المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرتشافات من ديوان الشاعرة أصيلة السهيلي (( قهوتي صوتك ))



ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
03-04-2017, 09:15 AM
إرتشافات من ديوان الشاعرة أصيلة السهيلي (( قهوتي صوتك ))



بقلم / ســـعيد مصـبح الغـافـري
( قهوتي صوتك ) هو أول ديوان شعري جميل المحيا صدر هذا العام 2017م للشاعرة العمانية المتألقة ( أصيلة السهيلي ) وذلك عن دار ( سما ) للنشر والتوزيع بدولة الكويت ، وهو من الشعر الشعبي أو النبطي . يحوي ديوان ( قهوتي صوتك ) بين دفتيه ( 27 ) سبعة وعشرين قصيدة شعرية ، خمس منها جاءت بنمط الشعر التفعيلي الحر والبقية شعر عمودي تقليدي مع مقاطع شعرية قصيرة تخللت هذه النصوص ، بالإضافة إلى نص أخير ملحق ختمت به الشاعرة أصيلة السهيلي ديوانها وهو عبارة عن مقاطع خواطرية نثرية قصيرة ، بعضها أقرب إلى الشعر منها إلى النثر .



http://www.alapn.com/ar/imagebign/a0f512467fe9dd900d2dc036734a7710.jpg https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSZEIhxKzZtNcUQXr5U_WOiZN__HaaoR LgUQuTU_lRUG5CDYDkabw

وتلاحظ ـــ عزيزي القارئ / عزيزتي القارئة ـــ عند الدخول في عوالم نصوص هذا الديوان أن كل نص تقريبا يسبقه مقطع شعري قصير من بيت واحد أو بيتين أو ثلاثة أبيات ، وهي أشبه ما تكون بلوحات فنية مرسومة أو نوافذ جميلة مفتوحة تطل مباشرة على شرفة النص في الجهة المقابلة مانحة القارىء جوا من الانتباه أو التهيئة التي تحمسه وتدفع فيه حس الفضول لمتابعة النظر جهة تلك الشرفة الشعرية بتوق جمالي وفقت الشاعرة إلى حد كبير في تهيئته واستحضاره بشكل رائع ؛ لتجعل من قارئها يقبل على النص بل يعيش فيه بكل مشاعره وروحه ووجدانه وظمأ القراءة لديه . وكما قلت ؛ فإن كل نص شعري متكامل يسبقه مقطع شعري قصير أشبه بنافذة مفتوحة على نص مقابل يغمز للهفة العطشى ويغريها ويشجعها للقفز باتجاه شرفته ؛ هذه النوافذ الانبثاقية التي أوجدتها الشاعرة ضمن ثنايا نصوص ديوانها أفادت الأخير من جهة والقارىء من جهة ثانية ؛ حيث أضافت للديوان قوته وسحره وجماله وجاذبيته ورونقه شكلا ومضمونا وساهمت في نجاحه كتجربة جميلة خاضتها الشاعرة عن ثقة واقتدار وهي واعية وعارفة بأدواتها الشعرية و ماذا تكتب ولمن بالضبط تكتب .. هذا من جهة الديوان ، أما من جهة القارىء فإن هذه النوافذ الشعرية الصغيرة فبالاضافة إلى أنها قدرت أن تمنح المتلقي جمالياتها وصورها البديعة إلا أنها أيضا إستطاعت أن تمنع عنه ـــ أي المتلقي ـــ إحساس الملل والرتابة من القراءة الماضية على مسار واحد لا يتغير خطه ولا معالمه المحيطة به ؛ فكل مقطع له لون خاص وومضة شعرية ذات نغمة خاصة ونوتة معينة تميزها ، وستلاحظ أن كل هذه المقاطع القصيرة لم تمض في طريقها على لون واحد أو نغمية واحدة من بداية أول مقطع وحتى آخر مقطع ؛ فالشاعرة تنقلك بخفة ورشاقة وبجمالية اللقطة المبهرة ومن جو إلى جو ومن حالة إلى حالة أخرى ، رغم أن الجو النفسي الذي يكاد يكون ( عاما ) في غالبية قصائد الديوان خصوصا تلك المتعلقة بالحب وغزلياته وعواطفه وشجونه وأجوائه المتقلبة التي لا تثبت على حال ؛ فطورا يأتي ذلك المقطع شعرا عموديا خالصا من بيت واحد أو بيتين أو ثلاثة كأقصى حد ، وأحيانا يأتي المقطع شعرا تفعيليا حرا من عدة أشطار ..
وهاك نماذجا من هذه المقاطع التي ضمنتها الشاعرة في ديوانها :




إسهر معي .. تتعبني وحشة هالظلام
تحتاجلك روحي وأنا أحتاج لك
وأنا معك .. ماضي وحاضر وازدحام
لو تطلب عيوني تراها جات لك










عطني يدينك ودي أحكي لك كلام
ودي أسافر بك سما .. تالي سما
بعزف على اطراف الأصابع قبل أنام
يمكن تنسيني الأصابع هالظما










لو صار غيري في مكاني وحبيت
قله أمانه ... لا يبهدل مكاني
قله تعوّد صاحبي يملي البيت
ورد وعطور وريح مسك وأغاني
قلت يجن بغيبتي لا تباطيت
ما هو عشانك يا حبيبي .. عشاني !!









أبــاك !!
ماعاد في عيني نظر وانت هناك
أحتاجني منك أنا
سارقني أكثر من سنه
رجّع لعيني نورها
في شوفتك ليلة عمر
ما تبتدي إلا معك









إنتهينا .. خير !! وش يعني الجديد ؟!
ما كرهته .. بس ما نعشق بعض !!








ليه تبخل بالحكي وانت الكريم ؟!
كلما جيتك وَلََـه أسمع مــلام !!
كان ودك نفترق .. والله العظيم
أوعدك أرحل وأفارق في ســلام !!





... وغيرها الكثير من المقاطع الشعرية القصيرة التي حواها الديوان كنوافذ جميلة صممتها الشاعرة مطلة على قصائدها الـ ( 27 ) .
إن هذه الحركة أو اللمسة السحرية الجديدة قد أخرجت الديوان في إطار ( شكله الداخلي العام ) من نمطية التقليد التي مازلنا نراها سائدة بنفس وجهها ذي الموضة القديمة في كثير من دواوين الشعراء الحديثين والذين يمضون في دواوينهم نصا تلو نص في خط مستقيم واحد لا يتغير مساره ولا تتبدل دروبه ولا ألوانه ولا أثاثاته الداخلية ــ إن جاز التعبير ــ والشاعرة أصيلة السهيلي خرجت عن هذا النهج أو الشكل الموباليا بطريقة إبتكارية جميلة جدا ، وبدلا من أن تجعل كل ديوانها من بدايته إلى نهايته شارعا أوتوستراديا أصمًّا وأجردا بمسار واحد واتجاه ممل واحد وخال من أي لمسات جمالية ؛ هاهي وبحس المرأة الراقية الذوق والمتذوقة للجمال العصري تضع بين كل مسافة وأخرى صورة أو مجسما أو باقة زهر شعرية بديعة ، خالقة في النفس ذلك الانشراح وتلك البهجة المتحمسة للمضي قدما في رحلة القراءة بشغف ومتعة وبتلهف لا يكاد ينقطع منذ الورقة الأولى للديوان !!
ومن بين أبرز ملامح نصوص ديوان ( قهوتي صوتك ) خلو هذه النصوص تماما من المفردات الغرائبية المعقدة المستعصية على فهم قارىء هذا العصر والتي أصبحت موضة قديمة عفا عنها الزمن و غير مستحبة في الشعر المعاصر ، والتي عادة ما نجدها في شعر التراث التقليدي سواء في الفصيح أو العامي .. تلك المفردات التي كثيرا ما ترهق كلماتها ذهن القارىء ويجدها غريبة عليه وعلى أذنه وعصره ويضطر حيالها ـــ إن كانت لديه سعة بال ـــ للبحث عن معانيها في القواميس والمعاجم اللغوية وعند أهل الصنعة من المتقدمين .. وقد كانت الشاعرة أصيلة السهيلي تعي هذه القضية وتفهم من خلالها ذوق قرائها وثقافتهم ونفسيتهم عن كثب ؛ ولذلك غالبية نصوص ( قهوتي صوتك ) جاءت عصرية جدا ومسايرة للعصر الذي نعيش فيه وندر جدا أن تجد فيها نصا شعريا غريبا وفيه ذلك التعقيد اللفظي المتزمت الكثير الالتصاق بـ ( البداوة ) مع أنها ـــ أي الشاعرة ـــ لم تبتعد مطلقا عن أجواء البيئة البدوية والصوت البدوي العذب في سياقها أو ثوبها اللفظي منطوقا كان أم مقروءا ولكنها مشت فيها بطريقة عصرية حديثة و ذات طابع شعري خاص وأسلوب خفيف على القلب والروح وأذن المتلقي الشديد الحساسية ، ومن هنا أسـتطيع القول وبثقة أن أسلوب الشاعرة المبدعة أصيلة السهيلي من اليسير جدا عليه أن يتجاوز حدود محليته الجغرافية من حيث الانتشار وهي تمتلك الأدوات الشعرية التي تجعلها تتخطى بشعرها هذا حدود الجغرافيا الضيقة من حيث وضوح الكلمات التي تكتب بها نصوصها والتي مزجت ( عاميتها ) بالفصحى مبتعدة قدر الامكان عن تلك الحواشي التي تعيق حركة النص في المكان والزمان والناس وبذلك كسرت ( حاجز اللا فهم ) للمفردة الشعرية المصاغة بالعامية فصار في إمكان القارىء العادي في الشام أو مصر أو بلدان المغرب العربي أن يقرأ نصوص هذا الديوان بارتياح واستمتاع كبيرين وأن يفهم كلماتها بسلاسة ووضوح تامين وأن يتذوق أبياتها دون الحاجة للبحث عن معاني مفرداتها في القاموس أو المعجم أو حتى جوجل . إن نصوص هذا الديوان لا تحتاج لقراءتها بمتعة كبيرة ولذة و ( تسلطن تام ) إلا لقارىء ذوِّيـق يعرف كيف يقرأ النص بإحساس مرهف عالٍ وبقلب واعٍ يفهم البيت أو الشطر فهما شعوريا وجدانيا عميقا يجعله يندمج ويمتزج مع كل ذرة من ذرات المشاعر التي رسمت فيه .
جاء نص ( رياح البعد ) في أول نصوص هذا الديوان ، وهو ترتيب مقصود وله دلالته العميقة من منظور ( الحركة والسكون ) ، مع أن الشاعرة كان بإمكانها أن تختار أي نص من النصوص كبداية للديوان كله .. إن عملية ترتيب الأفضلية في نصوص أي عمل أدبي وخصوصا الشعر عملية دقيقة جدا وحساسة ولا تأتي إعتباطا أوبطريقة ( كيفما اتفق ) وتعتمد بالدرجة الأولى على بصيرة وذكاء و ذوق الكاتب أو المؤلف وعلى حسه الجمالي الداخلي وثقافته وفهمه لذوق الجماهير التي يكتب لها ؛ لأن هذا الترتيب ما إن يتقرر بشكل نهائي لا رجعة فيه فسوف تكون له تبعاته اللاحقة على العمل الأدبي بالسلب أو الايجاب .. بالنجاح أو الإخفاق وبه كذلك يتحدد مصير ما تكتب بعد أن يصل إلى القارىء/ الحكم . وأعتقد أن أصيلة السهيلي قد وفقت إلى حد بعيد في إختيار ( رياح البعد ) مفتتحا وبداية لنصوص ديوانها :
يا رياح البعد هبي
واعلني الدنيا مطر
واتركيني في عباب الثلج أتوه
أنكسر وسط الصقيع
ما وَفَىَ فصل الربيع
إتركيني للرحيل .. اللا رجوع
مات هذا الحب جوع
ووين أسافر ؟!
إن ( الريح ) حركة ضد السكون .. ضد الهمود .. ضد الصمت .. وضد الأشياء الجامدة والدالة على الموات ، ولذلك جاءت نصوص هذا الديوان من بداية هذا النص ( رياح البعد ) وحتى آخر نص ( خواطري ) ـــ جاءت صاخبة متوهجة . مليئة بالنبض والحرارة والدفق والجريان والحركة ، رغم عاطفة الحزن والشجن المبرح ورغم غيوم الكآبة التي توشحت سموات كثير منها . وكما لمحت قبل قليل فإن القصيدة الأولى تعتبر هي أهم مفتاح في أي ديوان مقروء وقد تكون أهم مؤشر إنطباعي مبدئي لقوة أو ضعف الديوان ولنجاحه أو فشله بعد أن يصل إلى عالم جمهور ( إقرأ ) .. يتعزز هذا النجاح أكثر فأكثر في قدرة الشاعرة أصيلة السهيلي على صنع الدهشة والـرجة القوية في وجدان القارىء المتلقي من خلال مفارقات وختامات نصية قوية جدا إلى درجة أنك تظل تردد المقطع الأخير من القصيدة وتتوقف عنده مأخوذا بسحره ومغناطيسيته كما في نص ( رياح البعد) :
الهوى فيني يموت
والحزن فيني بيوت
ممتلي بعضي جراح
ودام ما باقي جناح
إنثريني يا الرياح
مثل ما عندك بدينا
إنتهينا !!
قال : أشوفك ؟!
واتفقنا
وسامحيني
سامحيني
سامحيني
ثم راح !!
المقطع بهذه الخاتمة الموجعة أشبه بمشهد سردي في قصة قصيرة جدا من نوع ( ق ق ج ) تبدأ بسؤال مشتاق راغب في لقاء ثم اتفاق على اللقاء ثم انتظار طويل للقاء/ موعد ، ينتهي باعتذار بارد من البطل للبطلة .. ( ثم راح !! ) وهي أقسى لحظات الشعور بالخيبة والمرارة والأسف مع أمل مخادع وسراب .. إن كل شيء في هذا المقطع/القصة بدأ سريعا وانتهى سريعا كلحظة إشتعال عود ثقاب المنطفىء بعد ثوان من اشتعاله .. لاحظ فجائية خاتمة النص وتحسس في أعماقك وقعها وشدتها التي زلزلت الوجدان حد الألم الحاد والتعاطف المشفق مع البطلة .. ولاحظ أيضا جمالية اللغة ووضوحها وبساطتها وذلك المزج البديع في المقطع الأخير من القصيدة وخصوصا في ( واتفقنا ... وسامحيني ... ثم راح ) هذا المزج اللغوي الذي لا تستطيع معه أن تخمن هل ما أمامك نص فصيح ؟! أم لهجة دارجة ؟! وشطر ( ثم راح ) وحده يكاد يعادل قصيدة ، بل يوجز كل الألم النازف من القلب وكل الصراخ المحتدم الذي تمتلىء به الروح المصفوعة بالخيبة والمصدومة بالخداع والأمل الزائف .. ويمكننا أن نعرض نماذجا أخرى مقتطفة من نصوص أخرى كثيرة حفل بها هذا الديوان كلها شاهدة على قدرة الشاعرة على إدهاش القارىء وإثارة مشاعره دون تعمد أو قصد .. من نص ( تلفونك ) تأمل هذا المقطع الفائق الرومانسية والعذوبة :
دقيت رقمك كنت أبي أسأل عليك
رغم البعاد وطول غيبة عيونك
لا شفت رقمي يا حبيبي يناديك
لا تشغل الخط وضمني بتيلفونك
ومن نص ( برد وجمر ) نقرأ هذا البيت الختامي المدوّخ للأحاسيس بما حمل من رقة المشاعر ودفء اللحظة :
بكره يجي وأصير أنا ما بين يديه
ما هي أنا .. هذي ضلوعي جايته !!
وفي قصيدة ( لا تنام ) ص 76 هنا أنت أمام نص يأخذك بكل كلك في أجوائه وعذوبة صوته ( بالإمكان سماعه بصوت الشاعرة نفسها والنص منشور في اليوتيوب أيضا ) :
لا تنام
ودي أهدي لك حنين
واتخطى هالمسافه
والزوايا والغمام
في كلمتين
بس كلمتين
ما بطوِّل ف الكلام
لا تنام
وفي قصيدة ( وين أسافر ) نقرأ :
وين أسافر بك يا همي ؟!
وين أبرمي ثقل جدرانك ؟!
وأعوووود
المدينة ما تبيني !!
وساكنه بينك وبيني
لا حدود
وين أساااافر ؟!
وفي ( شباك الوعد ) يأسرنا المقطع الأخير من النص و يأخذنا في عمقه وفي تلافيف إعترافاته المبطنة بالحسرة والحزن والأسف :
وكنت أشيلك كحل في عيني وازين
وكنت أحطك عطر وأمشي بك جسد
وكنت بي شريان في عرق اليدين
كل وريد (ن) فيه يحييني أمد
وكان حبك مووت في روحي سجين
لو أجي بحياه يقتلني عمد
وفي قصيدتها ( دمعة أمي ) نقرأ في هذا النص الرائع والكثير العمق والرهافة :
يأمي فضفضي همك ترى لك هالصدور كتاب
وإذا ما يوسعك صدري ترى في روحك كتابي
كثر دعواك يا يمه أقول الله يا وهاب
تخليني وهي حيه ولا تبكي على غيابي
في شعرها صوت رومانسي حالم يذيب القلب بشاعريته ودفئه ويجعل من الشعور الداخلي للتلقي متفاعلا مع كل بيت تقوله في النصوص الموسومة بالحب .. أنظرها وهي تفتح أجمل نافذة شعرية مبهرة على قصيدتها العذبة ( عطر الانسجام ) ص 9 هذه القصيدة الجميلة المتلبسة بثوب عصرها بكل ما فيه من جماليات راقية ومقتنيات مألوفة في حياتنا اليومية الحديثة .. هنا نافذة صغيرة مفتوحة على شرفة جمال آخر واسعة تنتظر النظر إليها .. وقد خربشت الشاعرة نافذتها الصغيرة تلك ببيتين نزقين رائعين تقول فيهما :
إسهر معي .. تتعبني وحشة هالظلام
تحتاجلك روحي وأنا أحتاج لك
وأنا معك .. ماضي وحاضر وازدحام
لو تطلب عيوني تراها جات لك
وكلا البيتين ـــ كما تلاحظ عزيزي القارىء/عزيزتي القارئة ـــ ينتهيان بضمير متصل شبه جملة في ( لك ) وكذلك في نص ( عطر الانسجام ) تكررت ( لك ) هذه تقريبا خمس مرات كتأكيد قوي آخر على صدق التعلق بالمحبوب والوفاء له منتهى الوفاء ، وهذا واضح في القصيدة نفسها :
أنت حكاية هالسهر ليل وغرام
كلما يقرب هالمسا أشتاق لك
توحشني الذكرى معك .. صوت الحمام
صوت الأغاني في فمك تنساب لك
يومك تغني لي وأردد : يا ســلاااااام !!
وتقول لي : هالأغنية .. إهداء لك
سوالفك . ضحكتك . عطر الانسجام
همسك كذا لا قلت لي : مشتاق لك
عذب ورومانسي .. طاير (ن) فوق الغمام
حتى الغمام إن سأل قال : أنساب لك
يا لهذه الديناميكية الشعرية المدهشة التي قدرت أن تجعل من القارىء ينسجم تماما مع النص دون أن يعتريه أي ملل أو ضجر أو سأم من نغمة ( لك ) والتي تكررت في غالبية القصيدة ..
والتكرار في الشعر مغامرة كبيرة لا يجازف بها إلا شاعر متمكن ، واثق من أدواته ومن قدرته على الخلق والابداع وتلوين المفردة الواحدة بأكثر من لون ورسمها بأكثر من شكل وطريقة ، وإذا كان ( التكرار في النص الشعري ) يقتل القصيدة كما هو معروف فإن أصيلة السهيلي برشاقة كلماتها قدرت أن تمنع موت قصيدتها هذه وتجنبها خطر السقوط في هوَّة الملل والرتابة أو الموت ضجرا من خلال رسمها البديع للنص ومن خلال الفنيات التقنية العالية التي وظفتها وأوجدتها لخدمة النص فعززت بذلك من قدرة هذا النص على جعل القارىء ينسجم مع كل الأبيات المرسومة لوحتها بألوان جمالية مبهرة ، وسواء أكانت مقاطعا قصيرة أو قصيدة كاملة ؛ يظهر التعلق الحُـبِّي جليا وحاضرا وبقوة في كثير من قصائد الديوان :
أحتاج لك . لو كنت مع أهلك أبيك
أشتاق لك . وأنا بدونك أو معك
ليه ترتجف لو دق محبوبك عليك ؟!
خلك طبيعي يا حياتي . ما اروعك
وإن جا اتصالي وصرت ما بين أيديك
بس قل : الـو .. واسكت .. تراني أسمعك !!
وهاك هذه القوة العاطفية بارزة وحية كذلك في قصيدتها ( كنت أنتظر ) ضمن الديوان :
كنت أنتظر صوته وذابحني السهر
لين أرقدت عيني على جوَّالها
يا ذكرياته . لى متى وانا أنتظر ؟!
ما في هموم إلا ودمعي سالها
تستشعر وأنت تقرأ نصوص الديوان العاطفية كل المفارقات الممكنة في عالم الحب والتي رسمت الشاعرة اصيلة السهيلي بعض لوحاتها فيها شعرا وبدقة بالغة ، كما أنك وأنت تقرأ هذه النصوص تسمع بأصوات تأتيك متباينة في أصدائها وتوازياتها الغريبة والمذهلة في آن ، وتكاد قصيدة ( نـام ) تـوازٍ آخر في ( مدلول فعل الأمر ) مع قصيدة ( لا تنام ) رغم تعارض ( الفعلين ) واختلاف جوهما في النصين وعلى نحو مستفز لوجدان القارىء ؛ ففي قصيدتها ( نـام ) المكتوبة بنمط الشعر الحر تقول أصيلة السهيلي في عتاب مبطن ممزوج بالحزن والألم وتجيده المرأة دائما في أجواء الحب والعشق :
عادي نام !!
أيش يعني لو نسيت ؟!
واللا في حبي قسيت
وضاع من قلبك كلام !!
♥♥♥
عادي نام !!
صرت أنا أتعـوَّد غيابك
دمعتي قدام بابك
ما لها أي احترام !!
♥♥♥
أيش يعني لو تنام ؟!
ألف أنثى لو تمرك
وقلبك أعياه الزحام
ما تعوّض لك حنيني
ما تعيشك في سنيني
لأني أنثاك وجنونك
في تفاصيلك .. أنام
تجد صوت هذه القصيدة موجود كذلك ولكن بصدى مختلف ونبرة ( فعلية ) مغايرة وذلك في قصيدة ( لا تنام ) ص 76 والتي هي الأخرى تكررَ صداها في نص آخر ص 25 يحمل نفس الجو ونفس العنوان ونفس إيقاعات ( لا تنام ) التي بصفحة 76 ولعل النص الموجود في الصفحة 25 هو تمهيد أو مدخل للنص الأكبر الأكثر شدا وحضورا وتاريخا أيضا على اعتبار أنها شاركت به في ملتقى شعري وسمعته الجماهير بشكل مباشر وبصوتها .. في نص ( لاتنام ) ص 76 تستفتح الشاعرة فعل المضارع بـ ( لا ) النهي قائلة :
لا تنام ..
لا تنام ..
أبيك لحظة تحضن بصدري غرام
أبيك تقرا في تفاصيلي ورق
ما قراه العشق من عشرين عام
لا تنام ..
أنثاي فيني صاخبه
والشوق متولع هيام
مو حرام إنك تنام ؟!
والبرد هاجم هالجسد
وانت مستلقي بسلام
لا تنام .....
قصيدة طويلة من الشعر الحر التفعيلي ، وبالمناسبة ؛ ومن وجهة نظري المتواضعة تعتبر قصيدة ( لا تنام ) الموجودة بالديوان ص 76 من أجمل وأقوى قصائد الشاعرة المبدعة أصيلة السهيلي ومن أرقها وأقربها إلى أذن المتلقي ، وتتميز بالبساطة والعفوية وبالعمق الحاد في النزف وبالتصاوير الشعرية البديعة ، وقد شاركت بها أصيلة في ملتقى عمان الشعري الثالث الذي إحتضنته ولاية السويق في أواخر سبتمبر من عام 2013م .
يظهر صدى هذا الصوت الشعري واضحا أيضا في قصيدة ( قـيـفـان ) ص 55 التي ليست بعيدة في أجوائها عن أجواء قصيدة ( الشعر ضايع ) ص 34 وكذلك قصيدة ( صرخة وتر ) ص 83 التي هي إمتداد طبيعي لقصيدة ( الشعر ضايع ) خصوصا وأنهما تلتقيان في نفس الفكرة والمضمون ..
تقول الشاعرة في ( الشعر ضايع ) راسمة صورة ساخرة عن هذا الشعر :
ألحان عـزَّت وابن الاعور وممدوح
وتاكسي الغرام وفيروسات ووبائي
وحده تلف الخاصره وعطر يفوح
ووحده تغني صاحبي كهربائي
وفي ( قيفان ) تواصل الشاعرة تعرية الواقع بما يشبه الرثاء والأسف والمرارة والسخرية الشعرية فتقول عن حال الشعر والمتشيعرين الذين أبتليت بهم الساحة :
يشيلونك على يمنى وعلى يسرى .. وطوك النار
يخونوا معطف إحساسك بسن (ن) ضاحك (ن) برده
على موال قيفانك بغـوك وأبحروك إبحار
وعقب ما عـنِّ مجدافك رموك بجزره ومـده !!
ما أصعب على الشاعر أن تستغل موهبته ويصبح زرا للأهواء وأشبه بمادة معدة جاهزة لبرنامج ما يطلبه المستمعون والأكثر إيلاما في الأمر أن ( يـؤخـذ لـحـمـاً ويـرمـى عـظـمـاً ) ..
في قصيدة ( قيفان ) هناك تركيز أكثر وضوحا وعمقا على واقع الشعر .. الشعر الذي إستغله البعض ــ مع الأسف الشديد ــ من أجل أغراض وأهداف قذرة ومؤقتة زجُّـوه فيها ومـرَّغـوه في وحولها بشكل أناني بغيض حـادَ عن رسالة الشعر الحقيقية السامية .. الشعر النائي بنفسه عن كل غرض واستغلال بشع .. والشاعرة أصيلة السهيلي مرهفة الأذن ، ذوّيقة راقية الذوق فيما تسمعه وتستطربه ويستهويها من طرب ، وهي إذ ترى الأغنية اليوم متردية في وحل المسخ و ( الماسخ ) من الأغاني الهابطة التي يمجها كل ذوق سليم ، لذلك جاءت قصيدتها ( الشعر ضايع ) بمثابة صرخة إحتجاج وغيرة وعزاء لا للأغنية ولملوك الأغنية العربية العظماء بكل قاماتهم الشامخة وتاريخهم الغني والمشرّف أمثال المرحوم عبدالحليم حافظ وفيروز بل للشعر أيضا ؛ على اعتبار أن الأخير هو أحد أهم وأبرز الأضلاع الثلاثة وأهمها على الإطلاق والتي يقوم عليها مثلث أي أغنية ( الشعر ـــ الألحان ـــ المغني/ المغنية ) وهو أساس كل عمل فني في العالم كله وبدونه لا جدوى من وجود الضلعين الأخيرين ويظلا ناقصين ( اللحن والمغني أو المغنية ) ولا يكتملا إلا به .. والحديث عن هموم ومشاكل واقع الأغنية العربية حديث يطول وذو شجون كثيرة ، ولا شك أن في صدر هذه الشاعرة كلام كثير كثير ودت لو قالته وعـرّت به واقع هذا الحال المتردي للفن ، سيما وأنها الأقرب دوما منه ومن أسرار كواليسه وأهله وما يدور في مجتمعهم وخلف مسارحهم من أمور ، بحكم مهنتها كمذيعة وكإعلامية على تماس مباشر مع كل ما يحدث في هذا العالم المليء بالأسرار ، ولذلك إكتفت بأن ختمت قصيدة ( الشعر ضايع ) باعتراف جميل ينم عن خلق عالٍ مترفع ، توجزه في أجمل بيت ختامي للنص فتقول :
صرنا نغني للي كاسب ومربوح
والشعر ضايع بين زاخر ونائي
باتت حناجر ربعنا ما بها دوح
متخبطة بين الغني والغنائي
فيروز وينك عن مهايف ومملوح ؟!
وينك حليم ؟! أبيك تحسن عزائي
ناديت . رد الصوت باكي ومبحوح
محد يرده دام هذا ندائي
المشكلة بعـد الوقاحة عن الروح
واللا رميته ما يسمى ( حيائي ) !!
والشاعرة وهي تغوص في بحور الحب والعشق والغزليات لم تنس أن تغوص كذلك في بحور حب وعشق الوطن ، وظهرت في ديوانها في هذا المجال أجمل وأعذب قصائدها ( عمان سيرة الانسان ـــ بنات عمان ـــ سعودية عمان ) .. في (عمان سيرة الانسان ) ما أجمل الترنم بهذا المقطع الشعري المليء بجمال وعشق الوطن في القلب والروح والوجدان :
عمان وكلما جيتك لقيت إن القصيد عمان
لأن الشعر هو منها وهو عنها وهو فيها
ولدنا وغنوة أنفاسك نشيد العز والأوطان
بلد تتصافح قلوبه قبل تتصافح ايديها
ولا يتوقف شعر أصيلة في الوطنيات عند الحدود المؤطرة للوطن بل يتخطاه ويتجاوزه إلى حدود أبعد تمس قضايانا القومية العربية وهموم وجراح أوطاننا وما فيها من دمار وخراب ومآس وفتن وضعف وتخاذل ؛ ففي قصيدة ( بنت الياسمين ) ص 45 والمقتبسة أجوائها من قصيدة ( التأشيرة ) للشاعر المصري هشام الجـخ والتي يقول هشام ضمنها :
أسبح باسمك الله
وليس سواك أخشاه
ملأتم فكرنا كذبا وتزويرا وتأليفا
أتجمعنا يد الله وتبعدنا يد الفيفا ؟!
سنبقى رغم فتنتكم .. فهذا الشعب موصول
حبائلكم ــ وإن ضعفت ــ فحبل الله مفتول
ويبقى صوت ألحاني :
بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني
وفي ( بنت الياسمين ) التي بدت مقتضبة في مقاطعها بعض الشيء ومليئة بالاقتباس وأقرب إلى حد ما من الهجاء السياسي ـــ تقول أصيلة السهيلي في هذه القصيدة :
زعلان . إمسح دمعتك
طفشان . جهز شنطتك
لا تنتظر منة بخيل
وإن كان محتاج لبلد
يا سيدي دوّر لك بديل
هالأرض ما تبغي أحد
▪▪ ▪
هذي بصدري كلمتين
وانتوا اسمعوهم يا عرب
فيني من الغصة أنين
فيني من الغصة غضب
وشلون بنت الياسمين
باعوا جسدها في حلب ؟!
وانوا سموكم عرب
وين العرب يا نايمين ؟!
بعض نصوص الديوان تتلاقى في أنهر ومصبات واحدة ، تجمعها وحدة تناغمية عذبة وتلاقح شعري يكاد يكون ( متفقا عليه ) فيما بينها .. ومن أمثلة هذا التلاقي التي يمكن إلتقاطها من الديوان بسهولة المقطع الوارد في صفحة 14 والذي تقول فيه :
وإن جا اتصالي وصرت ما بين ايديك
بس قل ألو .. واسكت .. تراني أسمعك
ونظيره في القصيدة المقابلة له مباشرة والتي عنوانها ( كنت أنتظر ) ص 15 :
كنت أنتظر صوته وذابحني السهر
لين أرقدت عيني على جوالها
ولعل أبرز ما عزز خاصية ( الصوت ) في ديوان هذه الشاعرة الجميلة الحس هو عنوان الديوان نفسه ( قهوتي صوتك ) والذي ظهر على وجهي غلاف الديوان الأمامي والخلفي وهذا الأخير بالذات نقشته بهذا المقطع الرائع وكأنها تذكر هذا الغائب بأن صوته هو القهوة المنعشة التي تشتهي مذاقها وتفضلها على كل فناجين العالم الفاخرة فتقول :
قهوتي صوتك
وصوتك زعفران وبن
وأحس الصبح من دونك
فضا خالي من السكر
شبيه الورد في عطره
تخيل هو شبيهك من
غلاك أنت الغلا كله
ويمكن هالعمر وأكثر
ومن الأمثلة الأخرى على تلاقي ( جو الشعر ) في نصوص هذه الشاعرة ؛ نصان إثنان تلاقيا في مفردة ( البرد ) بكل جوّه القارس والحزين أيضا وهذان النصان هما ( كنت أنتظر ) ص 15 و ( برد وجمر ) ص 22 .. تقول الشاعرة في نص ( كنت أنتظر ) :
بردانه يمه .. حرارتي تحت الصفر
والشوق نار بهالضلوع وصالها
هاتوا لحافي باحترق برد وجمر
أنثى تموت ودمعها في شالها
بتلحف عيونه وادفيني صبر
وانا فدا هذي العيون وفالها
أما قصيدة ( برد وجمر ) فتكاد تكون تتمة شعرية لـ ( كنت أنتظر ) نظرا لتلاقيهما على نفس القافية ، وربما القصيدتان نصان لقصيدة واحدة ، بجو شعري واحد ، وما يميزهما عن بعضهما بعضا هو أن قصيدة ( برد وجمر ) أضيفت مع قافيتها التي تنتهي بهاء وألف ( لها ـــ شالها ـــ قالها ـــ .... إلخ ) قافية ثانية جديدة مغايرة تنتهي بتاء وهاء فقط ( سيارته ـــ حكايته ـــ دفايته ـــ ..... إلخ ) ، كما أنها ـــ أي ( برد وجمر ) ـــ أعطت تفاصيلا أخرى أدق عن ( الحالة المرضية ) لبطلة النصين ، وأدخلت في القصيدة صورا جديدة ما كانت موجودة في ( كنت أنتظر ) :
[ الحمى / دولاب العطر / قنينة العطر / مذكرات مكتوبة في صورة قصائد شعرية / ألبوم صور / سيارتها التي تشبه سيارته / العباءة المطرزة / الثوب أو الفستان الذي يحبه ]
حمى وهموم وحالة بي ما تسر
يمه ترى بنتك هنا يرثى لها
ما هو مرض عضوي ولا حمى الفقر
شخص نزع مني الحياة وشالها
يمه وعدني ما يفارقني عمر
لين ابتدت حمى الفراق وجالها
قالوا : توفى . ما ترك لجلك خبر
قلت : الله أكبر من حسود قالها
أدري بخير وعايش وسط البشر
ما غاب إلا من ظروف (ن) طالها
خبيت له وسط دولابي عطر
والغـرشـة فاحت في ثيابي لحالها
ـــ لاحظ إنتقال الشاعرة بين ( البرد ) و ( الحمى ) في القصيدتين :
بردانه يمه .. حرارتي تحت الصفر
والشوق نار بهالضلوع وصالها
هاتوا لحافي باحترق برد وجمر
أنثى تموت ودمعها في شالها
ــــــــــــــ ♥ ــــــــــــــــــ
حمى وهموم وحالة بي ما تسر
يمه ترى بنتك هنا يرثى لها
ما هو مرض عضوي ولا حمى الفقر
شخص نزع مني الحياة وشالها
وأخيرا .. القارىء على موعد وهو يختم رحلة قراءته في ( قهوتي صوتك ) مع مفاجأة غير متوقعة أعدتها وجهزتها له الشاعرة في الأوراق الأخيرة وتحديدا في النص الأخير من الديوان والمعنون بـ ( خواطري ) ص 87 . في هذا النص الجميل الأشبه بورود ملونة منثورة على الصفحات تدخل الشاعرة قارئها في جو قرائي آخر مغاير لكل أجواء رحلة القراءة التي أمضاها شعرا من بداية قصيدة ( رياح البعد ) ص 6 وحتى قصيدة ( نـام ) ص 85 لكأن الشاعرة قررت أن تغير جو ومزاج القراءة لدى القارىء لتجعل ختام نصوصها في ديوانها ( قهوتي صوتك ) بنص مختلف ، عبارة عن نثارات أو قصاصات لخواطر أو مقاطع قصيرة أشبه بالومضات السريعة ، رسمتها الشاعرة بلون الفصحى .. والحقيقة أن هذه القصاصات أو المقاطع ليست كلها بالفصحى ، كما أنها ليست جميعا مقاطعا ( نثرية ) ؛ فبينها سيعثر القارىء على ( مندسات شعرية ) ذات مقاطع قصيرة خفيفة .. الجميل في هذه النصوص المنثورة في ( خواطري ) أنك هنا أمام شاعرة إستطاعت أن تحافظ على وحدة تميز أسلوبها بغض النظر عن لون الكتابة الذي لونت به كل نص وطبيعته ومسافة أنفاس أبياته أو مقاطعه ، وفي النص الختامي الأخير ( خواطري ) وجدت وأنا أدخله وأقرأه بعمق شظايا من روح هذه الشاعرة الجميلة منثورة على الأوراق .
هل أرادت هذه الشاعرة المبدعة أن تقول لقرائها : أنا هذه الانسانة التي ارتحلتم في نصوص ديوانها .. أنا هذه المبعثرة كما هذه الكلمات في دروب الحياة وهذا الذي تقرأون هو بعض من لملمة من تمزقات الذات الشاعرة والانسانة ..
لا أجزم أن حد إنتهاء هذا الصراخ الانساني هو عند حدود هذه الصفحة الأخيرة من الديوان ؛ فالشعر لا يتوقف عند مجرد كومة صفحات أو ديوان واحد أو ديوانين أو عشرة أو مئة ؛ وإنما هو نزيف مستمر يظل يرافق الشاعر/ الشاعرة حتى آخر لحظة بالعمر ، وهنا أنت أمام أنوثة وجع يبرز نزيفها الداخلي منعكسا على مرايا النصوص والكلمات .. أنت هنا أمام عمق شعوري حاد يجذبك جذبا إلى قراراته السحيقة التي سرعان ما تجد فيها قلبك . روحك . صوتك . صراخ عذاباتك وكل شيء يمس أو يلمس معاناتك أنت في الحياة ، عامة كانت هذه المعاناة أم خاصة .
هذه بعض مقتطفات من نص ( خواطري ) :
مت من قلبي ولاموني البشر
قالوا إن الضرب في مثلك حرام !!
♥♥♥
يا من تسافر في وسط عيني
كمدائن من كحل ومرافىء أدمعة
غيابك منفى وغربة روح
♥♥♥
لا تتنهد !!
انصهار من عذابك يقتلني
أنت لا تموت وحدك
فهناك أنا حيث أنت !!
♥♥♥
أيها المارون على حزني
خذوا مني ما تشاؤون وأرجعوا لي صوته
فمازال لروحي معه
متسع لحياة
♥♥♥
أغبط صوري التي تحتفظ بها في ذاكرة هاتفك
فهي تشاغب ملامحك كل يوم وكل لحظة وكل دقيقة
بينما أنا تبعدني في جغرافيا المكان
من أن أقتحم أسوار عينيك وسحائب جنونها
♥♥♥
لا تروح !!
فيني لك من بعض بوح
شي من باقي غرامي
يختصر أعمق كلامي
إني ما أحيا بدونك
وانت روحي
وما بعد هالروح روح !!
▪ ▪ ▪
قبل ختام أقول :
مع إحترامي الشديد وتقديري العميق لكل كتابنا العمانيين من الجنسين أتأمل في عقلي وأنا أطالع على أرفف مكتبتي هذه الاصدارات العمانية التي صدرت وأسعفتني الظروف على اقتناء الكثير منها لكني أقول واعذروني في دهشتي : كم هي الاصدارات العمانية الشابة التي تصدر بالعشرات سنويا ولا تلقى ذلك الاهتمام الكافي حيالها من جانب المعنيين بالنقد ( في ظل غياب النقد أصلا وتفشي ظاهرة النشر لمن هب ودب من أشباه كتاب وشعراء ) كم من كتب أدبية صدرت وطواها النسيان في الأرفف مع أصحابها .. مؤلم ومحزن جدا هذا الوضع والأكثر ألما وحزنا فيه أن هناك إصدارات شابة تصدر وفيها ما فيها من الأخطاء النحوية وركاكة الأسلوب ( لا أريد أن أذكر أسماء لكن بحوزتي الآن أصدارات لعمانيين بينها كتاب لكاتبة عمانية (( مشهورة )) عدد متابعيها في تويتر فقط يفوق الـ 100000 متابع بينما في إصدارها الذي أصدرته وضجت به الدنيا وجدت أكثر من 70 خطأ نحويا فادحا ومخجلا ناهيك عن ضعف الأسلوب في النسيج الداخلي للنصوص والذي صدمني كقارىء متابع ، وكاتب آخر أصدر ديوانا فيه سرقات أدبية لشعراء كبار ظن المغفل أنه بطريقة تحويره للكلمات والعبارات لن يكتشفها أحد وسينجو بفعلته وفي الرواية كذلك وجدت نفس الشيء واستغربت من هذه الضمائر واستغربت أكثر من هذه الصور البراقة التي نراها ( كاشخة ) أمامنا وتلك الهالة ( النقية ) التي تحيط بها بينما حقيقة ما في نصوص أصحابها بل حقيقتهم هم (( ككتَّاب )) صادمة .. هنا أنا لا أقلل أبدا من شأن أدبنا العماني ولا من أحد لكن من حقي أن أقول أن الأوان قد آن لإزاحة هذا الغبار الكثيف الذي يغطي هذه المؤلفات وأن نسلط عليها الضوء ونقدمها للقارىء تقديما أدبيا خالصا يسبر أغوارها سبرا أمينا حياديا منصفا لها ولمن ألفها .. حتى لا تصبح مجرد زفة استعراضية مصحوبة بالتطبيل والتصفيق والنفاق أو حفلة تنكرية مؤقتة وعابرة تحدث فقط في موسم ( معرض مسقط الدولي للكتاب ) ثم سرعان ما تطوى في غياهب النسيان والأرفف الجامدة وحتى لا تصير عملية الاصدار هذه موضة إعتيادية ممكن حتى لأي أُمِّي جاهل أن يخوض فيها مع الخائضين . إن الكاتب العماني جدير حقا أن نهتم به وأن نرعاه وندعمه ونمنحه القدر الكافي الذي يستحقه فعلا من التقدير والثقة لأنه جزء من منظومة هذا الوطن ورافد من روافد ثروته ولن يصح إلا الصحيح ..
وختاما أقول :
شكرا لك الشاعرة والاعلامية القديرة أصيلة السهيلي .. شكرا من الأعماق على هذا الديوان الذي عشت معه وصحبته واستمتعت برحلة قراءتي له بتذوق قارىء متواضع سعد كثيرا وهو يقرأ لشاعرة من بلده تمتلك كل هذا الكم من الجمال والابداع الخلاق .. متمنيا لك حياة شعرية موفقة حافلة بالعطاء إن شاء الله .. مع التقدير ،،
بقلمي / ســـعيد مصـبح الغـافـري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

أميرة الروح
03-04-2017, 09:58 AM
إرتشافات جدا رائعة راقت لي
بارك الله فيك اخي ع ماخط قلم يدك
وفقك الله والى الامام دائما

صدى صوت
03-04-2017, 12:47 PM
قراءة رائعه استاذ سعيد لقهوتي صباحك للشاعره اصيله السهيلي .
يثبت الموضوع ويستحق النجوم

☆ تركية ☆
03-04-2017, 10:39 PM
من اجمل ما قرأت .. دراسة جميلة من كاتب متمكن
يعطيك العافيه استاذ

شموس الحق
04-04-2017, 08:09 AM
تشكر الاستاذ سعيد على هذه القراءة المتمكنة والملمة بكافة زوايا الشاعرة الاستاذة اصيلة السهيلية
وديوانها صباحك قهوتي .. وانا شخصيا من المعجبين جدا بأسلوب الشاعرة أصيلة القريب من المدرسة
الرومانسية التي يصلك احساسها فورا ولا ريب انك من رواد هذه المدرسة استاذي العزيز في بلدنا الحبيب ..
وبالفعل تجيد مخاطبة القلوب والمشاعر بذائقتها الفريدة..كما تجيد حوار الشعراء وسبر اغوارهم كما نسمعها في برامجها الشعرية في الاذاعة..ومن الملفت
ان الحواس الخمس غالبا ما تكون حاضرة في نبضها ..كما هو في عناوين قصائدها وبرامجها مثل البرنامج
السابق ..عطر الليل ..وكتابها هذا ..صباحك قهوتي ..وكأن الاحساس لا يكتفي الشعور به في جوانية الشاعر ..
بل يتجسد في الحواس الخمس ..كل الشكر والتقدير على حرفك الجميل النابض بالابداع ..

رايق البال
04-04-2017, 11:29 AM
هلا فيك سعيد ..
دراسه وافيه ومتكامله قمت بها وهي لاتصدر سوى من اديب وشاعر متمكن واحييك على هذا الجهد والسلاسه والتوضيح الرائع فيما تطرقت له وبالتأكيد الشاعره تستاهل هذا الثناء لكونها ابدعت فيما اصدرت ..
الف شكر لك ولاتكفي على ماقدمته من تحليل جميل
زانت ايامك ..

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
10-04-2017, 05:05 PM
إرتشافات جدا رائعة راقت لي
بارك الله فيك اخي ع ماخط قلم يدك
وفقك الله والى الامام دائما

شكري وخالص التقدير لك أختي الغالية الأستاذة القديرة / أميرة الروح
أسعدني جدا جدا جمال حضورك .. ألف هلا بك

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
10-04-2017, 05:08 PM
قراءة رائعه استاذ سعيد لقهوتي صباحك للشاعره اصيله السهيلي .
يثبت الموضوع ويستحق النجوم

عميق شكري وامتناني لك أخي الغالي الكاتب المبدع الأستاذ / صدى صوت .. تشرفت جدا بك وألف هلا وسهلا فيك أخي

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
10-04-2017, 05:11 PM
من اجمل ما قرأت .. دراسة جميلة من كاتب متمكن
يعطيك العافيه استاذ

الكاتبة المتألقة والراقيةالفكر والحضور / تركية
لك فيض شكري على روعة مرورك وبهاء طلتك
يا مرحبا بك أختي الكريمة
دمت بخير وسعادة

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
10-04-2017, 05:14 PM
تشكر الاستاذ سعيد على هذه القراءة المتمكنة والملمة بكافة زوايا الشاعرة الاستاذة اصيلة السهيلية
وديوانها صباحك قهوتي .. وانا شخصيا من المعجبين جدا بأسلوب الشاعرة أصيلة القريب من المدرسة
الرومانسية التي يصلك احساسها فورا ولا ريب انك من رواد هذه المدرسة استاذي العزيز في بلدنا الحبيب ..
وبالفعل تجيد مخاطبة القلوب والمشاعر بذائقتها الفريدة..كما تجيد حوار الشعراء وسبر اغوارهم كما نسمعها في برامجها الشعرية في الاذاعة..ومن الملفت
ان الحواس الخمس غالبا ما تكون حاضرة في نبضها ..كما هو في عناوين قصائدها وبرامجها مثل البرنامج
السابق ..عطر الليل ..وكتابها هذا ..صباحك قهوتي ..وكأن الاحساس لا يكتفي الشعور به في جوانية الشاعر ..
بل يتجسد في الحواس الخمس ..كل الشكر والتقدير على حرفك الجميل النابض بالابداع ..

الشاعر والكاتب المبدع أخي الغالي / ناصر الضامري
لمرورك طعم الشهد
انرت نصي بتواجدك الأدبي الراقي
شكرا شكرا ألف شكر لك اخي الغالي ناصر
تشرفت بك شخصا وقلما وحضورا
ألف هلا بك

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
10-04-2017, 05:18 PM
هلا فيك سعيد ..
دراسه وافيه ومتكامله قمت بها وهي لاتصدر سوى من اديب وشاعر متمكن واحييك على هذا الجهد والسلاسه والتوضيح الرائع فيما تطرقت له وبالتأكيد الشاعره تستاهل هذا الثناء لكونها ابدعت فيما اصدرت ..
الف شكر لك ولاتكفي على ماقدمته من تحليل جميل
زانت ايامك ..

الشاعر والأديب القدير أستاذي / رايق البال
فخر وشرف كبيرين أن يمر هنا شخص بوزنكم وقامتكم الأدبية الكبيرة
شكرا شكرا أستاذي الغالي رايق
لجمال حضورك ألف ألف مرحب

Raba
10-04-2017, 05:35 PM
جميل هذه اللفته منك
يعطيك العافية بارك الله فيك

ورد القرنفل 1
10-04-2017, 10:24 PM
استااذي الرائع...
قراءة في قمة التميز وهذا لا جديد عليك دائما مبدع
سلمت اناملك الذهبية
دمت بسعااده،،

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-04-2017, 08:51 PM
جميل هذه اللفته منك
يعطيك العافية بارك الله فيك

ألف ألف شكر وتقدير لك أختي الغالية الكاتبة القديرة/ ضي الشمس
جدا شرفني وأسعدني مرورك البهي على مقالي المتواضع
شكرا من قلبي الك وألف هلا وسهلا فيك
دمت بخير وسعادة يا رب

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-04-2017, 08:54 PM
استااذي الرائع...
قراءة في قمة التميز وهذا لا جديد عليك دائما مبدع
سلمت اناملك الذهبية
دمت بسعااده،،

يا هلا يا هلا ألف مرحب بيك أختي الاعز الكاتبة القديرة/ ورد القرنفل
تشرفت وسعدت جدا بك
ألف شكر واحترام لك
يهمني تكوني بألف عافية وسعادة وخير
لك الياسمين