المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طبيب يبحث عن وجبة عشاء



القيصـــــر
04-11-2014, 02:40 PM
http://im63.gulfup.com/0jvLB0.jpg



مَـا عرف الراحةَ يوماً، وما هَدَأَتْ نفسه سَاعَةً واحدةً منذ أَنْ خرج من رَحِم الأحزان، وتقاذفته صروف الزمان؛ فقد نَحَتَ الصخرَ بأظافره، وَمَشَى على الشوك حافيَ القَدَمَيْن في سبيل مواصلة دراسته للطب.


في يـومٍ ذي مَسْـغَبَة طَافَ يميناً وشِمالاً عساه أنْ يَجِدَ عملاً، فَلَمْ يجدْ فَتَسلَّلَ إليه شعور بالإحباط أكثر من ذي قبل، وَأَصَابَه من الهَمِّ والحزن ما أصابه؛ لِسَطْوَةِ الدَّيْنِ وتراكمه، وشبح الضَّيَاع الذي نَسَجَ خيوطه في طريقه.


فَقَرَّرَ أَنْ يقترض ما يكفيه للغد، فسأل أحد زملائه فاعْتَذَرَ إليه. وذهب إلى آخَر، فَعَلِمَ أنه سافر إلى أهله. فبلغ به اليأس مبلغه لعجزه عن تحقيق مطلبٍ بسيط كهذا. فَتَحَامَلَ على نفسه أكثر، وقام بمحاولةٍ أخيرة، فَتَوَجَّه إلى صَدِيقٍ في قريةٍ نائية، فَلَمَّا وَصَلَ إلى هناك لَمْ يجده!


فَضَاقَتْ نفسه من نفسِه، واسْتَبَدَّتْ به الحَيْرَة، وَأََحَسَّ بأنَّ الدنيا أَوْصَدَتْ أبوابها في وجهه؛ بعدما أعياه البحث عن ثمن وجبة عشاء! فَتَمْتَمَ يائساً: ليس هناك من خَيْرٍ يرْتَجَى في هذا الزمان! وراودته نفسه الأَمَّارَة بالانتحار ابتغاء الخلاص من غَلَبَة الدَّيْن وقهر الرِّجَال.


ظَلَّ سائراً بين الحقول الشاسعة، يجوب الآفاق بنظراته القَلِقَة، فاقداً الأمل في إكمال دراسته، بَلْ كارهاً البقاء في الدنيا كلها! وبينما هو كذلك فإذا به يبْصِر من بين النَّخِيل رَجلاً نحيلاً، تكاد قِرْبَة الماء التي على كَتِفِهِ ترْدِيه على الأرض، فانْطَلَقَ نحوه ليحملها عنه.


وما إِنْ وَصَلَ إليه حتى تَهلَّلَ وجه الرجل بالسرور، فَرَحَّبَ به بشدة وَقَدَّمَ له في الحال طَبَقاً مملوءاً رطَباً جَنيّاً، فَأَكَلَ بِنَهَمٍ حتى شبع.


ثمَّ مَا لَبِثَ أَنْ قَصَّ عليه مَأْساته، فَمَسَحَ الرجل على كَتفِه برفقٍ، وقال: اعلَم أنَّ دوام الحال من المحال، وما دامَ رِزْقكَ على الله فلا تَحْزَنْ، والأَجْر على قدر المَشَقَّة؛ فـ (إدريـس) عَمِلَ خَيَّاطَاً، و (نـوح) نَجَّاراً، و (موسَـى) رَاعِياً، و (داود) حَدَّاداً، و (محَمَّـد) تَاجِراً، عليهم الصلاة والسلام جميعاً.


ثمَّ استدارَ الرَّجل، وتناول جرعة ماء، وَأَرْدَفَ قائلاً: تفاءل - يا ولدي - ولا تَقْنَط أبداً؛ فإِنَّه عندما يَجِيء أََوَان الفَرَج، فلا قِيمَةَ للأسباب؛ فقدْ خَرَجَ (يهـودا) بالقميص، فسبقته الرياح بالبشْرَى {إنِّي لأَجِد رِيحَ يوسفَ} [يوسف: 94]، ومَرْيَـم التي {كَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} كانت {كلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْـمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37].


تَسَلَّلَتْ هذه الكلمات إلى أذنِ الشاب كاللَّحْنِ العذب الجميل، فَظَلَّ يستمِع ويستمتِع بتلك الوصايا الغالية، حتى أَرْخَى اللَّيْل أَسْدَالَه، وتَلأْلأَتْ نجوم السماء، وَغَطَّتْ الحقولَ قطرات النَّدَى، فَتَمَنَّى أَلاَّ يغادِر المكان بعدما اسْتَهْوَتْ مسامعه الحِكَم الرفيعة، وَهَزَّتْ قلبَه المواعظ الجميلة.


وقبل أنْ يقوم من مقامه سأل الشيخ: هَلْ تَمْتَلِك كل هذه الزروع والأشجار والنخيل؟.


فابْتَسَمَ الشيخ، وقال: الملْك لله وحده، والمؤمن الحق مَنْ يَنْسِب كل خيرٍ لله، كما قال ذو القَرْنَيْن: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95]، وكما قال سلَيْمَـان - عليه السلام -: {فَمَا آتَانِيَ اللَّه خَيْرٌ} [النمل: 36].


ثمَّ أَرْدَفَ قائلاً: لا أخفي عليكَ سراً؛ أنَّنِي لَمْ يكن لَدَيَّ سوى نخلة واحدة، فكنت أََتَصَدَّق بنصف طَلْعِهَا، فرزقني الله هذا الرزق الكبير، فَزِدْت في الصدقة، فزادني أضعافاً مضاعفة. ففي النَّاموس الإلهي {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا} [النمل: 89].


سأله مرةً أخرى: كيف تسمح لَكَ صحتكَ بصعود النخيل وأنْتَ في شيخوختك هذه؟.


أَجَلْ! حفظناها في الصِّغَر، فَحَفِظَها الله لنا في الكِبَر.


تَعَجَّبَ الشاب من يقين الشيخ، كَتَعَجّب موسَـى - عليه السلام - من الخضــر! فَزَالَ عنه القنوط الذي كان يغشاه، وَتَبَخَّرَ اليأس الذي كاد يقتله. ثمَّ قال وهو يَهِمّ بالرحيل: لَوْ ضاقت بيَ السبل، هَلْ تأذن لي أَنْ قِيمَ في خيمتكَ الصغيرة؟


الشيخ: لا مانع مَا دمْتَ تؤمن بأنه {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا} [النمل: 89].


ازداد تَعَجّبه من إيمان الشيخ ويقينه! فتنزَّلَتْ عليه السكينة، وغشيته الرحمة، ثمَّ وَدَّعَه قائلاً: أَشْكركَ يا سَيِّدي على كرمك، وعسى أَنْ نلتقي. أنا خادمك " رشــاد فــؤاد " طالب بكلية الطب.


فقال: لا شكْرَ على واجب يا بنيَّ! جَعَلَكَ الله عَوناً لعباده، وَسِلْمَاً لأوليائِه.


مَرَّتْ الأعوام سِرَاعاً، وأصبح طالب الطب أحدَ الجَرَّاحِين الذين يشَار إليهم بالبَنَان.


وفي إحدى الليالي، تَمَّ استدعاؤه فوراً إلى (المستشفى الجامعي) لوصول حَالَةٍ حَرِجَةٍ للغاية، اعتذرَ عنها (المستشفى الدولي) لأنَّها ميئوسٌ منها، كما رَفَضَ استقبالها (المستشفى الاستثماري) بِحجَّة أنهَا حالة شبه ميتة!


وبمجرد أَنْ اطَّلَعَ الدكتـور على اسم المريض واسم القرية التي ينتمي إليها تَذَكَّرَه على الفور! فقرَّرَ أنْ يفعلَ ما في وسْعِهِ لعلاجه.


وبالفعل، فَلَمْ تمضِ ساعاتٌ قلائل حتى نَجَحَ في علاجه بمهارةٍ فائقة، مخَيِّباً ظن الآخَرين الذين توقعوا خِلاف ذلك. ثمَّ مَا لَبِثَ أنْ اشترى له الدواء اللازم، وكتب عليه: هذه هديتي إليك؛ لأنه {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا}. [النمل: 89]

التوقيع: خادمكَ القديم (رشــاد فــؤاد) طالب كلية الطب.


في تلك الأثناء، كانت الظنون تحيط بالرجل من كل جانب؛ إذْ تَوَقَّعَ أنه سيبيع أرضه، بَلْ سيقضي حياته كلها ليسَدِّدَ أجر العملية الجراحية! فَلَمَّا قرأ الورقة المرفقة بالدواء غمرته البهجة، وراح يَضمّها بشوقٍ وَيقَبِّلها؛ كأنَّها قَمِيص يوسـفَ في أجفانِ يعقـوبِ! فَتَدَفَّقَتْ دموع الفرح من عينيه، ورفع يَدَيْهِ إلى السماء قائلاً بصوتٍ خاشع: سبحانك! سبحانك! إذا كان المعــروف لا يَضِيع في الدنيا، فكيفَ يَضِيع في الآخرة؟ آمَنْت أَنَّه {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا} [النمل: 89].



يا له من دين

um eram
04-11-2014, 02:51 PM
يالله قصه مأثره جدا وعسى الله أن يرضى عنا....تشكر ع الطرح اخي

عملاق الشعر
04-11-2014, 03:41 PM
الحمدلله على كل حال

عابر سبيل


قصة جـــــدا رائعة


سلمت يداك المبدعة وذوقك الراقي

حمد نجد
04-11-2014, 08:06 PM
قصة جميلة مفيدة فعلا صنائع المعروف تقي مصارع السوء
شكرا عابر سبيل على هذه القصة المفيدة

نديم الماضي
04-11-2014, 08:15 PM
قصه جميله ورائعه ومعبره يعطيك الف عافيه

نوارة الكون
05-11-2014, 06:53 AM
طرح متميز وراقي يستحق وسام الاختيار المتميز والنجوم الخمس

رايق البال
05-11-2014, 10:01 AM
هلا فيك عابر ..
قصه جميله ومعبره للغايه
الف شكر لجهدك واختيارك .. كل الود لك مني

القيصـــــر
05-11-2014, 02:11 PM
يالله قصه مأثره جدا وعسى الله أن يرضى عنا....تشكر ع الطرح اخي

كل الشكر والتقدير لك على المرور
تحياتي لك

القيصـــــر
05-11-2014, 02:12 PM
الحمدلله على كل حال

عابر سبيل


قصة جـــــدا رائعة


سلمت يداك المبدعة وذوقك الراقي

سلمك ربي من كل شر أخي عملاق
ألف شكر على مرورك

القيصـــــر
05-11-2014, 02:13 PM
قصة جميلة مفيدة فعلا صنائع المعروف تقي مصارع السوء
شكرا عابر سبيل على هذه القصة المفيدة

الأجمل مرورك أخي حمد
تحياتي القلبيه لك

القيصـــــر
05-11-2014, 02:13 PM
قصه جميله ورائعه ومعبره يعطيك الف عافيه

ربي يعافيك أخي نديم
كل الشكر لك على مرورك

القيصـــــر
05-11-2014, 02:14 PM
طرح متميز وراقي يستحق وسام الاختيار المتميز والنجوم الخمس

مرورك المميز ألف شكر لك

القيصـــــر
05-11-2014, 02:15 PM
هلا فيك عابر ..
قصه جميله ومعبره للغايه
الف شكر لجهدك واختيارك .. كل الود لك مني


أهلاً إستاذي أسعدني مرورك
كل الشكر والتقدير لك

تباشيرالأمل
05-11-2014, 02:18 PM
أخي الكريم عابرأسال الله أن تعبرعلى الصراط
كالبرق في سرعته..
لقد أحييت في قلوبنا حب الخير
وزرعت اﻷمل وحسن الظن
فلا حرمك الله أجرما زرعت من خير

القيصـــــر
05-11-2014, 02:22 PM
أخي الكريم عابرأسال الله أن تعبرعلى الصراط
كالبرق في سرعته..
لقد أحييت في قلوبنا حب الخير
وزرعت اﻷمل وحسن الظن
فلا حرمك الله أجرما زرعت من خير

اللهم آميــــــــــــــــــن
أشكرك على مرورك الرائع الذي أسعدني جداً
دمتي بخير سيدتي

بنت االعرب
07-11-2014, 06:33 PM
قصه جميله
سلمت الأنامل
تحياتي لك

القيصـــــر
09-11-2014, 03:01 PM
قصه جميله
سلمت الأنامل
تحياتي لك

أشكرك على مرورك الجميل

روح الحلا1
11-11-2014, 08:18 AM
قصة رااائعة جدا ومعبرة

تسلم استاذي وربي يعطيك العافية.

القيصـــــر
11-11-2014, 04:15 PM
قصة رااائعة جدا ومعبرة

تسلم استاذي وربي يعطيك العافية.

يسلمك ربي كل الشكر لك على المرور