المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العرب.. بين الحداثة والتغريب



fawaz_a
20-01-2015, 02:36 PM
عبد الله الشحي

قدم الدكتور مسعود ضاهر في مقالته (الذات وتحديات ثقافة الآخر في عصر العولمة) جملة إشكالات تتعلق بالذات العربيّة التي تتميز عمومًا بالقوميّة والتأخر التكنولوجي والعلمي عن بقيّة العالم، ونظرة كل من العرب والغرب للآخر، مع تتبع تأثير العولمة على تلك المسائل، ثمّ محاولة طرح تحليل لما يراه مشكلة تتطلب الحوار بين الطرفين لحلها. يشير الكاتب في مطلع المقال إلى مجموعة من الدراسات التي نشرت حول علاقة العرب بالغرب والقومية والوطنية وحوار وصراع الحضارات في عصر العولمة والانفتاح بالإضافة إلى عدد من المؤتمرات والندوات، تقول إن صورة الغرب لدى العرب مشوهة، والعكس أيضا صحيح.

من المعلوم أنّ علاقة العرب بالغرب في عصر العولمة والانفتاح على الآخر تحتوي على الكثير من التفاعل والانفعال؛ ويصر الكاتب على ضرورة قيام ذلك التفاعل على حوار الحضارات وليس صراع الحضارات. وهذا حسب ما أرى صحيح فهناك مساحات كبيرة للحوار بين العرب والغرب دون الحاجة للصراع بينهما وإلغاء الآخر.

يتحول الكاتب للحديث حول تصويب الصورة عن الآخر، حيث يرى ضرورة تربية حس نقدي لدى المثقفين العرب والغرب على حد سواء لنقد وتمحيص الصورة المطروحة عن الآخر، وهذا قطعًا حاصل ويوجد عليه عدد لا بأس به من الأمثلة. يرى الكاتب أيضًا أهميّة وجود حق الاختلاف وحرية التعبير اللذين ترعاهما سلطة متنورة أو ما أسماها (بالدولة الديموقراطية العصرية). أستطيع أن أجزم بوجود صعوبة بارزة في تحقيق الشرط الأخير إلا إذا أنتجت التقلبات السياسية الحالية في الوطن العربي ذلك.

لا يغيب عن الكاتب طرح السؤال الشهير(لماذا تأخر العرب وتقدم غيرهم؟)، حيث إنّ تأخر العرب حقيقة مرة لم ينجح معها "مشاريع التحديث البنيوي"، والسبب في ذلك على حد تعبيره هو تغييب التراث العقلاني العربي في مقابل الفكر التقليدي، على أنّ الفكر العربي لا يوجد به خلل بنيوي يمنع من تمثل الحداثة. إضافة إلى ما سبق يمكن ملاحظة أنّ دولاً مثل اليابان قد نجحت في تبني الحداثة دون التغريب، على عكس ما يجري لدى العرب الذين يتبنون التغريب دون الحداثة، فالحداثة ليست الغرب بالضرورة. وقد أحسن الكاتب في تفريقه بين هذين المصطلحين، الذين لا زال الكثير يظنون أنهما وجهان لعملة واحدة. يواصل الكاتب بعد ذلك الحديث عن العولمة من حيث إنّ لها سلبيات تهدد الثقافات القومية مثل القومية العربية. هنا تحضرني فكرة طرحها (الكاتب أحميدة النيفر) في أنّ العولمة ليست مشروعًا جاهزًا، بل هي سياق حضاري يتقاطع مع أيديولوجيات مثل الليبرالية والرأسمالية. عرّج الكاتب على فكرة أنّ المثقف العربي يجب أن يلعب دورًا مهمًا في مواجهة سلبيات العولمة وتحصين المجتمع منها، وأرى بأنّه أيًا كانت الآلية التي يجب أن يمارسها المثقف في هذا الجانب يجب أن تكون بعيدة عن الوصاية، فالعرب لا يحتاجون للمزيد من الوصاية.

يستهل الكاتب موضوعا آخر ألا وهو "تجديد البحث النظري حول حوار الحضارات" ليشير فيه إلى وجود صراع بين الغرب العلماني والشرق المتدين من جهة والعلم المتغير والدين الثابت من جهة أخرى. من المعلوم أنّ العلم هو ما يقود التقدم البشري اليوم فمن الضروري إدخاله ليكون عنصرًا فاعلا في المجتمعات العربية، وفي السياق نفسه من المهم إدراك أنّ الغرب يريد من العرب أن يكونوا تابعين له ولعولمته. ومع أنني شخصيا أوافق على فكرة أنّ العولمة ليست مشروعًا جاهزًا أو مؤامرة، إلا أنه لا شيء يمنع الغرب من محاولة استغلالها لإهدافه. يتابع الكاتب مستعرضا ضرر غياب العمل الجماعي والتفكير النقدي في المؤسسات الثقافية في أنه يمنع دخول العرب الساحة الثقافية، حيث يتميّز المشهد الثقافي العربي بانصراف شبه تام من قبل المثقفين عن الإنتاج العلمي والرياضيات والكيمياء إلى البحث التاريخي والرواية والمسرح والشعر والفنون.

عندما نتحدث عن الصورة المتبادلة بين العرب والغرب، فإنّ الكاتب يطرح نماذج يؤكد فيها على ضرورة فتح الحوار العربي-العربي في سبيل تصحيح تلك الصورة، وأول تلك النماذج هي أنّ الغرب ليس واحدًا، وكذلك العرب، هناك الكثير من الاختلافات الدينية والثقافية بينهم، كما أنّ الغرب ليس بالضرورة ذلك المحتل أو المستعمر. النموذج الثاني يتعلق بتباين وجهات النظر في فهم الآخر، وفيه يتحدث عن مخاطر العولمة، وكيف أنّ العربي اخترع صورة للغرب، والغربي اخترع صورة للعرب وكلتا الصورتين غير صحيحتين. هنا أستطيع أن آتي بمثال على ذلك، بيل ماهر الإعلامي الأمريكي قدّم حلقة مع المؤلف سام هريس اتهما فيها المسلمين بالإرهاب ومارسا الكثير من التعميم. يتضح جليًا من هذا كيف أنّ الصورة المتبادلة بين العرب والغرب ممسوخة. من جهة أخرى أكد الكاتب على أنّ ثنائية القبول والرفض حاضرة في الدراسات العربية حول الغرب، فهناك من ينادي بالقبول الكلي أو الرفض الكلي للغرب دون نظرة موضوعيّة لمعالجة المشكلات القائمة. النموذج الأخير يتحدث عن تجاوز المقولات النمطية حول روحانية الشرق ومادية الغرب. فالغرب ليس واحدًا، ولا الشرق كذلك، في الغرب هناك من يدعو إلى الديموقراطية والحرية والإخاء، وهناك من يدعو للمادية والتعري ودعم المشروع الصهيوني.

خلقت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 نوعًا من عدم الثقة بين العرب والغرب، فأصبحت ضرورةً أخرى لفتح حوار مسؤول بينهما، يكون من منطلق الندية وليس التبعية، فحتى مع تقدم الغرب وتفوقه تكنولوجيا وعلميًا إلا أنّ هذا ليس سببًا ليكون العربي تابعًا للغرب؛ فهاتان الحضارتان من الممكن حسب رأي الكتاب - بل يجب - أن تتحاورا لا أن تتصارعا، مؤكدا في الوقت نفسه على ضرورة عمل العرب على الأخذ بالمقولات والأفكار الإيجابيّة التي أنتجت التقدم العلمي والتكنلوجيا، الفلسفيّة والاقتصادية والسياسية ورفض السلبية عن طريق ممارسة نقد للمقولات الغربية.

في النهاية، أستطيع القول أن الدكتور مسعود ضاهر في مقالته قد نجح في طرح بعض المشكلات المتعلقة بالذات وتحديات الثقافة والحلول الممكنة لها، بشرط تغيير طريقة التفكير عن الآخر والانفتاح عليه بشكل متوازن دون الحاجة لرفضه كليا أو قبوله كليا.