المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو ظبي ترتدي قناع الرياض وتستعدي الشعوب



صدى صوت
26-12-2017, 12:36 AM
لا شيء إلا الأمراض الأخلاقية المستشرية في المجتمعات العربية، يمكن لها أن تضطر والد الطفلة الأيقونة “عهد التميمي” لإصدار تصريحين عبر قناة العربية، واللذين افردت لهما القناة “مساحة وحيدة” في جولتها الصباحية. التصريحان كانا “ان عهد لا تسعى للظهور الاعلامي” وانها (أي عهد) “لا تنتمي لأي حركة أو حزب سياسي”.
تصريحان من هذا الوزن مفترض أن لا يكونا أصلا- بالنسبة إليّ على الأقل- حين نتحدث عن قضية عادلة وطفلة محتجزة، إلا أنهما يدلّانا مجدداً على ان عالمنا العربي يصرّ على تشويه كل الصور البطولية، ويثبت لنفسه مجدداً انه يستطيع مباشرة اتهام طفلة كـ “عهد” بأنها تقوم باستعراض إعلامي كاد ان يكلّفها حياتها، دون أي نظر إلى ما قدمته وتقدمه من صور عملية تخدم القضية إلى حد كبير أكثر من معظمنا.
فقط حين يضطر عملياً والد طفلة محتجزة وهو بالتأكيد “قلبه معها وعليها”، لإصدار هذين التصريحين، فهذا معناه ان التشكيك الشعبي والاعلامي العربي يتكفّل بالمزيد من الاوجاع للأسرة، وان الحوارات المبالِغة في “الاسفاف” التي جرت تحت شعار “محجبة أو لا”، تتضخم كالسرطان الخبيث في أذهاننا، وأسرع في صورة الطفلة وعائلتها، وكأنها حتى ولو أرادت الظهور إعلامياً لكان ذلك معيباً أو حتى لو انتمت لأي جماعة أو حزب.
الفتاة الجميلة جداً والتي غدت أيقونةً للمقاومة السلمية وحب الحياة معاً، واعتبرها الاعلام الاسرائيلي “خطرة جداً” عليه، كان يمكن للإعلام الذكي والمجتمع الواعي أن يستغل صورتها (أو حتى صورها) بصورة أكبر وأكثر تكثيفاً وبكل اللغات لمخاطبة المجتمع الدولي، للتأكيد على أن الفلسطينيين أصحاب حقٍّ وقضية ويقاومون احتلالاً مدججاً بالسلاح بينما هم سلميّون، بدلاً من انشغالنا بلباسها وما تفعله، وزج أنوفنا بخياراتها الشخصية التي لم ولن تعنينا يوماً.
بالمناسبة، باحثون غربيون كثر تأثروا بالصورة إيجاباً ومن ذات الزاوية التي أثارت حفيظة الكثيرين حيث مظهرها العصري والحضاري وبياض بشرتها وشعرها الاشقر، وهنا يستخدمون توصيفاً بسيطاً هو أنها “تشبه فتياتهم” ما يجعلهم وفي مرة نادرة يتفهمونها ويضعون أبناءهم مكانها، ما يفسر جانباً من خطورتها بالنسبة للاسرائيليين، وهذا وحده أيضاً يمكن البناء عليه لو كان فينا عاقلين بدلاً من الامعان في تكسير هذه الفتاة النموذج.
**
سبب غامضٌ جداً، وعلى الاغلب لا يمكن شرحه ولا هضمه، ذلك الذي دعا السلطات الاماراتية لوقف سفر التونسيات عبر الأراضي الاماراتية أو اليها. السبب المجهول جعل “حراير تونس″ ينتظرن في مطارات كثيرة قبل أن تُحل الازمة جزئيا وبتدخلات دبلوماسية.
قناة نسمة التونسية، وفي غرفة الاخبار الخاصة بها افردت مساحة لمعالجة الخبر والحديث حوله، واستضافت الاعلامية سماح المشري لتشرح ما يعنيه إجراء كهذا، لتذهب الاخيرة باتجاهين بالتزامن، أولهما التأكيد على استقلالية بلادها وسيادتها وضرورة اتخاذها اجراءات صارمة تجاه التمييز ضد مواطناتها، والثاني مقارنة حقوق المرأة التونسية بها في بقية دول العالم العربي حيث المحت بوضوح للامارات بصورة خاصة والخليج بالعموم، وهنا بالتأكيد اكدت على ان المرأة التونسية ذات مكانة أكثر رفعة من أي من نظيراتها في العالم العربي.
طبعاً برنامجاً كهذا فرد 10 دقائق على الاقل لتأنيب الامارات والتقليل من شأنها وشأن نسائها رداً على الخطوة المهينة فعلاً بحق المرأة التونسية، الأمر الذي حصل في الاسبوع نفسه الذي اشتعلت فيه الحرب الكلامية بين الامارات وتركيا ممثلتين بوزير خارجية الاولى عبد الله بن زايد، وبرئيس الثانية رجب طيب اردوغان حول صورة المدينة المنورة والحديث عن الدولة العثمانية وبالاخص عن القائد العثماني “فخر الدين باشا”، التي “غرّد” حولها وزير الامارات ضد الاتراك.
الإماراتيون اضطروا للرد على جبهتين على الاقل تم فتحهما- مجاناً- ضدهم، وخاضوا معارك على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الاعلام لم تكن ضرورية برأيي، كما آذوا مشاعر شعبٍ عربي صديق على الاقل، بسبب خطوات تبدو “غير محسوبة العواقب” ولا تزيد عن كونها اتبعت “ذهنية الكفيل المتعالية”- كما يوصف المشهد أحد الاصدقاء الخبير في الخليج. وهنا حصراً يضطر التونسيون لأن يقفوا بوجه التمييز ضد نسائهم، ويضطر الرئيس التركي ليعود للمربع الاول قبل تصريحه المتقدم عن الاخوة مع العرب والتصالح مع التاريخ.
تزامن الجبهتين بالنسبة اليّ بدا كنذير شؤم، فقد اشعرني فجأة بأن ابو ظبي ترتدي ملابس وذهنية الرياض الجديدة، التي تجعلها تستعدي الدول مغامرة برصيدها في قلوب الشعوب دون أي حساب ودون تفكير، وهو ما يحولها (اقصد الرياض) اليوم لعاصمة متأخرة في مشاعر العرب بعدما كانت واحدة من قبلاتهم المحببة، وهو ما أخشى أن تلحقه ابو ظبي.
**
بمناسبة الحديث عن الرياض فلا بد من التساؤل، عن السبب الذي جعل قناة العربية تتفرد في التغريد خارج السرب في تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة، ولا تنقله مباشرة في الوقت الذي كانت فيه كل الشاشات العربية والعالمية تنقل الحدث باهتمام شديد.
قناة العربية تتصرف بغرابة شديدة لا تقل عن غرابة السلطات السعودية نفسها وهي تتجاهل بوضوح قضية القدس، وتفرد جملتين كاللتين ذكرتهما في البداية عن عهد التميمي بدلا من الحديث عنها باعتبارها مقاومة فلسطينية. حرب اليوم مجددا هي حرب إعلام لا محالة، وهنا على كل قناة أن تراجع أدواتها واهدافها، فلا اظن العربية فعلا تريد ان تظهر بمظهر المشكك بمقاومة “عهد” او غير المعني بقضية القدس.



فرح مرقه - كاتبة اردنية