المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غباء التقشف



سهل الباطن
26-10-2018, 11:40 AM
غباء التقشف

عبدالله الشيدي

(13/10/2015م)

خمسةٌ وأربعون عاماً خلت ونحن ننهلُ من ينابيع النفط ولم نزل، ويقولون لك سنتقشف!! سنناضل من أجل البقاء!! إنه دورك يا مواطن!! الأرض محتاجةٌ لسواعدكم!! وغيرها من العبارات الرنانة التي تكاد تعلوا بصوتها فوق صوت الكاسر والرحماني (نوعين من أنواع الطبول المستخدمة في عمان) وفي لحنٍ أشتاق مسؤولونا لسماعه لأنهم يطربون له، فهو لا يعنيهم بقدر ما يغنيهم، كيف لا وهم المتاجرون بنا نحن الشعب؟!

إنه لمن المخزي حقيقةً ونحن في بلدٍ نفطيةٍ أن نتكلم عن التقشف، وتطالعنا الجرائد الرسمية اليوم بسياسات وبرامج التقشف الجديدة والتي شملت في مجملها أعصاب الحياة التي نحن بالكاد نعيشها، والتي لم يسعفها ضعف القلب (الراتب) بالكثير من الدماء لتحملها، فالكهرباء والمياه والمخالفات المرورية والرسوم الحكومية على المعاملات المختلفة، ناهيك عن المحروقات والخدمات المتعلقة بها، ولم يبقَ لدينا عصب للحياة، إذاً فليمت الشعب من أجل الوطن، أو بالأحرى (من أجل كم واحد بس من الوطن !؟؟!) بالعماني الفصيح.

لماذا يا وطن؟

أولسنا أبناؤك؟ فحتى سيدنا نوح عليه السلام عندما أوشك الهلاك على قومه قال: (إن أبني من أهلي) وهو يلتمس له العذر حتى في كفره عن طريق كونه أبنه ولعل الله يهديه عبر الأبوة ونسبه للنبي وأي نسبٍ عن ذلك بين العباد كبر؟.

أولم ينقضِ العمر فيك يا وطن؟ ونحن نطمع فيك ولك وبك العزة والشموخ، وقد بلغنا من الكبر عتيا، أو كما قال التونسي: (قد هرمنا) ونحن لا نعلم لنا وطناً غيرك رغم الغياب وغربة السفر.

أولسنا من دعا لعلمك وهو يدغدغ السارية ارتفاعاً صاعداً يرفرف في سماك يا وطن؟ أولم نكن من بارز الموت حيناً بل وأحيانا من أجل واجبنا تجاهك لتبقى بسمو الهامات، ونبقى بك نفتخر؟

أولسنا من يطيع بلا كلل ولا ملل وأنت تأمر وتتأمر يا وطن، ونبقى على الرغم من كل رغمٍ نسمع ونحتسب ونصطبر؟

أولم نأتمنك على موتانا؟ من أغلى الغالين ودفنهم في ترابك ليكون لهم موطناً يوم نقوم وننتشر.

والسؤال يأتي بعد ذلك كله أين المال؟ وكيف يضيرنا سعر بترولٍ أدار ظهره لنا ساعة فتولى بركنه وأدبر؟

إن شكر النعم لا يأتي بانتقاص منافع الناس وخدماتهم، فالتقشف حقيقةً لا يأتي إلا على صغار القوم، وهم الفئة الذين يبنون المجتمع بحق وليس من هم أعلى منهم، فالطبقة ذات المعطف الأزرق لمن يدرك قانون الألوان هي الفئة الأكثر بناءً وتعميراً شاء من شاء وأبى من أبى، ففكرة المفاعل النووي جاءت من عالم من ذوي المعاطف البيضاء ولكنها لم تنفذ إلا بتبديل الحروف قليلا ليبنيها عامل. ليتضح جلياً أن العالم مهما كبر أمام العامل فلن يستطيع التقدم بدونه، وقس على ذلك النسق جميع الاختراعات البشرية مهما صغر حجمها.

وهذه التوليفة بين النظامين تعطيك التقدم بدون أدنى شك وكلما ضيقت الفجوة بينهما كلما سارعت من وتيرة تقدمك، والعكس أصح من الصحيح.

والتقشف حقيقةً سياسة المفلسين، كرب الأسرة الذي يعمل بكسل ويقول لأمرأته اقتصدي في النفقة! ولماذا لا تعمل أنت بجدٍ يا هذا؟ لماذا تواكب الحياة الفارهة وأنت لا تملك ثمن وقودها؟

فهناك الكثير من المصروفات والمشاريع الحكومية التي يجب أن تقف قليلا ولا نقول تلغى، لأنها تستهلك من الميزانية العمومية مئات وربما آلاف المرات مما نستهلك نحن كشعب منها، كما أن الكثير من العمالة التي تسربت بقصد أو بدون قصد، والتي جاءت بحاجة أو بدون حاجة، تستنزف الكثير أيضاً من الاقتصاد العماني بل ويتضاعف تأثيرها لأنها تعتبر خسارة مزدوجة للاقتصاد العماني الهزيل الذي لم يقدر على جذبها إليه فاتجهت هاربةً خارج حدوده للدول المجاورة أو دولهم الأصلية، وألزمت الشارع العماني على سد تلك الفجوات حتى ولو كانت ثيابه أصلا ممزقةً أو فلنقل مرقعةً على أقل تقدير.

عليه يجب أن نبدل التقشف بالتدبير والتخطيط السليم، لعلنا ندرك بك يا وطن ذلك المرقى.

Fashion Princesses
04-11-2018, 01:14 PM
سهل الباطنة .. جعلتني اتحمس لقراءة مقالات عبدالله الشيدي ،، فهل اسعفتني ببيان في أي مطبوعة يكتب وفي أي يوم تنزل مقالاته؟
إنه لعمري يضع قلمه على جراحنا فيصفها بدقة وبكل جرأة وحيادية .. هو يترجم حال المواطن كما يحب المواطن ويأمل

شكرا لهذا المقال الجميل ..

الغالي المستبد
17-11-2018, 11:10 PM
صدقتي يا برنسيسة أسميه عاد ما مقال