المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة عمير بن سعد



نوارة الكون
14-05-2015, 07:45 AM
قصة عمير بن سعد




تجرع الغلام ، عمير بن سعد الأنصاري ، كأس اليتم والفاقة منذ نعومة أظفاره ، فقد مضى أبوه إلى ربه دون أن يترك له مالاً أو معيلاً ، ولكن أمه ما لبثت أن تزوجت من ثري من أثرياء الأوس ، يدعى الجلاس بن سويد ، فكفل ابنها عميراً وضمه إليه ، طفل صغير توفي أبوه ، أمه تزوجت من ثري من بني الأوس ، هذا الثري ضم هذا اليتيم إليه ، دققوا ، ولقد لقي عمير من بر الجلاس وحسن رعايته وجميل عطفه ما جعله ينسى أنه يتيم ، فأحب عمير الجلاس حب الابن لأبيه ، كما أولع الجلاس بعمير ولع الوالد بولده ، كلما نما عمير وشب يزداد الجلاس له حباً وبه إعجاباً ، لما كان يرى من أمارات الفطنة والنجابة .
الآن عندنا مشكلة ، الجلاس أكرم هذا اليتيم ، إكراماً ما بعده إكرام ، هذا اليتيم أحب زوج أمه حباً جماً .. " يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها " ، نشأت مودة بالغة بين هذا الطفل الكريم وبين هذا العم الكريم .
هذا الطفل اليتيم أسلم وهو صغير لا يتجاوز العاشرة من عمره ، فالإيمان وجد إلى قلبه الغض طريقاً ، ورأى فيه مكاناً خالياً فتمكن ، هذا الطفل الصغير كان لا يتأخَّر عن صلاة خلف رسول الله ، وكانت أمه معجبةً به أشد الإعجاب كلما رأته ذاهباً إلى المسجد ، أو آيباً منه ، لذلك الدعاء القرآني :
ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة عين ....

سورة الفرقان : من آية " (74" )

سارت هذه الحياة هكذا ، إلى أن وقع شيءٌ محيِّر ، في السنة التاسعة

للهجرة ، أعلن النبي عليه الصلاة والسلام عن عزمه على غزو الروم في

تبوك ، وأمر المسلمين بأن يستعدوا ويتجهزوا بذلك ، وكان عليه الصلاة

والسلام إذا أراد غزواً لم يصرح به إلا هذه الغزوة ، لبعد الشِّقة ، ولبعد

المسافة ، ولشدة التعب ، والعطش ، بيَّن لأصحابه الكرام أن الوجه تبوك .
طبعاً الوقت كان وقت صعب ، وقت نضج الفاكهة ، وقت أن يلوذ الإنسان بالظل الظليل، أن يقبع في بستان فيه ماء نمير ، أن يدخل إلى بيت حيث الراحة والأمن ، أما أن يذهب إلى غزوة في حر الصيف اللاهب ، ولا يعرف حر الحجاز إلا من كان في الحجاز ، أو إلا من حج أو اعتمر يعرف معنى حر الحجاز .
قال : إن طائفة من المنافقين أخذوا يثبطون العزائم ، ويوهِّنون الهمم ، ويثيرون الشكوك، ويغمزون النبي عليه الصلاة والسلام ، ويطلقون في مجالسهم الخاصة من الكلمات ما يدمغهم بالكفر دمغاً .
الآن بدأت العقدة : قال وفي يوم من هذه الأيام التي سبقت رحيل الجيش ، عاد الغلام عمير بن سعد إلى بيته بعد أداء الصلاة في المسجد ، وقد امتلأت نفسه بطائفةٍ مشرقةٍ من صور بذل المسلمين ، نساء المهاجرين نزعن الحلي وقدمنها للنبي عليه الصلاة والسلام ، عثمان بن عفان جاء بجراب فيه ألف دينار ذهباً ، عبد الرحمن بن عوف قدم مائتي أوقية من الذهب ، أخذ عمير يستعيد هذه الصورة الفذّة ، ويعجب من تباطؤ الجلاس عن الاستعداد للرحيل ، ثم دعا عمه أن آن الأوان أن تبذل وأن تستعد كأنما أراد عمير أن يستثير همة عمه الجلاس ، فأخذ يقص عليه أخبار ما سمع من هذه البذل وهذه التضحية ، لكن الجلاس قال كلمة نزلت على هذا الغلام كأنها صاعقة ، قال الجلاس : إن كان محمد صادقاً فيما يدعيه من النبوة ، فنحن شر من الحمير " . يفهم من هذا الكلام أنه ليس مصدقاً نبوة النبي ، لقد شده عمير مما سمع ، فما كان يظن أن رجلاً له عقل ، وسنه بهذه السن ، ينطق بهذه الكلمات ، اضطرب اضطراب شديد ، كاد يصعق ، عمه المحسن الكريم الذي أحبه كأبيه يقول هذا الكلام ؟! لكنه رأى وهو طفل صغير في السكوت عن الجلاس والتستر عليه خيانة لله ولرسوله ، وإضراراً بالإسلام الذي يكيد له المنافقون ، وأن في إذاعة ما سمعه عقوقاً بالرجل الذي ينزل من نفسه منزلة الوالد ، وقع بصراع إن نطق بما قال عمه فضحه ، وكأن في هذا النطق بهذا الكلام إنكاراً للجميل ، وإن سكت فهي خيانة للنبي عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام .
، ماذا قال الغلام ؟ التفت إلى عمه وقال : " والله يا عم ما كان على ظهر الأرض أحد بعد محمد بن عبد الله أحب إلي منك ، فآنت آثر الناس عندي وأجلهم يداً علي ، ولقد قلت مقالةً إن ذكرتها فضحتك ، وإن أخفيتها خنت أمانتي ، وأهلكت نفسي وديني ، وقد عزمت على أن أمضي إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره بما قلت ، فكن على بيَّنة من أمرك " يعني ما أراد أن يفعل شيئاً وراء ظهر عمه ، فأنا أقر لك بالفضل ، وأنت من أعز الناس ومن أكرمهم بعد النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا الأمر لا يحتمل .
مضى عمير بن سعد إلى المسجد ، وأخبر النبي عليه السلام بما سمع من الجلاس بن سويد ، فاستبقاه النبي صلوات الله عليه عنده ، وأرسل أحد أصحابه ليدعو له الجلاس ، وما هو إلا قليل حتى جاء الجلاس فحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلس بين يديه ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد ؟ وذكر النبي له ما قاله .
فقال : كذب علي يا رسول الله ، وافترى بما تفوهت ، ما تفوهت بشيء من هذا ، إطلاقا أخذ الصحابة ينقلون أبصارهم بين الجلاس وفتاه عمير ، كأنهم يريدون أن يقرؤوا على صحفتي وجهيهما ما يكنه صدراهما ، وجعلوا يتهامسون ، فقال واحد من الذين في قلوبهم مرض :
ـ فتى عاق أبى إلا أن يسيء إلى من أحسن إليه .
ـ وقال آخرون : بل إنه غلام نشأ في طاعة الله ، وإن قسمات وجهه لتنطق بصدقه .
والتفت النبي عليه السلام إلى عمير ، فرأى وجهه قد احتقن بالدم ، والدموع تتحدر مدراراً من عينيه ، فتتساقط على خديه وصدره ، وهو يقول هذا الغلام الصغير : اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به .
فانبرى الجلاس وقال : إن ما ذكرته لك يا رسول الله هو الحق ، وإن شئت تحالفنا بين يديك ، وإني أحلف بالله أني ما قلت شيئاً مما نقله لك عمير . فما انتهى من حلفه ، وأخذت عيون الناس تنتقل عنه إلى عمير بن سعد ، حتى إذا جاء الفرج ، حتى غشيت رسول الله صلوات الله عليه وسلامه السكينة ، فعرف الصحابة أنه الوحي ـ جاء الوحي ـ فلزموا أماكنهم ، وسكنت جوارحهم ، ولاذوا بالصمت ، وتعلقت أبصارهم بالنبي عليه السلام ، وهنا ظهر الخوف والوجل على الجلاس ، وبدأ التلهف والتشوّف على عمير ، وظل الجميع كذلك ، حتى سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني انتهى الوحي ـ فتلا قوله جل وعز، اسمعوا الآية :
يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر....

( سورة التوبة: من آية " 74" )
هذه الكلمة التي قالها الجلاس كلمة كفر ، أن تقول : لو كان محمد صادقاً فيما يزعم فمعنى ذلك أنك لست متأكداً .. أنت مشكك ..

لتعلموا ان الله على كل شىء قدير وان الله قد احاط بكل شىء علما..

( سورة الطلاق)

فارتعد الجلاس من هول ما سمع ، وكاد ينعقد لسانه من الجزع ، ثم التفت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال : ما تتوقعون أن يقول ؟ قبل قليل قال : كذب وأتحالف أنني لم أقل هذا ، قال : بل أتوب يا رسول الله ، صدق عمير يا رسول الله ، وكنت من الكاذبين ، اسأل الله أن يقبل توبتي ، جعلت فداك يا رسول الله ، لذلك : قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا .....

( سورة الزمر: من آية " 53" )
((لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد )) .
وهنا توجه النبي عليه الصلاة والسلام إلى الفتى عمير بن سعد ، فإذا دموع الفرح تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان ، فمدَّ النبي عليه الصلاة والسلام يده الشريفة إلى أذنه ـ ليس ليشدها ـ وأمسكها برفق وقال : وفَّت أذنك يا غلام ما سمعت ، وصدقك ربك .
فهذا طفل صغير وحي ينزل على النبي يبرئه من الكذب ، عاد الجلاس إلى حظيرة الإسلام، وحسن إسلامه ، وقد عرف الصحابة صلاح حاله مما كان يغدقه على عمير .
قد تتوقعون من الجلاس أنه قد جرح من ابن زوجته جرحاً بليغاً ، لا ، فبعد أن تاب إلى الله عز وجل رأى أن هذا الغلام سبب توبته ، وسبب رجعته إلى الله عز وجل ، يعني " إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله " ، وقد عرف الصحابة صلاح حاله مما كان يغدقه على عمير من بر ، وقد كان يقول كلما ذكر عمير : جزاه الله عني خيراً . فقد أنقذني من الكفر وأعتق رقبتي من النار .
هذا طفل صغير في العاشرة من عمره ، رد إحسان عمه إحساناً مثله عن طريق أنه حمله على التوبة

رايق البال
14-05-2015, 12:22 PM
هلا فيك نواره ..
قصه جدا رائعه ومفيده وفيها عبره
الف شكر لجهدك واختيارك الجميل .. كل الود لك مني

نديم الماضي
14-05-2015, 09:13 PM
هلا فيك نوارة كالعاده
اختيار رائع وقصه جميله
حفظك الرحمن..

نوارة الكون
16-05-2015, 06:43 AM
هلا فيك نواره ..
قصه جدا رائعه ومفيده وفيها عبره
الف شكر لجهدك واختيارك الجميل .. كل الود لك مني



اسعدني مرورك استاذي الفاضل

نوارة الكون
16-05-2015, 06:43 AM
هلا فيك نوارة كالعاده
اختيار رائع وقصه جميله
حفظك الرحمن..




مشكور ع المرور اخوي

عملاق الشعر
19-05-2015, 08:21 AM
نوارة


قصة رائعة
ومبدعة في الاختيار


سلمت يداك المبدعة وذوقك الراقي

حنااايا..الروح
20-05-2015, 09:47 AM
قصة جدا رائعة
سلمت يمناك وذوقك الجميل

الشيخه الفلانيه
20-05-2015, 07:26 PM
،







قصههء جميله ;
كُل آلششكرْ عَ آلأنتِقآء
يعطيكِ آلله آلععآفيهً :) !