المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في إنتظار قيامة لم تأتي



ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
10-10-2017, 06:06 AM
في إنتظار قيامة لم تأتي
قصة قصيرة بقلم سعيد مصبح الغافري

- أنتِ الآن هنا معي ، مختلطة برائحة اللذة !!
بشاعريته التي أحبها ؛ بادرني بالحديث فسألته بدهشة وقدسَـرَت في جسدي فجأة رعشة خفيفة غامضة ذات طعم حلو :
- أين" هنا " بالضبط ؟! إعترف ..
سكت بدون جواب شاف .. يعرف بسكوته كيف يثير بقلبي جمر النبض و كيف يحرض في غابات مشاعري حرائق اللهفة والتوق .. تحايلت عليه أسأله كمن يبحث عن مصباح في عتمة ليله :
- عن جد .. أين أنتَ الآن ؟!
- حيث أنتِ الآن !!
باغتني جوابه المشاغب الراقص برشاقة إيقاعه على أعصابي .. أهي صدفة - إذن - أن نتواطأ معا في المكان وعلى هذا النحو المريب من الوقت ؟!
شعرت كما لو أنه يراقبني من ثقب الباب المغلق الذي يتوارى خلفه كل صراخ حرماني ووحدتي واحتياجي ووهيج دموعي .. قلت بشوق وربما بمكر أو حيلة .. سَـمِّـهِ ما شئت :
- أنا الآن على ....
تعمدت أن لا أكمل .. تركت بقية صوتي المنقطع بابا مواربا له ولحدسه .. هو يعرف أين أنا الآن ويعرف أنني أظل طوال الوقت " جاهزة له " بكل شغفي وترقبي ، تماما مثل أجراس الطوارئ .. وحتما سوف يجيء .. هذا الرجل الذي يغمر أنوثتي ويشعرني بالإمتلاء سيأتي ..أكاد أجزم أنه قريب جدا من باب بيتي المفتوح له على الدوام .. يالي من إمرأة لا تمل ولا تتعب منه أبدا . ما ذنبي ؟! أحبه !!
http://up.omaniaa.co/do.php?img=12825 (http://up.omaniaa.co/)

مرة ونحن في أجيج حضن صاخب صرخت وأنا أضمه بحرارة :
- إعتقني منك .. يا رجل . خمس سنوات ونحن على عناق !!
وكأن عاصفة إقتلعته ؛ إنزاح عني جانبا وألصق وجهه في النافذة المدثرة بالستارة .. فجأة صار كقط منكمش واجم منفوخ الوجه أو كشمعة انطفأت على إثر نسمة خفيفة مرت عليها .. لم أتصور أن هذه المداعبة التي داعبتها معه على بساطتها وعفويتها ستنقلب إلى جدية لديه ..
- تبا لك . ماذا دهاك يا أنت ؟! أنا أمزح . لم أقصد !!
قلت محاولة إسترضائه وأنا بين ضحك وابتسام وأصابعي تعزف قارصة ومدغدغة خاصرته المتمددة بجواري مثل عمود ضوء ..
- هل مللتِ مني؟!
سألني معاتبا في صوت خافت دون أن يتحرك شيء من جسده إلا شفتيه .. أجبت بحب :
- نعم . بدليل أنني أريدك كل العمر لي وحدي دون أي شريك آخر يشاركني فيك ..
صمت قليلا دون رد وعيناه مازالتا في النافذة ..
- أنت زعلت ؟!
سألت بخوف متفحص .. لم يرد .. تركني محتارة مع صمته .. أوشكت أقول شيئا لكني سَـكَـتُّ عندما رأيته يستدير ملتفتا إلي وهو يبتسم . أخيرا !! ها قد تراخت ملامح وجهه وزال منها ذلك التجهم المفاجىء والمزعج أيضا .. تناول يدي برفق .. نظرني بعينين لا تلتمع فيهما أية رغبة من تلك التي ينشدها أحيانا جوع الجسد بل نور هادىء شفيف يحتويني به بكل ما فيه من روح وصدق و حب وحنية وأمان .. قَـبَّـلَ كف يدي .. شم عطرها الناعم للحظات في وَلـَهٍ واضح .. يا ويلي .. أنا لا شيء يذيبني منه إلا هذه القبلة التي تلسع بجمرها أعمق أحاسيسي .. عاد نبضي يرتفع ودمي ينفر صاعدا وأنا أسمعه يهمس وعيناه مركزتان في عيني ..
- أحبك .. لا أتصور هذا الباقي من عمري بدونك .. أنا حب يرفض العتق من المحبوب !!
رفرفت رموش عيناي كجناحي عصفورة سعيدة بالمطر الذي يبلها .. إصاعدت مشاعري و لم يمهلني لقول شيء بل سحبني إليه .. أعادني مجددا إلى نفس نقطة البدء التي تشظى وتبعثر فيها كل كياني فيه ، و إلى ذات النار التي أشتهيها دائما معه .. يثيرني هذا العشب الرجولي الذي على صدره فأتمرغ في براريه الفسيحة بكل قبلاتي وسخونة أنفاسي .. أتحسس قلبه وهو ينز خلف أضلاعه ضاربا سمعي ووجهي وكل جسدي بخفقانه القوي الذي أحسه مطرا ساخنا من قبلات تنهمر علي بغزارة ولا أود صدقا أن تتوقف .. نندمج في إيقاع واحد متناغم جسدا وروحا .. نصعد عبر سلالم الإحتشاد المحتدم لأحاسيسنا .. حتام ؟! لا تسألوني ؛ فلا نهاية لسماء الجنون حين يسافر فيها صهيل اللذة و الفرح !!
لكن .. وآ أسفاه .. الوقت يهرب مسرعا . ما أخذله إذ لا يترك أحدا لسعادته وهناءاته .. يرن المنبه .. كم جدا أكرهه حين يقاطع حديث الشهد مع النار .. أمد يدي باتجاهه وأنا غارقة بكل كلي في حمأة العناق .. أخرسه بضربة طائشة من يدي لا أدري أين جاءته فيسقط على الأرض .. يتحطم مطلقا آخر صرخة أنين له ..
- أحسن !!
أقول دون أسف وأنا أسمع ارتطامه على الرخام المصقول وقد سكت إلى الأبد .. الساعة الرابعة صباحا .. صياح الديكة و الأذانات تسمع من كل الجهات في توقيت واحد معلنة صحو الفجر وقرب رحيل الليل ..
- عليَّ أن أذهب ..
أشهق .. تنقبض روحي مذعورة وأنا أسمعه يتهيأ للانصراف .. ذاك الانصراف الموجع الذي يعني بداية موتي .. أرجوه متوسلة :
- واصل النوم .. سنذهب معا صباحا إلى الدوام بعد أن تفطر عندي ..
يجيب مصرا وهو يلبس ثياب رحيله :
- بودي البقاء يا حبيبتي .. لكن يجب أن أذهب قبل أن تستيقظ الحكومة ..
أزم شفتي وأزفر في غيظ ؛ فلا شيء يثير أعصابي ويعكر مزاجي إلا هذه الحكومة/زوجته .. هذه الضرة التي لم أستطع أن أبلعها ولا أن أجد لها مكانا شاغرا في قلبي .. يطبع وجنتي بقبلة هي مزيج من إعتذار ووداع وحب وحزن أيضا ..
- غسان ..
ناديته في اللحظة التي كانت يده على مقبض الباب وتوشك أن تفتحه .. نظرني مستفهما وأنا فاردة له ذراعاي فارتسمت على شفتيه ابتسامة أشبه بشعاع صباح صاف . ترك مقبض الباب وعاد إلى السرير .. عاد إلي. . تلك العودة بلحظاتها التي رجع بها و أحاطني فيها بذراعيه كانت كافية بأن تؤجل موتي وأن تمنحني قدرا لا بأس به من الحياة ولو مؤقتا ..
ضممته بقوة وأنا أشعر أني سأفتقده .. تمنيت لو يظل هذا الحضن عمرا بلا انتهاء .. نظرته بـعـينيَّ الكانتا على حافة البكاء ..
- متى في موعد أَشْـهـىَ؟
سألته بشوق وأنا أبحث في عينيه العميقتين عن موعد مرتقب جديد يجمعنا في القريب فرد مُـؤَمِّـلاً وغيمة أنفاسه العطرة تَـغـشـىَ وجهي :
- قريبا في الأيام ..
ثم قَـبَّـل جبهتي وانصرف غالقا الباب خلفه وبقيت أنا متمددة كميتة في غيابة قبر .. "قريبا في الأيام" قالها و غادر . في تلك اللحظة التي غادر فيها وأغلق خلفه باب الرحيل ؛ شعرت بأن كل شيء كان لي هنا قد طار بلحظة . لم أعد أحس بأني تحت ذاك السقف الذي كنت أستظل بظله من هجير الأيام وانهمار المطر . أصبحت تحت فراغ مكشوف و تحت عمر لم يكن . في العراء أنا . يجتاحني منذ غادرني برد الوحدة وصمت الجدران وعذابات الفقد و الإنتظار المرابط على عتبة باب الحنين و لا ثمة ريح من بشرى تأتي بشذاه . بشيء من تدثيرة دفئه المفتقد .
في سالف زمن عشت قرأت على سبورة درس سوداء ( القناعة كنز ) لكني نسيت الدرس أو أني لم تقنعني كذبة هذا المنطق . فحين عثرت على الحب . حين شهقت بذات مساء تشريني الحظ بأول رجل يشبهني كثيرا _ حينها كرهت منطق ذاك الكنز الفارغ . سخرت من سخافة تلك الحكمة . لم يكفيني . لم يقنعني أي قليل ، وصرت أحب أعيش الحب كما لو كان كل كنوز الأرض .
بخروجه رحت أُوَقـِّـتُ موتي من الآن لحينما يُحـيِـيِـني بلقاء جديد تجود به الأيام والفرص .. وبين الزمن والظروف تبرزخت أنا إمرأة بائسة معذبة تنتظر بترقب صبور قيامتها الجديدة السعيدة !!
http://up.omaniaa.co/do.php?img=12824 (http://up.omaniaa.co/)

أمامي حتى ألقاه أيام وأسابيع وربما شهور طوال عجاف أعيشها في حضرة الغياب والظمأ .. سأظل معلقة روحي بمشجب الأمل وساندة ترقبي وانتظاري على جذع ليل طويل وبارد وبلا أحد فيه إلاي وتلك الريح المولولة التي تلوب حولي خامشة بمخالبها الثلجية عتمة صمتي .
بقلمي / سعيد مصبح الغافري
______________________

شموس الحق
10-10-2017, 08:17 AM
سرد قصصي مثير من الاستاذ سعيد بطريقة النثر وصورت الموت والغياب واشياء اخرى مبتكرة
رغم النهاية المعقدة والمزعجة التي تسلسلت احداثها بشكل منطقي رهيب ومن الواضح ان الشخصية
الرئيسية هي انثى التي كان السرد بلسانها مما عزز الاحساس الانثوي في النص واسدل عليه وهجا
وبريقا واحساس. ولم يلفت زمام السرد من يد الكاتب ليعطي وجهة نظره وارائه بشفافيه قد تكون مزعجة
لبعض القراء الا في حالة التعمق وسبر اغوارها ولم تكن معقدة في الغالب وعززها بتشبيهات واستعارات
جميلة تحتم الغوص في اعماقها والابتعاد عن سطحيتها . واتمنى ان نرى اقلاما من المشاركين تتعمق في
زوايا قصص المشاركين بالسبلة وتبرز لنا رؤيتهم حولها.. تحياتي لاستاذي القدير سعيد الغافري

أميرة الروح
10-10-2017, 03:27 PM
قصة جدا جميلة
وسرد قصصي رائع جدا يشد لقراءة القصة
رغم الالم إلي بالقصة لكن استمتعت كثير بقرئتها
ابدعت اخي سعيد ف السرد
بارك الله فيك
وفقك الله
وبأنتظار قصة جديدة من كتاباتك

الشيخه الفلانيه
10-10-2017, 07:44 PM
سآلخير ؛
مختلف و جدآ مميز أخي سعيد الغافري
ما شاء الله قصه جدآ رآئعه و سرد مميز جدآ
يعطيك الله العافيه و بنتظار جديدككء :)'

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
12-10-2017, 05:39 PM
سرد قصصي مثير من الاستاذ سعيد بطريقة النثر وصورت الموت والغياب واشياء اخرى مبتكرة
رغم النهاية المعقدة والمزعجة التي تسلسلت احداثها بشكل منطقي رهيب ومن الواضح ان الشخصية
الرئيسية هي انثى التي كان السرد بلسانها مما عزز الاحساس الانثوي في النص واسدل عليه وهجا
وبريقا واحساس. ولم يلفت زمام السرد من يد الكاتب ليعطي وجهة نظره وارائه بشفافيه قد تكون مزعجة
لبعض القراء الا في حالة التعمق وسبر اغوارها ولم تكن معقدة في الغالب وعززها بتشبيهات واستعارات
جميلة تحتم الغوص في اعماقها والابتعاد عن سطحيتها . واتمنى ان نرى اقلاما من المشاركين تتعمق في
زوايا قصص المشاركين بالسبلة وتبرز لنا رؤيتهم حولها.. تحياتي لاستاذي القدير سعيد الغافري

هذا بالضبط ما أرجوه واتمناه فعلا لكل من يتعامل مع النص بالقراءة : الغوص في عمقه وفيما وراء قشرته السطحية التي تخفي تحتها ما أعمق وأوسع في المدلول الجمالي للنص وفي فنية التراكيب البنائية القائم عليها كنص أدبي له استدلالات إنسانية أعمق كما يتصور البعض .
شكرا من قلبي لك أخي وصديقي الغالي الكاتب القدير ناصر الضامري .. تعليقك الراقي جدا اضافة جميلة تستحق تقديري واجلالي لك كفكر وكذوق أدبي أثق بمصداقية رأيه.
محبتي وفائق الإحترام

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
12-10-2017, 05:42 PM
قصة جدا جميلة
وسرد قصصي رائع جدا يشد لقراءة القصة
رغم الالم إلي بالقصة لكن استمتعت كثير بقرئتها
ابدعت اخي سعيد ف السرد
بارك الله فيك
وفقك الله
وبأنتظار قصة جديدة من كتاباتك

الأستاذة القديرة الكاتبة / أميرة الروح
سعيد جدا جدا بروعة مرورك الراقي الذي غاص في النص باستكناه أدبي جميل ومتميز يعطيني الحق كل الحق أن انحني أمامه شكرا واحتراما .
شكرا كتير أميرة
ممتن لمرورك البهي

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
12-10-2017, 05:44 PM
سآلخير ؛
مختلف و جدآ مميز أخي سعيد الغافري
ما شاء الله قصه جدآ رآئعه و سرد مميز جدآ
يعطيك الله العافيه و بنتظار جديدككء :)'

غاليتي / الشيخة
ألف ألف شكر وتقدير واحترام لك اختي الكريمة
تشرفت وسعدت جدا بك شخصا وقلما وتعليقا
شكرا من قلبي لك
رب يسعد اوقاتك
إحترامي لك