المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( عند سرير مريض بكورونا ينازع النهايات في المستشفى السلطاني)



أفتخر عمانيه
22-05-2020, 12:34 AM
*يكبر كورونا في وعينا حين تقترب سهامه من أحبتنا فتدمينا قبل أن تصيبهم في مقتل. ولا نكترث لحشرجة المذيع وهو يغالب مدامعه بإضافة رقم جديد إلى الوَفَيَات إلا إذا اكتشفنا أن ذلك الرقم الجديد هو لأعز الناس فنصيح بالليل والثبور ولات ساعة مندم.*

*يخبرني صديق عاد لتوه من المستشفى السلطاني بعد زيارة ضجيعٍ لا بواكي له بأن إصابات كورونا ليست مزحة تتحرك في الأشرطة الأخبارية لشاشات الفضائيات كما يتوهَّم البعض بل حقيقة مرعبة لأخطر طاعون عرفته الدنيا. ولن نرتفع إلى مستوى الخطر الذي يشكله على الحياة إلا إذا امتدت أذرعه الطويلة من أعناقنا وأعناق أحبائنا لتكتم الأنفاس، وساعتها سندرك أننا كنا ضحايا تخدير متعمد ومعلومات خاطئة مفادها أن كورونا لا يصيب إلا كبار السن ولا يستهدف إلا أصحاب التاريخ المثقل بالأمراض المزمنة، والصحيح أن كورونا فاجرٌ في الخصومة وعادلٌ في تعميم الشر.*

*يقول صديقي الزائر للمستشفى السلطاني: لمجرد أن لاح المبنى الباذخ للمستشفى شعرتُ لأول مرة بعسكرة الطب وأن المستشفى في فوهة المدفع، أمَّا أن يصمد حتى النهاية ليغادر الراقدون الأسرَّة وقد استعادوا ألوان البشرة ونبرات الصوت والضحكات ورسموا علامة النصر في طريقهم إلى سياراتهم، أو أن يرفع المستشفى الراية البيضاء فتتخلى القلعة الحصينة عن أسلحتها وتتركها لكورونا ليتكفل بإكثار الشوك في ورود حدائق المستشفى واجتثاث النخيل وقتل العصافير والفراشات.*

*يضيف: أسرعت بي الخطوات إلى الردهات ولأول مرة لم أضطر لقراءة لافتات الأقسام العلاجية فتوجهتُ بهدي من الخوف صوب المتدرعين باللفافات وقد اختلط الأطباء والمرضى والممرضون. وكانت المشاهد التي نتبادلها في الواتساب عن أطباء وطبيبات وممرضيين وممرضات افترشوا الممرات بسبب الإعياء هي مجرد عينة باهتة لمشاهد نبيلة لو رآها الناس في المستشفى السلطاني لما ترددوا من الإنحناء تحية للابسي المعاطف البيضاء. ولقبَّلوا الأرض التي يمشي عليها سفراء الرحمة لعلهم يوفوهم بعض بعض بعض حقوقهم.*

*يقول صديقي الزائر: توقفتُ عند سرير مواطن افترسه المرض وأصابعه ما فتئت تردد تسبيح ذي النون عليه السلام "أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ببنما الأطباء الأقرب إلى الملائكة بين رائح وغاد حول سريره يجاهدون لتواصل الأصابع التسبيح. وذاك آخر يحتضر ولكن ابنه في ممرات المستشفى يموت قبله كمدا وحزناً. وهذه مواطنة دخلت شهر رمضان فتسلل كورونا إلى بيتها مع موظف تسليم الطلبات فأخلفت وعدها مع أسرتها بجعل العيد أبهج تظاهرة على الكدر الذي أحدثه كورونا في النفوس فاستبق فرحتها بخنقها فكورونا لا يحب الأعياد.*

*هذا سرير محيي الدين كما يشير اسمه على الملف المعلق وهو الذي قصدته بالزيارة كونه لا بواكي له إلا إنني لم أعرفه رغم عشرة العمر، فسمرة البشرة التي أتى بها من كيرالا زادها كورونا قتامة، والوجه الممتلئ الأوداج علاه النُّحول واندفن خلف أجهزة التنفس الصناعي التي تغيرت الملامح. اقتربتُ من سرير محيي الدين ولم يعرفني هو الآخر لأنني تدرَّعْتُ من رأسي إلى أخمص قدمي، ولولا نبرة صوتي لما انتزعْتُ منه ابتسامة أعقبها البكاء.*

*لقد حملتُ إليه من الغرفة التي يقيم بها في ببيتي صورة لزوجته محاطة بأطفاله لعلِّي أحفزه كما في إرث البادية من أن الحبيبة إذا أفرعت شعرها فلا بد للمبارز أن يشحن ذلك الشَّعر روحه فيصرع خصمه، وإذا انكشف على سواد شعر من يحب سابق الفرسان، فمحيي الدين هو أحوج ما يكون اليوم لأن يصرع خصمه وأن يسابق كورونا فينهض من سريره ليعود إلى الذين انتظروه عند ضفاف نهر "فيلاباتام" وقد سالت مآقيهم أنهرا ترفد أنهار كيرالا. ألقى محيي نظرة سريعة على جدائل شعر زوجته فتخضخض، والدم الذي تخثر في عروقه ارتفع فجأة إلى جبينه شوقا وكأنه يقول لي لا بد أن أغادر السرير ولا بد أن أعود إلى "فيلاباتام" لأجدف بقاربي وأصطاد سمك الصافي.*

*كان المكان حلبة صراع مع الطاعون وقد ارتفع الأطباء هنا من طبيعتهم البشرية إلى مفردات أقرب للملائكة، وتحولوا إلى آباء وأمهات لهؤلاء المرضى الذين ينشدون أرخص شيئ في الحياة وهو الأوكسجين. وكلما زاد توجع المرضى انخرط الأطباء في البكاء. وبينما يسابق الأطباء الزمن لإنعاش مصاب هنا تخسر روح في السرير الثاني رهانها مع الحياة. وتصارع روح ثالثة من أجل البقاء وهي تطل من سديم الأمصال ورطوبة أسطح الأقنعة الزجاجية إلى الشجر الأخضر والنخل والمآذن فتسرج مطايا الأمل بعودة قريبة.*

*يقول صديقي العائد من المنطقة الرمادية أن كل التنبيهات التي اعتبرناها تهويلا من خطر الطاعون لا تساوي واحداً بالمائة من حاجة الوطن لحشد مكثف للمشاعر تجاه الخطر، ولاصطفافٍ وطني في وجه عدو فتاك يطارد الحياة ويتوعد الفرح بالموت ويقتل الحلم ويكره المطر والألوان والمواسم والفصول.*

*وإذا كان كورونا جديدا علينا كوباء فإن الشدائد التي أثبتنا فيها تماسك جبهتنا الداخلية ليست بجديدة، فلنعد لسجلاتنا المشرفة فيها لنستمد منها قوة الدفع لمعركتنا الجديدة مع خصم يجيز لنفسه استخدام أقذر الأسلحة والأدوات. وكما زادتنا الشدائد في الماضي قوة ومنعة فلن ندع كورونا يتطاول بجرائمه ليختطف المستقبل بل علينا أن ندوسه لنزداد علوا وشموخا ونسابقه إلى المستقبل.*


الشيخ حمود بن سالم السيابي
19 مايو 2020م
فريق الأخضر

اطياف السراب
22-05-2020, 05:46 PM
الله المستعان

شكراً جزيلا لك

ملك الوسامه
22-05-2020, 06:14 PM
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
الله يشفيهم يارب
ويرحمنا ويبعدنا واحبتنا عن هذا المرض

أفتخر عمانيه
23-05-2020, 01:36 AM
الله يكون في عونهم
الله يرحم المتوفين ويشافي المرضى.
الله يصرف عنا هذا الوباء.

شكرا لكم

تحياتي لكم