المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قــراءة نـقــديـة لـقصة ( الـرقـص حــول الـنـار ) للكاتبة الفلسطينية أميرة عبدالله



ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
08-11-2014, 09:38 AM
قــراءة نـقــديـة لـلـنـص القصصي ( الـرقـص حــول الـنـار ) للكاتبة الفلسطينية أميرة عبدالله


1 ـــ نص ( الرقص حول النار ) بقلم الكاتبة أميرة عبدالله :


اعتكفت في كوخها الريفي بعدَ أن تأججت في أعماقها نار الغيرة.. وقررت أن تنهل من الفضيلة والحكمة ما يجعلها أهلاً لمقاومة التيارات.. نظرت إليها بومة تقفُ على شجرة سامقة فوجدتها تبكي وتبكي وتبكي، فكرت: "حتى البشر يهربون مثلنا من ذواتهم ويختبئون في حصون صنعوها حولَ قلوبهم .."ألقت البومة عليها نظرة أخيرة ثم ولت هرباً.
بعدَ أيام عادت لتزورها وتفاجأت مما رأت؛ حقيبة سفر وملابس مبعثرة هنا وهناك وأنثى تتلوى كالأفعى في رقصات هستيرية، يجلس قبالتها رجلٌ وسيم، عيناهُ تترقرق بالدمع وهوَ ينظرها يتخيل أنهُ محاط بالحسناوات اللواتي يرقصنَ حولَ النار؛ كلُ واحدةٍ منهن تحاولُ جذبهِ إلى النار، ربما ليحترق وربما ليشاهد احتراق جناحي طيره الجريح.
نهضَ مسرعاً من مكانه بعدما أخرجَ منديلاً طُرّزَ على طرفه أول حرف من اسمه، مسحَ بهِ دموعَ عينهِ الرقراقة، ثم نظرَ إليها نظرة أخيرة وولى هارباً وهوَ يتمتم :
ــ لقد أضعتها.. لقد فقدتها.. كانت أمي وأبي وزوجي وعينيّ اللتين أرى بهما وبمجرد ما تركتني لتعتني بمن يحتاجها، أحرقتها بطقوسي الغريبة،وارتديت القناع الأول بيد واستبدلتهُ بآخر كلما حاولتْ سبر غوري، كلما حاولتْ الاقتراب لنزع القناع عن وجهي، أجدني أتباهى بكوني رجل من حديد؛ لقلبي آلاف النوافذ.."
_ "انتظر.. انتظر، لا تتركني. اسمح لي بنزعِ قناعكَ الأخير قبل أن!!"
ثم ارتفعت ألسنة اللهب لتعلن كلمتها النهائية..

2 ـــ إضــاءة نـقـديـة لـلـنص بقلمي :

كان الشاهد الوحيد على المأساة وعلى الجريمة مخلوق ليس من عالم البشر .. مخلوق ياطالما دارت حوله الأساطير والحكايات وعملت بسببه القرابين والطقوس الطاردة للشر وللنحس .. لم يكن الذى رأى هول ما رأى إنسانا بل طائرا .. اجتمعت في هذه القصة القصيرة الجميلة جدا أربع صور أو شخوص أو رموز : البومة وامرأة بائسة ورجل بألف قناع وكوخ متواضع في مكان بعيد مهجور .. البومة هنا ليست في تصوير الكاتبة المبدعة أميرة عبدالله ذلك الطائر السيء السمعة بما يجلبه من تشاؤم ونحس للناس بحسب التفكير الشرقي .. لقد أتقنت الكاتبة في تغيير هذه الصورة الشائهة المأخوذة عن هذا الطائر ذو العينين الصفراويتين الواسعتين المتربصتين والمنقار المعقوف تلك الصورة التي تصوره وترمزه بالشر والشؤم .. ذاك الطائر ما هو إلا شعور حي هارب نحو البعيد من ذاته المعذبة والحزينة ومعتكفا في مكان قصي .. على شجرة سامقة عالية تصادف بجوارها كوخ منفرد مهجور ووحيد أيضا كرمز للنقاء المفتقد في عالم إتسخت قيمه بما فيه الكفاية .. الشجرة وعلاقتها بالبومة والكوخ وعلاقته بالانسان .. هنا التجانس المتقن بين الكائن والمكان والذي قدرت الكاتبة أميرة عبدالله أن توظفه وبدقة في هذا النص خالقة ذلك الترابط المنسجم بين المكان والجنس أو الكائن المناسب له .. البومة / الشجرة الباسقة .. الكوخ / الانسان مع أن ( الكوخ الانساني ) يبدو لي أكثر عمقا وقوة واكثر شمولا في النص الأدبي شعرا كان أم نثرا وفي الفن أيضا بل وفي معناه الدلالي الرمزي .. داخل ذلك الكوخ المتواضع الذي يلفه السكون والسكينة تعتكف كالعابد إمرأة بائسة حزينة ومحطمة مجروحة القلب هربت من جحيم البشر واختارت حياة العزلة وفي داخلها ماتزال تحمل روحا نقية تواقة إلى الصفاء والخير والفضيلة والحكمة ومقاومة لروح أخرى ما فتئت تنغص عليها عيشها وصفاء قلبها وذهنها / الغيرة .. تلك النار الناهشة بلا رحمة للقلب ولأجمل ما في أعماق النفس من نبل وجمال .. حين صدمتها الحياة في أقرب إنسان إلى حياتها .. حين اكتشفت أنها تعيش في عالم أناني مزيف ومخادع ومليء بالوحل والدناءة والغدر والأقنعة .. قررت أن تهرب بعيدا عن هذا العالم تماما كما فعلت تلك البومة الهاربة من عالم المخلب والناب والشر والانانية .. وكانت المأساة .. عندما أتى ذلك الرجل الذي حطم أجمل مخلوق بالأرض بأنانيته وبحربائية أقنعته وزيف براءته .. وهو أشر مخلوق وأنتن روح على الاطلاق .. لقد جاء لا ليسامح أو ليطلب الغفران والصفح والندم على ما أذنب بل جاء بكل أقنعته المزيفة إليها وهو على أحقر ما يكون .. أشعل فيها النار وتركها تتلوى في الأجيج المستعر غير آبه لآخر صرخة متوسلة رجتها تلك الضحية منه .. صرخت بألم ومرارة :
ـــ إنتظر .. إنتظر .. لا تتركني ..
وهي كلمات لها دلالتها القوية والعميقة جدا في النفس وفقت الكاتبة الجميلة أميرة عبدالله في إختيارها بدقة وببراعة أدبية لافتة جاعلة من أحداث القصة تصل إلى أقصى درجة لها من التشويق رغم صدمية هذا التشويق وألم وقعه في نفس المتلقي .. إمرأة تحترق في قلب النار تتوسل بتلك التوسلات أمام مجرمها .. لم تتوسل حبا له ولا رغبة بإنقاذها من اللظى المشتعل الذي رماها فيه بل لغاية أخيرة وأمل أخير لها قبل أن تموت .. كانت فقط تريد منه أن ينزع آخر قناع لبسه لتراه على وجهه الحقيقي البشع بشاعة روحه والقبيح قباحة نفسه الشريرة .. لحظة تراجيدية مؤلمة جدا جدا ونحن نسمعها تقول بصراخ حاد :
ـــ لا تتركني. اسمح لي بنزعِ قناعكَ الأخير قبل أن ....
و( قبل أن ... ) .. هنا تتوقف الكاتبة فجأة عن مواصلة السرد محفزة عقل القارىء على إستكناه المتوقع أو ما يمكن أن يحدث لبطلة القصة .. هذا التوقف المفاجىء في هذا المقطع يزيد من جرعة ما يمكن أن أسميه مجازا بـ ( أدرينالين القراءة ) في أعصاب القارىء ونبض قلبه .. وهي حركة ذكية من الكاتبة أرادتها كي تمنح القصة أكبر قدر ممكن من الزخم في ( العقدة ) ومانحة قارئها مساحة لا بأس بها كي يحبس فيها أنفاسه ويتشوق أكثر لما هو آتٍ في القصة التي تتسارع الآن أحداثها نحو ( النهاية ) ولو واصلت الكاتبة في هذه القصة بسرد المتبقي من الأحداث بدون تلك الوقفة المفاجئة التي تعمدت وضعها بتلك الصورة التعبيرية الجميلة ــ لو أنها واصلت السرد بدون تلك الوقفة البارعة وجعلت الأحداث تمضي وبشكل عادي جدا وتقليدي إذن لقضت على جمالية النص وروعته الأدبية ولكانت خاتمته باردة جدا وأكثر من عادية وليست بذلك الوقع المنتظر والمأمول منها .. ولكنها وهي تكتب بوعي ونضج وهدوء أيضا إستمهلت في سردها بعض الإستمهال .. فلاحظ معي كيف أن تلك الوقفة المفاجئة في كلمة ( قبل أن ... ) والنقط أو علامة التعجب ( !! ) التي تلتها جميعها حفزت العقل والمشاعر فجأة إلى أن شيئا قادما وعاجلا الآن سوف يحدث .. ومع ذلك ورغم تلك الصرخة التي صرختها تلك الضحية وهي في قلب النار إلا أن شيئا لم يتحرك .. وبدا وكأن كل شيء حول الضحية قد توقف وتجمد بصورة فاجعة بما فيه ردة فعل ذلك الرجل المجرم الذي كان يسمع صراخ ضحيته ببرود .. وحدها ألسنة اللهب حسمت كل شيء .. إذ لم تترك أي فرصة لأي ( فعل ) ممكن أن يحدث بل أسرعت وأحاطت بالضحية المسكينة إلى درجة القسوة .. أحاطتها بألسنتها المرتفعة حاجبة بالموت آخر صوت للحياة .. وبذلك اختفى صوت الصرخة إلى الأبد وسط اللهيب المستعر .. وكان الشاهد الوحيد على هذه المأساة والجريمة هو تلك البومة التي انصدمت بهول ما رأت صدمة أشد وقعا وألما في نفسها من صدمتها الأولى حين جاءت ورأت رفيقتها البشرية المسكينة على حال الشكوى والصمت .. ولم تتصور في الزيارة الثانية لها والأخيرة .. لم تتصور أن تراها وقد وصل بها الحال المزري إلى ما هو أسوأ وأشنع .. لقد رأت الجريمة البشعة بأم عينيها الواسعتين وهالها بل صدمها و لم تتوقع أن عالمنا نحن البشر قاس منتهى القسوة و فيه أيضا هذه البشاعة وروح الشر ..
بـقـلـمـي / ســـعـيد مـصـبح الـغــافـري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ

زهوور الربيع
09-11-2014, 04:49 AM
ما شاء الله.
يعطيك الف عافية

رايق البال
09-11-2014, 09:00 AM
هلا فيك سعيد ...
قراءه نقديه وفقت فيها واحييك عليها وبالفعل تلك الحركه التي تعطي للقارئ تحفزا لما هو آت كانت جدا رائعه ولو كانت افصحت لكانت النهايه عاديه ستكون ..
نفتقر كثيرا للقراءات الجاده للكثير من النصوص التي تطرح وتحتاج لمن يعالجها ويحللها لذا الف شكر لك أيها الاديب المتعدد المواهب على كل ماتقدمه من جهود بناءه
تمنياتي لك بالمزيد من التقدم والنجاح والتوفيق .. كل الود لك مني

نوارة الكون
09-11-2014, 09:13 AM
سلمت يمناك اخوي نقد جميل وبناء ربي يعطيك العافيه

عملاق الشعر
09-11-2014, 11:43 AM
سعيد الغافري



طرح جدا مميز وراقي
وُفقت في هذه الاضاءة


سلمت الانامل المبدعة

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
09-11-2014, 11:23 PM
ما شاء الله.
يعطيك الف عافية
يا هلا وسهلا بيك أختي الغالية زهور الربيع
مساء الورد
شرفني وأسعدني جدا مرورك
ألف شكر وامتنان لك ويا هلا بيك
كل التقدير

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
09-11-2014, 11:35 PM
هلا فيك سعيد ...
قراءه نقديه وفقت فيها واحييك عليها وبالفعل تلك الحركه التي تعطي للقارئ تحفزا لما هو آت كانت جدا رائعه ولو كانت افصحت لكانت النهايه عاديه ستكون ..
نفتقر كثيرا للقراءات الجاده للكثير من النصوص التي تطرح وتحتاج لمن يعالجها ويحللها لذا الف شكر لك أيها الاديب المتعدد المواهب على كل ماتقدمه من جهود بناءه
تمنياتي لك بالمزيد من التقدم والنجاح والتوفيق .. كل الود لك مني

يا هلا يا ألف مرحب بيك أخي وأستاذي الغالي المبدع/ رايق البال
مساء الورد
هناك إن شاء الله نية أن أساهم بقلمي ببادرة إنعاش الأدب النقدي في سبلتنا الغالية والذي أرى أنه مهم جدا ومفيد لتفعيل النشاط الادبي وتنويع مجالاته خاصة وأن هناك نصوص أدبية بالسبلة تستحق فعلا الرصد إن شاء الله .. ويبقى لي هنا أن أسجل إعترافا صريحا بالقول أنني وبكل تواضع شديد وبصراحة تامة لست ناقدا أدبيا متخصصا وما أقدمه من مقالات نقدية جد متواضعة مجرد محاولات أحبو فيها في هذا المجال بحذر شديد لعلمي أن النقد بحر واسع وله رواده من أهل العلم والاختصاص .. النقد الهادف والبناء يفيد النص ويجدد من جو المشاركات بالسبلة ويثري المداخلات بين أقلام الأعضاء .. وإن شاء الله عسى أن أوفق ولو ببعض التوفيق في هذا الجانب ..
أشكرك بحرارة أستاذي الغالي رايق على جمال مرورك المشرف ومداخلتك الراقية التي أسعدتني .. تسلم رب يخليك ويا ألف ألف هلا وسهلا بيك ..
حبي وتقديري لك

ن الشكيلي
09-11-2014, 11:48 PM
تقديري لهذا القلم الاديب الذي يروي شواغل احساسنا برحيق معزوفت حروفك لكي نترنم بهذه الرقعه الثمينة ابدعت

الشيخه الفلانيه
10-11-2014, 07:43 AM
، يععطيك إلععإفية :) '

القيصـــــر
11-11-2014, 04:19 PM
أهلا وسهلا إستاذي
أثريتنا بما خطه قلمك الجميل من نقد
نحتاج فعلا لإنعاش الأدب النقدي
ألف شكر لك إستاذي المبدع
بارك الله فيك

نديم الماضي
11-11-2014, 09:44 PM
شكراً لك أخي ع ماتفضلت بطرحه
بارك الله فيك

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-11-2014, 11:05 AM
سلمت يمناك اخوي نقد جميل وبناء ربي يعطيك العافيه
الأستاذة الغالية / نــوارة الكـــون
صباح النور
عميق شكري وتقديري لك سيدتي على روعة حضورك هنا والذي أسعدني جدا .. تسلمي ربي يخليك وألف هلا وسهلا فيك
ودي وتقديري لك

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-11-2014, 11:07 AM
سعيد الغافري



طرح جدا مميز وراقي
وُفقت في هذه الاضاءة


سلمت الانامل المبدعة
عملاق الشعر
يا ألف ألف هلا وسهلا بيك أخي الغالي
شرفتني بحضورك الراقي
أشكرك أحر الشكر على مرورك
يا ألف أهلا ومرحبا بيك
صباحك نور

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-11-2014, 11:09 AM
تقديري لهذا القلم الاديب الذي يروي شواغل احساسنا برحيق معزوفت حروفك لكي نترنم بهذه الرقعه الثمينة ابدعت
ممتن غاية الامتنان لك أخي الغالي الكاتب المتألق / ناصر الشكيلي
أسعدني حضورك الجميل ويا ألف ألف مرحب بيك
ودي واحترامي لك
نهارك فل

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-11-2014, 11:15 AM
، يععطيك إلععإفية :) '

جميعا يا رب
ألف شكر وتقدير على جمال مرورك أختي الغالية / الشــــيـخــة
يا ألف ألف هلا بك

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-11-2014, 11:21 AM
أهلا وسهلا إستاذي
أثريتنا بما خطه قلمك الجميل من نقد
نحتاج فعلا لإنعاش الأدب النقدي
ألف شكر لك إستاذي المبدع
بارك الله فيك
الكاتب القصصي المبدع الأستاذ / عابر سبيل
صباح الجوري
صدقت أخي .. الأدب مجالاته رحبة وواسعة ومتعددة الألوان ولا يقتصر على لون أو نمط معين فقط بعينه وجميل جدا جدا أن نلون سبلتنا بشتى ألوان المشاركات الأدبية ما دامت أدبية وتخدم الأدب بشكل عام ..
سعيد منتهى السعادة بجمال وروعة طلتك على نصي المتواضع .. بارك الله فيك أخي الغالي عابر سبيل أشكرك بحرارة على مرورك المميز ويا ألف ألف مرحب بيك
تقديري واحترامي لك

بنت االعرب
19-11-2014, 06:49 PM
الكاتب الكبير
قلم جميل جدا
سلمت الأنامل
تحياتي لك