المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العامل الصغير



الجليد المتحرك
23-11-2014, 11:51 AM
http://im68.gulfup.com/W0mnBK.jpg


العامل الصغير



عدد من البيوت تصطف على الشريط الساحلي تمتد من مسجد علي بجوار الساحة الكبيرة التي تقام فيهاالأهازيج الشعبية في حارة البحارة الى مسجد محضار هذه ما كانت تعرف بمنطقة الحافة، بيتهم في الجهة الخلفية من الحارة ، امامها أرض فضاء ونخلة نارجيل قائمة حتى الآن. عمره لم يكن قد تجاوزالعشر سنوات عام 1926م عندما توفى والده ، لم ينجب والده سواه، عاش يتيما في مجتمع فقير لا يملك الا ما يجود به البحر من اسماك أو الارض من محصولات زراعية مثل(الفندال) البطاطا الحلوة والذرة والخضروات كالطماط والبصل.

أمه لم تبقيه الى جوارها وقريبا منها كونه وحيدا وكونه يتيما كأقرانه الذين تدللهم امهاتهم ، هو كل ما تملك في هذه الدنيا بعد أن فقدت زوجها بعد صراع مع المرض فترة طويلة من الزمن، عقدت العزم على أن تجعله كبيرا وهو لا زال طفلا لم يشفع له سنه ويتمه أن يعيش الى جوارها وينعم بدفء حنانها كغيره من أطفال حارته، امه تحبه كثيرا ومن فرط حبها له تدفعه دفعا للاعتماد على نفسه وهو في هذا السن الصغير ، كان يتيما وكان وحيدا .
دفعته أمه يوما من الأيام ليذهب مع ( الضاغية ) القارب الكبير ويسمى الصنبوق الذي يصيد ( العومة) السردين .

كان من عادتهم أن يركض أحدهم بجوار الشاطيء متتبعا القارب في البحر الى أن يقف في مكان ما ليرمي (الجريف) شباك الصيد حول اسراب العومة ومن ثم سحبها الى الشاطيء . عندها يبقى هذا الراكض بجوار أكوام العومة يبعد عنها طيور النورس التي يشتد هجومها لتختطف سمكة من هنا وسمكة من هناك ، كان هذا عمله هذا اليوم وهو عمل شاق لطفل في مثل سنه .

. شكرت امه ذلك الرجل الذي سمح لطفلها بتتبع الضاغية مقابل مبلغا يسيرا يحصل عليه نهاية اليوم ‘ لقد وافق هذا الرجل الطيب صاحب الضاغية رأفة بهذا الطفل اليتيم وأمه الأرملة المسكينة.

أنطلقت الضاغية تشق عباب البحرللبحث عن السردين وانطلق هذا الصغير دون توقف ، على أمل أن يقف القارب بعد مسافة قريبة ، ولكن طال الانتظارواستمر القارب في السير واستمر الصغير في الركض دون توقف ليصل الى مشارف مدينة طاقة أمام خور يعرف بإسم خورجنيف وهي مسافة تزيد على عشرة اميال.

توقف القارب ونزل البحارة (الصيادين) للشاطيء لسحب الجريف الممتلي بأسراب (العومة) السردين ، وتجميعهاعلى الشاطي ، وطلب من الصغير البقاء بجوار أكوام العومة ليبعد عنها طيور النورس التي تحاول باستماته خطف حبة من هنا وحبه وهناك ، عاد البحارة الى الصنبوق للبحث عن أسراب أخرى من العومة ومن ثم العودة بعد مرحلة او مرحلتين من رمي الجريف .

بقي الصغير وحيدا في منطقة مهجورة يركض هنا وهناك ليبعد طيور النورس عن أكل العومة، كان جائعا وكان خائفا . أمه تنتظر عودته ، وحل الظلام ولم تأتي الضاغية ، وعندما بدأ الظلام يحل على المكان خرجت مجموعات كبيرة من (الحنشي) السرطانات البحرية تهجم هي الأخرى على أكوام العومة ، فلا يدري أيهما يطرد طيور النورس أم أسراب الحنشي.

بدأ الخوف يدب الى قلبه يبكي تارة ثم يسكت قليلا لعله يستمع الى أحد قادم ، كان الجو باردا وكان الظلام دامسا ، ليس له من غطاء يغطي جسمه النحيف من البرد والخوف الا ثوبا باليا ممزقا من بعض أطرافه.
حفر لنفسه حفرة في رمال الشاطيء وجلس بها لم يظهر منها الا رأسه ، شعر بشئ من الدفء لكنه لم يشعر بالأمان، الخوف يكاد يقضي عليه. تذكر أنه سمع ان جنية تظهر في هذا المكان بين حين وآخر تجلس بجوار الخور، فازداد رعبا. الكبار يرتعدون خوفا من المرور بالليل بجوار خور جنيف ، فما بالك بهذا الطفل الذي لا يتجاوز العشرة أعوام. في الجانب اللآخر أمه تجوب الشاطيء ذهابا وايابا تنتظر عودة الضاغية وعودة صغيرها اليتيم ، كانت دموعها تسابق خطواتها وتسيل على خدها ، تركض هنا وهناك وتسأل هذا وذاك إن كان أحدا قد علم عن الضاغية ومتى ستصل.

في هذا الاثناء كانت الضاغية تقترب من منطقة الحافة ، صاح أحدهم توقفوا يا جماعة
. رد آخر ماذا بك ؟
- ألم تنسوا شيئا !
- لا ، لم ننسى شيئ ماذا لديك؟
- الطفل الذي أجلستموه عند العمومة.
ضرب كلامنهم كفا بكف ، ورددوا لا حول ولا قوة الا بالله ، كيف لم نتذكره. يا خوفه وخوف امه عليه ، لنعد اليه بسرعة قبل ان تلتهمه الضباع.

قال أحدهم، لن نصل بسرعة اليه في البحر ، أنزلوني على الشاطيء وانا سأركض اليه .


أنطلق يسابق الريح وهو خائفا أن يكون قد أصابه مكروه ، نادى بأعلى صوته أثناء اقترابه من المكان ، أحمد أحمد أين أنت يا بني، لم يسمع الا صوته ، أزدادت دقات قلبه خوفا ورعبا ، يركض خلف وأمام كومة العومة وينادي باعلا صوته ، كان أحمد نائما في هذه اللحظة في الحفرة التي لم يظهر منها الا رأسه ، كان نائما والدموع تركت آثارها على خديه الصغيرين بعد أن أعياه الخوف والجوع والبرد.

استمر الرجل ينادي بأعلا صوته التي تغيرت نبراته الى صوت البكاء ، في هذه اللحظة استيقظ أحمد وصاح باكيا عمي عمي ، لم يصدق الرجل اذنية والتفت يمينا وشمالا لمعرفة مصدر الصوت وأنفرجت أساريره وصرخ من الفرح عندما رآه فأنكب عليه يقبله ويحمد الله على سلامته ، أحمد الصغير لم يكد يسمع صوت هذا الرجل حتى أجهش بالبكاء وتعلق في رقبته وكأن حاله يقول لا عد تتركوني وحدي ياعمي ، مسح الرجل دموعه ثم أمسك بيده وعاد به الى الحافة .

في الجانب الآخر كانت امه تركض على الشاطيء وقلبها يكاد يقفز من صدرها ، لقد أخذ الخوف من أمه على وليدها كل مأخذ، أن يكون قد أصاب وليدها مكروه لمحت على البعد سوادا يقترب ، ركضت باتجاهه فاذا برجل يحمل ابنها ، التقفته من يده وأمطرته بدموعها وقبلاتها، أعتذر الرجل لها على تأخير طفلها وحمد الله على سلامتة ، وأخبرها بقصته .
شهقت أمه من الخوف ووضعت يدها على رأسها ، وعادت تحتظن طفلها اليتيم وتمطره بدموعها وقبلاتها، كان صوت آذان الفجر ينطلق في هذه اللحظة ، رفعت يداها للسماء تشكر ربها الذي حفظ لها صغيرها . مسحت دموعها وشكرت الرجل الذي عاد بإبنها وحملته الى البيت ، وهكذا انتهت مأساة هذا الصغير، لينطلق مرة أخرى وهو في الخامسة عشرة من عمره في سفينة حملته الى البحرين في رحلة البحث عن الرزق وفي مغامرة أخرى لا تقل عجبا وتشويقا عن سابقتها .

انتهت

نوارة الكون
24-11-2014, 08:13 AM
طرح موفق ومتميز اخي الكريم ربي يعطيك العافيه

روح الحلا1
24-11-2014, 08:15 AM
قصة رائعة.تسلم خيو..

القيصـــــر
24-11-2014, 09:35 AM
طرح جدا جميل راق لي
كل الشكر والتقدير لك وفي إنتظار
طرحك القادم ،،

الجليد المتحرك
24-11-2014, 10:28 AM
اشكركم على مروركم وتقديركم الغالي وبالنسبة للاخت نوارة الكون ، عجبت جدا بقصتك يا صلالة خبرينا لكنني لم انتهي منها بعد ، سوف يكون لي تعليق بعد الانتهاء من قراءتها ، بس بحق راقية

قائد الغزلان
24-11-2014, 05:00 PM
***مساااااء ورد اريج***

***قصة اجتماعية جميلة جدااا***

***تسلسل الاحداث راائع جدااا...وااصل ايهااا المتميز***

***بااارك الله فيك***

***تستحق وساام شكر والتقدير***

نديم الماضي
24-11-2014, 10:25 PM
قصه رائعه وسرد جميل بالتوفيق لك..

نديم الماضي
24-11-2014, 10:26 PM
قصه رائعه وسرد جميل بالتوفيق لك..وتستاهل الوسام

الجليد المتحرك
25-11-2014, 12:17 PM
لكم كل الشكر والتقدير على المرور والتعليق الجميل

الجليد المتحرك
25-11-2014, 12:19 PM
كل الشكر لك قائد الغزلان على المرور والتعليق الجميل واقتراح الوسام يعتبر وسام على صدر كل كاتب بالسبلة المميزة

بنت االعرب
26-11-2014, 05:34 PM
قصة جميلة
سلمت الانامل
تحياتي لك

عملاق الشعر
07-12-2014, 08:04 AM
الجليد


طرح جدا موفق وجميل



سلمت الانامل المبدعة