المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هنا لادراج اسئلة واجابات المسابقة فقط



اسطورة لن تتكرر
25-01-2015, 02:14 PM
http://www7.0zz0.com/2015/01/19/22/336103661.gif


صَباحُكُم / مَساءُكم عبق ورد الرياحين..
أيُها الاحبة الذَين خَطَت أقلامُكم على درب السطور
مَعَكُم يا مَن حَملتم على عَاتِقكم ...
قضية الحرف ،،وأسكنتم جوفكم ... فوضى الكلمات
أقلام مبدعة ،،شجرة وارفة الضلال
تنطق عبيرا ،، وتشع جمالاً بِكم..::
******************************
احبتي رواد السبلة العمانية

هنا سوف تدرج اجابات المسابقة فقط بدون نقاشات او ردود
وسيكون النقاش والردود بالمتصفح الاخر على هذه الرابط
http://omaniaa.co/showthread.php?t=31378


همســــــــــة
نستقبل الاجابات من الساعة العاشرة مساءا والى الساعة الخامسة عصرا من اليوم التالي
وسيغلق المتصفح بعد هذا الوقت ولن نستقبل اي اجابة


تقبلوا تحيات ادراة كتاب الخواطر

اسطورة لن تتكرر
25-01-2015, 10:02 PM
النص الاول

:::::::::
على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ
وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ
وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ
هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ
إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ
ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ

اسطورة لن تتكرر
25-01-2015, 10:09 PM
نستقبل الاجابات هنا

بالتوفيق للجميع

زهرة الأحلام
25-01-2015, 10:12 PM
اسم القصيدة : شجرة القمر
اسم الكاتب : نازك الملائكة


النص كاملاً ::


على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ


وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ


وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ


وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ


هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ


إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ


ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ


ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ


وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ


وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ


وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ


ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ


وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ


يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ


ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ


وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ


وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ


على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ


وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا


أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى


2


وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ


خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ


وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ


وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ


وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ


وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ


وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ


ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ


وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما


على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما


... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ


وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ


وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ


بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ


وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ


أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?


وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ


وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ


3


وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ


وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"


"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"


"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"


ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"


فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"


"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"


"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"


"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"


"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"


"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"


"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"


"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"


"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"


ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ


فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ


وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ


ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ


وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ


ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"


وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ


إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ


وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ


وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ


وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ


ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ


وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"


فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"


4


وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ


ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"


وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ


فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ


وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ


ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ


ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ


وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ


ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ


ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور


وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?


ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?


وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ


وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?


ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ


تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ


وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ


ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?


وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ


بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ


5


وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ


وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ


تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ


فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!


فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ


وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ


جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ


وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ


ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ


وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ


وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?


ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?


وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ


عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?


أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ


وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?


أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?


وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?


أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها


سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها


لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ


وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي


6


وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ


يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ


يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ


يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ


ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ


ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ


وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ


يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ


وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ


فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!


هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ


تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ


هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ


جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ


رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ


وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ


وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ


وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ


وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ


لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ


وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ


فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ


فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ


سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?


وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ


جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ


7


ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون


حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون


وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ


وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ


وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ


وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ


يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ


وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ


وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ


يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ

صخب أنثى
25-01-2015, 10:12 PM
شجره القمــــــــــر

لِ نآزك الملآئكة

صخب أنثى
25-01-2015, 10:13 PM
​على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْوغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ
وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ
هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ
إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ
ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ
وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ
وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ
وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ
ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ
وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ
يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ
ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ
وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ
وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ
على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ
وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا
أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى
2
وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ
خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ
وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ
وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ
وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ
وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ
وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ
ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ
وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما
على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما
... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ
وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ
وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ
بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ
وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ
أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?
وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ
وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ
3
وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ
وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"
"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"
"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"
ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"
فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"
"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"
"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"
"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"
"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"
"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"
"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"
"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"
"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"
ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ
فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ
وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ
ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ
وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ
ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"
وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ
إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ
وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ
وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ
وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ
ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ
وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"
فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"
4
وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ
ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"
وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ
فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ
وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ
ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ
ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ
وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ
ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ
ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور
وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?
ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?
وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ
وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?
ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ
تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ
وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ
ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?
وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ
بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ
5
وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ
وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ
تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ
فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!
فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ
وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ
جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ
وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ
ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ
وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ
وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?
ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?
وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ
عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?
أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ
وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?
أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?
وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?
أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها
سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها
لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ
وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي
6
وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ
يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ
يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ
يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ
ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ
ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ
وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ
يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ
وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ
فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!
هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ
تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ
هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ
جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ
رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ
وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ
وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ
وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ
وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ
لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ
وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ
فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ
فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ
سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?
وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ
جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ
7
ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون
حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون
وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ
وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ
وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ
وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ
يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ
وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ
وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ
يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ

جُمانه
25-01-2015, 10:15 PM
،

آلكآتبَة : نآزكْ آلملآئِكَةة ،،
/
عنوآن آلمَقآلْ : شجَرَة آلقمَر من كِتآب يُغير ألوآنهُ آلبحر
/
آلمَقآل كآملآ :
على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ
وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ
وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ
هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ
إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ
ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ
وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ
وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ
وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ
ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ
وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ
يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ
ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ
وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ
وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ
على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ
وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا
أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى

نـــــــقــــــــاء
25-01-2015, 10:17 PM
اسم القصيدة .. شجرة القمر
الكاتبة نازك الملائكة




على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ



وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ



وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ



وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ



هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ



إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ



ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ



ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ



وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ



وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ



وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ



ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ



وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ



يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ



ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ



وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ



وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ



على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ



وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا



أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى



2



وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ



خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ



وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ



وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ



وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ



وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ



وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ



ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ



وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما



على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما



... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ



وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ



وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ



بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ



وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ



أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?



وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ



وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ



3



وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ



وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"



"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"



"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"



ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"



فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"



"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"



"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"



"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"



"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"



"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"



"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"



"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"



"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"



ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ



فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ



وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ



ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ



وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ



ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"



وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ



إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ



وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ



وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ



وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ



ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ



وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"



فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"



4



وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ



ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"



وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ



فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ



وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ



ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ



ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ



وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ



ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ



ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور



وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?



ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?



وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ



وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?



ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ



تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ



وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ



ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?



وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ



بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ



5



وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ



وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ



تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ



فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!



فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ



وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ



جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ



وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ



ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ



وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ



وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?



ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?



وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ



عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?



أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ



وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?



أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?



وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?



أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها



سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها



لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ



وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي



6



وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ



يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ



يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ



يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ



ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ



ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ



وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ



يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ



وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ



فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!



هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ



تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ



هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ



جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ



رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ



وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ



وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ



وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ



وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ



لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ



وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ



فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ



فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ



سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?



وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ



جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ



7



ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون



حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون



وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ



وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ



وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ



وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ



يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ



وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ



وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ



يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ

نـــور الروح
25-01-2015, 10:20 PM
العنوان:شجرة القمر
الكاتب غدير سالممن القلبنازك الملائكة
المقال على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ

وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ

وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ

وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ

هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ

إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ

ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ

ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ

وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ

وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ

وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ

ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ

وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ

يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ

ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ

وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ

وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ

على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ

وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا

أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى

قائد الغزلان
25-01-2015, 10:51 PM
اسم القصيدة:.شجرة القمر



نوع القصيدة : فصحى

للكاتبة:.نازك الملائكة







1


على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ



وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ


وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ


وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ


هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ


إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ


ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ


ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ


وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ


وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ


وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ


ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ


وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ


يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ


ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ


وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ


وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ


على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ


وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا


أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى


2


وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ


خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ


وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ


وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ


وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ


وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ


وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ


ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ


وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما


على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما


... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ


وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ


وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ


بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ


وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ


أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?


وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ


وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ


3


وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ


وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"


"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"


"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"


ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"


فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"


"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"


"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"


"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"


"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"


"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"


"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"


"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"


"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"


ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ


فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ


وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ


ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ


وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ


ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"


وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ


إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ


وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ


وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ


وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ


ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ


وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"


فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"


4


وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ


ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"


وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ


فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ


وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ


ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ


ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ


وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ


ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ


ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور


وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?


ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?


وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ


وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?


ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ


تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ


وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ


ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?


وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ


بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ


5


وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ


وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ


تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ


فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!


فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ


وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ


جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ


وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ


ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ


وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ


وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?


ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?


وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ


عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?


أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ


وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?


أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?


وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?


أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها


سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها


لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ


وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي


6


وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ


يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ


يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ


يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ


ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ


ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ


وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ


يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ


وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ


فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!


هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ


تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ


هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ


جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ


رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ


وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ


وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ


وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ


وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ


لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ


وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ


فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ


فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ


سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?


وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ


جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ


7


ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون


حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون


وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ


وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ


وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ


وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ



يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ


وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ


وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ


يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صي





http://www.adab.com/photos/32.jpg




نبذه بسيطة عن الكاتبة

نازك الملائكة شاعرة عراقية تمثل أحد أبرز الأوجه المعاصرة للشعر العربي الحديث، الذي يكشف عن ثقافة عميقة الجذور بالتراث والوطن والإنسان.

ولدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923 وتخرجت في دار المعلمين عام 1944، وفي عام 1949 تخرجت في معهد الفنون الجميلة "فرع العود"، لم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية إلى هذا الحد إذ درست اللغة اللاتينية في جامعة برستن في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك درست اللغة الفرنسية والإنكليزية وأتقنت الأخيرة وترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها، وفي عام 1959 عادت إلى بغداد بعد أن قضت عدة سنوات في أمريكا لتتجه إلى انشغالاتها الأدبية في مجالي الشعر والنقد، والتحقت عام 1954 بالبعثة العراقية إلى جامعة وسكونسن لدراسة الأدب المقارن، وقد ساعدتها دراستها هذه المرة للاطلاع على اخصب الآداب العالمية، فإضافة لتمرسها بالآداب الإنكليزية والفرنسية فقد اطلعت على الأدب الألماني والإيطالي والروسي والصيني والهندي.

اشتغلت بالتدريس في كلية التربية ببغداد عام 1957، وخلال عامي 59 و1960 تركت العراق لتقيم في بيروت وهناك أخذت بنشر نتاجاتها الشعرية والنقدية، ثم عادت إلى العراق لتدرس اللغة العربية وآدابها في جامعة البصرة

تكاد تكون نازك الملائكة رائدة للشعر الحديث، بالرغم من إن مسألة السبق في "الريادة" لم تحسم بعد بينها وبين بدر شاكر السياب، ولكن نازك نفسها تؤكد على تقدمها في هذا المجال عندما تذكر في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" بأنها أول من قال قصيدة الشعر الحر، وهي قصيدة "الكوليرا" عام 1947. أما الثاني -في رأيها- فهو بدر شاكر السياب في ديوانه "أزهار ذابلة" الذي نشر في كانون الأول من السنة نفسها.

لنازك الملائكة العديد من المجاميع الشعرية والدراسات النقدية منها ما ضمها كتاب ومنها ما نشر في المجلات والصحف الأدبية، أما مجاميعها الشعرية فهي على التوالي:

عاشقة الليل 1947، شظايا ورماد‍ 1949، قرار الموجة 1957، شجرة القمر1968، مأساة الحياة وأغنية الإنسان "ملحمة شعرية" 1970، يغير ألوانه البحر1977، وللصلاة والثورة 1978.

ونازك الملائكة ليست شاعرة مبدعة حسب، بل ناقدة مبدعة أيضاً، فآثارها النقدية: (قضايا الشعر المعاصر1962)، (الصومعة والشرفة الحمراء1965) و(سيكولوجية الشعر 1993) تدل على إنها جمعت بين نوعين من النقد، نقد النقاد ونقد الشعراء أو النقد الذي يكتبه الشعراء، فهي تمارس النقد بصفتها ناقدة متخصصة. فهي الأستاذة الجامعية التي يعرفها الدرس الأكاديمي حق معرفة، وتمارسه بصفتها مبدعة منطلقة من موقع إبداعي لأنها شاعرة ترى الشعر بعداً فنياً حراً لا يعرف الحدود أو القيود. لذلك فنازك الناقدة، ومن خلال آثارها النقدية تستبطن النص الشعري وتستنطقه وتعيش في أجوائه ناقدة وشاعرة على حد سواء بحثاً عن أصول فنية أو تجسيداً لمقولة نقدية أو تحديداً لخصائص شعرية مشتركة.

تباشيرالأمل
25-01-2015, 11:38 PM
السلام عليكم
الكاتب ..الشاعره العراقية..نازك الملائكة

عنوان القصيدة..شجرة القمر...


1

على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ

وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ

وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ

وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ

هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ

إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ

ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ

ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ

وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ

وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ

وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ

ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ

وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ

يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ

ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ

وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ

وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ

على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ

وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا

أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى

2

وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ

خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ

وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ

وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ

وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ

وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ

وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ

ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ

وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما

على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما

... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ

وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ

وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ

بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ

وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ

أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?

وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ

وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ

3

وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ

وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"

"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"

"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"

ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"

فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"

"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"

"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"

"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"

"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"

"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"

"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"

"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"

"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"

ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ

فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ

وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ

ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ

وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ

ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"

وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ

إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ

وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ

وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ

وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ

ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ

وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"

فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"

4

وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ

ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"

وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ

فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ

وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ

ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ

ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ

وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ

ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ

ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور

وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?

ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?

وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ

وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?

ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ

تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ

وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ

ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?

وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ

بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ

5

وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ

وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ

تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ

فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!

فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ

وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ

جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ

وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ

ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ

وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ

وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?

ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?

وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ

عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?

أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ

وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?

أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?

وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?

أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها

سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها

لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ

وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي

6

وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ

يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ

يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ

يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ

ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ

ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ

وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ

يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ

وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ

فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!

هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ

تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ

هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ

جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ

رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ

وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ

وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ

وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ

وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ

لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ

وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ

فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ

فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ

سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?

وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ

جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ

7

ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون

حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون

وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ

وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ

وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ

وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ

يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ

وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ

وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ

يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ

ريحة الجنة
26-01-2015, 08:11 AM
صباح الخير

القصيدة لـ نازك الملائكة

اسم القصيدة شجرة القمر



على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ



وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ



وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ



وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ



هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ



إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ



ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ



ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ



وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ



وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ



وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ



ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ



وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ



يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ



ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ



وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ



وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ



على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ



وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا



أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى



2



وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ



خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ



وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ



وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ



وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ



وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ



وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ



ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ



وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما



على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما



... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ



وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ



وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ



بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ



وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ



أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?



وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ



وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ



3



وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ



وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"



"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"



"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"



ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"



فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"



"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"



"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"



"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"



"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"



"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"



"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"



"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"



"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"



ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ



فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ



وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ



ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ



وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ



ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"



وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ



إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ



وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ



وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ



وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ



ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ



وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"



فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"



4



وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ



ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"



وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ



فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ



وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ



ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ



ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ



وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ



ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ



ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور



وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?



ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?



وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ



وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?



ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ



تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ



وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ



ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?



وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ



بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ



5



وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ



وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ



تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ



فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!



فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ



وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ



جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ



وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ



ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ



وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ



وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?



ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?



وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ



عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?



أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ



وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?



أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?



وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?



أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها



سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها



لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ



وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي



6



وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ



يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ



يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ



يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ



ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ



ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ



وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ



يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ



وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ



فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!



هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ



تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ



هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ



جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ



رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ



وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ



وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ



وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ



وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ



لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ



وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ



فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ



فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ



سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?



وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ



جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ



7



ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون



حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون



وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ



وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ



وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ



وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ



يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ



وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ



وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ



يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ

اسطورة لن تتكرر
26-01-2015, 09:48 PM
http://www11.0zz0.com/2015/01/26/20/939491620.gif


صديقتي ..
أجلس هذا المساء في شرفتي لأن البدر الليلة من التمام وفي السماء
بعض غمام يوهمنا في سيرة أن القمر هو الذي يسير ..
ما لهذا القرص من النور يركض هكذا في الفضاء ! ترينه على موعد مع حبيب !
إن القاهرة الساعة هادئة نائمة ، أشرف عليها من مكتبي القصي ، بيوتها متساندة ..
متعانقة في حضن " المقطم " كأنها فراخ طير في وكر أمها ، بعض قد أغلق عينيه أو نوافذه
واستسلم للنعاس والبعض ساهر قد فتحتها تلمع مضيئة في ظلام الليل ..

زهرة الأحلام
26-01-2015, 09:57 PM
اسم النص : من رواية الرابط المقدس
اسم الكاتب : توفيق الحكيم

النص كاملاً ::

صديقتي ..
أجلس هذا المساء في شرفتي لأن البدر الليلة من التمام وفي السماء
بعض غمام يوهمنا في سيرة أن القمر هو الذي يسير ..
ما لهذا القرص من النور يركض هكذا في الفضاء ! ترينه على موعد مع حبيب !
إن القاهرة الساعة هادئة نائمة ، أشرف عليها من مكتبي القصي ، بيوتها متساندة ..
متعانقة في حضن " المقطم " كأنها فراخ طير في وكر أمها ، بعض قد أغلق عينيه أو نوافذه
واستسلم للنعاس والبعض ساهر قد فتحتها تلمع مضيئة في ظلام الليل ..
ترى وماذا أنت الساعة تصنعين .؟
صديقتي .. لا أنتهي من تعنيف نفسي على مسلكي معك ..
كيف عميت ..؟ فلم أرى في مجرد مجيئك مغزى رائعاً !
إن الرغبة في الدنو من رجل يعيش مع الكتب هي في ذاتها فكرة جديرة بامرأة رقيقة ..
ليس من السهل دائماً على كل امرأة أن تأنس إلى رجل يعيش كما أعيش ..
ومن عجب أنه لم يبد عليك لحظة واحدة أنك ضقت ذرعاً بي ..
بل أنا الذي كان خالياً من الرزانة والتؤدة ..
بعجل يقطع تلك الصلة الجميلة التي لم يكن بها خليقاً ...
وها أنا ذا قد حرمت نفسي - كما ترين – ذلك الحسن الوحيد
الذي كان له الشجاعة أن ينفذ إلى حجرتي المغبرة بتراب المجلدات ..
ها أنا ذا .. قد أغلقت بنفسي نافذة حياتي عن شعاعك ..
فلو دريت أي خلال أحيا فيه الآن .. !
تصوري القمر .. قد انفصل عن الأرض فجأة في يوم من الأيام
وسبح في الفضاء حتى وجد كوكب آخر جذبه إليه وتركنا إلى الأبد بدون نوره ؟..
كيف تكون الحياة على سطح أرضنا .. ؟
إن استطعنا أن نحيا بعد ذلك ، ثقي أنها ستكون حياة بلا جمال ولا حتى شعر ..
وما قيمتها إذن مثل هذه الحياة !
أدركت الآن ... ما ذا خسرت بفقدك ..

نـــــــقــــــــاء
26-01-2015, 09:58 PM
من رواية الرابط المقدس
الكاتب : توفيق الحكيم

صديقتي ..
أجلس هذا المساء في شرفتي لأن البدر الليلة من التمام وفي السماء
بعض غمام يوهمنا في سيرة أن القمر هو الذي يسير ..
ما لهذا القرص من النور يركض هكذا في الفضاء ! ترينه على موعد مع حبيب !
إن القاهرة الساعة هادئة نائمة ، أشرف عليها من مكتبي القصي ، بيوتها متساندة ..
متعانقة في حضن " المقطم " كأنها فراخ طير في وكر أمها ، بعض قد أغلق عينيه أو نوافذه
واستسلم للنعاس والبعض ساهر قد فتحتها تلمع مضيئة في ظلام الليل ..
ترى وماذا أنت الساعة تصنعين .؟
صديقتي .. لا أنتهي من تعنيف نفسي على مسلكي معك ..
كيف عميت ..؟ فلم أرى في مجرد مجيئك مغزى رائعاً !
إن الرغبة في الدنو من رجل يعيش مع الكتب هي في ذاتها فكرة جديرة بامرأة رقيقة ..
ليس من السهل دائماً على كل امرأة أن تأنس إلى رجل يعيش كما أعيش ..
ومن عجب أنه لم يبد عليك لحظة واحدة أنك ضقت ذرعاً بي ..
بل أنا الذي كان خالياً من الرزانة والتؤدة ..
بعجل يقطع تلك الصلة الجميلة التي لم يكن بها خليقاً ...
وها أنا ذا قد حرمت نفسي - كما ترين – ذلك الحسن الوحيد
الذي كان له الشجاعة أن ينفذ إلى حجرتي المغبرة بتراب المجلدات ..
ها أنا ذا .. قد أغلقت بنفسي نافذة حياتي عن شعاعك ..
فلو دريت أي خلال أحيا فيه الآن .. !
تصوري القمر .. قد انفصل عن الأرض فجأة في يوم من الأيام
وسبح في الفضاء حتى وجد كوكب آخر جذبه إليه وتركنا إلى الأبد بدون نوره ؟..
كيف تكون الحياة على سطح أرضنا .. ؟
إن استطعنا أن نحيا بعد ذلك ، ثقي أنها ستكون حياة بلا جمال ولا حتى شعر ..
وما قيمتها إذن مثل هذه الحياة !
أدركت الآن ... ما ذا خسرت بفقدك ..

قائد الغزلان
26-01-2015, 10:18 PM
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/ar/thumb/4/4f/%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8% D8%A7%D8%B7_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3.j pg/223px-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8% D8%A7%D8%B7_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3.j pg

من رواية الرابط المقدس

للكاتب:.توفيق الحكيم


صديقتي ..
أجلس هذا المساء في شرفتي لأن البدر الليلة من التمام وفي السماء
بعض غمام يوهمنا في سيرة أن القمر هو الذي يسير ..
ما لهذا القرص من النور يركض هكذا في الفضاء ! ترينه على موعد مع حبيب !
إن القاهرة الساعة هادئة نائمة ، أشرف عليها من مكتبي القصي ، بيوتها متساندة ..
متعانقة في حضن " المقطم " كأنها فراخ طير في وكر أمها ، بعض قد أغلق عينيه أو نوافذه
واستسلم للنعاس والبعض ساهر قد فتحتها تلمع مضيئة في ظلام الليل ..
ترى وماذا أنت الساعة تصنعين .؟
صديقتي .. لا أنتهي من تعنيف نفسي على مسلكي معك ..
كيف عميت ..؟ فلم أرى في مجرد مجيئك مغزى رائعاً !
إن الرغبة في الدنو من رجل يعيش مع الكتب هي في ذاتها فكرة جديرة بامرأة رقيقة ..
ليس من السهل دائماً على كل امرأة أن تأنس إلى رجل يعيش كما أعيش ..
ومن عجب أنه لم يبد عليك لحظة واحدة أنك ضقت ذرعاً بي ..
بل أنا الذي كان خالياً من الرزانة والتؤدة ..
بعجل يقطع تلك الصلة الجميلة التي لم يكن بها خليقاً ...
وها أنا ذا قد حرمت نفسي - كما ترين – ذلك الحسن الوحيد
الذي كان له الشجاعة أن ينفذ إلى حجرتي المغبرة بتراب المجلدات ..
ها أنا ذا .. قد أغلقت بنفسي نافذة حياتي عن شعاعك ..
فلو دريت أي خلال أحيا فيه الآن .. !
تصوري القمر .. قد انفصل عن الأرض فجأة في يوم من الأيام
وسبح في الفضاء حتى وجد كوكب آخر جذبه إليه وتركنا إلى الأبد بدون نوره ؟..
كيف تكون الحياة على سطح أرضنا .. ؟
إن استطعنا أن نحيا بعد ذلك ، ثقي أنها ستكون حياة بلا جمال ولا حتى شعر ..
وما قيمتها إذن مثل هذه الحياة !
أدركت الآن ... ما ذا خسرت بفقدك ..

http://www.saqya.com/wp-content/uploads/2013/11/Tawfiq-al-Hakim.jpg

نبذة حول الأديب: توفيق الحكيم

اسمه : حسين توفيق الحكيم ، والده إسماعيل وجده أحمد الحكيم ( 1898- 1987م )

مولده: ولد في الإسكندرية في حي محرم بك سنة 1898 م

تعليمه :
تلقى علومه الابتدائية في مدرسة محمد علي ثم المحمدية بالقاهرة ثم دمنهور الابتدائية والثانوية بالإسكندرية رأس التين ، ثم العباسية الثانوية بالإسكندرية ثم القاهرة حيث حصل على ليسانس الحقوق سنة 1925 م .
ولما كان والد توفيق من رجال النيابة والقضاء فقد حرصت الأسرة على أن ينهج توفيق نهج والده ، لكنه إلى الأدب أميل وبه أعلق ، وعشق مع الأدب الموسيقى والمسرح والتمثيل .
أقبل توفيق على كتاب ( فلسفة الفن / للكاتب هيبوليت تي ) وكتاب ( تاريخ الفن / للكاتب سالمون ريناخ ) وعلى ضوئهما استشرف إلى متحف اللوفر فغاص في قاعاته وآثاره وأسلمه هذا إلى العصر الروماني ، إلى عصر النهضة ، فمضى متتبعاً كل عناصر التفكير ، ذلك أنه أيقن أن معنى الثقافة التي يجب أن يتزود بها الأديب وفق المفهوم الأوربي هو أن يحيط ويتفهم ويتذوق كل آثار النشاط العقلي الإنساني من فلسفة وأدب وفنون مختلفة من موسيقى وعمارة ونحت على مدار العصور ، بل يراد له الإلمام ببعض مظاهر العلم الحديث ونظرياته ، وكان يحاول جاهداً أن يتفهم شيئاً عن أينشتاين وأخير كتاب في هذا الميدان ترك في نفسه أثراً كبيراً ووسم تفكيره هو عمل كبير من ثلاثة أجزاء للعالم الرياضي ( هنري بوان كاريه / العلم والفرد ، التفكير والعلم ، العلم والمنهج ) .
ومع أن هذه الموضوعات لا تهم الأديب في التأليف الأدبي أو القصصي أو المسرحي إلا أنه أعطت توفيق القدرة على التفكير في الأشياء التي يدرسها والتطور في الفكرة القصيرة وتنميتها قدراً من النمو.. وهنا يبدو فضل الأدباء المتصلين بعلوم ومعارف أوسع من مجرد المهنة الأدبية .. وبمثل هذا بز الجاحظ الأصمعي في الأدب العربي والأمثلة كثيرة .
قرأ الحكيم كتاب الجاحظ ( المحاسن والأضداد ) مرات وعاش الكتاب معه طفولته وشبابه ، وكان له تأثير معنوي لا لفظي فحسب فهو ممن يتأثرون بالكتب من الناحية الفكرية أكثر من الناحية اللفظية ، تأثر بمنطق الجاحظ وتفكيره .
تأثر بـ ( شكسبير ) و ( مولير ) و ( وجوته ) و ( ترلنج ) و ( ابسن ) و ( وبراندلن )

ما قاله النقاد :
-يقول ( شوقي ضيف ): كان طه حسين قد أشاد بهذا الكاتب الفذ حين أخرج أول آثاره المسرحية : (أهل الكهف ) سنة1933م فقال : إنها حَدَث في تاريخ الأدب العربي وإنها تضاهي أعمال فطاحل أدباء العرب .

يقول (زكي مبارك ): توفيق الحكيم هو أديب بالفطرة ، ولكن تعوزه أدوات الأديب ، فاطلاعه على الأدب العربي عدم من العدم ، فهو لم يجد في غير كتاب ( عصفور من الشرق ) وإنما أجاد في هذا الكتاب لأنه نسي أنه كاتب مشهور ، وتذكر أنه الإنسان يحس حيال الشرق والغرب ، فأجاد إجادة لم يكن لها بأهل .

- كتب عدد من نقاد الغرب تعليقاتهم في الصحف الأوربية عام 1937 حين نشرت رواية ( عودة الروح ) باللغة الفرنسية في مقتطفات منها :
كل شيء يسحرنا في هذه الرواية التي ترسم لنا من جديد عظمة روح شعب

( فردبيرلوبلتييه )

إن رواية الحكيم ، وهو من أكبر كتاب العالم العربي ، لتفيض حياةً وتشتمل على كثير من الأسانيد الحقيقة .
(مارك دي لا فورج )

إن قيمة هذه الرواية المصرية ، هي في تلك الصورة التي عبرت عن خلق وعوائد وروح مصر الحاضرة ، وفي ذلك التباين بين ترتخي الفلاح الظاهر ، وقوة روحه العظيمة الكامنة
( شارل بوردون )

محطات :
-سمي تياره المسرحي بالمسرح الذهني لصعوبة تجسيدها في عمل مسرحي وكان الحكيم يدرك ذلك جيدا حيث قال في إحدى اللقاءات الصحفية : "إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة.

-كان الحكيم أول مؤلف استلهم في أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري وقد استلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية .

- منح أرفع وسام في الدولة وهو ( قلادة الجمهورية ) تقديراً لما أسداه إلى العلم والأدب والفكر .
- منح جائزة الدولة التقديرية في الأدب .

مؤلفاته :
- أهل الكهف
- عودة الروح
- شهرزاد
- أهل الفن
- القصر المسحور
- يوميات نائب الأرياف
- مسرحيات –المجلد الأول – (ويشمل قصص : سر المنتحرة ، نهر
الجنون ، رصاصة في القلب ، جنسنا الطيف )
والمجلد الثاني ( ويشمل القصص : الخروج من الجنة أو الملهمة ، أمام شباك التذاكر ، الزمار ، حياة تحطمت )
- عصفور من الشرق
- تحت شمس الفكر
- عهد الشيطان
- تاريخ حياة معدة ( أشعب )
- بركسا أو مشكلة الحكيم
- راقصة المعبد
- نشيد الإنشاد
- حمار الحكيم
- سلطان الظلام
- تحت المصباح الأحمر
- بجماليون
- من البرج العاجي
- سليمان الحكيم
- زهرة المعمر
- الرباط المقدس
- رصاصة في القلب
- شجرة الحكيم
- الملك أوديب
- قصص توفيق الحكيم
- مسرح المجتمع
- فن الأدب
- ذكريات الفن والقضاء
- عصا الحكيم
- ارني الله
- دقت الساعة
- تأملات في السياسة
- حماري قال لي
- التعادلية
- إيزيس
- المسرح المنوع
- الصفقة
- رحلة إلى الغد
- الأيدي الناعمة
- لعبة الموت
- أشواق السلام
- أدب الحياة
- السلطان الحائر
- يا طالع الشجرة
- الطعام لكل فم
- رحلة الربيع الخريف
- سجن العمر
- شمس النهار
- مصير صرصار
- الورطة

كتب نشرت في لغة أجنبية :
- شهر زاد
- عودة الروح
- يوميات نائب في الأرياف
- أهل الكهف
- عصفور من الشرق
- عدالة وفن قصص
- بجماليون
- الملك أوديب
- سليمان الحكيم
- نهر الجنون
- الشيطان في خطر
- بين يوم وليلة
- المخرج
- بيت النمل
- الزمار
- براكسا أو مشكلة الحكم
- السياسة والسلام
- شمس النهار
- صلاة الملائكة
- الطعام لكل فم
- الأيدى الناعمة
- شاعر على القمر
- الورطة ترجم
- العش الهادئ
- أريد أن اقتل
- الساحرة
- لو عرف الشباب - الكنز
- دقت الساعة
- أنشودة الموت
- رحلة إلى الغد
- الموت والحب
- السلطان الحائر
- ياطالع الشجرة
- مصير صرصار
- الشهيد
- المرأة التى غلبت الشيطان
وفاته : 29 من ذي الحجة 1407هـ = 27 من يوليو 1987م

جُمانه
26-01-2015, 10:31 PM
آسم آلكآتب /
توفيقْ آلحَكيمْ
،
عنوآن آلمَقآل /
روآية آلرآبط آلمُقدسسْ
،
آلمقآل كآملآ
/
صديقتي ..
أجلس هذا المساء في شرفتي لأن البدر الليلة من التمام وفي السماء
بعض غمام يوهمنا في سيرة أن القمر هو الذي يسير ..
ما لهذا القرص من النور يركض هكذا في الفضاء ! ترينه على موعد مع حبيب !
إن القاهرة الساعة هادئة نائمة ، أشرف عليها من مكتبي القصي ، بيوتها متساندة ..
متعانقة في حضن " المقطم " كأنها فراخ طير في وكر أمها ، بعض قد أغلق عينيه أو نوافذه
واستسلم للنعاس والبعض ساهر قد فتحتها تلمع مضيئة في ظلام الليل ..
ترى وماذا أنت الساعة تصنعين .؟
صديقتي .. لا أنتهي من تعنيف نفسي على مسلكي معك ..
كيف عميت ..؟ فلم أرى في مجرد مجيئك مغزى رائعاً !
إن الرغبة في الدنو من رجل يعيش مع الكتب هي في ذاتها فكرة جديرة بامرأة رقيقة ..
ليس من السهل دائماً على كل امرأة أن تأنس إلى رجل يعيش كما أعيش ..
ومن عجب أنه لم يبد عليك لحظة واحدة أنك ضقت ذرعاً بي ..
بل أنا الذي كان خالياً من الرزانة والتؤدة ..
بعجل يقطع تلك الصلة الجميلة التي لم يكن بها خليقاً ...
وها أنا ذا قد حرمت نفسي - كما ترين – ذلك الحسن الوحيد
الذي كان له الشجاعة أن ينفذ إلى حجرتي المغبرة بتراب المجلدات ..
ها أنا ذا .. قد أغلقت بنفسي نافذة حياتي عن شعاعك ..
فلو دريت أي خلال أحيا فيه الآن .. !
تصوري القمر .. قد انفصل عن الأرض فجأة في يوم من الأيام
وسبح في الفضاء حتى وجد كوكب آخر جذبه إليه وتركنا إلى الأبد بدون نوره ؟..
كيف تكون الحياة على سطح أرضنا .. ؟
إن استطعنا أن نحيا بعد ذلك ، ثقي أنها ستكون حياة بلا جمال ولا حتى شعر ..
وما قيمتها إذن مثل هذه الحياة !
أدركت الآن ... ما ذا خسرت بفقدك ..

تباشيرالأمل
27-01-2015, 12:17 AM
السلام عليكم
الكاتب..الروائي المصري.توفيق الحكيم
عنوان النص.. الرباط المقدس

صديقتي ..
أجلس هذا المساء في شرفتي لأن البدر الليلة من التمام وفي السماء
بعض غمام يوهمنا في سيرة أن القمر هو الذي يسير ..
ما لهذا القرص من النور يركض هكذا في الفضاء ! ترينه على موعد مع حبيب !
إن القاهرة الساعة هادئة نائمة ، أشرف عليها من مكتبي القصي ، بيوتها متساندة ..
متعانقة في حضن " المقطم " كأنها فراخ طير في وكر أمها ، بعض قد أغلق عينيه أو نوافذه
واستسلم للنعاس والبعض ساهر قد فتحتها تلمع مضيئة في ظلام الليل ..
ترى وماذا أنت الساعة تصنعين .؟
صديقتي .. لا أنتهي من تعنيف نفسي على مسلكي معك ..
كيف عميت ..؟ فلم أرى في مجرد مجيئك مغزى رائعاً !
إن الرغبة في الدنو من رجل يعيش مع الكتب هي في ذاتها فكرة جديرة بامرأة رقيقة ..
ليس من السهل دائماً على كل امرأة أن تأنس إلى رجل يعيش كما أعيش ..
ومن عجب أنه لم يبد عليك لحظة واحدة أنك ضقت ذرعاً بي ..
بل أنا الذي كان خالياً من الرزانة والتؤدة ..
بعجل يقطع تلك الصلة الجميلة التي لم يكن بها خليقاً ...
وها أنا ذا قد حرمت نفسي - كما ترين – ذلك الحسن الوحيد
الذي كان له الشجاعة أن ينفذ إلى حجرتي المغبرة بتراب المجلدات ..
ها أنا ذا .. قد أغلقت بنفسي نافذة حياتي عن شعاعك ..
فلو دريت أي خلال أحيا فيه الآن .. !
تصوري القمر .. قد انفصل عن الأرض فجأة في يوم من الأيام
وسبح في الفضاء حتى وجد كوكب آخر جذبه إليه وتركنا إلى الأبد بدون نوره ؟..
كيف تكون الحياة على سطح أرضنا .. ؟
إن استطعنا أن نحيا بعد ذلك ، ثقي أنها ستكون حياة بلا جمال ولا حتى شعر ..
وما قيمتها إذن مثل هذه الحياة !
أدركت الآن ... ما ذا خسرت بفقدك ..

اسطورة لن تتكرر
27-01-2015, 09:54 PM
http://www2.0zz0.com/2015/01/27/20/975791710.gif


ليلٌ بهيم، وسماءٌ غضبَى، وأرضٌ في وجوم.
وفي الرأس سباقُ أفكار لا تنام،
وفي القلب حفيفُ أشواق وارفة، نديَّة،
وفي العين رسومُ أشباح تتساوم على بني الإنسان وتتصافق،
وفي الأذن جلبةٌ من صلوات وعربدات، وزفرات وقهقهات، وأنين شيوخ، وانتحاب أطفال، ودمدمة براكين، وهدير بحور كثيرة.
وعلى الشفاه دبيبُ حروف ومقاطع وكلمات تنتظم وتنتثر تسابيحَ خافتةً حَيِيَّة لاسمك القدوس، يا مَن تعالى عن الأسماء والتسبيح.

نـــــــقــــــــاء
27-01-2015, 10:00 PM
مناجاة
ل ميخائيل نعيمة

ليلٌ بهيم، وسماء غضبى، وأرض في وجوم, وفي الرأس سباقُ أفكار لا تنام، وفي القلب حفيفُ أشواق وارفة ندية، وفي العين رسوم أشباح تتساوم على بني الإنسان وتتصافق، وفي الأذن جلبة من صلوات وعربدات وزفرات وقهقهات، وأنين شيوخ وانتحاب أطفال، ودمدمة براكين وهدير بحور كثيرة
وعلى الشفاه دبيب حروف ومقاطع وكلمات تنتظم وتنتثر تسابيح خافتة حيية لاسمك القدوس يا من تعالى عن الأسماء والتسبيح
متى يتهلهل ليلٌ كثيف نشرَته فوق أرض حسيرة عشواء، فيرفع إليك كلُّ ابن أنثى قلبه الملفوح ويهتف عالياً :
" أهّلني، يا مالك النهار والليل، أن أعرف أخي وأكون له حارساً نشيطًاً، يقظاً، أميناً ومحباً، كيما يكفَّ دمه في أذني عن الصراخ، ودمي عن الغليان والفوران "
مـ . ن ... // مناجاة //

زهرة الأحلام
27-01-2015, 10:04 PM
اسم النص : مناجاة
اسم الكاتب : ميخائيل نعيمة

النص كاملاً ::

ليلٌ بهيم، وسماءٌ غضبَى، وأرضٌ في وجوم.
وفي الرأس سباقُ أفكار لا تنام،
وفي القلب حفيفُ أشواق وارفة، نديَّة،
وفي العين رسومُ أشباح تتساوم على بني الإنسان وتتصافق،
وفي الأذن جلبةٌ من صلوات وعربدات، وزفرات وقهقهات، وأنين شيوخ، وانتحاب أطفال، ودمدمة براكين، وهدير بحور كثيرة.
وعلى الشفاه دبيبُ حروف ومقاطع وكلمات تنتظم وتنتثر تسابيحَ خافتةً حَيِيَّة لاسمك القدوس، يا مَن تعالى عن الأسماء والتسبيح.
*
يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضْرِمَ النهار من محاجر الليل،
طال ليلٌ نشرتَه فوق أرض حسيرة عشواء – طال وادلهمَّ وتغضَّن وترهَّل، ولكنه ما شاخ بعدُ ولا ابيضَّ فوداه. وبنو الأرض يدأبون في غضونه ويكدحون كما تدأب المناجذ وتكدح في غياهب التراب.
يكدحون ويدأبون، إلاَّ أنَّهم حيث يبدأون ينتهون.
يزرعون ويحصدون، وفي الأهراء يخزنون، ولكنهم أبدًا جياع وأبدًا معوزون.
من حشاشة الأرض يأكلون، ومن مآقي المُزْن يشربون، ولكنهم في غُصَّة دائمة بما يأكلون وبما يشربون.
يتزاوجون ويتناسلون، وأبدًا عن سَنَدٍ وعَوْن يبحثون.
يتخاطبون ويتكاتبون، فما يتعارفون ولا يتفاهمون.
يتنازعون على أردان الليل وأذياله، فيمزِّقون لحومَهم بأظفارهم، ويسحنون عظامَهم بأضراسهم، وبغير نُتَفٍ من جلابيب ليلهم لا يظفرون.
من أين للأرض هذا القرمز في وجنتيها؟
أهو الدم المسفوح من نحر هابيل؟ أم شهوة الدم المشبوبة في قلب قايين؟
أما يزال دم هابيل سائحًا في عروق الأرض وصارخًا: "أنا الدم المهراق لا لذنبٍ إلاَّ لأنَّني أرضيتُ فارتضيت"؟
وشهوة قايين التي لا تُرضي ولا ترتضي – ويؤلمها إذا ما غيرُها أرضى فارتضى – أما تنفكُّ تستعر في أحشاء الأرض؟
أمحتوم على الحَبالى ألاَّ يحبلن بهابيل دون قايين؟ وعلى الوالدات والمرضعات ألاَّ يلدن ويرضعن سوى الذبائح والذبَّاحين؟
فيا ويل الحَبالى والوالدات والمرضعات! يا ويلهنَّ يغسلن أوزار أبنائهنَّ الذابحين بدماء أبنائهنَّ المذبوحين – فلا الأوزار بمغسولة، ولا الدماء بمحقونة.
حتى مَ تحترق الأرضُ بشهوة قايين، فلا يطفئها دمٌ يتفجر من أوداجها، ودمع ينهلُّ من أحداقها؟
وإلى مَ هذا الليل يغشِّي على أبصار بني الأرض، فيلتقي في طيَّاته الأخُ أخاه، فينكره ويبغضه ويُرديه، ثمَّ يغسل يديه من دمه ويقول: "ما أنا بحارس لأخي"؟
ومتى تنحسر الظلمةُ عن أبصار بني الأرض، فيعرف الأخُ أخاه، ويعرف أنَّه حارس لأخيه ومطالَب براحته وسلامته وحياته إذا ما شاء هو الآخر أن يتذوَّق الراحةَ والسلامةَ والحياة؟
متى يتهلهل ليلٌ كثيف نشرتَه فوق أرض حسيرة عشواء، فيرفع إليك كلُّ ابن أنثى قلبَه الملفوح ويهتف عاليًا:
"أهِّلني، يا مالك النهار والليل، أن أعرف أخي وأكون له حارسًا نشيطًا، يقظًا، أمينًا ومحبًّا، كيما يكفَّ دمُه في أذني عن الصراخ، ودمي عن الغليان والفوران."
إلى مَ، إلى مَ هذا الليل، يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضرِمَ النهار من محاجر الليل؟

قائد الغزلان
27-01-2015, 10:43 PM
ميخائيل نعيمهhttp://www.maaber.org/images35/0415-Naimy.jpg


مُـنَـاجَـاة
النص كاملااا
ليلٌ بهيم، وسماءٌ غضبَى، وأرضٌ في وجوم.

وفي الرأس سباقُ أفكار لا تنام،
وفي القلب حفيفُ أشواق وارفة، نديَّة،
وفي العين رسومُ أشباح تتساوم على بني الإنسان وتتصافق،
وفي الأذن جلبةٌ من صلوات وعربدات، وزفرات وقهقهات، وأنين شيوخ، وانتحاب أطفال، ودمدمة براكين، وهدير بحور كثيرة.
وعلى الشفاه دبيبُ حروف ومقاطع وكلمات تنتظم وتنتثر تسابيحَ خافتةً حَيِيَّة لاسمك القدوس، يا مَن تعالى عن الأسماء والتسبيح.
*

يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضْرِمَ النهار من محاجر الليل،

طال ليلٌ نشرتَه فوق أرض حسيرة عشواء – طال وادلهمَّ وتغضَّن وترهَّل، ولكنه ما شاخ بعدُ ولا ابيضَّ فوداه. وبنو الأرض يدأبون في غضونه ويكدحون كما تدأب المناجذ وتكدح في غياهب التراب.
يكدحون ويدأبون، إلاَّ أنَّهم حيث يبدأون ينتهون.
يزرعون ويحصدون، وفي الأهراء يخزنون، ولكنهم أبدًا جياع وأبدًا معوزون.
من حشاشة الأرض يأكلون، ومن مآقي المُزْن يشربون، ولكنهم في غُصَّة دائمة بما يأكلون وبما يشربون.
يتزاوجون ويتناسلون، وأبدًا عن سَنَدٍ وعَوْن يبحثون.
يتخاطبون ويتكاتبون، فما يتعارفون ولا يتفاهمون.
يتنازعون على أردان الليل وأذياله، فيمزِّقون لحومَهم بأظفارهم، ويسحنون عظامَهم بأضراسهم، وبغير نُتَفٍ من جلابيب ليلهم لا يظفرون.
من أين للأرض هذا القرمز في وجنتيها؟
أهو الدم المسفوح من نحر هابيل؟ أم شهوة الدم المشبوبة في قلب قايين؟
أما يزال دم هابيل سائحًا في عروق الأرض وصارخًا: "أنا الدم المهراق لا لذنبٍ إلاَّ لأنَّني أرضيتُ فارتضيت"؟
وشهوة قايين التي لا تُرضي ولا ترتضي – ويؤلمها إذا ما غيرُها أرضى فارتضى – أما تنفكُّ تستعر في أحشاء الأرض؟
أمحتوم على الحَبالى ألاَّ يحبلن بهابيل دون قايين؟ وعلى الوالدات والمرضعات ألاَّ يلدن ويرضعن سوى الذبائح والذبَّاحين؟
فيا ويل الحَبالى والوالدات والمرضعات! يا ويلهنَّ يغسلن أوزار أبنائهنَّ الذابحين بدماء أبنائهنَّ المذبوحين – فلا الأوزار بمغسولة، ولا الدماء بمحقونة.
حتى مَ تحترق الأرضُ بشهوة قايين، فلا يطفئها دمٌ يتفجر من أوداجها، ودمع ينهلُّ من أحداقها؟
وإلى مَ هذا الليل يغشِّي على أبصار بني الأرض، فيلتقي في طيَّاته الأخُ أخاه، فينكره ويبغضه ويُرديه، ثمَّ يغسل يديه من دمه ويقول: "ما أنا بحارس لأخي"؟
ومتى تنحسر الظلمةُ عن أبصار بني الأرض، فيعرف الأخُ أخاه، ويعرف أنَّه حارس لأخيه ومطالَب براحته وسلامته وحياته إذا ما شاء هو الآخر أن يتذوَّق الراحةَ والسلامةَ والحياة؟
متى يتهلهل ليلٌ كثيف نشرتَه فوق أرض حسيرة عشواء، فيرفع إليك كلُّ ابن أنثى قلبَه الملفوح ويهتف عاليًا:
"أهِّلني، يا مالك النهار والليل، أن أعرف أخي وأكون له حارسًا نشيطًا، يقظًا، أمينًا ومحبًّا، كيما يكفَّ دمُه في أذني عن الصراخ، ودمي عن الغليان والفوران."
إلى مَ، إلى مَ هذا الليل، يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضرِمَ النهار من محاجر الليل؟
*
يا واحدًا لا يُعَدُّ، ويا ألِفًا لا تُمثَّل، وياءً لا تُصوَّر،
ها هم الذين برأتَهم صورةً لك ومثالاً، فنفختَ في صدورهم نَفَسًا من صدرك، وأودعتَهم روحًا من روحك، لا يغريهم من عيشهم شيءٌ مثلما يغريهم اللهوُ بالأعداد، وتمثُّل البدايات، وتصوير النهايات. فهم أبدًا يجمعون أعدادًا إلى أعداد، ويطرحون أعدادًا من أعداد، ويضربون أعدادًا في أعداد، ويقسمون أعدادًا على أعداد. ونتيجة ما يجمعون ويطرحون، وما يضربون ويقسمون، أعداد فوق أعداد فوق أعداد، تُبرى بترديدها ألسنتُهم، وتضيق بها خلايا أدمغتهم، وتتورَّم من الحملقة إليها أجفانُهم، وتتكسر على ركامها أقلامُهم، وتنشقُّ من ضغطها سجلاتُهم.
يعدُّون الثواني والساعات، والسنين والقرون، ويحصون مَن وُلد ومَن مات.
يعدُّون أجرامَ السماء، ويحصون كلَّ دورة من دوراتها ولفتة من لفتاتها، ويحسبون أوزانَها وأبعادَها.
يعدُّون نباتَ الأرض وحيوانَها، وطيرَها وحشراتِها، ومعادنَها وطبقاتِها، وما فيها من جبال وبحار، وجداول وأنهار، وسهول وأغوار، وما على سطحها من مدن ودساكر ومزارع، وما في المدن والدساكر والمزارع من بشر وبهائم، ومن أيدٍ تعمل ولا تنعم، وأيدٍ تنعم ولا تعمل.
يعدُّون في الصوت نبراتِه، وفي القلب أنباضَه، وفي الجسم عظامَه وعضلاتِه.
يعدُّون أرزاقَهم من ثابت ومنقول، ولهم دفاتر يقيدون فيها ما يملكون من مال وما يدينون ويستدينون، وهم عليها أحرص من نملة على حبَّة، ومن عنكبوت على ذبابة – تلك هي دفاتر الخزائن والجيوب. أما أن تكون لهم دفاتر للأرواح والقلوب، يحاسبون فيها نفوسَهم عن كلِّ كلمة جارحة، ونيَّة غدارة، وفكرة قتَّالة، ومحبة حبسوها، ويد أمسكوها، ونعمة حجبوها عمَّن هم في حاجة إليها، فما فكروا في ذلك ولا يفكرون.
يعدُّون، ويعدُّون، ويعدُّون، وإليك، يا واحدًا لا يُعَدُّ، لا يهتدون.
ها هم الذين لفظتَهم حروفًا حيَّة في اسمك الحيِّ الذي لا يُلفَظ ما يفتأون يَصِلُون الحروفَ بالحروف، والمقاطعَ بالمقاطع، ويزوِّجون الكلماتِ من الكلمات، ويؤلِّفون منها الأحاديثَ والأساطيرَ والأسفار. فلا تكلُّ لهم شفاه، ولا تحرُنُ لهم أقلام، ولا تتخدَّر منهم أنامل. وكلماتهم أكثر ما تكون دخانًا لأبصارهم، وفخاخًا لأقدامهم، وسمومًا لدمائهم، ومناخزَ تقضُّ عليهم مضاجعَهم وتعبث بأحلامهم – والبريء منها ما كان كاليعسوب، لا عسل في فمه ولا إبرة في دُبُره.
أما الكلمة التي تضمِّد جرحًا، وتفكُّ قيدًا، وتمزِّق غشاوة، والكلمة التي تجمع ولا تفرِّق، وتَجبر ولا تكسر، وتفتح ولا تغلق؛ والكلمة التي تشفع ولا تصفع، وتصفح ولا تنبح، وتُعين ولا تدين – فما أندرها! وأندر منها كلمة في يائها ألِف وفي ألِفها ياء – طليقة من أحابيل البدايات والنهايات، حيث بَنوك يتخبطون، وعنك، يا ألفًا هي الياء وياءً هي الألف، يصدفون.
أعداد فوق أعداد، وحروف ومقاطع وكلمات بعد حروف ومقاطع وكلمات – وكلُّها سواد في سواد، وظلمات طيَّ ظلمات.
فإلى مَ، إلى مَ هذا الليل، يا واحدًا لا يُعَدُّ، ويا ألفًا لا تُمثَّل، وياءً لا تُصوَّر؟
*
يا قلبًا يضيف ولا يُضاف، ويا روحًا ينير ولا ينار،

ما للضيوف المتألِّبين حول موائدك يتدافعون ويتلاطمون ويتناهشون؟ – وموائدك فسيحةُ الأرجاء، مثقلةٌ بأعجب الخيرات وأثمن البركات من كلِّ ما يؤكل ويُشرَب. أصنافها لا تعرف العدَّ ولا النفاد. وقد ضمَّختْها السماءُ بأطيب العطور، وزيَّنتْها الأرضُ بأبهج الألوان والأشكال.
ما للشباع من ضيوفك يتجشأون، وتخمًا في أمعائهم يشكون، ولكنهم لا ينصرفون لحظة عن المائدة ولحظةً لا يقيلون، وللجياع مجالاً لا يفسحون؟ ألعلَّهم يخشون على كنوز خيراتك النفادَ، وعلى فوَّارات نِعَمِك النضوبَ، وعلى يدك المبسوطة الانقباضَ، لذلك يخزنون من يومهم السمين لغدهم الأعجف؟
وإذا ما خيرُك يومًا نَفَد، ونعمتُك نضبت، ويدُك انقبضت، فيمَ ينفعهم كلُّ ما يخزنون؟ وهل من غد ليوم تحبس فيه قِراك عن المقترين؟ وما للجياع من ضيوفك يقدِّمون رِجْلاً ويؤخِّرون أخرى، ويلاوصون، ويتغامزون، وبلُعابهم يتلمَّظون؟
ما لهم كالغرباء، أو كالبُرْص، بين ضيوفك، يدورون من حول موائدك، وبغير الكسارة والسقاطة لا يظفرون؟
ما للبياض في عيونهم يصطبغ بحمرة الشفق، وللدماء في عروقهم تنحمُّ، وللعضلات في سواعدهم تتكمَّش؟
ما للضيوف، شباعهم وجياعهم، لا يعرفون للضيافة حشمةً، ولا للمضيف وقارًا، فيتقاتلون على قصاعه المليئة أبدًا بكلِّ خير، وإياه بالخير لا يذكرون؟
متى يشبع الجياع من جودك، ويمتلئ الشباع من وجودك، فلا يتدافعون ولا يتلاطمون ولا يتناهشون؟
إلى مَ، إلى مَ هذا الليل، يا قلبًا يضيف ولا يضاف، ويا روحًا ينير ولا يُنار؟

*
ليلٌ بهيم، وسماء غضبَى، وأرضٌ في وجوم.

وفي الرأس بريقُ فكر واحد وهَّاج،
وفي القلب بشارةُ فجر يولد،
وفي العين خيالاتٌ مُجَلْبَبَة بالنور،
وفي الأذن أجواقٌ من عوالم لا تُبصَر ترنِّم صامتةً ترنيمةَ الانعتاق،
وعلى الشفاه تسابيحُ عاليةٌ لاسمك القدوس، يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضْرِمَ النهار من محاجر الليل،
يا واحدًا لا يُعَدُّ، ويا ألِفًا لا تُمثَّل، وياءً لا تُصوَّر،
يا قلبًا يضيف ولا يضاف، ويا روحًا ينير ولا ينار.





نبذة حول الشاعر: ميخائيل نعيمة

شاعر من لبنان ولد1889 في " بسكنا عام وتوفي عام 1988 ميلادي
ـ تخرج في دار المعلمين الروسية في الناصر ثم تابع تعليمه في روسيا وفي جامعة واشنطن
ـ من مؤسي الرابطة القلمية
ـ هاجر الى الولايات المتحدة ثم عاد الى لبنان
ـ له مؤلفات قصصية ونقدية ومسرحية كثير
وله ديوانان :
همس الجفون 1945
نجة الغروب
وصدرت له المجموعة الكاملة

تباشيرالأمل
27-01-2015, 11:23 PM
السلام عليكم

الكاتب...ميخائيل نعيمة


عنوان النص ... مُـنَـاجَـاة..

ليلٌ بهيم، وسماءٌ غضبَى، وأرضٌ في وجوم.
وفي الرأس سباقُ أفكار لا تنام،
وفي القلب حفيفُ أشواق وارفة، نديَّة،
وفي العين رسومُ أشباح تتساوم على بني الإنسان وتتصافق،
وفي الأذن جلبةٌ من صلوات وعربدات، وزفرات وقهقهات، وأنين شيوخ، وانتحاب أطفال، ودمدمة براكين، وهدير بحور كثيرة.
وعلى الشفاه دبيبُ حروف ومقاطع وكلمات تنتظم وتنتثر تسابيحَ خافتةً حَيِيَّة لاسمك القدوس، يا مَن تعالى عن الأسماء والتسبيح.
*
يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضْرِمَ النهار من محاجر الليل،
طال ليلٌ نشرتَه فوق أرض حسيرة عشواء – طال وادلهمَّ وتغضَّن وترهَّل، ولكنه ما شاخ بعدُ ولا ابيضَّ فوداه. وبنو الأرض يدأبون في غضونه ويكدحون كما تدأب المناجذ وتكدح في غياهب التراب.
يكدحون ويدأبون، إلاَّ أنَّهم حيث يبدأون ينتهون.
يزرعون ويحصدون، وفي الأهراء يخزنون، ولكنهم أبدًا جياع وأبدًا معوزون.
من حشاشة الأرض يأكلون، ومن مآقي المُزْن يشربون، ولكنهم في غُصَّة دائمة بما يأكلون وبما يشربون.
يتزاوجون ويتناسلون، وأبدًا عن سَنَدٍ وعَوْن يبحثون.
يتخاطبون ويتكاتبون، فما يتعارفون ولا يتفاهمون.
يتنازعون على أردان الليل وأذياله، فيمزِّقون لحومَهم بأظفارهم، ويسحنون عظامَهم بأضراسهم، وبغير نُتَفٍ من جلابيب ليلهم لا يظفرون.
من أين للأرض هذا القرمز في وجنتيها؟
أهو الدم المسفوح من نحر هابيل؟ أم شهوة الدم المشبوبة في قلب قايين؟
أما يزال دم هابيل سائحًا في عروق الأرض وصارخًا: "أنا الدم المهراق لا لذنبٍ إلاَّ لأنَّني أرضيتُ فارتضيت"؟
وشهوة قايين التي لا تُرضي ولا ترتضي – ويؤلمها إذا ما غيرُها أرضى فارتضى – أما تنفكُّ تستعر في أحشاء الأرض؟
أمحتوم على الحَبالى ألاَّ يحبلن بهابيل دون قايين؟ وعلى الوالدات والمرضعات ألاَّ يلدن ويرضعن سوى الذبائح والذبَّاحين؟
فيا ويل الحَبالى والوالدات والمرضعات! يا ويلهنَّ يغسلن أوزار أبنائهنَّ الذابحين بدماء أبنائهنَّ المذبوحين – فلا الأوزار بمغسولة، ولا الدماء بمحقونة.
حتى مَ تحترق الأرضُ بشهوة قايين، فلا يطفئها دمٌ يتفجر من أوداجها، ودمع ينهلُّ من أحداقها؟
وإلى مَ هذا الليل يغشِّي على أبصار بني الأرض، فيلتقي في طيَّاته الأخُ أخاه، فينكره ويبغضه ويُرديه، ثمَّ يغسل يديه من دمه ويقول: "ما أنا بحارس لأخي"؟
ومتى تنحسر الظلمةُ عن أبصار بني الأرض، فيعرف الأخُ أخاه، ويعرف أنَّه حارس لأخيه ومطالَب براحته وسلامته وحياته إذا ما شاء هو الآخر أن يتذوَّق الراحةَ والسلامةَ والحياة؟
متى يتهلهل ليلٌ كثيف نشرتَه فوق أرض حسيرة عشواء، فيرفع إليك كلُّ ابن أنثى قلبَه الملفوح ويهتف عاليًا:
"أهِّلني، يا مالك النهار والليل، أن أعرف أخي وأكون له حارسًا نشيطًا، يقظًا، أمينًا ومحبًّا، كيما يكفَّ دمُه في أذني عن الصراخ، ودمي عن الغليان والفوران."
إلى مَ، إلى مَ هذا الليل، يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضرِمَ النهار من محاجر الليل؟
*
يا واحدًا لا يُعَدُّ، ويا ألِفًا لا تُمثَّل، وياءً لا تُصوَّر،
ها هم الذين برأتَهم صورةً لك ومثالاً، فنفختَ في صدورهم نَفَسًا من صدرك، وأودعتَهم روحًا من روحك، لا يغريهم من عيشهم شيءٌ مثلما يغريهم اللهوُ بالأعداد، وتمثُّل البدايات، وتصوير النهايات. فهم أبدًا يجمعون أعدادًا إلى أعداد، ويطرحون أعدادًا من أعداد، ويضربون أعدادًا في أعداد، ويقسمون أعدادًا على أعداد. ونتيجة ما يجمعون ويطرحون، وما يضربون ويقسمون، أعداد فوق أعداد فوق أعداد، تُبرى بترديدها ألسنتُهم، وتضيق بها خلايا أدمغتهم، وتتورَّم من الحملقة إليها أجفانُهم، وتتكسر على ركامها أقلامُهم، وتنشقُّ من ضغطها سجلاتُهم.
يعدُّون الثواني والساعات، والسنين والقرون، ويحصون مَن وُلد ومَن مات.
يعدُّون أجرامَ السماء، ويحصون كلَّ دورة من دوراتها ولفتة من لفتاتها، ويحسبون أوزانَها وأبعادَها.
يعدُّون نباتَ الأرض وحيوانَها، وطيرَها وحشراتِها، ومعادنَها وطبقاتِها، وما فيها من جبال وبحار، وجداول وأنهار، وسهول وأغوار، وما على سطحها من مدن ودساكر ومزارع، وما في المدن والدساكر والمزارع من بشر وبهائم، ومن أيدٍ تعمل ولا تنعم، وأيدٍ تنعم ولا تعمل.
يعدُّون في الصوت نبراتِه، وفي القلب أنباضَه، وفي الجسم عظامَه وعضلاتِه.
يعدُّون أرزاقَهم من ثابت ومنقول، ولهم دفاتر يقيدون فيها ما يملكون من مال وما يدينون ويستدينون، وهم عليها أحرص من نملة على حبَّة، ومن عنكبوت على ذبابة – تلك هي دفاتر الخزائن والجيوب. أما أن تكون لهم دفاتر للأرواح والقلوب، يحاسبون فيها نفوسَهم عن كلِّ كلمة جارحة، ونيَّة غدارة، وفكرة قتَّالة، ومحبة حبسوها، ويد أمسكوها، ونعمة حجبوها عمَّن هم في حاجة إليها، فما فكروا في ذلك ولا يفكرون.
يعدُّون، ويعدُّون، ويعدُّون، وإليك، يا واحدًا لا يُعَدُّ، لا يهتدون.
ها هم الذين لفظتَهم حروفًا حيَّة في اسمك الحيِّ الذي لا يُلفَظ ما يفتأون يَصِلُون الحروفَ بالحروف، والمقاطعَ بالمقاطع، ويزوِّجون الكلماتِ من الكلمات، ويؤلِّفون منها الأحاديثَ والأساطيرَ والأسفار. فلا تكلُّ لهم شفاه، ولا تحرُنُ لهم أقلام، ولا تتخدَّر منهم أنامل. وكلماتهم أكثر ما تكون دخانًا لأبصارهم، وفخاخًا لأقدامهم، وسمومًا لدمائهم، ومناخزَ تقضُّ عليهم مضاجعَهم وتعبث بأحلامهم – والبريء منها ما كان كاليعسوب، لا عسل في فمه ولا إبرة في دُبُره.
أما الكلمة التي تضمِّد جرحًا، وتفكُّ قيدًا، وتمزِّق غشاوة، والكلمة التي تجمع ولا تفرِّق، وتَجبر ولا تكسر، وتفتح ولا تغلق؛ والكلمة التي تشفع ولا تصفع، وتصفح ولا تنبح، وتُعين ولا تدين – فما أندرها! وأندر منها كلمة في يائها ألِف وفي ألِفها ياء – طليقة من أحابيل البدايات والنهايات، حيث بَنوك يتخبطون، وعنك، يا ألفًا هي الياء وياءً هي الألف، يصدفون.
أعداد فوق أعداد، وحروف ومقاطع وكلمات بعد حروف ومقاطع وكلمات – وكلُّها سواد في سواد، وظلمات طيَّ ظلمات.
فإلى مَ، إلى مَ هذا الليل، يا واحدًا لا يُعَدُّ، ويا ألفًا لا تُمثَّل، وياءً لا تُصوَّر؟
*
يا قلبًا يضيف ولا يُضاف، ويا روحًا ينير ولا ينار،
ما للضيوف المتألِّبين حول موائدك يتدافعون ويتلاطمون ويتناهشون؟ – وموائدك فسيحةُ الأرجاء، مثقلةٌ بأعجب الخيرات وأثمن البركات من كلِّ ما يؤكل ويُشرَب. أصنافها لا تعرف العدَّ ولا النفاد. وقد ضمَّختْها السماءُ بأطيب العطور، وزيَّنتْها الأرضُ بأبهج الألوان والأشكال.
ما للشباع من ضيوفك يتجشأون، وتخمًا في أمعائهم يشكون، ولكنهم لا ينصرفون لحظة عن المائدة ولحظةً لا يقيلون، وللجياع مجالاً لا يفسحون؟ ألعلَّهم يخشون على كنوز خيراتك النفادَ، وعلى فوَّارات نِعَمِك النضوبَ، وعلى يدك المبسوطة الانقباضَ، لذلك يخزنون من يومهم السمين لغدهم الأعجف؟
وإذا ما خيرُك يومًا نَفَد، ونعمتُك نضبت، ويدُك انقبضت، فيمَ ينفعهم كلُّ ما يخزنون؟ وهل من غد ليوم تحبس فيه قِراك عن المقترين؟ وما للجياع من ضيوفك يقدِّمون رِجْلاً ويؤخِّرون أخرى، ويلاوصون، ويتغامزون، وبلُعابهم يتلمَّظون؟
ما لهم كالغرباء، أو كالبُرْص، بين ضيوفك، يدورون من حول موائدك، وبغير الكسارة والسقاطة لا يظفرون؟
ما للبياض في عيونهم يصطبغ بحمرة الشفق، وللدماء في عروقهم تنحمُّ، وللعضلات في سواعدهم تتكمَّش؟
ما للضيوف، شباعهم وجياعهم، لا يعرفون للضيافة حشمةً، ولا للمضيف وقارًا، فيتقاتلون على قصاعه المليئة أبدًا بكلِّ خير، وإياه بالخير لا يذكرون؟
متى يشبع الجياع من جودك، ويمتلئ الشباع من وجودك، فلا يتدافعون ولا يتلاطمون ولا يتناهشون؟
إلى مَ، إلى مَ هذا الليل، يا قلبًا يضيف ولا يضاف، ويا روحًا ينير ولا يُنار؟
*
ليلٌ بهيم، وسماء غضبَى، وأرضٌ في وجوم.
وفي الرأس بريقُ فكر واحد وهَّاج،
وفي القلب بشارةُ فجر يولد،
وفي العين خيالاتٌ مُجَلْبَبَة بالنور،
وفي الأذن أجواقٌ من عوالم لا تُبصَر ترنِّم صامتةً ترنيمةَ الانعتاق،
وعلى الشفاه تسابيحُ عاليةٌ لاسمك القدوس، يا ناشر الليل من كبد النهار، ومُضْرِمَ النهار من محاجر الليل،
يا واحدًا لا يُعَدُّ، ويا ألِفًا لا تُمثَّل، وياءً لا تُصوَّر،
يا قلبًا يضيف ولا يضاف، ويا روحًا ينير ولا ينار.

اسطورة لن تتكرر
28-01-2015, 09:42 PM
http://www3.0zz0.com/2015/01/28/20/481596866.gif
يبتلى امرؤٌ بفقد عزيز فيعين لهُ الاصطلاح من أثوابه اللون والقماش والتفصيل والطول والعرض والأزرار فلا يتبرنط,
ولا يتزيا, ولا ينتعل, ولا يتحرك, ولا يبكي إِلاّ بموجب مشيئة بيئته المسجلة في لوائح الحداد الوهمية,
كأنما هو قاصر عن إِيجاد حداد خاص يظهر فيه - أو لا يظهر - حزنه الصادق المنبثق من أعماق فؤاده.

إِذا خرج المحزون من بيته فلا زيارات ولا نُزَه ولا هو يلتقي بغير الحزانى أمثاله.
عليه أن يتحاشى كل مكان لا تخيِّم عليه رهبة الموت;
المعابد والمدافن كعبة غدواته وروحاته يتأممها وعلى وجهه علامات اليأس والمرارة.

قائد الغزلان
28-01-2015, 09:58 PM
للكاتبة:.ميّ زيادة


http://www.syrianstory.com/images/images2/z.may.jpg
عام سعيد




كلمة يتبادلها الناس في هذه الأيام ولا يضنّون بها إلاّ على المتشح بأثواب الحداد, فإِذا ما قابلوه جمدت البسمة على شفاههم وصافحوه صامتين كأنما هم يحاولون طلاء وجوههم بلونٍ معنويٍّ قاتم كلون أثوابه.

ما أكثرها عادات تقيِّدنا في جميع الأحوال فتجعلنا من المهد إلى اللحد عبيدًا! نتمرّدُ عليها ثم ننفِّذ أحكامها مرغمين, ويصح لكل أن يطرح على نفسه هذا السؤال: (أتكون هذه الحياة (حياتي) حقيقة وأنا فيها خاضع لعادات واصطلاحات أسخر بها في خلوتي, ويمجُّها ذوقي, وينبذها منطقي, ثم أعود فأتمشى على نصوصها أمام البشر)?

يبتلى امرؤٌ بفقد عزيز فيعين لهُ الاصطلاح من أثوابه اللون والقماش والتفصيل والطول والعرض والأزرار فلا يتبرنط, ولا يتزيا, ولا ينتعل, ولا يتحرك, ولا يبكي إِلاّ بموجب مشيئة بيئته المسجلة في لوائح الحداد الوهمية, كأنما هو قاصر عن إِيجاد حداد خاص يظهر فيه - أو لا يظهر - حزنه الصادق المنبثق من أعماق فؤاده.

إِذا خرج المحزون من بيته فلا زيارات ولا نُزَه ولا هو يلتقي بغير الحزانى أمثاله. عليه أن يتحاشى كل مكان لا تخيِّم عليه رهبة الموت; المعابد والمدافن كعبة غدواته وروحاته يتأممها وعلى وجهه علامات اليأس والمرارة.

وأما في داخل منزله فلا استقبالات رسمية, ولا اجتماعات سرور, ولا أحاديث إِيناس. الأزهار تختفي حوله وخضرة النبات تذبل على شرفته, وآلات الطرب تفقد فجأة موهبة النطق الموسيقي; حتى البيانو أو الأرغن لا يجوز لمسه إِلاّ للدرس الجدي أو لتوقيع ألحان مدرسية وكنسية - على شريطة أن يكون الموقّّع وحده لا يحضر مجلسه هذا أحد. أما القرطاس فيمسى مخططًا طولاً وعرضًا بخطوط سوداء يجفل القلب لمرآها.


كانت هذه الاصطلاحات بالأمس على غير ما هي اليوم, وقد لا يبقى منها شيء بعد مرور أعوام, ولكن الناس يتبعونها الآن صاغرين لأن العادة أقوى الأقوياء وأظلم المستبدين.

إن المحزون أحق الناس بالتعزية والسلوى; لسمعهِ يجبُ أن تهمس الموسيقى بأعذب الألحان, وعليه أن يكثر من التنزه لا لينسى حزنه فالحزن مهذب لا مثيل له في نفسٍ تحسنُ استرشاده, وإِنما ليذكر أن في الحياة أمورًا أخرى غير الحزن والقنوط.

ألا رُبَّ قائلٍ يقول إن المحزون من طبعه لا يميل إِلي غير الألوان القاتمة والمظاهر الكئيبة, إِذن دعوه وشأنه! دعوه يلبس ما يشاء ويفعل ما يختار! دعوا النفس تحرّك جناحيها وتقول كلمتها! فللنفس معرفة باللائق والمناسب تفوق بنود اللائحة الاتفاقية حصافة وحكمةً.

بل أرى أن أخبار الأفراح التي يطنطن بها الناس كالنواقيس, ومظاهر الحداد التي ينشرونها كالأعلام, إنما هي بقايا همجية قديمة من نوع تلك العادة التي تقضي بحرق المرأة الهندية حيةً قرب جثة زوجها. وإِني لعلى يقينٍ من أنه سيجىءُ يومٌ فيه يصير الناس أتم أدبًا من أن يقلقوا الآفاق بطبول مواكب الأعراس والجنازات, وأسلم ذوقًا من أن يحدثوا الأرض وساكنيها أنه جرى لأحدهم ما يجري لعباد الله أجمعين من ولادةٍ وزواجٍ ووفاة.

وتمهيدًا لذلك اليوم الآتي أحيِّي الآن كلَّ متشّحٍ بالسواد; أما السعداء فلهم من نعيمهم ما يغنيهم عن السلامات والتحيات.

أحيِّي الذين يبكون بعيونهم, وأولئك الذين يبكون بقلوبهم: أحيِّي كلَّ حزين, وكل منفردٍ, وكل بائسٍ, وكل كئيب. أحيِّي كلاًّ منهم متمنية له عامًا مقبلاً أقلَّ حزنًا وأوفر هناء من العام المنصرم.

نعم, للحزين وحده يجب أن يقال: (عام سعيد)!

من كتاب (سوانح فتاة), 1922

نبذة حول الأديب: ميّ زيادة
اسمها: ماري إلياس زيادة ، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد.

مولدها ونشأتها :
فلسطينيةٌ ولدت في الناصرة عام 1886 م . وهي ابنة وحيدة من أهل كسروان، لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد.

تعليمها :
تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان. وفي العام 1907, انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة. وهناك, عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية, وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته, عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها. وفيما بعد, تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.

محطات :
- فى القاهرة, خالطت ميّ الكتاب والصحفيين, وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي, وباحثة وخطيبة. وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء), جمعت فيها - لعشرين عامًا - صفوة من كتاب العصر وشعرائه, كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف, أنطون الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, و أحمد شوقي. وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته. أما قلب ميّ زيادة, فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده, رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة. ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.

- نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبريات الصحف والمجلات المصرية, مثل: (المقطم), (الأهرام), (الزهور), (المحروسة), (الهلال), و(المقتطف). أما الكتب, فقد كان باكورة إنتاجها العام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية و أول أعمالها بالفرنسية اسمها أزاهير حلم ظهرت عام 1911 و كانت توقع باسم ايزس كوبيا, ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية. وفيما بعد صدر لها: (باحثة البادية) (1920), (كلمات وإشارات) (1922), (المساواة) (1923), (ظلمات وأشعة) (1923), ( بين الجزر والمد ) ( 1924), و(الصحائف) (1924). وفى أعقاب رحيل والديها ووفاة جبران تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938, إذ حيكت ضدها مؤامرة دنيئة, وأوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر, وأودعت مصحة الأمراض العقلية ببيروت. وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني وشخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها, ورفع الحجْر عنها.

- سافرت في عام 1932 إلى إنجلترا أملاً في أن تغيير المكان والجو الذي تعيش فيه ربما يخفف قليلاً من آلامها .. لكن حتى السفر لم يكن الدواء .. فقد عادت إلى مصر ثم سافرت مرة ثانية إلى إيطاليا لتتابع محاضرات في جامعة بروجية عن آثار اللغة الإيطالية .. ثم عادت إلى مصر .. وبعدها بقليل سافرت مرة أخرى إلى روما ثم عادت إلى مصر حيث استسلمت لأحزانها .. ورفعت الراية البيضاء لتعلن أنها في حالة نفسية صعبة .. وأنها في حاجة إلى من يقف جانبها ويسندها حتى تتماسك من جديد .

من آرائها :
- على سبيل المثال فقد أعطت مي زيادة الزواج مفهوم آخر جديد هو العبودية كما قالت في كتابها: (يرمز المصورون إلى العبودية برسم رجل بائس رسف في قيوده ولو انصفوا ما كان غير المرأة رمزاً. الرجل عبد مرة وهي عبدت مرات. قيمة الرجل في استقلاله وطموحهُ المرأة إن هي أبدت ميلاً إلى الانعتاق من الأوهام القديمة والعادات المتحجرة نظر إليها كفرد شاذ أو كخيال في دوائر الرؤيا. لأنهم اعتادوا استعبادها ليس بالجور والتعذيب بل باللطف والتدليل والتحبب، وهؤلاء هن اللواتي بعد أن يشترين بالمال والحلي والتملق وقد عنى سكوتهن قبولاً ينير العبودية والرضى عنه.-

كانت ميّ تؤيد المرأة وتطالب بحقوقها، فقد انضمت إلى الحركة النسائية التي كانت ترأسها هدى شعراوي، وكذلك اشتركت في الاجتماعات التي كانت تعقدها في الجامعة المصرية القديمة. وكتبت ميّ عن شهيرات النساء في عصرها مثل باحثة البادية وعائشة التيمورية. وطالبت بإنصاف المرأة؛ إلى جانب ذلك طالبت المرأة أن تتحرّ، على أن لا تخرج عن حدود المعقول والمقبول، بل يكون تحررها على أساس العلم والتحفظ. وترى ميّ أن يكون موقف المرأة من الرجل، والرجل من المرأة موقف انسجام مع الطبيعة والنفسيّة، في غير تطرف ولا تفريط. 8

عالجت ميّ زيادة موضوع الحكم في كتابها "المساواة" نثرت آراءها هنا وهناك من شتّى أبحاثها. ودعماَ لموقفها في كتابها فقد استعرضت الأنواع المختلفة من التيارات والنظريات مثل الطبقيّة والأرستقراطية والعبودية وغيرها. فمثلاَ عن العبودية والرّق استعرضت مراحلها عبر التاريخ، وبينت العوامل التي عملت على إلغاء ضروب العبوديّة وتدعيم قواعد التحرير؛ وهي ترى أن هذه العبودية ما زالت تلاحق الإنسانية بصورٍ مختلفة وأساليب شتّى.

ما قاله النقاد :
- قالت السيدة هدى شعراوي في حفل تأبين ميّ: "كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية المثقفة " .

- وقال فيها شيخ فلاسفة العرب في العصر الحديث مصطفى عبد الرازق :" أديبة جيل ، كتبت في الجرائد والمجلات ، وألفت الكتب والرسائل ، و ألقت الخطب و المحاضرات ، وجاش صدرها بالشعر أحيانا ، وكانت نصيرة ممتازة للأدب تعقد للأدباء في دارها مجلسا أسبوعيا ، لا لغو فيه ولا تأثيم ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء في غير جدل ولا مراء " .

- أما الشاعر شفيق المعلوف شقيق شاعر الطيارة فوزي المعلوف فقد قال عن الآنسة مي :
بنت الجبــــــال ربيبة الهرم
هيهات يجهل اسمها حي
لم نلق ســــحرا سال من قلم
إلا هـــتفنــا هــذه مــــي


- قالت جوليا دمشقيّة: "لم أرَ في حياتي خطيباَ اشرأبّت إليه الأعناق، وشخصت إليه الأحداق كميّ، فكانت، وهي تخطب، كأنَّ أجفان سامعيها مشدودة إليها بالأهداب، وما ذلك إلا لأنّه اجتمع في الخطيبة أهم مقومات الخطابة".

مؤلفاتها :

( من أشهر أعمالها)
(باحثة البادية) (1920)
(كلمات وإشارات) (1922)
(المساواة) (1923)
(ظلمات وأشعة) (1923)
( بين الجزر والمد ) ( 1924)
(الصحائف) (1924).
سوانح فتاة .
كلمات و أشارات .
نعم ديوان الحب
رد مع الاستدلال

-ما كُتب عنها :
1) "ميّ في حياتها المضطربة" لجميل جبر.
2) "حياة ميّ" لمحمد عبد الغني حسن.
3) "محاضرات عن ميّ مع رائدات النهضة النسائية الحديثة ، للدكتور منصور فهمي ".



وفاتها :
توفيت في القاهرة في 17 /10/ 1941 م.

زهرة الأحلام
28-01-2015, 10:00 PM
اسم النص : عام سعيد
اسم الكاتبة : مي زيادة

النص ::

كلمة يتبادلها الناس في هذه الأيام ولا يضنّون بها إلاّ على المتشح بأثواب الحداد, فإِذا ما قابلوه جمدت البسمة على شفاههم وصافحوه صامتين كأنما هم يحاولون طلاء وجوههم بلونٍ معنويٍّ قاتم كلون أثوابه.

ما أكثرها عادات تقيِّدنا في جميع الأحوال فتجعلنا من المهد إلى اللحد عبيدًا! نتمرّدُ عليها ثم ننفِّذ أحكامها مرغمين, ويصح لكل أن يطرح على نفسه هذا السؤال: (أتكون هذه الحياة (حياتي) حقيقة وأنا فيها خاضع لعادات واصطلاحات أسخر بها في خلوتي, ويمجُّها ذوقي, وينبذها منطقي, ثم أعود فأتمشى على نصوصها أمام البشر)?

يبتلى امرؤٌ بفقد عزيز فيعين لهُ الاصطلاح من أثوابه اللون والقماش والتفصيل والطول والعرض والأزرار فلا يتبرنط, ولا يتزيا, ولا ينتعل, ولا يتحرك, ولا يبكي إِلاّ بموجب مشيئة بيئته المسجلة في لوائح الحداد الوهمية, كأنما هو قاصر عن إِيجاد حداد خاص يظهر فيه - أو لا يظهر - حزنه الصادق المنبثق من أعماق فؤاده.

إِذا خرج المحزون من بيته فلا زيارات ولا نُزَه ولا هو يلتقي بغير الحزانى أمثاله. عليه أن يتحاشى كل مكان لا تخيِّم عليه رهبة الموت; المعابد والمدافن كعبة غدواته وروحاته يتأممها وعلى وجهه علامات اليأس والمرارة.

وأما في داخل منزله فلا استقبالات رسمية, ولا اجتماعات سرور, ولا أحاديث إِيناس. الأزهار تختفي حوله وخضرة النبات تذبل على شرفته, وآلات الطرب تفقد فجأة موهبة النطق الموسيقي; حتى البيانو أو الأرغن لا يجوز لمسه إِلاّ للدرس الجدي أو لتوقيع ألحان مدرسية وكنسية - على شريطة أن يكون الموقّّع وحده لا يحضر مجلسه هذا أحد. أما القرطاس فيمسى مخططًا طولاً وعرضًا بخطوط سوداء يجفل القلب لمرآها.


كانت هذه الاصطلاحات بالأمس على غير ما هي اليوم, وقد لا يبقى منها شيء بعد مرور أعوام, ولكن الناس يتبعونها الآن صاغرين لأن العادة أقوى الأقوياء وأظلم المستبدين.

إن المحزون أحق الناس بالتعزية والسلوى; لسمعهِ يجبُ أن تهمس الموسيقى بأعذب الألحان, وعليه أن يكثر من التنزه لا لينسى حزنه فالحزن مهذب لا مثيل له في نفسٍ تحسنُ استرشاده, وإِنما ليذكر أن في الحياة أمورًا أخرى غير الحزن والقنوط.

ألا رُبَّ قائلٍ يقول إن المحزون من طبعه لا يميل إِلي غير الألوان القاتمة والمظاهر الكئيبة, إِذن دعوه وشأنه! دعوه يلبس ما يشاء ويفعل ما يختار! دعوا النفس تحرّك جناحيها وتقول كلمتها! فللنفس معرفة باللائق والمناسب تفوق بنود اللائحة الاتفاقية حصافة وحكمةً.

نـــــــقــــــــاء
28-01-2015, 10:10 PM
اسم النص : عام سعيد
اسم الكاتبة : مي زيادة

النص ::

كلمة يتبادلها الناس في هذه الأيام ولا يضنّون بها إلاّ على المتشح بأثواب الحداد, فإِذا ما قابلوه جمدت البسمة على شفاههم وصافحوه صامتين كأنما هم يحاولون طلاء وجوههم بلونٍ معنويٍّ قاتم كلون أثوابه.

ما أكثرها عادات تقيِّدنا في جميع الأحوال فتجعلنا من المهد إلى اللحد عبيدًا! نتمرّدُ عليها ثم ننفِّذ أحكامها مرغمين, ويصح لكل أن يطرح على نفسه هذا السؤال: (أتكون هذه الحياة (حياتي) حقيقة وأنا فيها خاضع لعادات واصطلاحات أسخر بها في خلوتي, ويمجُّها ذوقي, وينبذها منطقي, ثم أعود فأتمشى على نصوصها أمام البشر)?

يبتلى امرؤٌ بفقد عزيز فيعين لهُ الاصطلاح من أثوابه اللون والقماش والتفصيل والطول والعرض والأزرار فلا يتبرنط, ولا يتزيا, ولا ينتعل, ولا يتحرك, ولا يبكي إِلاّ بموجب مشيئة بيئته المسجلة في لوائح الحداد الوهمية, كأنما هو قاصر عن إِيجاد حداد خاص يظهر فيه - أو لا يظهر - حزنه الصادق المنبثق من أعماق فؤاده.

إِذا خرج المحزون من بيته فلا زيارات ولا نُزَه ولا هو يلتقي بغير الحزانى أمثاله. عليه أن يتحاشى كل مكان لا تخيِّم عليه رهبة الموت; المعابد والمدافن كعبة غدواته وروحاته يتأممها وعلى وجهه علامات اليأس والمرارة.

وأما في داخل منزله فلا استقبالات رسمية, ولا اجتماعات سرور, ولا أحاديث إِيناس. الأزهار تختفي حوله وخضرة النبات تذبل على شرفته, وآلات الطرب تفقد فجأة موهبة النطق الموسيقي; حتى البيانو أو الأرغن لا يجوز لمسه إِلاّ للدرس الجدي أو لتوقيع ألحان مدرسية وكنسية - على شريطة أن يكون الموقّّع وحده لا يحضر مجلسه هذا أحد. أما القرطاس فيمسى مخططًا طولاً وعرضًا بخطوط سوداء يجفل القلب لمرآها.


كانت هذه الاصطلاحات بالأمس على غير ما هي اليوم, وقد لا يبقى منها شيء بعد مرور أعوام, ولكن الناس يتبعونها الآن صاغرين لأن العادة أقوى الأقوياء وأظلم المستبدين.

إن المحزون أحق الناس بالتعزية والسلوى; لسمعهِ يجبُ أن تهمس الموسيقى بأعذب الألحان, وعليه أن يكثر من التنزه لا لينسى حزنه فالحزن مهذب لا مثيل له في نفسٍ تحسنُ استرشاده, وإِنما ليذكر أن في الحياة أمورًا أخرى غير الحزن والقنوط.

ألا رُبَّ قائلٍ يقول إن المحزون من طبعه لا يميل إِلي غير الألوان القاتمة والمظاهر الكئيبة, إِذن دعوه وشأنه! دعوه يلبس ما يشاء ويفعل ما يختار! دعوا النفس تحرّك جناحيها وتقول كلمتها! فللنفس معرفة باللائق والمناسب تفوق بنود اللائحة الاتفاقية حصافة وحكمةً.

تباشيرالأمل
28-01-2015, 11:06 PM
السلام عليكم

الكاتبة...مي زيادة


عنوان النص.. عام سعيد



كلمة يتبادلها الناس في هذه الأيام ولا يضنّون بها إلاّ على المتشح بأثواب الحداد, فإِذا ما قابلوه جمدت البسمة على شفاههم وصافحوه صامتين كأنما هم يحاولون طلاء وجوههم بلونٍ معنويٍّ قاتم كلون أثوابه.

ما أكثرها عادات تقيِّدنا في جميع الأحوال فتجعلنا من المهد إلى اللحد عبيدًا! نتمرّدُ عليها ثم ننفِّذ أحكامها مرغمين, ويصح لكل أن يطرح على نفسه هذا السؤال: (أتكون هذه الحياة (حياتي) حقيقة وأنا فيها خاضع لعادات واصطلاحات أسخر بها في خلوتي, ويمجُّها ذوقي, وينبذها منطقي, ثم أعود فأتمشى على نصوصها أمام البشر)?

يبتلى امرؤٌ بفقد عزيز فيعين لهُ الاصطلاح من أثوابه اللون والقماش والتفصيل والطول والعرض والأزرار فلا يتبرنط, ولا يتزيا, ولا ينتعل, ولا يتحرك, ولا يبكي إِلاّ بموجب مشيئة بيئته المسجلة في لوائح الحداد الوهمية, كأنما هو قاصر عن إِيجاد حداد خاص يظهر فيه - أو لا يظهر - حزنه الصادق المنبثق من أعماق فؤاده.

إِذا خرج المحزون من بيته فلا زيارات ولا نُزَه ولا هو يلتقي بغير الحزانى أمثاله. عليه أن يتحاشى كل مكان لا تخيِّم عليه رهبة الموت; المعابد والمدافن كعبة غدواته وروحاته يتأممها وعلى وجهه علامات اليأس والمرارة.

وأما في داخل منزله فلا استقبالات رسمية, ولا اجتماعات سرور, ولا أحاديث إِيناس. الأزهار تختفي حوله وخضرة النبات تذبل على شرفته, وآلات الطرب تفقد فجأة موهبة النطق الموسيقي; حتى البيانو أو الأرغن لا يجوز لمسه إِلاّ للدرس الجدي أو لتوقيع ألحان مدرسية وكنسية - على شريطة أن يكون الموقّّع وحده لا يحضر مجلسه هذا أحد. أما القرطاس فيمسى مخططًا طولاً وعرضًا بخطوط سوداء يجفل القلب لمرآها.


كانت هذه الاصطلاحات بالأمس على غير ما هي اليوم, وقد لا يبقى منها شيء بعد مرور أعوام, ولكن الناس يتبعونها الآن صاغرين لأن العادة أقوى الأقوياء وأظلم المستبدين.

إن المحزون أحق الناس بالتعزية والسلوى; لسمعهِ يجبُ أن تهمس الموسيقى بأعذب الألحان, وعليه أن يكثر من التنزه لا لينسى حزنه فالحزن مهذب لا مثيل له في نفسٍ تحسنُ استرشاده, وإِنما ليذكر أن في الحياة أمورًا أخرى غير الحزن والقنوط.

ألا رُبَّ قائلٍ يقول إن المحزون من طبعه لا يميل إِلي غير الألوان القاتمة والمظاهر الكئيبة, إِذن دعوه وشأنه! دعوه يلبس ما يشاء ويفعل ما يختار! دعوا النفس تحرّك جناحيها وتقول كلمتها! فللنفس معرفة باللائق والمناسب تفوق بنود اللائحة الاتفاقية حصافة وحكمةً.

بل أرى أن أخبار الأفراح التي يطنطن بها الناس كالنواقيس, ومظاهر الحداد التي ينشرونها كالأعلام, إنما هي بقايا همجية قديمة من نوع تلك العادة التي تقضي بحرق المرأة الهندية حيةً قرب جثة زوجها. وإِني لعلى يقينٍ من أنه سيجىءُ يومٌ فيه يصير الناس أتم أدبًا من أن يقلقوا الآفاق بطبول مواكب الأعراس والجنازات, وأسلم ذوقًا من أن يحدثوا الأرض وساكنيها أنه جرى لأحدهم ما يجري لعباد الله أجمعين من ولادةٍ وزواجٍ ووفاة.

وتمهيدًا لذلك اليوم الآتي أحيِّي الآن كلَّ متشّحٍ بالسواد; أما السعداء فلهم من نعيمهم ما يغنيهم عن السلامات والتحيات.

أحيِّي الذين يبكون بعيونهم, وأولئك الذين يبكون بقلوبهم: أحيِّي كلَّ حزين, وكل منفردٍ, وكل بائسٍ, وكل كئيب. أحيِّي كلاًّ منهم متمنية له عامًا مقبلاً أقلَّ حزنًا وأوفر هناء من العام المنصرم.

نعم, للحزين وحده يجب أن يقال: (عام سعيد)!

من كتاب (سوانح فتاة), 1922

اسطورة لن تتكرر
29-01-2015, 09:39 PM
http://www4.0zz0.com/2015/01/29/20/986950927.gif
والأخيــــــــــــــر


ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أيضاً أن أساتذة في التاريخ والجغرافية والعلوم لم يتعلموا من قواعدها ما يصون أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع وإذا عوتبوا أو ليموا – وهم مليمون حقاً – قالوا نحن ندرس التاريخ والجغرافية والعلوم ، ولا يخجلون من هذا الاعتذار . مع أنهم أصبحوا سخرية الساخرين وضحكة الضاحكين ولا سيما مشاهدي " التلفزيون " مع أنهم يعلمون أن الانكليزي العام – على سبيل التمثيل - لا يخطئ الصواب في لغته ولو كان الخطأ الواقع منه في حرف جر لتناولته الألسن والأقلام باللوم والتقريع والتأنيب والتثريب .

نـــــــقــــــــاء
29-01-2015, 09:48 PM
من كتاب قـُل ولا تـقـُل / الجزء الأول
مصطفى جواد

ومن أشدّ الرزايا التي أصابت اللغة العربية أنّ أناسا من الكتّاب والشعراء يكتبون وينظمون وينشرون كلِمـاً غيرَ مشكول ، واللحن في غير المشكول لا يظهر ، فإذا قرؤوا كتابة أنفسهم ونظمهم بان عوارهم ، وانكشفَ لحنهم في أقبح الصور . وقد سمعتُ شاعراً مبدعاً يُقرن اسمه بالكبير ينشد قصيدة له فإذا هو لحّانه ، يكسر المفتوح ويفتح المضموم وينوّنُ الممنوع من الصرف ويكسر المضموم ، ويضمّ المفتوح ويفتح المكسور ويضم المكسور ... ويفعل غيرَ ذلك من الأوهام الصرفية دون النحوية لأنّ قواعد النحو معروفة محدودة ، وأما الضبط الصرفي فيحتاجُ إلى معجم مشكول أو سماع منقول مقبول . وهؤلاء قد حفظوا كلماً ملحوناً فيه من قومِ لحّانين وبقوا على جهالتهم .

وظهرت طبقة من الحُكاة المعروفين بالممثلين ابتليت بهم اللغة العربية فهم لها جاهلون ، وبها عابثون وبإفسادها عائشون . فمن يجعل العربية أداة لعيشه وذريعة لكسبه يجب عليه إن يحسنها بعد درس لقواعدها العامة إجادة لاستعمال معجماتها اللغوية . ليتحقق صحة ما أشكلَ عليه . ومن وهنت همته فعليهِ في الأقل أن يسترشد بها قبل العمل .

ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أيضاً أن أساتذة في التاريخ والجغرافية والعلوم لم يتعلموا من قواعدها ما يصون أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع وإذا عوتبوا أو ليموا – وهم مليمون حقاً – قالوا نحن ندرس التاريخ والجغرافية والعلوم ، ولا يخجلون من هذا الاعتذار . مع أنهم أصبحوا سخرية الساخرين وضحكة الضاحكين ولا سيما مشاهدي " التلفزيون " مع أنهم يعلمون أن الانكليزي العام – على سبيل التمثيل - لا يخطئ الصواب في لغته ولو كان الخطأ الواقع منه في حرف جر لتناولته الألسن والأقلام باللوم والتقريع والتأنيب والتثريب .

ونرى في " تحريرات " الدوائر ودواوين الحكومة أغلاطاً تبعث على الأسف فرفع المجرور والنصب المرفوع من الأمور المألوفة فيها . ولا سيما الإعلانات والتنبيهات . فضلا عن السقيم من العبارات . وإني لأتذكر أني قرأت في العهد الملكي الزائل على باب مكتب اللجنة الطبية بمعسكر الرشيد هذه الجملة " ممنوع دخول القلم حفظاً لتفشي الأسرار " فتأمل جهل المنبه للتركيب التعبيري . أراد " منعاً لتفشي الأسرار " فوضع مكانه " حفظاً لتفشي الأسرار " ولم يخطر بباله " حفظاً للأسرار " فهو أوجز وأدل على المراد وأوفى بالمقصود .

ولا تسأل عن مترجمي الأفلام السينمية فهؤلاء أكلة السحت ، يرتكبون من اللحن والغلط الشنيعين ما أصبح مخشيا كل الخشية على العربية وطلاب المدارس . والشداة من الدارسين ، وليت شعري كيف تجيز لجنة رقابة الأفلام وهي لجنة منتخبة من موظفي الدولة ومنهم موظف من وزارة التربية والتعليم المهيمنة على شئون الثقافة اللغوية فلماً لغتهُ فاسدة مفسدة ، ناقضة لقواعد اللغة العربية . وأكثر المختلفين إلى دور السينما هم من طلاب المدارس والمعاهد والكليات ؟! "

قائد الغزلان
29-01-2015, 09:52 PM
مصطفى جواد



http://www.aljanh.net/uploader//uploads/images/aljanh_net-5462e89585.jpg
من كتاب قـُل ولا تـقـُل / الجزء الأول
" ومن أشدّ الرزايا التي أصابت اللغة العربية أنّ أناسا من الكتّاب والشعراء يكتبون وينظمون وينشرون كلِمـاً غيرَ مشكول ، واللحن في غير المشكول لا يظهر ، فإذا قرؤوا كتابة أنفسهم ونظمهم بان عوارهم ، وانكشفَ لحنهم في أقبح الصور . وقد سمعتُ شاعراً مبدعاً يُقرن اسمه بالكبير ينشد قصيدة له فإذا هو لحّانه ، يكسر المفتوح ويفتح المضموم وينوّنُ الممنوع من الصرف ويكسر المضموم ، ويضمّ المفتوح ويفتح المكسور ويضم المكسور ... ويفعل غيرَ ذلك من الأوهام الصرفية دون النحوية لأنّ قواعد النحو معروفة محدودة ، وأما الضبط الصرفي فيحتاجُ إلى معجم مشكول أو سماع منقول مقبول . وهؤلاء قد حفظوا كلماً ملحوناً فيه من قومِ لحّانين وبقوا على جهالتهم .

وظهرت طبقة من الحُكاة المعروفين بالممثلين ابتليت بهم اللغة العربية فهم لها جاهلون ، وبها عابثون وبإفسادها عائشون . فمن يجعل العربية أداة لعيشه وذريعة لكسبه يجب عليه إن يحسنها بعد درس لقواعدها العامة إجادة لاستعمال معجماتها اللغوية . ليتحقق صحة ما أشكلَ عليه . ومن وهنت همته فعليهِ في الأقل أن يسترشد بها قبل العمل .

ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أيضاً أن أساتذة في التاريخ والجغرافية والعلوم لم يتعلموا من قواعدها ما يصون أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع وإذا عوتبوا أو ليموا – وهم مليمون حقاً – قالوا نحن ندرس التاريخ والجغرافية والعلوم ، ولا يخجلون من هذا الاعتذار . مع أنهم أصبحوا سخرية الساخرين وضحكة الضاحكين ولا سيما مشاهدي " التلفزيون " مع أنهم يعلمون أن الانكليزي العام – على سبيل التمثيل - لا يخطئ الصواب في لغته ولو كان الخطأ الواقع منه في حرف جر لتناولته الألسن والأقلام باللوم والتقريع والتأنيب والتثريب .

ونرى في " تحريرات " الدوائر ودواوين الحكومة أغلاطاً تبعث على الأسف فرفع المجرور والنصب المرفوع من الأمور المألوفة فيها . ولا سيما الإعلانات والتنبيهات . فضلا عن السقيم من العبارات . وإني لأتذكر أني قرأت في العهد الملكي الزائل على باب مكتب اللجنة الطبية بمعسكر الرشيد هذه الجملة " ممنوع دخول القلم حفظاً لتفشي الأسرار " فتأمل جهل المنبه للتركيب التعبيري . أراد " منعاً لتفشي الأسرار " فوضع مكانه " حفظاً لتفشي الأسرار " ولم يخطر بباله " حفظاً للأسرار " فهو أوجز وأدل على المراد وأوفى بالمقصود .

ولا تسأل عن مترجمي الأفلام السينمية فهؤلاء أكلة السحت ، يرتكبون من اللحن والغلط الشنيعين ما أصبح مخشيا كل الخشية على العربية وطلاب المدارس . والشداة من الدارسين ، وليت شعري كيف تجيز لجنة رقابة الأفلام وهي لجنة منتخبة من موظفي الدولة ومنهم موظف من وزارة التربية والتعليم المهيمنة على شئون الثقافة اللغوية فلماً لغتهُ فاسدة مفسدة ، ناقضة لقواعد اللغة العربية . وأكثر المختلفين إلى دور السينما هم من طلاب المدارس والمعاهد والكليات ؟! "




نبذة حول الأديب: مصطفى جواد

http://i.ytimg.com/vi/DWG-nRU3RzI/hqdefault.jpg
اسمه: مصطفى جواد مصطفى البياتي .

مولده : ولد مصطفى جواد عام 1904 من أبوين تركمانيين في محلة شعبية في الجانب الشرقي من بغداد - محلة (عقد القشل)- . أسرته من "دلتاوه" من عشيرة صارايلو البياتية ، والدهُ جواد الخياط ابن مصطفى بن ابراهيم ، تنقلت طفولته بين بغداد وقضاء الخالص التابعة لمحافظة ديالى .


تعليمه : تعلم أول ما تعلم في الكتاتيب، ومن بعد في المدارس قارئا القرآن الكريم وحافظا له. ودرس في المدرسة الجعفرية ومدرسة باب الشيخ. وأكمل تعليمه الاعدادي في "دلتاوه" حيث عاش مع والده .. وبعد وفاة والده في أوائل الحرب العالمية الاولى، عاد إلى مسقط رأسه بغداد. بعد الاحتلال البريطاني للعراق فكفلهُ أخوه (كاظم بن جواد) وكان يعد من أدباء بغداد في التراث الشعبي وهو الذي أسهم ببناء قاعدة العشق اللغوي في شقيقهِ الأصغر، فدرس النحو ومعاني الكلمات وأعطاهُ قاموساً في شرح مفردات اللغة العربية وأوصاه بأن يحفظ عشرين مفردة في اليوم الواحد، وحفظ أكثر من عشرين حتى نشأت عندهُ حافظة قوية. أكمل تعليمه الجامعي في دار المعلمين وتخرج منها عام 1924 ، ومن بعدها رحل لإكمال دراساته العليا في فرنسا ولكنه أجبر على العودة إلى بغداد قبل مناقشته لرسالة الدكتوراه بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية وتصاعد وتيرتها هناك . وكان ممن عاد معه الدكتور ناجي معروف والدكتور سليم النعيمي .
.

محطات :
- بعد نيله الشهادة الجامعية من دار المعلمين وخلال الفترة (1924 - 1933)م، بدأ في نشر ابحاثهُ اللغوية في الدوريات المحلية والعربية ولاسيما تلك الصادرة في مصر ولبنان، وطبع كتابين في التحقيق التراثي . وقد أهّله تردده على مجالس بغداد وقتها خوض العديد من المعارك الأدبية حول فنّه الذي مافارقه (التصحيح اللغوي) الذي ألزمه بان يحفظ كثيراً ويعلل الحفظ ويقرنه بمزيد من الأسانيد والشواهد.

- في العام (1925) تعرف بالعلامة اللغوي الاب انستاس الكرملي (1866-1947) وكان للكرملي مجلس ادب ولغة في الكنيسة اللاتينية يؤمه ادباء الدرجة الأولي في بغداد . فلازمهُ مصطفى وكتب في مجلته (لغة العرب).

- في الفترة ما بين ( 1934- 1939 ) ، حصل علي بعثة لتطوير دراساته في باريس، فقضي سنة كاملة في القاهرة لتعلم الفرنسية وهناك التقي رواد الثقافة طه حسين والعقاد والزيات.

- ثم رحل إلى باريس بجامعة السوربون ، يدرس دكتوراه الادب العربي فنالها عن اطروحته "الناصر لدين الله الخليفة العباسي" ، وفي باريس افاد ذاكرته التراثية من ملازمته لمجلس (الميرزا محمد القزويني) ومكتبته التراثية فنسخ منها عشرات المحفوظات العربية النادرة، وعشرات مثلها من المكتبة الوطنية الفرنسية .

- كانت الفترة الباريسية التي أنهتها الحرب العالمية الثانية سنة 1939 -دون أن يتمكن من الدفاع عن رسالته العلمية- من أخصب سنوات عمره. فلقد حقق كشوفات علمية أعلنها في مجلة REI ـ البحوث الاسلامية لوزارة المعارف الفرنسية سنة 1938م.

- عاد الي بغداد وهو مزود بقراءتين: القديمة التي في المراجع والمصادر الرئيسة والحديثة وهي الاكاديمية التي تنفتح علي العصر، وجاء بهاتين القراءتين الي دار المعلمين العالية التي عين فيها استاذا للادب العربي .

- بلغ الشهرة أكثر فأكثر في موضوع (قل ولاتقل) الذي بدأ كبرنامج تلفزيوني - اي قل الصحيح وانبذ الخطأ الشائع-، ثمّ طبع له من هذا الموضوع جزآن (1970- 1988) وربما استعار عنوان كتابه من الدراسات اللغوية الفرنسية التي شاعت في أثناء دراسته في جامعة باريس ، وكان قد ابتدأ بنشر موضوعه هذا منذ عام 1943 في مجلة (عالم الغد) .

- كان من رواد الكتابة الفولكلورية في العراق وأسهم بالكثير من المقالات في مجلة التراث الشعبي منذ صدورها عام 1963.

- اول كتاب صدر له سنة 1932 تحت عنوان (الحوادث الجامعة) واخر كتاب طبعه وهو تحت عنوان (رسائل في النحو واللغة) سنة 1969 .



الوظائف التي شغلها في حياته :
- بعد تخرجه من دار المعلمين عام 1924 تعين معلما في مدرسة الناصرية ثم البصرة وبعدها في مدرسة الكاظمية ببغداد .

- بعد عودته من فرنسا عمل مدرسا في معهده الذي تخرج منه وساهم في التدريس فيه وأيضا في كلية التربية التي ورثت المعهد بعد تأسيس جامعة بغداد.

- ثم عين كاتباً للتحرير في وزارة المعارف ونقل بعد ذلك معلماً في المدرسة المأمونية ببغداد، و منها نقل إلى المدرسة المتوسطة الشرقية ببغداد.

- في سنة 1942 انتقل ملاحظا فنيا في مديرية الاثار العامة، رفع في هذه المديرية الي درجة اختصاصي في التراث حتي سنة 1948..ثم عاد بعدها إلى التعليم .

- وفي عام 1962 أنتدب للتدريس في معهد الدراسات الإسلامية العليا وعين عميداً للمعهد المذكور بعد عام .

إنجازاته :

- قواعد جديدة في النحو العربي كبدائل لقواعد نحوية قديمة.
- قواعد وقوانين جديدة في تحقيق المخطوطات التراثية.
- انزل الفصحى الي العامة باسلوبه السلس ذي الجرس الانيس .
- نبه اساتذة الجامعات الي اعتماد لغة سليمة في ابحاثهم لان اللغة كما قال لهم عنصر مهم من عناصر الشخصية.
- علم الباحثين طريقة الاستناد الي الشواهد شعراً ونثراً وسواء كانت الشواهد من القرن الأول الهجري ام التي من العصر الحديث، وبذلك حررهم من الجمود الفكري.

ما قاله النقاد :

-كتب الدكتور غزوان: يقف مصطفى جواد علما بارزا من اعلام النهضة العربية في ثقافتنا وحضارتنا وفكرنا وتاريخنا الانساني. فقد كان - رحمه الله - عاشقا طبيعيا للحقيقة، مخلصا لها، مترصدا اخلاصه فيها، عائما بها ولذاتها. تلك الحقيقة هي حبه العميق للغة العربية لغة الحضارة والفكر الانسانيين. كان موسوعة معارف، في النحو والخطط والبلدان والاثار، (اعانه على ذلك حافظة قوية وذاكرة حادة، ومتابعة دائمة، حتى غدا في ذلك مرجعا للسائلين والمستفتين، فنهض بما لا ينهض به العصبة اولو القوة. فكان رجالا في رجل. وعالَما في عالم، ومدرسة قائمة بنفسها). واشار الدكتور غزوان (الى ان استاذه جواد كان قد استمد قدرته الفائقة في الدرس والبحث والاجتهاد الفردي من بيئته واساتذته ومجالس العلماء الذين التقاهم واطلع على مكتباتهم العامرة بمصادر اللغة والادب العربي والتاريخ الاسلامي فضلا عن موهبته النادرة في الاستقراء واستنباط الاحكام واستقراء الرأي، تلك الموهبة التي صيرها اجتهاده الذاتي وجده المتواصل موسوعة علمية ليس من السهل مضاهاتها، موسوعة يفخر بها البحث العلمي اصالة وابتكارا وابداعا) ، وقيم الدكتور غزوان هذا الجهد العلمي لأستاذه الفقيد بانه جهد علمي رصين يوضح بجلاء الدقة في استقراء الخبر وتثبيت الحقائق وايراد الرواية واثبات الوفيات وذكر التصانيف والتأكد من صحة الاخبار والانساب، توضيحا يظهر مصطفى جواد عالما ثبتا ومؤرخا اديبا امينا ومحققا صادقا في ضوء ما عثر عليه من ترجمات جديدة اهتدى اليها من خلال مطالعاته وتصفحاته البارعة والذكية .

-قال عنه الاستاذ نافع عبد الجبار علوان : "ان افضال الدكتور مصطفى جواد كبيرة على اللغة العربية وتاريخ العراق والبلدانيات العربية والعناصر الحضارية في تراثنا الخالد " .

- اما الاستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف فقد كتب عنه مقالة جاء فيها :" ان الدكتور مصطفى جواد عالم باللغة والتاريخ وشؤون الادب ، وله شعر .. عرف بنشاطه العلمي الدائب ، وبصبره الملحوظ على البحث والتحقيق " .

- اما الاستاذ الدكتور طه حسين عميد الادب العربي - وكان عند وفاة الدكتور مصطفى جواد يشغل منصب رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة- فقال : " انعي فيه زميلا عزيزا مقتدرا واديبا فذا " .

- وكتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته ، موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين قائلا : " انه كان عالما في فنون العربية ، ثبتا ، دقيق الملاحظة ، عميق الصبر ، قوي الاستدلال "، وقد فصل في ذلك الاستاذ حميد المطبعي في مقالة نشرها عنه في جريدة الزمان (اللندنية) بعددها الصادر في 28 تشرين الثاني 2005 قائلا : " ان اطلاعه على المخطوطات والكتب التراثية وسعيه الى نسخ العشرات منها ساعده على اتساع خياله التراثي وارجاع الفرع الذي قرأه في الكتب الاولى الى الاصل ، وهذه المراجعة والمذاكرة مع الذات مهدت له الطريق لاكتشاف المزيد من حقائق اللغة التراثية وجعلت ذهنه ذهنا مقارنا حيوي التخريج".


مؤلفاته :
يذكر أن مجموع مؤلفاته بلغ 46 أثراً، نصفها مطبوع ونصفها الآخر مازال مخطوطا. وفضلا على ذلك فكان للمرحوم العديد من المؤلفات المشتركة ومقالات ودراسات منشورة لم تجمع بعد . # أبرزها :

الكتب التي قام بتأليفها : 1
. دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960 وقد وضعه بالاشتراك مع الاستاذ محمود فهمي درويش والدكتور احمد سوسة ( مطبعة التمدن ، بغداد ، 1961)
2 . دليل خارطة بغداد المفصل ووضعه بالاشتراك مع الدكتور احمد سوسة ، ( مطبعة المجمع العراقي ، بغداد ، 1958)
3 . شخصيات القدر ( الشخصيات العربية) وضعه بالاشتراك مع اساتذة آخرين وطبع ببيروت سنة 1963.
4 . عصر الامام الغزالي ( القاهرة ، 1961)
5 . ابو جعفر النقيب( بغداد ، 1950)
6 . سيدات البلاط العباسي ( بيروت ، 1950)
7 . دار الخلافة العباسية : تعيين موضعها واشهر مبانيها ( بغداد ، 1965) .
8. جاوان القبيلة الكردية المنسية- مطبعة المجمع العلمي العراقي.
9 .الضائع من معجم الادباء.
10.الشعور المنسجم.
11. المستدرك على المعجمات العربية.
12 .رسائل في النحو واللغة .
13 . قُل ولا تقل .

الكتب التي قام بتحقيقها
1. ( الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير ) لابن الساعي البغدادي ، الجزء التاسع ، المطبعة السريانية الكاثوليكية ، ( بغداد ، 1934)
2 . المختصر المحتاج اليه من تاريخ بغداد لابن الدبيثي، الجزء الاول ، مطبعة المعارف / بغداد 1951 والجزء الثاني ، ، مطبعة الزمان بغداد ، 1962
3 . مختصر التاريخ لابن الكازروني ، مطبعة / الجمهورية ، بغداد 1969
4 . الفتوة لابن المعمار البغدادي الحنبلي ، مطبعة شفيق ، ( بغداد 1960)


الكتب التي قام بترجمتها:
1 . بغداد مدينة السلام تأليف ريجارد كوك ، ترجمه بالاشتراك مع الاستاذ فؤاد جميل ، الجزء الاول ،962 ، والجزء الثاني 1967
2 . رحلة ابي طالب خان الى العراق واروبا سنة 1213هـ/1799، ( بغداد، 1969)
3 . بغداد في رحلة تمور ، ( بغداد ، 1964) .


المخطوطات التي انتسخها : :
* المخطوط 787 هو مجلد من 470 مجلداً من كتاب الفنون لابي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي البغدادي (431 ـ 513هـ). ثم نشر هذا الكتاب الدكتور جورج مقدسي في مجلدين (دار المشرق ـ بيروت. 70 ـ 1971).
* المخطوط 2087، هو مجلدان من تاريخ دمشق لابن عساكر (499 ـ 571هـ).
* المخطوط 137 هو مجلد من مختصر تاريخ دمشق من اختصار وتذييل أبي شامة (عبد الرحمن بن إسماعيل) (599 ـ 665هـ).
* المخطوط 3105 هو شرح الديوان المنحول خطأ لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ثم البغدادي الأزجي، ولا تصح نسبته إليه البتة، فقد ورد في الورقة 59 منه خبر حادث تاريخ مشهور حدث في سنة 630هـ، مع كون العكبري مات سنة 616هـ.
* المخطوط 3106 ما هو إلا مجلد من شرح ديوان المتنبي للأمير مرهف بن أسامة بن منقذ (520 ـ 613هـ).
* المخطوط 4639 اسمه «المقترح في المصطلح» في اصطلاحات رماة البندق، مذكور فيه أنه لابي عبد الله محمد بن إسماعيل بن ودعة ويعرف بابن البقاع وقد وجدنا ترجمته فهو معيد في المدرسة النظامية وتوفي سنة 588هـ ـ 1192.
* المجلد 6021 ألفه سائح بغدادي الدارنيسابوري الأصل، وقد ذكر اسم والده في الورقة (158) بصورة محمد بن علي المعروف بابن المجاور البغدادي النيسابوري، ولكن الكتاب سمي خطأ في «الفهرست» تاريخ مستنصر «كذا».
* المخطوط 2048 هو التحفة في نظم أصول الانساب وبيان اتصال أحسابها لمحمد بن الحسين الحسني المصري، وقد جعله مقدمة لكتاب كبير في الانساب العربية وانتهى من تأليفه سنة 659هـ/ 1260م، كما هو مذكور في الورقة 204، وهي السنة التي اشتهرت جدا بالقول بأنه صنف لمناقضته المخطوط 6144 وهو المناقب العباسية والمفاخر المستنصرية لعلي بن أبي الفرج بن الحسين البصري المؤلف في سنة 659هـ أيضاً في الدعوة لبني العباس.

* ومن اكتشافات جواد" شفاء القلوب في مناقب بني أيوب"، لأحمد بن إبراهيم الحنبلي (876هـ ـ 1471م) فقد عثر على مخطوطته مبتورة ناقصة من بدايتها في مكتبة المتحف البريطاني في لندن درسها دراسة عميقة ثم حدد نسبتها إلى «الحنبلي». وقد عرف به في وقت لاحق في مقال نشره في مجلة «الكتاب» التي كانت تصدر عن دار المعارف ـ القاهرة.
*ومن كشوفاته «نساء الخلفاء» المسمى جهات الأئمة الخلفاء من الحرائر والإماء، الذي صدر أول مرة عن دار المعارف بمصر سنة 1960م، ثم صدرت طبعة ثانية منه سنة 1993م. ذكرت مقدمته ص 33 أن الفضل يعود في تعريفه بهذا الكتاب إلى المستشرق ماسنيون «سنة 1949». فقد ذكر له أن مكرمين خليل مدرس التاريخ بجامعة اسطانبول وقفه على كتاب مخطوط اسمه «وجهات الأئمة» تأليف ابن الفوطي ـ المؤرخ ـ محفوظ في خزانة ولي الدين «الموقوفة في اسطانبول في مجموعة أرقامها «2624»، وبعد ذلك أثبت بالدلائل القاطعة أنه لتاج الدين علي بن انجب المعروف بابن الساعي الخازن البغدادي سنة 674هـ.
*وثمة مخطوطات أخرى حققها بمفرده أو بالمشاركة منها: المختصر المحتاج إليه لابن الدبيتي، والجامع الكبير لابن الأثير وكتاب الفتوة لابن المعمار وغيرها.

وفاته :
أدركتهُ الوفاة على إثر جلطة قلبية ببغداد عشية الاربعاء الثامن من شوال سنة 1389 هـ الموافق للسابع عشر من كانون الأول 1969م.

زهرة الأحلام
29-01-2015, 09:58 PM
من كتاب : قل و لا تقل / الجزء الأول
للكاتب : مصطفى جواد

النص ::

ومن أشدّ الرزايا التي أصابت اللغة العربية أنّ أناسا من الكتّاب والشعراء يكتبون وينظمون وينشرون كلِمـاً غيرَ مشكول ، واللحن في غير المشكول لا يظهر ، فإذا قرؤوا كتابة أنفسهم ونظمهم بان عوارهم ، وانكشفَ لحنهم في أقبح الصور . وقد سمعتُ شاعراً مبدعاً يُقرن اسمه بالكبير ينشد قصيدة له فإذا هو لحّانه ، يكسر المفتوح ويفتح المضموم وينوّنُ الممنوع من الصرف ويكسر المضموم ، ويضمّ المفتوح ويفتح المكسور ويضم المكسور ... ويفعل غيرَ ذلك من الأوهام الصرفية دون النحوية لأنّ قواعد النحو معروفة محدودة ، وأما الضبط الصرفي فيحتاجُ إلى معجم مشكول أو سماع منقول مقبول . وهؤلاء قد حفظوا كلماً ملحوناً فيه من قومِ لحّانين وبقوا على جهالتهم .

وظهرت طبقة من الحُكاة المعروفين بالممثلين ابتليت بهم اللغة العربية فهم لها جاهلون ، وبها عابثون وبإفسادها عائشون . فمن يجعل العربية أداة لعيشه وذريعة لكسبه يجب عليه إن يحسنها بعد درس لقواعدها العامة إجادة لاستعمال معجماتها اللغوية . ليتحقق صحة ما أشكلَ عليه . ومن وهنت همته فعليهِ في الأقل أن يسترشد بها قبل العمل .

ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أيضاً أن أساتذة في التاريخ والجغرافية والعلوم لم يتعلموا من قواعدها ما يصون أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع وإذا عوتبوا أو ليموا – وهم مليمون حقاً – قالوا نحن ندرس التاريخ والجغرافية والعلوم ، ولا يخجلون من هذا الاعتذار . مع أنهم أصبحوا سخرية الساخرين وضحكة الضاحكين ولا سيما مشاهدي " التلفزيون " مع أنهم يعلمون أن الانكليزي العام – على سبيل التمثيل - لا يخطئ الصواب في لغته ولو كان الخطأ الواقع منه في حرف جر لتناولته الألسن والأقلام باللوم والتقريع والتأنيب والتثريب .

ونرى في " تحريرات " الدوائر ودواوين الحكومة أغلاطاً تبعث على الأسف فرفع المجرور والنصب المرفوع من الأمور المألوفة فيها . ولا سيما الإعلانات والتنبيهات . فضلا عن السقيم من العبارات . وإني لأتذكر أني قرأت في العهد الملكي الزائل على باب مكتب اللجنة الطبية بمعسكر الرشيد هذه الجملة " ممنوع دخول القلم حفظاً لتفشي الأسرار " فتأمل جهل المنبه للتركيب التعبيري . أراد " منعاً لتفشي الأسرار " فوضع مكانه " حفظاً لتفشي الأسرار " ولم يخطر بباله " حفظاً للأسرار " فهو أوجز وأدل على المراد وأوفى بالمقصود .

ولا تسأل عن مترجمي الأفلام السينمية فهؤلاء أكلة السحت ، يرتكبون من اللحن والغلط الشنيعين ما أصبح مخشيا كل الخشية على العربية وطلاب المدارس . والشداة من الدارسين ، وليت شعري كيف تجيز لجنة رقابة الأفلام وهي لجنة منتخبة من موظفي الدولة ومنهم موظف من وزارة التربية والتعليم المهيمنة على شئون الثقافة اللغوية فلماً لغتهُ فاسدة مفسدة ، ناقضة لقواعد اللغة العربية . وأكثر المختلفين إلى دور السينما هم من طلاب المدارس والمعاهد والكليات ؟! "

تباشيرالأمل
29-01-2015, 10:35 PM
السلام عليكم

الكاتب....
_مصطفى جواد....

عنوان النص...

من كتاب قـُل ولا تـقـُل / الجزء الأول



ومن أشدّ الرزايا التي أصابت اللغة العربية أنّ أناسا من الكتّاب والشعراء يكتبون وينظمون وينشرون كلِمـاً غيرَ مشكول ، واللحن في غير المشكول لا يظهر ، فإذا قرؤوا كتابة أنفسهم ونظمهم بان عوارهم ، وانكشفَ لحنهم في أقبح الصور . وقد سمعتُ شاعراً مبدعاً يُقرن اسمه بالكبير ينشد قصيدة له فإذا هو لحّانه ، يكسر المفتوح ويفتح المضموم وينوّنُ الممنوع من الصرف ويكسر المضموم ، ويضمّ المفتوح ويفتح المكسور ويضم المكسور ... ويفعل غيرَ ذلك من الأوهام الصرفية دون النحوية لأنّ قواعد النحو معروفة محدودة ، وأما الضبط الصرفي فيحتاجُ إلى معجم مشكول أو سماع منقول مقبول . وهؤلاء قد حفظوا كلماً ملحوناً فيه من قومِ لحّانين وبقوا على جهالتهم .

وظهرت طبقة من الحُكاة المعروفين بالممثلين ابتليت بهم اللغة العربية فهم لها جاهلون ، وبها عابثون وبإفسادها عائشون . فمن يجعل العربية أداة لعيشه وذريعة لكسبه يجب عليه إن يحسنها بعد درس لقواعدها العامة إجادة لاستعمال معجماتها اللغوية . ليتحقق صحة ما أشكلَ عليه . ومن وهنت همته فعليهِ في الأقل أن يسترشد بها قبل العمل .

ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أيضاً أن أساتذة في التاريخ والجغرافية والعلوم لم يتعلموا من قواعدها ما يصون أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع وإذا عوتبوا أو ليموا – وهم مليمون حقاً – قالوا نحن ندرس التاريخ والجغرافية والعلوم ، ولا يخجلون من هذا الاعتذار . مع أنهم أصبحوا سخرية الساخرين وضحكة الضاحكين ولا سيما مشاهدي " التلفزيون " مع أنهم يعلمون أن الانكليزي العام – على سبيل التمثيل - لا يخطئ الصواب في لغته ولو كان الخطأ الواقع منه في حرف جر لتناولته الألسن والأقلام باللوم والتقريع والتأنيب والتثريب .

ونرى في " تحريرات " الدوائر ودواوين الحكومة أغلاطاً تبعث على الأسف فرفع المجرور والنصب المرفوع من الأمور المألوفة فيها . ولا سيما الإعلانات والتنبيهات . فضلا عن السقيم من العبارات . وإني لأتذكر أني قرأت في العهد الملكي الزائل على باب مكتب اللجنة الطبية بمعسكر الرشيد هذه الجملة " ممنوع دخول القلم حفظاً لتفشي الأسرار " فتأمل جهل المنبه للتركيب التعبيري . أراد " منعاً لتفشي الأسرار " فوضع مكانه " حفظاً لتفشي الأسرار " ولم يخطر بباله " حفظاً للأسرار " فهو أوجز وأدل على المراد وأوفى بالمقصود .

ولا تسأل عن مترجمي الأفلام السينمية فهؤلاء أكلة السحت ، يرتكبون من اللحن والغلط الشنيعين ما أصبح مخشيا كل الخشية على العربية وطلاب المدارس . والشداة من الدارسين ، وليت شعري كيف تجيز لجنة رقابة الأفلام وهي لجنة منتخبة من موظفي الدولة ومنهم موظف من وزارة التربية والتعليم المهيمنة على شئون الثقافة اللغوية فلماً لغتهُ فاسدة مفسدة ، ناقضة لقواعد اللغة العربية . وأكثر المختلفين إلى دور السينما هم من طلاب المدارس والمعاهد والكليات ؟! "

مس ماريانا
30-01-2015, 06:34 PM
خالص الشكر والتقدير لكل من شارك هنا ووضع بصمته..
غدا باذن الله سيتم الإعلان عن الفائزين في المسابقة
مع تمنياتنا بالتوفيق للجميع