المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التسامح في النهج الفكري والسياسي العماني



عزة القلوب
09-11-2014, 10:09 AM
تأتي كلمة التسامح في اللغة العربية من كلمة ( سمح ) السماحة وسمح به ، أي جاء به .. وتسامحوا : أي تساهلوا . والجذر العربي في هذا هنا يستخدم ـ أحياناً ـ لاحتواء فكرة المرونة ، وفكرة ترك الأمور تمر ، والتساهل في خلاف من الخلافات ، وأن تتعايش مع الفكرة التي يطرحها الآخر ، وأن تتسامح مع رؤيته والقبول بالتعدد والتنوع القائم، باعتبارهما خصيصة إلهية في البشر : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ( الحجرات الآية:13 ). والحاجة إلى التسامح تعني سلوك سبيل اليسر ، وتعدد الممارسات الدينية داخل الدين الواحد ، وتعدد الأديان داخل المجتمع الواحد .

كما أن العدل يقتضي المساواة ، أما إعطاء الأولوية للغير داخل المساواة ، فذاك هو « التسامح ، فالتسامح حين يقرن بالعدل، بهذا المعنى يبتعد عن أن يكون معناه التساهل مع الغير أو الترخيص له بكذا أو كذا ، الشيء الذي يضع المسامح في وضعية أعلى من المسامح له ، بل التسامح هنا يعني الارتفاع بهذه العلاقة إلى مستوى الإيثار.
أما التسامح في اللغة اللاتينية فليس له قيمة ذاتية في نفسه ، بل هو السكوت على مضض من باب دفع الأفسد بالفاسد أو ما يمكن أن نطلق عليه بأنه دفع أهون الضررين. فأصل التسامح إذن في اللغة اللاتينية يصطبغ بصبغة ذات إيحاء سلبي ، باعتباره يعني الضغط على النفس، والامتناع عن ردع الآخر فيما يفكر فيه أو يعمله ، وهو معنى سلبي عدمي. بينما نرى هذا المعنى في اللغة العربية يعني خلقاً إيجابياً كريماً يتضمن معاني عدة فهو يستبطن معنى الحلم والتحمل والمداراة والرفق بل الجود والتفضل .. والبون شاسع بين الإيحاءين.
إذا نظرنا إلى رؤية الإسلام إلى التسامح ، فإننا نجد أنه ارتفع بهذه الرؤية إلى مستوى رفيع قلما نجده في الكثير من الحضارات والديانات غير السماوية، وقد اعترف بهذا الارتفاع بالتسامح في الإسلام الكثير من المستشرقين والباحثين والغربيين ، ومن هؤلاء المستشرق ( برنارد لويس ) وهو من الغلاة الكارهين للإسلام، لكنه لم يجد مناصاً من الاعتراف بأنه « نادراً ما نجد في التاريخ الإسلامي مذابح أو انفجارات أو حرائق أو إجبارا على تغيير العقيدة .
فعندما جاء الإسلام وبدأت دعوته في الانتشار كانت فكرة التسامح قضية محورية في هذا الدين القويم ، لذلك فإن الإسلام اعترف بالديانات السماوية التي سبقته ، ويحترم معتنقيها ويمنحهم حقوقهم الإنسانية شريطة احترام هذا الدين، وعدم محاربته أو مناصرة أعدائه ومحاربيه ، ولعلَّ ( صحيفة المدينة ) أو دستور المدينة التي وضعها الرسول (ص) والتي ضمت المسلمين واليهود وغيرهم، وسمتهم صحيفة المدينة بـ (الأمة الواحدة)، ولم يعرف الإسلام مفهوم الأقلية وجاء في نصوص هذه الوثيقة أو الدستور كما يسميه البعض « إن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم..ومن تبعنا من يهود فإن لهم النصرة والأسوة،غير مظلومين ولا متناصر عليهم..وأن بطانة يهود ومواليهم كأنفسهم..وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين،على اليهود نفقتهم،وعلى المسلمين نفقتهم،وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة..وأن بينهم النصح والنصيحة والبر المحض من أهل هذه الصحيفة دون الإثم،لا يكسب كاسب إلا على نفسه» مبدأ التسامح العظيم الذي أقره الإسلام حيث أقام مجتمعاً مدنياً يقوم على العلاقة التعاقدية المدنية قائمة على التنوع والتعدد الديني ،وهي تجربة فريدة في التاريخ الإنساني الذي كان يقوم على الواحدية الدينية فقط ، وإقصاء الآخر المختلف ، وربما محوه تماماً من التواجد والعيش بالصورة الاعتيادية ، وهو ما برز في الأندلس بعد إنهاء الحكم الإسلامي وظهور ما سمي بمحاكم التفتيش والقمع والهجرة القسرية للمسلمين .
كما أن التسامح مع الآخر المختلف بلغ مستوى من العدالة والإنصاف الحد الذي لا ينسى الفروق والتمايزات بين الأمم والشعوب الأخرى، ولذلك فإن الإسلام لا يعمم في مسألة الاختلاف مع الآخر، وهذا ما جاء في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، ومن هذه الآيات ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ) آل عمران :199 .( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) آل عمران :75 .فلا يسوي القرآن ، ولا يعمم الأحكام والأوصاف على فصائل أهل الكتاب وتياراتهم وفرقهم ..ثم يقعد لقاعدة « عدم التعميم « هذه ، فيقول : ( ليسوا سواء ) آل عمران : 113
ولم يقف الإسلام بهذا الأفق ، غير المسبوق في السماحة والتسامح عند « الآخرين المتدينين بديانات سماوية فقط ـ أهل الكتاب من يهود ونصارى ـ وإنما امتد به ليشمل المتدينين بالديانات الوضعية .. فتركهم ، هم أيضاً ، وما يدينون ، وعاملهم في الدولة الإسلامية ، معاملة أهل الكتاب .
لقد انفتح العمانيون عبر تاريخهم الحضاري الإنساني على الآخر منذ القدم ، واعتبروا أن قيم الحوار في الحوار والتفاهم مع الآخر ضرورة إنسانية يجب انتهاجها واعتبارها صيغة حضارية للتفاعل والتعاون والتواصل مع الحضارات والأمم الأخرى ، بهدف إيجاد الطرق والوسائل لبناء حضاري وتبادل تجاري بقاء على المشتركات الإنسانية والرغبة الصادقة في إثراء الخبرات المتبادلة من العبر والاستفادة منها ، وفي إقامة علاقة متكافئة ندية .
ومن هذه المنطلقات اهتم العمانيون بمسألة الانفتاح على الآخر والتفاهم والتعاون معه ، مع الاحتفاظ بالخصوصيات والهويات الذاتية والاعتزاز بها ، مما أسهم في توفير مناخ ملائم لتبادل النافع في مجال الاقتصاد والثقافة والمعارف الإنسانية الأخرى .عندما يرجع المرء إلى التراث الكبير لعمان والعمانيين، يجد أن أغلب الباحثين والرحالة والمستشرقين من الغرب والأجانب الذين كتبوا عن عمان والعمانيين تطرقوا إلى هذه المسألة ، وناقشوا قضية الانفتاح على الآخر عندهم ، وكيف أنهم تفاعلوا وتواصلوا مع شعوب وأمم كبيرة في الجانب الاقتصادي والمعرفي والإنساني بصورة تبعث على الاهتمام والمراجعة في مضامين هذا الانفتاح والتواصل مع الآخر ، وإقامة علاقة معه .
قد يقول البعض إن قدر عمان أن تكون جغرافيتها وموقعها الهام على طرق التجارة العالمية والموقع الاستراتيجي في العصر الحديث ، السبب في هذا الانفتاح ، والتواصل مع الآخر ، لكن هذا القول ليس دقيقاً بالمرة إذا ما جئنا إلى أولويات هذا الانفتاح ، ودوره في هذه العلاقة بما تتضمنه من أساليب وقيم حضارية وتواصل ، لأن التواصل والانفتاح قد لا تستسيغه الكثير من الشعوب لاعتبارات كثيرة ، ومع ذلك فإن العمانيين سعوا إلى الآخر في بلاده ، وفي أقاصي الدنيا وتبادلوا معه المعارف والتجارة وعرضوا عليه قيمهم وثقافتهم ودينهم ، وكان هذا الانفتاح والحوار سبباً في انتشار الدين الإسلامي في العديد من دول العالم ، لا سيما في آسيا وأفريقيا .
ولذلك فإن هذا التفاعل والاهتمام من جانب الشعوب والحضارات الأخرى بعمان والعمانيين ، والتواصل معهم ، والانفتاح والتحاور من جانب العمانيين مع الآخر والتعاون معه ، في الجوانب الاقتصادية وغيرها بطرح مسألة جهود العمانيين وإرساء القيم الأساسية في الحوار والتعاون من خلال معاملاتهم التجارية وعلاقاتهم الإنسانية مع السكان والتي اتسمت بقدر كبير من المرونة والتسامح والصدق مما ساهم في تقوية المناخ الحضاري المؤثر وأكسب عمان سمعة حضارية كبيرة.

عبد الله بن علي العليان –

ابن عتيق
09-11-2014, 11:18 AM
فعلا مقال جميل جدا استمتعت بقراءته

التسامح سمة اساسية في الدين الاسلامي

نتمنة كمسلمين اولا وكعمانيين ثانيا ان نحافظ عليها

حدائق
09-11-2014, 04:16 PM
سبحان الله الحمد لله لا إله إلا الله الله أكبر لا حول ولا قوة إلا بالله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه

أفتخر عمانيه
09-11-2014, 08:15 PM
عزة القلوب

شكرا على المقال



تحياتي لك

shaker
09-11-2014, 08:30 PM
مقال أعجبني كثيرا
لك مني خالص الشكرأختنا الرائعة,وليتصف كل منا بهذه السمة النبيلة التي جائنا بها القدوة الحسنة(نبي الأمة)
تقديري

مستر اكس
10-11-2014, 12:36 AM
التسامح و الحوار العقلاني هو ما ينقص بعض المراهقين السياسيين في دولا تتدخل في شؤون دولا أخرى .

ابو المعتصم بالله
10-11-2014, 10:14 AM
* يقول العالم : غوستاف لوبون -
إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوروبا مَدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.. فهم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان.. ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبةً..ودمتم في حفظ الله تعالى.

shaker
10-11-2014, 08:43 PM
* يقول العالم : غوستاف لوبون -
إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوروبا مَدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.. فهم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان.. ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبةً..ودمتم في حفظ الله تعالى.



أحسنت وأجملت أخي الكريم "أبوالمعتصم"
تقديري

hamad alaraimi
10-11-2014, 08:56 PM
* يقول العالم : غوستاف لوبون -
إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوروبا مَدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.. فهم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان.. ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبةً..ودمتم في حفظ الله تعالى.



السلام عليكم


صحيح سيدي ما طرحت

لكن هل يجب علينا بان نطالع ونقراء وننام
سيدي لقد تأخرنا نحن العرب وسبقنا الغرب بمئات
الأميال سيدي علينا بان ننظر الى انفسنا ونطور من قدراتنا
وعقولنا لا ان ننحب على امجاد اجدادنا

انت رائع سيدي


تقديري واحترامي

مستر اكس
10-11-2014, 11:00 PM
* يقول العالم : غوستاف لوبون -
إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوروبا مَدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.. فهم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان.. ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبةً..ودمتم في حفظ الله تعالى.


دائما نحن العرب نشتاق للماضي و نقول كلمات مثل كان ، يا ليت ، و سنتحد .. تقتلون المستقبل بذكريات الماضي .

hamad alaraimi
11-11-2014, 01:47 AM
دائما نحن العرب نشتاق للماضي و نقول كلمات مثل كان ، يا ليت ، و سنتحد .. تقتلون المستقبل بذكريات الماضي .


السلام عليكم

اتفق معك استاذي
لكن ليس قتلا بل هوا حنينا لذكريات الماضي

تقديري واحترامي

مستر اكس
11-11-2014, 01:58 PM
السلام عليكم

اتفق معك استاذي
لكن ليس قتلا بل هوا حنينا لذكريات الماضي

تقديري واحترامي

و عليكم السلام أستاذ . جملة تقتلون المستقبل بذكريات الماضي ليست الا من باب المبالغة الي نقدر نقول عنها مبالغة محرجة للبعض ..