شموس الحق
29-03-2017, 01:02 PM
مغلغل على الطريق.....
دقت الساعة الحادية عشرة قبيل الظهيرة.. في المذياع الصغير ..قفز من مكانه ..جمع بقايا كتبه واوراقه والوانه ..لبس ثوب ابيض قصير..واعتمر كمة (منخلة) على راسه .. ركض صوب فناء المنزل ..ورائحة الطعام تلاحقه.. حمل حقيبته الجلدية .. رسم قبلة على راس جدته وكفها .. ناولته قطعة نقدية صغيرة ..اطلق العنان يعدو..يجر جسمه الضئيل .. يسابق الريح نحو موقف حافلة .. مرت سريعا .. غادرت اليوم سريعا ..وقف ..يكلم نفسه .. ادرك ان الوقت من ذهب .. الكسل قبيح ..والحلم ليس صعبا .. والهمة تتوالد..انه طريق العلم ..طويل على حد علمه..نهايته ليست ببعيدة ..لمحه شخص قادم من بعيد ..يكن له كل احترام ..يكبر شيئا فشيئا في مآقيه.. انه هو ..يترنح في دراجته الهوائية.. كأن قدميه ترقص بايقاع بطيء..ابتسم كعادته ..هز رأسه .. الوقت ضيق .. ركب الصغير في المقعد الخلفي ..عاتبه كثيرا ..نصحه كثيرا ..قاد دراجته الهوائية .. اسرع مما كان .. يشق حاجز الصوت ..يطوي الطريق ..توقف ..فوضى أمام فناء المدرسة.. ارتجل من مقعد الدراجة.. ذهب الى صفه..قبل ولوجه من الباب.. توقف..سمع اصواتا .. تشبه البكاء ..وقف برهة..تردد في الدخول ..يكره البكاء والدموع ..رفع غطاء الرأس ..نفض ثوبه ..لمحه الاستاذ فريد .. ابتسم .. حمله بين ذراعيه .. رفعه فوق سطح طاولة الصف ..يشبه الصعود الى القمة ..شعر بشيء من الاستعلاء.. علو كعبه.. ينظر اليهم..صغارا في عينيه..شعربانهم كذلك..قرا ابجديات حروف ...هي من علمته تلك الابجديات .. تشبه ابجديات الحياة ..منذ نعومة اظافره ..حفظها عن ظهر قلب ..ساد هرج وتصفيق .. وصفير ..شعر بشيء من الفخر ..ربما اكثر بقليل..عاد الى كرسيه ..طالما حافظ عليه ..مسك الكرسي بكلتا يديه يخشى سقوط الكرسي..او ربما سقوطه من الكرسي..لن يدوم طويلا ..سيغادره يوما ما ..كما يخشى السقوط من الاماكن العالية ..انها (فوبيا) الاماكن العالية ..توالت الدروس ..والوجوه ..والكلمات ..كانت الحصة الاخيرة..سرح في خياله ..اسهب كثيرا في الخيال والتخيل ..لما ؟؟.. والتخيل في نظره اقرب الى معرفة..قد تفوق المعرفة.. سرح لدرجة الملل..يتردد في ذهنه نشيد ..طالما اطرب ذائقته .."جات مريم من لبنان " ..تذكر لبنان .. ما يدور في شوارعها ..ودخان البنادق ..تذكر والده كان هناك قبل بضع سنين ..ضمن الجيوش العربية ..وكتيبة الهاون ..قلقت جدته كثيرا حينذاك..تتمنى عودته في اقرب فرصة .. خشية اندلاع الحرب .. نام الصغير على طاولته ..توسد حقيبته..راودته احلاما صغيرة ..تشبه احلام النهار واليقظة ..مضى وقتا طويلا في سباته.. واحلامه ..نزق..صحى من غفوته ..واحلامه ..نظر حوله ..غادر الجميع .. تركوه وحيدا ..الظلام يكسو جدران المدرسة ..تسلل من الصف ..خرج .. ظلام؟ .. كيف يعود الى المنزل؟..تذكر وحش السلاسل خلف غابات النخيل والغاف ..يسميه البعض بالمغلغل..يسكن بالقرب من احراش الطريق ..يخشى ان يقع في قبضته .. لا خيار..الا العودة ..آجلا او عاجلا .. مشى بحذر ..تسارعت دقات قلبه ..مشي يشبه الهرولة في هذا الظلام الحالك.. اقترب قليلا من الاحراش ..يعتقد ان المغلل يعيش بالقرب منها ..يحيط بها غاف واشجار راك كثيفة..يسمع عواء كلاب الليل..كانها تقترب منه..قرر ان يحبو على الارض ..حتى لا يراه المغلغل..الوقت بطيء .. سحب حقيبته ..يبدو ان الحبو منهك .. الطريق طويل وممل ..خطوات ما تقترب منه ..فجأة ..قفز المغلغل أمامه ..رفع رأسه..أردف قائلا في نفسه: انه المغلغل!! ..لاول مرة يشاهد المغلغل .. كان يعيش في مخيلته فقط ..يتقلد سلاسلا على جسده الضخم ..اشعث الرأس ..تبدو حدبة بارزة في ظهره ..يرتدي قميصا رث ..ممزق ..تأكد انه المغلغل.. يحملق فيه ..عينان حمراوتان ..تبعث الخوف والرعب ..اقترب المغلغل منه ..كان الصغير يرتجف من الخوف ..حمله بين يديه الضخمتان ..نظر اليه ..ساله.. خائف بلا شك ..ضحك المغلغل .. ابتسامته تخفي امرا ما ..رفع الصغير ..وضعه على كتفه .. أكد للصغير توصيله الى منزله ..شريطة ان لا يعيد الكرة.. استدار المغلغل ..مضى في الطريق ..نحو منزل الصغير ..جلس الصغير على كتف المغلغل ..تدور في خلده اسئلة عديدة ..لا يصدق ما يشاهد ..سمع عن المغلغل الكثير ..عكس ما كان يتوقع ..انه لطيف..لايعذب الاطفال كما يتشدق عنه ذلك الاشرم..دارت اسئلة صغيرة في راسه....قبل ان يصل المنزل ..حاول الصغير أن يتحدث مع المغلل. الا ان شفتاه تترجف كثيرا..طبعا من الخوف ..نزل الصغير ..غادر المغلغل ..دلف لباب منزله ..كانت جدته تنتظره بشيء من القلق....عكس ما يتوقع ..حظنته كعادتها ....لا يزال متشبث بذراعيها الدافئتان ..نزق من غفوته ..لسماعه دقات الساعة الحادية عشرة.. نهض من مكانه ..أنه حلم ..لم يصدق ..انها كانت زيف احلام ..مجرد احلام ..خيال المغلغل ..لايزال مرتسما بعينيه الصغيرتان ..لايزال الحلم و التخيل في نظره احلى مما يشاهده في واقعه الممل ..
بقلمي/ ناصر الضامري
دقت الساعة الحادية عشرة قبيل الظهيرة.. في المذياع الصغير ..قفز من مكانه ..جمع بقايا كتبه واوراقه والوانه ..لبس ثوب ابيض قصير..واعتمر كمة (منخلة) على راسه .. ركض صوب فناء المنزل ..ورائحة الطعام تلاحقه.. حمل حقيبته الجلدية .. رسم قبلة على راس جدته وكفها .. ناولته قطعة نقدية صغيرة ..اطلق العنان يعدو..يجر جسمه الضئيل .. يسابق الريح نحو موقف حافلة .. مرت سريعا .. غادرت اليوم سريعا ..وقف ..يكلم نفسه .. ادرك ان الوقت من ذهب .. الكسل قبيح ..والحلم ليس صعبا .. والهمة تتوالد..انه طريق العلم ..طويل على حد علمه..نهايته ليست ببعيدة ..لمحه شخص قادم من بعيد ..يكن له كل احترام ..يكبر شيئا فشيئا في مآقيه.. انه هو ..يترنح في دراجته الهوائية.. كأن قدميه ترقص بايقاع بطيء..ابتسم كعادته ..هز رأسه .. الوقت ضيق .. ركب الصغير في المقعد الخلفي ..عاتبه كثيرا ..نصحه كثيرا ..قاد دراجته الهوائية .. اسرع مما كان .. يشق حاجز الصوت ..يطوي الطريق ..توقف ..فوضى أمام فناء المدرسة.. ارتجل من مقعد الدراجة.. ذهب الى صفه..قبل ولوجه من الباب.. توقف..سمع اصواتا .. تشبه البكاء ..وقف برهة..تردد في الدخول ..يكره البكاء والدموع ..رفع غطاء الرأس ..نفض ثوبه ..لمحه الاستاذ فريد .. ابتسم .. حمله بين ذراعيه .. رفعه فوق سطح طاولة الصف ..يشبه الصعود الى القمة ..شعر بشيء من الاستعلاء.. علو كعبه.. ينظر اليهم..صغارا في عينيه..شعربانهم كذلك..قرا ابجديات حروف ...هي من علمته تلك الابجديات .. تشبه ابجديات الحياة ..منذ نعومة اظافره ..حفظها عن ظهر قلب ..ساد هرج وتصفيق .. وصفير ..شعر بشيء من الفخر ..ربما اكثر بقليل..عاد الى كرسيه ..طالما حافظ عليه ..مسك الكرسي بكلتا يديه يخشى سقوط الكرسي..او ربما سقوطه من الكرسي..لن يدوم طويلا ..سيغادره يوما ما ..كما يخشى السقوط من الاماكن العالية ..انها (فوبيا) الاماكن العالية ..توالت الدروس ..والوجوه ..والكلمات ..كانت الحصة الاخيرة..سرح في خياله ..اسهب كثيرا في الخيال والتخيل ..لما ؟؟.. والتخيل في نظره اقرب الى معرفة..قد تفوق المعرفة.. سرح لدرجة الملل..يتردد في ذهنه نشيد ..طالما اطرب ذائقته .."جات مريم من لبنان " ..تذكر لبنان .. ما يدور في شوارعها ..ودخان البنادق ..تذكر والده كان هناك قبل بضع سنين ..ضمن الجيوش العربية ..وكتيبة الهاون ..قلقت جدته كثيرا حينذاك..تتمنى عودته في اقرب فرصة .. خشية اندلاع الحرب .. نام الصغير على طاولته ..توسد حقيبته..راودته احلاما صغيرة ..تشبه احلام النهار واليقظة ..مضى وقتا طويلا في سباته.. واحلامه ..نزق..صحى من غفوته ..واحلامه ..نظر حوله ..غادر الجميع .. تركوه وحيدا ..الظلام يكسو جدران المدرسة ..تسلل من الصف ..خرج .. ظلام؟ .. كيف يعود الى المنزل؟..تذكر وحش السلاسل خلف غابات النخيل والغاف ..يسميه البعض بالمغلغل..يسكن بالقرب من احراش الطريق ..يخشى ان يقع في قبضته .. لا خيار..الا العودة ..آجلا او عاجلا .. مشى بحذر ..تسارعت دقات قلبه ..مشي يشبه الهرولة في هذا الظلام الحالك.. اقترب قليلا من الاحراش ..يعتقد ان المغلل يعيش بالقرب منها ..يحيط بها غاف واشجار راك كثيفة..يسمع عواء كلاب الليل..كانها تقترب منه..قرر ان يحبو على الارض ..حتى لا يراه المغلغل..الوقت بطيء .. سحب حقيبته ..يبدو ان الحبو منهك .. الطريق طويل وممل ..خطوات ما تقترب منه ..فجأة ..قفز المغلغل أمامه ..رفع رأسه..أردف قائلا في نفسه: انه المغلغل!! ..لاول مرة يشاهد المغلغل .. كان يعيش في مخيلته فقط ..يتقلد سلاسلا على جسده الضخم ..اشعث الرأس ..تبدو حدبة بارزة في ظهره ..يرتدي قميصا رث ..ممزق ..تأكد انه المغلغل.. يحملق فيه ..عينان حمراوتان ..تبعث الخوف والرعب ..اقترب المغلغل منه ..كان الصغير يرتجف من الخوف ..حمله بين يديه الضخمتان ..نظر اليه ..ساله.. خائف بلا شك ..ضحك المغلغل .. ابتسامته تخفي امرا ما ..رفع الصغير ..وضعه على كتفه .. أكد للصغير توصيله الى منزله ..شريطة ان لا يعيد الكرة.. استدار المغلغل ..مضى في الطريق ..نحو منزل الصغير ..جلس الصغير على كتف المغلغل ..تدور في خلده اسئلة عديدة ..لا يصدق ما يشاهد ..سمع عن المغلغل الكثير ..عكس ما كان يتوقع ..انه لطيف..لايعذب الاطفال كما يتشدق عنه ذلك الاشرم..دارت اسئلة صغيرة في راسه....قبل ان يصل المنزل ..حاول الصغير أن يتحدث مع المغلل. الا ان شفتاه تترجف كثيرا..طبعا من الخوف ..نزل الصغير ..غادر المغلغل ..دلف لباب منزله ..كانت جدته تنتظره بشيء من القلق....عكس ما يتوقع ..حظنته كعادتها ....لا يزال متشبث بذراعيها الدافئتان ..نزق من غفوته ..لسماعه دقات الساعة الحادية عشرة.. نهض من مكانه ..أنه حلم ..لم يصدق ..انها كانت زيف احلام ..مجرد احلام ..خيال المغلغل ..لايزال مرتسما بعينيه الصغيرتان ..لايزال الحلم و التخيل في نظره احلى مما يشاهده في واقعه الممل ..
بقلمي/ ناصر الضامري