادت أمي أن تذهب لتأتي بقربة ماء فناداها أخي المحموم بصوت خافت لا تذهبي إنني سأموت الآن قبل أن تعودي بالقربة ، وبالفعل مات .. شعرت أن أمي المسكينة لم يعد في قدرتها القيام بإطعامي مع أخي فعدت إلى جدي في المندق لعل الأوضاع قد تحسنت ، فإذا هي قد ازدات سوءا والجوع قد كلح بوجهه في كل الزوايا ، فاقترح علي جدي أن أنزل من جديد إلى تهامة إلى والدي في القرية الفلانية ..
فذهبت أمشى أربعة أيام في طريق المجهول ، أقترب من المزارع آكل منها وأمضي ، وفي ذات مرة اقتربت من بستان أقتات ما أستطيع منه فإذا بي أرى أبي فاحتضنني وبكيت بحرقة وأعلمته بوفاة أخي ، وأخبرني بوفاة زوجته ، وجعل يخفض من حزني ويقول سوف أعود فآخذ أمك وأخوك ونعود إلى المندق ويلتئم شملنا من جديد ..
فاجتاحني فرح أنساني كل أحزاني وبشرت أختي الصغيرتين وضممتها إلي وحدثتهما عن أحلامي وعودة أمي وكانوا في حجرة صغيرة تحت صخرة في وادي تهامة ، وقلت سأذهب أجتني لكم النبق وحين عدت بعد المغرب إذا أبي ينتفض من الحرارة فجعلت أرش عليه الماء وأضع النبق في فمه لعله يأكل لكن الأجل كان أسرع ومات أبي وحبات النبق في فمه لم يتمكن من بلعها ، وماتت الفرحة بسرعة وجاء الناس حولنا حين سمعوا صراخي مع الصغيرتين فدفنوا أبي ، ثم ذهبوا وتركونا في الغار وحدنا أنا مع أختيّ ، إحداهما في الثانية من عمرها والثانية في الرابعة ، وانضمت أجسادنا واجتمعت علينا الأحزان ، وتجاوبنا الدموع تلك الليلة الموحشة ، لنستيقظ في الصباح على موت أختي ذات الأربع سنوات ولحاقها بأبي ..
فدفنتها بجوار قبره ورحلت بالطفلة ذات العامين أسير في حر الشمس حتى وصلت إلى قرية في وادي ثمران ، حينها رأتني عجوز ورأت اختي على ظهري تصهرها الشمس قالت ياولدي اترك هذه الضعيفة معي فقد قتلتها الشمس ، واذهب لعلها تتعافى ثم تعود إليها أو تموت فتستريح فتركتها ، وذهبت إلى جدي في المندق وأعلمته بوفاة والدي وزوجته وأختي الصغيرة فبكاه بحرقة وظل يبكيه طويلا حتى فقد بصره ، ثم عدت بعد أيام ألتمس أختى عند العجوز فأخبرتني أنها ماتت بسرعة بمجرد فراقي لها ..
واستمر الجوع فترة ثم فرجها الله سبحانه ونزلت الأمطار على البلد وأغاث الله الخلق وكشف ما بهم ..

هذا ليس فصلا من رواية البؤساء ولا مقطعا من فيلم في الخيال ، إنها قصة إنسان في هذه الأرض قبل سبعة عقود فقط ، قصة بقايا الآلام في وجوه الأحبة الذين ترونهم الآن في الثمانين والتسعين من أعمارهم ..

اقرؤوا تلك القصص في وجوههم ، دعوهم يحدثونكم عن ندوب التاريخ في وجوههم وأكفهم وقلوبهم ..

حدثوا أطفالكم عن معنى المأساة والألم والأحزان والفاقة ..

كافحوا أيها الأحبة من أجل الحفاظ على النعم بالعبادة والطاعة وترك المعاصي
والتعاون على البر والتقوى ..

أكثروا من الدعاء ، ودعوا الإسراف والتبذير واالتفاخر والكبر
فإن الأيام دول ..
تراحموا وارحموا الضعفاء والبائسين والمساكين ..

http://up.omaniaa.co/do.php?img=8752 (http://up.omaniaa.co/)

نوارة الكون
20-12-2016, 08:51 AM
سلمت يمناك اخوي
اختيار جميل وتواجد اجمل
دمت في حفظ الرحمن ورعايته

حنااايا..الروح
20-12-2016, 08:57 AM
لا حول ولا قوة الا بالله

النعم تدوم بالشكر
فعلينا شكر الله على النعم التى اغدقنا بها
قصة مؤلمة وقاسية
الشكر الجزيل لك استاذ صدى

صدى صوت
20-12-2016, 02:49 PM
سلمت يمناك اخوي
اختيار جميل وتواجد اجمل
دمت في حفظ الرحمن ورعايته

ربي يسلمك ويرزقك دوام النعمه اختي العزيزة نوارة الكون ..
شكرا لك

صدى صوت
20-12-2016, 02:51 PM
لا حول ولا قوة الا بالله

النعم تدوم بالشكر
فعلينا شكر الله على النعم التى اغدقنا بها
قصة مؤلمة وقاسية
الشكر الجزيل لك استاذ صدى

النعمة زواله نعم وشكر الله عليها يديمها بإذنه تعالى .. الكثيرون يشتكون من الفقر وهم في نعمه لا يشعرون بها .. فليقرأوا مثل هذه القصص ليعرفوا ما هو الفقر والجوع والعوز .
شكرا لك حنايا الروح لمرورك الجميل

حسنة ₩
20-12-2016, 03:29 PM
قصة مؤلمة كثير .. فعلا كانت معاناة ..
شكرا اخي على النقل الرائع

الفيلسوف 16
20-12-2016, 06:32 PM
سبق وقرأت هذي القصه .. المعاناة هذي كانت في معظم بلدان الجزيرة العربيه .. مر الناس بأوقات عصيبه من الفقر والجوع والاسقام ..
الحمد لله على نعمه وافضاله .

شكرا استاذي على الاختيار الطيب

أميرة الروح
20-12-2016, 07:33 PM
قصة مؤلمة ومؤثرة
بارك الله فيك عاﻻنتقاء

صدى صوت
20-12-2016, 08:29 PM
قصة مؤلمة كثير .. فعلا كانت معاناة ..
شكرا اخي على النقل الرائع

شكرا استاذه حسنه .. مرورك تشريف

صدى صوت
20-12-2016, 08:31 PM
سبق وقرأت هذي القصه .. المعاناة هذي كانت في معظم بلدان الجزيرة العربيه .. مر الناس بأوقات عصيبه من الفقر والجوع والاسقام ..
الحمد لله على نعمه وافضاله .

شكرا استاذي على الاختيار الطيب

صحيح انها كانت معاناة عامه خصوصا قبل فترة اكتشاف البترول في الجزيرة العربيه .. حتى كان اباءنا يخبرونا بمعاناتهم حتى قبيل السبعينيات من القرن الماضي .

شاكر لك مرورك استاذ الفيلسوف 16

صدى صوت
20-12-2016, 08:32 PM
قصة مؤلمة ومؤثرة
بارك الله فيك عاﻻنتقاء

الف شكر وتحيه لك استاذه اميرة على مرورك الطيب

☆ تركية ☆
21-12-2016, 05:01 PM
ياالله .. قصة مؤثرة وايد .. ربي ادم علينا فضلك

شكرا استاذ صدى

صدى صوت
21-12-2016, 09:57 PM
ياالله .. قصة مؤثرة وايد .. ربي ادم علينا فضلك

شكرا استاذ صدى

الف شكر لمرورك الجمبل استاذه تركيه

نديم الماضي
22-12-2016, 06:13 PM
قصه جمليه ومعبره
بارك فيك ع الانتقاء

رايق البال
22-12-2016, 11:14 PM
هلا فيك صدى ..
قصه جدا مؤلمه ومؤثره
الف شكر لجهدك واختيارك وتفاعلك الجميل
طابت مساءاتك ..
( نص يستحق النجوم الخمس)