المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مندوس التاريخ يعود للبيت



ابوقيس99
24-01-2018, 05:58 PM
مندوس التاريخ يعود إلى "البيت العود"
-----------------
حمود بن سالم السيابي
----------------
حين جلستُ بجانبه شعرتُ بقصر قامتي ، فهذا "البيت العود" ، وهذه وجوهه وخيوله.
وكان عليَّ أن أشرئب طويلا لأطوي المسافات إلى قمته فلم أبارح سفحه.
وحين تحدث الشيخ سيف بن محمد الطوقي كان عليَّ أن أصيخ إلى شهادته وهو يتحدث عن أول بصمة للإنسان في "السباخ" وأول نخلة ، وأول حافر خيل ، وأول غرفة ماء.
وكان علي أن أنصت وهو يقدم بالعرض البطيء مراسم قدوم الإمام سالم بن راشد لبلدة "السباخ" ، أو يعرض بتقنية التصوير "الثلاثي الأبعاد" دخول الإمام الخليلي للسباخ وفيضان فلج "المنخرين" ، أويلهب الأبصار والأسماع وهو يروي مشاهد الاستقبال التاريخي لسليمان الباروني وفرحة إبراء بزيارة رمح الثورة العربية وعمامة جبال نفوسة المجاهدة ، أو يجعل الحاضرين وكأن على رؤوسهم الطير وهو ينتقل بهم من ساقية فلج "الصغيُّر" في إبرا إلى ضفاف نهر "روسيزي" في بوروندي فيعطرهم بالحديث عن الأمجاد الخالدة وإن غادر جمشيدٌ عرشه ، وإن طويتْ الرايات.
حدقتُ في الشيخ الطوقي الذي شرُفْتُ بالجلوس بجانبه فرأيت اليعاربة في عينيه وقد توزعوا على تفاصيل شطري الوطن يشقون الأفلاج ويشيدون القلاع في عمان ، ويقارعون البرتغال فينتصرون بتكبيراتهم على مدافع الفرنجة ويطهرون زنجبار.
وعاودت التحديق في عينيه فرأيت البوسعيديين يعيدون رسم الجغرافيا التاريخية ليبقى الخليج بضفتيه بحيرة عمانية ، ويعلون الرايات العمانية حتى آخر ناب فيل إفريقي ، ويغرسون القارة السوداء منارات ليمتد الأذان لأبعد نقطة مشى عليها سبع إفريقي.
وتساءلت ما إذا كان جليسي قد عبر الى الشطر الثاني من الوطن ، أو سبق وتخضبت قدماه بالسافانا ؟ ، فحديثه بدا وكأنه لم يسبق له وأن زار زنجبار ولم يشرب "الشاهي" ، ولا أكل "المهوجو والمندازي" ، وأن لسانه ما تزال رطبة بماء الجحلة وتمرة فوالة الصباح.
ولا زالت أفلاج عمان تجري في حكاياته ومعها السنن والأعراف ، وأودية عمان ما تزال تتدفق في مروياته فيسايرها من المنابع القصية إلى المصاب في الرمال والشطآن.
إلا أنه حين تحدث عن شطرنا الإفريقي بدا وكأنه أمضى كل العمر هناك ، بل وكأنه عاد لتوه من زنجبار وبوروندي ، فأكفه ما تزال مشعشعة بقرنفل "بيمبا" وقهوة "بوجمبورا" ، وما زال التاريخ الممرد بالزهو العماني عطر الأنفاس.
أجلس بجانب الشيخ الطوقي فأشعر بالفقر أمام ثرائه الموسوعي ، وبالذهول أمام ذاكرة شفوية لعهود الأئمة والسلاطين ، وبالانبهار في حضور أرشيف صوتي لرعودنا وبروقنا عبر القرون ، وبالاندهاش قبالة هذا السجل المتضخم بشهادات ميلاد النخل وأشجار البن ، وأزمنة الخصب والجدب والجوائح والأعاصير.
وحين يرحل الشيخ سيف الطوقي فإن شهادته في ألف وأربعمائة عام تطوى معه.
وأن كل التوثيق الذي اقتطف من الشجرة المعمرة مجرد ورقة من ملايين الورقات ، فالشيخ سيف الطوقي يعود إلى المسباخ ، وإلى خرير "الصغيّر والمنخرين" و إلى الصفحة الأولى في الذاكرة.
وأن مندوس التاريخ يعود إلى "البيت العود".
--------------

أميرة الروح
25-01-2018, 03:02 PM
طرح جميل
بارك الله فيك

اطياف السراب
26-01-2018, 08:22 AM
طرح جميل بارك الله فيك

ابوقيس99
26-01-2018, 11:05 AM
طرح جميل
بارك الله فيك
شكرا لك استاذه اميرة بارك الله فيك

ابوقيس99
26-01-2018, 11:05 AM
طرح جميل بارك الله فيك

الاجمل والاروع مرورك استاذي أطياف