المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حــرب عــاصـفـة الـحــزم .. مشـاهـد من حــارتـنـا !!



ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
11-04-2015, 10:30 PM
حــرب عــاصـفـة الـحــزم .. مشـاهـد من حــارتـنـا !!


كنت جالسا مع والدي كعادة أسرية أحبها جدا وكطقس عائلي مترسخ في روح كل أفراد الأسرة من أصغرهم إلى أكبرهم أبناء وأحفادا .. وكان والدي لحظة دخولي عليه يشاهد ويستمع بشغف إلى أحداث وأخبار الحروب والأزمات التي تعصف في راهنها الحاضر بالوطن العربي وآخرها حرب ( عاصفة الحزم ) الدائرة رحاها الآن في أرض وأجواء اليمن العربي الشقيق .. كان والدي عقب كل خبر يهز رأسه ويقطب بين حاجبيه وسحابة من هم وقلق وحزن لا تفتأ وهي تعاود المرور كل حين على جبهته وبريق عينيه وبين كل حين يتمتم محوقلا : لا حول ولا قوة إلا بالله .. الله يستر من تاليها .. ثم صمت صمتا عميقا وهو يفكر وظني أن هذه المشاهد المؤلمة أرجعت ذاكرته إلى الوراء وإلى عقود بعيدة من سنين خلت عاشها وعاصر أحداثها .. وإذ به يخرج فجأة من صمته ويقول بصوت مشحون بالشجن وهو يسترجع شريطا طويلا من ذكريات غابرة مرت بحياته ولا يزال يتذكرها بكل تفاصيلها وكأنها إبنة لحظتها ويومها .. كان يحدثني عن أحلك فترة مرت بها بلادنا الحبيبة .. الحروب القبلية .. الجوع .. الفقر .. الأمية .. الجهل .. الغياب الطويل عن العالم .. وأشياء أخرى كثيرة كنت أسمعها منه بنهم وتشوق مع أني سمعتها منه ومن ( شياب آخرين في سنه ) عاصروا تلك المرحلة بكل محاقها وخسوفها الكلي .. مر وقت وأنا أستمع له باهتمام وكأني أسترجع تاريخا عن حقبة بأكملها من بلادي .. وليس ألذ ولا أمتع من سماع حديث الشيوخ والكهول فهم بحد ذاتهم موسوعة مرجعية أخرى لتاريخنا ولا مناص لنا من إضافتها إلى المصادر الرسمية المدونة رغم شعبية طرحها .. وإذ ينهي والدي حديثه سمعته يحمد الله ويشكره على نعمة الأمن والأمان والسلام في بلادنا حتى أنه ربت على كتفي مطمئنا وقد انقشع الحزن عن وجهه مجليا أمامي إبتسامة الأب المطمئن على أبنائه وبلده وهو يقول بثقة وفخر : ما دام بهذه البلاد بررة مخلصون فلا خوف عليك يا وطن ..

http://images0.naharnet.com/images/83655/w460.jpg?1371875980

شدني كلامه وفجر في داخلي عشرات الأفكار والشجون .. وكان أكبر سؤال أطل برأسه على أفق عقلي : ماذا لو دخلت عمان حرب ( عاصفة الحزم ) هذه ؟؟ كيف سيكون الوضع على الصعيد الداخلي للبلد والخارجي أيضا ؟؟ كيف ستكون أحوالنا وأوضاعنا المعيشية في ظل جو مشحون بالحرب والعداء والتوجس والخوف وبين الحين والآخر تقفز من نومك مذعورا على صوت طائرة حربية تحلق بسرعتها الماخ الرهيبة وصوتها الفجائي المخيف تحلق وعلى نحو خاطف فوق بيتك مباشرة متجهة صوب الجنوب . فتسأل ويسأل من في البيت : ما هذا ؟؟ هل الجميع بخير ؟؟ ويطلق طفل صغير بالعائلة معروف عنه شقاوته يطلق ضحكة بريئة وهو يقول بلا اكتراث : ناموا .. هذه طائرة ورقية أطلقتها من فوق سطح الدار هههههه وبعد قليل تنهال عليك رسائل الواتس من وكالة قالوا وسمعنا : يقولون وسمعنا أن الطائرة التي حلقت قبل قليل في أجواء الحارة طائرة سعودية .. لا وانت الصادق طائرة إيرانية .. لا لا .. بل طائرة عمانية عليها علم عماني ذهبت تقصف مواقع باليمن وابن عمي يقودها .. ليس صحيحا ما تقول .. الطيار الذي كان يقودها خالي وبنفسه كان يكلمني من الطائرة بالهاتف النقال أثناء عبوره قريتنا .. ويقفز صوت عجوز على أرذل العمر ويحسم هذا الجدل التعصبي الأخرق والأعمى أيضا فتقول : إسكتوا .. هذه الطائرة ليست غريبة على أحد أصلا فنحن كل يوم نشاهد ومن خلال خط سحابي مستقيم طائرات صغيرة بلون أبيض تحلق في سماء القرية قاطعة الجو من الشرق إلى الغرب والعكس .. وتضحك حفيدة لها في العشرين من عمرها وتقول : سلامة عقلك يا جدتي الطائرة التي تعنيها هي طائرات مسافرين مدنية تحمل ركابا إلى دول ومطارات العالم وليست تلك التي نتحدث عنها ونقصدها ..
ثم لا تمر نصف ساعة على عبور الطائرة الحربية أجواء القرية إلا ويطب علينا جارنا وهو في أشد حالات إستيائه وغضبه وضيقه .. ما بك يا جارنا ؟؟ ويرد بتهكم ومرارة : ماذا ما بي ؟؟ بالأمس سعر السمك بثلاثة ريالات واليوم بتسعة ريالات وكرتون الماء أبو قنينة بلاستيكية صغيرة بدلا من ريال صار بخمسة ريالات والسوق مشتعل والتجار حجتهم في هذا الغلاء المفاجىء لأسعار السلع الاستهلاكية هي الحرب .. كل يلقي بالتبعة على الحرب .. الحرب .. الحرب .. لعنة الله على هذه الحرب !!
ولا تمضي دقائق على حديث جارنا هذا إلا ونرى باص المدرسة آتيا ويقف في ساحة الحارة وينزل الطلاب والطالبات الصغار بحقائبهم مهرولين فرحين : ما شيء دراسة .. قالوا لنا ارجعوا بيوتكم .. سمعنا طائرة حربية تحلق وقد رجت المدرسة بصوتها المخيف وهي تطير على علو منخفض وشعرنا بالخوف وفورا تمت إعادتنا إلى حوائرنا وبيوتنا .. يعني ماكو دراسة إلى أن تخلص ذي الحرب .. وبدلا من أن يذهبوا ويندسون داخل بيوت أهاليهم تراهم يخلعون ثيابهم المدرسية الرسمية ويلبسون ملابس الرياضة ويذهبون للعب الكرة في ملعب الحارة الترابي وهم سعداء والدنيا طيبة ولا شيء يقلقهم أو يشغل بالهم لا حروب ولا سياسة ولا قال ولا قيل ههههههه بينما لا شغل لجارات الحارة إلا حديث الحرب وإشاعاتها وواحدة منهن على مدار الوقت : الله يسلم ولدي .. الله يحفظه .. الله ينصره .. الله يعوده سالم غانم .. حطوه في الجبهة الأمامية وكل يوم يرسل لنا صور ومقاطع من معاركه .. وترد عليها الجارة الثانية بخبر أقوى وأكثر لفتا وإثارة : أنا أيضا ولدي كادت طائرته بالأمس أن تصاب بصاروخ حوثي لكن ولدي طيار ماهر وشجاع قدر أن ينعطف عن الصاروخ ويحول إنعطافه إلى ( هجمة مرتدة ) وتضحك جارة تستمع إليها بتركيز وهي تعرف طبيعتها وتقول : مويز من وين ولدك دخل ذي الحرب ؟؟ .. أحيده متقاعد من عشر سنين ومن يومين كان واقف يسلم علي بالمستشفى كان يعالج حسب كلامه من إلتهاب بعيونه وتضج جلسة الجارات بالضحك بينما الجارة مويز انكمشت في هالة كثيفة من الصمت والخجل وهي تردد في نفسها بغيظ لا يخلو من ضحك مكتوم أيضا : حسبي الله عليش يا جويخ .. ما شيء ما منتبهة له هههههه
لا تقتصر إشاعات هذه الحرب على وكالة قالوا الحارة بل تتعداها إلى ما هو أكثر إتساعا وتكثيفا وتعقيدا حيث وسائل التواصل الاجتماعي لتصل إلى جلسات مشحونة من السباب والشتائم المتبادلة هذا غير المقالات اليومية الساخنة والمحتقنة في مواقع النت والتواصل أيضا .. الحياة اليومية تغيرت أجوائها فجأة .. الكل في حالة ترقب وقلق وتلهف بآخر الأخبار وخصوصا أخبار جنودنا في الجبهة .. وفي الدوامات لا حديث للموظفين إلا حديث هذه الحرب الملعونة التي لا تخلو طبعا من بهارات مبالغاتهم شأنهم شأن مويز حارتنا وولدها الطيار أبو عيون ملتهبة .. وأحيانا في بعض الأيام بعض الموظفين لا يداوم بحجة أن أحد أقاربه قتل في الحرب وهو لا قتل ولا يحزنون فقط إستغلال لوضع من أجل الهروب من الدوام والاستمتاع بنومة نهارية كاملة ههههه
وفجأة أصرخ مذعورا وأنا أقفز من سريري مستيقظا ..
لقد كان كابوسا مرعبا لم تهدأ معه نفسي إلا حين وجدت أمي تقف عند رأسي بكل حنانها وملائكية وجهها وحكيت لها مشاهد هذا الحلم المفزع فضحكت وهي تناولني كأس الماء وتقول لي :
ـــ ضع وطنك في قلبك كتعويذة واهزأ بالأحـلام ..
قلت وقد هدأت نفسي وأنفاسي لسماعي منها هذا الكلمات الأقرب للشعر العذب:
ـــ في قلبي يا أمي هذا الوطن التعويذة
قالت بصوت الواثق من أبنائه :
ــــ إبق التعويذة ضمن النبض
أجبت :
ــــ لها كل القلب وكل النبض يا غاليتي !!
بقلمي ونبض قلبي / ســــعيد مصـبح الغــافـري
تنبيه هام :
مشاهد وأجواء النص تخيلية ولا علاقة لها بالواقع طبعا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

عزيز نفس*
12-04-2015, 11:06 AM
جميل انت اخي بمخيلتك التي رسمت لنا احداث جميلة
دمت عبقريا تأتي لنا بجميل البوح
وعبر لمن له قلب وعقل يفكر ويعتبر
أطال الله بعمر مولانا آمين
شكراً لك سيدي

اسطورة لن تتكرر
12-04-2015, 11:47 AM
مرحبا اخي سعيد وعودة سالمة
افتقدنا تواجدك بيننا وبين حروف الخواطر
مشاهد خيالية ولكنها ربما تكون واقعية بعض الشي
شكرا لطرحك الرائع
دمت بخير
ارق تحياتي لك

حنااايا..الروح
12-04-2015, 11:58 AM
مشاعر صادقة وأسلوب سرد راقي
الحمدلله على نعمة الامن والأمان
اللهم احفظ عمان وقائدها وشعبها وأبعدعنهم ويلات الحروب
ألف شكر أخي ,,ماشاء الله أتحفتنا

روح الحلا1
13-04-2015, 09:04 AM
هلا فيك استاذنا

سرد راقي واسلوب رائع جدا
تسلم اخي وربي يحفظ عمان شعبا وقائدا.

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-04-2015, 07:38 PM
جميل انت اخي بمخيلتك التي رسمت لنا احداث جميلة
دمت عبقريا تأتي لنا بجميل البوح
وعبر لمن له قلب وعقل يفكر ويعتبر
أطال الله بعمر مولانا آمين
شكراً لك سيدي
عــزيز نفس
مساء الخير والنور
كلي شكر وامتنان على جمال وروعة حضورك ومداخلتك الراقية
ألف ألف هلا وسهلا بيك أخي الغالي
دمت بخير

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-04-2015, 07:41 PM
مرحبا اخي سعيد وعودة سالمة
افتقدنا تواجدك بيننا وبين حروف الخواطر
مشاهد خيالية ولكنها ربما تكون واقعية بعض الشي
شكرا لطرحك الرائع
دمت بخير
ارق تحياتي لك




يا هلا يا ألف مرحب بيك أختي الغالية الأستاذة / أســــطـورة
مساء الياسمين
هي تصورات خيال كاتب لما يمكن أن يكون في واقع عربي متأزم
ألف شكر وثناء على روعة مرورك الراقي
دمت بخير ومسرة

ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
13-04-2015, 07:43 PM
مشاعر صادقة وأسلوب سرد راقي
الحمدلله على نعمة الامن والأمان
اللهم احفظ عمان وقائدها وشعبها وأبعدعنهم ويلات الحروب
ألف شكر أخي ,,ماشاء الله أتحفتنا
حــنـايـا روح
مساء الورد والنور
روعة طلتك على نصي المتواضع أكسبته جمالا وبهاء .. فلك شكري وتقديري على سكبك الأخضر
دمت بخير وعافية وألف ألف هلا وسهلا بيك في متصفحي

نوارة الكون
14-04-2015, 07:09 AM
صباح الخير


ما دام قابوس حي فلا خوف عليك يا وطن ..


سلمت يمناك استاذي الفاضل قلم متميز وراقي ربي يعطيك العافيه

حمد نجد
20-04-2015, 01:31 AM
قابوس واحد في زمانه . قابوس فريد حتى في اسمه ماله سمي ولا شبيه من البشر . الله يديم عزه ويديم على عمان الامن ورغد العيش الى قيام الساعة
صدق ابوك ياسعيد مصبح
شكرا لك على ماخطته يداك