المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تآمر الأعداء وجهل الأبناء وعجز العلماء / دور السياسة المحلية في هذا الجانب



العميد الجابري
14-01-2015, 03:06 PM
الإسلام بين محن ثلاث
تآمر أعدائه وجهل أبنائه وعجز علمائه

يقال أن المقال بقلم : الشيخ أحمد بن حمد الخليلي


الحمد لله ، أحمده واستعينه واستهديه ، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ،أرسله بدعوة الحق إلى الخلق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته وسار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين .. اما بعد .
فإن الذي يتدبر التاريخ الإسلامي المجيد يجده منذ تنفس صبحه وارتفاع صوته ، بدأ يواجه سلسلة من المحن والتحديات ، واستمرت هذه السلسلة إلى وقتنا هذا ، وسوف تستمر إلى أن تقوم الساعة لأن تلك هي سنة الله في خلقه { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)..
ولقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن حلقات الأمر إذا استحكمت صعوبتها جاء الفرج من الله سبحانه وتعالى وانفرج الضيق وزالت الصعوبة { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى ، أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ، ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون ، حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ، لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ، ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) .
إن في المرسلين عبرة لأولي الألباب ، ولكن بجانب ذلك كله لا اعرف محنة رزئ بها الإسلام كمحن ثلاث ، وهي تآمر أعدائه ، وجهل أبنائه ، وعجز علمائه ، ولقد اجتمعت هذه المحن الثلاث في هذا القرن المنصرم ، وبسبب اجتماعها زلزلت العقيدة في نفوس المسلمين وارتاب المسلمون في أمر دينهم وصدقوا ما يجب تكذيبه وكذبوا ما يجب تصديقه ، وإذا نظرنا إلى تآمر أعداء الإسلام على الإسلام نجده أمراً ملازماً لسير الدعوة الإسلامية منذ بدايتها ، فمنذ أن رفع النبي صلى الله عليه وسلم صوت الدعوة إلى الإسلام بمكة المكرمة داعياً إلى الله ، معلناً توحيد الله ، بادره قبل كل شيء من هو أقرب الناس إليه وقال له : تباً لك ألهذا جمعتنا. ولا يزال الإسلام منذ ذلك الوقت يلقى مزيداً من التآمر من أعدائه ، ولكن التآمر الخفي أصعب بكثير من التآمر الظاهر ، والغزو الخفي أخطر بكثير من الغزو الجلي ، وإذا كان بجانب هذا التآمر عجز من قبل أبناء الإسلام وعدم إدراك لهذا التآمر من قبل علمائه ، كان الأمر أصعب بكثير ، ولقد رزئ المسلمون في عقيدتهم وارتج اليقين في صدورهم عندما واجهوا الغزو وهم عزل عن السلاح ، فاستسلموا له وتقبلوا كل ما جاء به.
إننا لنجد أن من أخطر ما اصيب به المسلمون هو قلب المفاهيم وتغيير المقاييس عندهم . وإذا كانت الكلمات تقاس بقدر معطياتها ، فإن كلمة قالها فيلسوف من فلاسفة الشرق في العصور السحيقة لجديرة بالتقدير والإكبار ، فقد قال : ( لو كنت أملك من أمر الناس شيئاً لبدأت قبل كل شيء بوضع الأسماء الصحيحة في مقابل المسميات ، لأن التسمية تصور المسمى على حقيقته ولكن التسمية إذا كانت مقلوبة كان المسمى خفياً بحيث لا تدركه القلوب ولا تستطيع أن تحكم عليه العقول).
ومن مخاطر الغزو الجديد الذي رزئ به الإسلام من قبل أعدائه ، هو قلب الأسماء بحيث لا تصور المسميات على حقيقتها ، ونجد أمثلة لهذا القيد متقبلة عند جميع الناس يلوكونها بألسنتهم بدون تفنيد بين ما هو صحيح أو ليس بصحيح ) ، فمن ذلك أن أعداء الإسلام أرادوا أن يحببوا إلى المسلمين الخمر فسموه ( المشروب الروحي ) وإن الذي يسمع الألسنة تردد هذا الإسم للخمور ليتصور ذلك الموقف الذي وقفه الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلن عن هذا التحريف قبل أربعة عشر قرناً ، فالإمام الربيع رحمه الله قد روى عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ليستحلن آخر أمتي الخمر بأسماء يسمونها بها )). وروي هذا الحديث من طريق عبادة رضي الله عنه أيضاً الإمام أحمد وابن ماجه بلفظ (( لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه )). وفي رواية ابن ماجه (( ليشربن طائفة من أمتي الخمر )). وروى الإمام أحمد وأبو داود من طريق أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ليشربن أُناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها )). وفي حديث أخرجه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قال : (( لا تنتهي الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها )). وجاء في رواية عن أبي محيرث عن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرجها النسائي أنه قال : (( يشرب أُناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها )). فالذي يسمع تردد كلمة المشروب الروحي أو المشروبات الروحية إطلاقاً على الخمر ، ليتصور ذلك التحذير الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمته ، ويدلنا هذا التحذير منه عليه أفضل الصلاة والسلام أن هذا الإطلاق نفسه حرام ، فإطلاق اسم المشروب الروحي على الخمر من ضمن المحرمات كما أن شربها وبيعها وسقيها وعصرها واعتصارها وحملها وإهدائها وتقبلها ممن اهداها كل ذلك حرام .
ومن ضمن قلب الأسماء تسمية الربا بالفوائد ، والله تعالى يقول : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } فالربا الذي يتصوره الناس سبباً للزيادة والنمو هو من أسباب محق البركة وزوال فائدة المال ، ولقد حذر الله تعالى من الربا أيما تحذير فقد قال عز من قائل : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون } . وبين قبل ذلك سبحانه وتعالى خطورة الربا حيث قال : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }.والذين يماحكون في تحريم الربا ويجادلون إنما يتوجه إليهم هذا الوعيد الشديد الذي آذن به الله سبحانه وتعالى به أُولئك الذين يأكلون الربا أو أُولئك الذين يستحلونه حيث يقولون إنما البيع مثل الربا . ولقد ظن بعض الناس أن الربا سبب للنمو والزيادة حتى قال كثير منهم أن البنوك التي تتعامل بالربا سبب لازدهار الاقتصاد وتعلموا أنها سبب لمحق البركة وسبب للقضاء على نمو المال وسبب لاستشراء الفساد في الثمار والزروع لأن الله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله }.
ومن قلب الأسماء تسمية الزنا ومقدماته بالحب ، مع أن الله سبحانه حرم الزنا وحذر من إتيان مقدماته ، فقد قال عز من قائل : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } . وفرض الله تعالى العقوبات الرادعة على الزنا ، فرض الجلد عليه في كتابه العزيز ، وفرض الرجم إن كان الزاني محصناً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم القولية والتطبيقية ، يقول الله تبارك وتعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله }. يحذرنا الله تعالى من أن تأخذنا رأفة بالزناة لأنهم يهدمون الأسر ويفسدون البيوت ويطمسون النسل ومغبة الزنا مغبة خطيرة ، ولكن بدلاً من أن يسمى الزنا باسمه الصحيح وضع له هذا الاسم البراق ، فسمي حباً عند كثير من الناس.
ومن ذلك أيضاً تسمية الغناء والرقص وضروب المجون بالفن ، فإن ذلك كله من ضمن الغزو الخطير الذي يترتب على قلب الأسماء عن حقيقتها وإعطاء المسميات أسماء غير أسمائها ولا شك أن هؤلاء يقصدون بمثل ذلك إضفاء ثوب المحاسن على المقابح وتصوير الرذائل في صورة الفضائل وتحبيب الشهوات إلى النفوس ويحاولون من وراء ذلك كله أن تجهل هذه الأمة عقيدتها وأن تجهل واجباتها لأنها سكعت في شهواتها واستسلمت لعدوها إذ لا يعود لها هم في هذه الدنيا غير الشهوات وذلك الذي تلتقي عليها مؤسسات أعداء الإسلام كلها ، فالصهيونية والتبشير الصليبي والشيوعية ، كلها تتضافر جهودها على ذلك ، ومما يدل على ذلك ما قاله أحد القسيسين المبشرين وهو زويمر حيث قال في مؤتمر القدس: ( إن مهمة التبشير التي لأجلها ندبتكم الدول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في تنصير المسلمين ، فإن ذلك هداية لهم وتكريماً ، وإنما هي في إخراج المسلم من الإسلام وجعله مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليه الأمم في حياتها وبهذا تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية ). ثم بعد ذلك وجه خطابه إلى إخوانه القسيسين فقال: ( إنكم قد ظفرتم ونجحتم أيما نجاح في مهمتكم ذلك لأنكم أعددتم جيلاً لا همة له إلا بالشهوات ، فإن سما إلى أعلى المناصب ففي سبيل الشهوات ، وإن جمع المال فلأجل الشهوات ).
وهذا هو الذي وقعت فيه هذه الأمة ، عندما كان اللورد كرومر بمصر يقف في وجه المنصرين الذين يريدون أن يختطفوا أبناء المسلمين ، عندما كان يفعل ذلك قدم المنصرون شكاية عنه إلى بلاده فنوقش فقال : إن هؤلاء يريدون أن يستفزوا مشاعر المسلمين بينما طريقتي هي أنجح طريق ، طريقتي أني دسست السم في العسل وذلك لأنني دسست المباديء الخطيرة على الإسلام والمسلمين في المناهج التعليمية ، لقد أمرت بإعداد المناهج التعليمية أكبر قس في الشرق وهو زويمر وإنني لواثق أن أبناء المسلمين سوف يتلقون الأفكار الغربية بكل ما فيها من فساد إذا تقبلوا هذه المناهج . وذلك الذي وقعت فيه هذه الأمة ، فقد أضفى ثوب المحاسن على القبائح وسميت معاصي الله سبحانه وتعالى بأسماء براقة وأخذ الناس يحببون إلى أبنائهم الأعمال المنكرة والأحوال الدنيئة

سوبر جلو
14-01-2015, 05:02 PM
مقال في غاية الروعة وشكرا لك أيها العميد .... وفعلا قاموا بدس السم في العسل فشربناه مما جعل السم يسري في عقولنا وأجسادنا فصرنا نتآمر على بعضنا البعض وننهش لحم بعضنا البعض ونقتل بعضنا بعضا .... فلله الأمر من قبل ومن بعد ....

انسان قديم
14-01-2015, 05:58 PM
الجهل كان ومازال العدو الاول للانسان والمجتمعات وجهل المتعلمين هو اشد مضاضة من جهل الأميين *، والدفاع عن الجهل والتخلف الفكري ادنى حالات الانسانية لكن المشكلة تبقى كيف نحارب هذا الجهل في ظل عدم احترام الحوار والفكر المضاد*..
أما عن عجز العلماء فهي حالة بالفعل كئيبة فهم برأيي يمتلكون العلم و الحكمة و لكن أين و متى يوجهونها فهم لا يملكون القرار الأوحد . شكرا العميد مقال جيد يوضح مأااسي الجهل و العجز الغير ارادي و بالطبع تربص أعداء الأمة ليس من اليوم و التاريخ خير دليل و شاهد .

حدائق
14-01-2015, 06:41 PM
اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال

shaker
14-01-2015, 09:57 PM
ملائكة باهت ملائكة السماء" كرامات الله لاتعد ولاتحصى ونحمده أن من علينا بعلماء كأمثال سماحته حفظه الله.

((اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر))
ليس هناك من قول بعد هذا المقال أقوله.
تقديري