المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال للكاتب أسامة غريب - الأكل من الزبالة!!



Fashion Princesses
25-10-2018, 10:31 AM
أسامة غريب كاتب صحفي مصري وروائي خريج كلية الإعلام جامعة القاهرة يجيد عدة لغات. اشتهر بالكتابة الساخرة وأدب الرحلات. عُدت مقالاته بجريدة المصري اليوم نقطة تحول في زيادة عدد محبى هذا النوع من الكتابة التي تمزج النقد السياسي بأدب الرحلات بالسخرية والتي نشر بها روايته (همّام وإيزابيلا) مسلسة. وتجدر الإشارة إلي أن كتابه الأول "مصر ليست أمي..دي مرات أبويا" قد لقي حفاوة كبيرة من القراء حتي أنه طبع ثمانية عشر مرة حتي الآن وتناقلت تنزيله مئات المواقع علي النت باعتباره من أهم الكتب العربية في السنوات الأخيرة. كتب في عدد من الجرائد منها: جريدة الوطن الكويتية وجريدة الدستور المصرية و التحرير المصرية و المصري اليوم و مصر العربية.

إلى المقال الذي يتعرض فيه لملابسات ما يقود إليه الفقر والفاقة أو التموضع في حال مزري دون محاولة تغييره إلى الأفضل .. أترككم مع هذا المقال لتستنبطو منه أوجه نظركم حيال كل ذلك

الأكل من الزبالة!

الفقر الشديد قد يدفع إلى الثورة، أو إلى الأكل من الزبالة. والزبالة تختلف من حى معقول إلى حى تعيس، لهذا فإننا نجد من الفقراء مَن يعبث بصناديق الزبالة فى حيى جاردن سيتى والتجمع الخامس ليستخرج منهما هيكل فرخة قائما بذاته يمكن تناوله أو حبة خوخ مقطومة أو بقايا كيس شيبسى ملتصقة بحفاضات أطفال، لكن ويل للمتشرد البائس الذى يمد يده فى أكياس زبالة قادمة من عزبة الوالدة أو من الطوابق ببولاق الدكرور؛ ذلك أن صاحبنا هذا فى الغالب ستخرج يده وبها عظام ممصوصة خالية من أى لحم وأظافر دجاج مخلوع منها الجلد وبراز آدمى سببه أن المجارى طافحة والكنيف مسدود!

لا أنسى أننى عند رحلتى الأولى إلى فرنسا أيام الدراسة الجامعية كنت أبحث عن عمل أكسب منه ما يساعد على التجول والتنزه فى ربوع فرنسا، وكذلك حتى أستطيع العودة لمصر وفى حوزتى ملابس باريسية أتبختر بها فى الجامعة وبعض المال الذى يعين على شراء الكتب والجلوس بكافيتريا الكلية. فى ذلك الوقت عشت حياة المتشردين بمعنى الكلمة، فكنت أنام فى الشارع وأفترش الحدائق العامة وأتسلل لحوش أى بيت مفتوح ليلاً لأقبع تحت السلم حتى الصباح، ولا أنسى من ذكريات تلك الأيام أننى كنت أخرج فى الصباح أسير على ضفة نهر السين ثم أجلس على دكة من تلك المنتشرة على الممشى السفلى المحاذى للنهر وكنت بفعل الفراغ والبطالة كثير الشرود والتأمل، وألحت علىّ كثيراً أفكار عن الغنى والفقر والتقدم والتخلف بعد أن شاهدت مصريين من خريجى الجامعات بالإضافة إلى أفارقة يعتمدون فى غذائهم على صفائح الزبالة، وقد جرحتنى إلى أبعد حد نصيحة قدمها لى مصرى قديم يغسل الصحون منذ دهور فى باريس عندما أراد أن يخدمنى فأخذنى من يدى إلى تجمع كبير لصناديق القمامة بحى «شاتليه» وفتح أحدها ثم مد يده وأخرج بعض حبات الخوخ والموز المعطوبة جزئياً وقال لى: خذ.. مد يدك، غيرك يتمنى أن يعرف هذا المكان.. تستطيع أن تعتمد على هذا المخزن فى غذائك وتوفر نقودك لأشياء أهم! شعرت وقتها بإهانة وجرح عميقين، ولم أفهم، مع تقديرى لحسن نية الرجل، كيف تصورنى سأفرح بعيشة الكلاب الضالة هذه؟. ومن العجيب أن مكان مكبّ النفايات الباذخ هذا كان من الأسرار التى يحتفظون بها لأنفسهم حتى لا يزاحمهم وافدون جدد فى كنزهم الغذائى! طافت بخيالى عند ذلك صورة زملائى الأكبر فى الجامعة الذين سبقونى فى السفر وعادوا يرتدون بنطلونات الجينز الأصلى ويدخنون المارلبورو ويحكون قصصاً عن أيامهم ولياليهم المظفرة فى أوروبا، ولم يكن صعباً علىّ آنئذٍ أن أتخيل أين كانوا يعيشون وماذا كانوا يأكلون حتى يوفروا فلوسهم لأشياء أهم!.

لم يكن النوم بالشارع يجرح كبريائى ولا كان التسكع بلا هدف يُشعرنى بأى نقص.. كان الأمر أشبه برحلات الكشافة التى تتضمن النوم فى الخلاء والاشتباك مع الطبيعة، غير أن فكرة الأكل من الزبالة هى التى آلمتنى أشد الألم ولم أسمح لنفسى أبداً بأن أنحدر إليها لأننى وعيت أن العمل بالقوادة بعدها لن يكون شيئاً رخيصاً أو مستهجناً!.

اطياف السراب
25-10-2018, 01:38 PM
طرح جميل بارك الله فيك

Fashion Princesses
04-11-2018, 01:04 PM
وبارك الله فيك