المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مهمه أمنيه



حنااايا..الروح
25-09-2014, 10:25 AM
قبل ما يقارب الشهرين توطدت صداقته مع ناجي داخل السجن عندما استنجد به في البداية لحمايته من المجرمين، وأصبح يلوذ به كلما شعر بخطر قريب، وبدت صداقة لص محترف وممرض في مستشفى غريبة أمام الجميع لكن ناجي متّن الصداقة واعتنى به وقدّم إليه النصائح الطبية، ثم همس في أذنيه: هل فكرت بالهرب يا معلم سميح، أنا أفكر بالهرب لأتخلص من عذاب السجن. واستغرب هو كيف يتجرأ ممرض على التفكير في الهرب بينما المخضرمون في الإجرام يقفون عاجزين أمام الأسوار المرتفعة...
وقال ناجي: أنا أفكر بالهرب لأني أملك خطة مدروسة، ولأني ممرض يعرف مهمة كل دواء، ولست مجرماً لا يعرف سوى قضاء مدة عقوبته. وحينها اتفق مع ناجي، وسوف يؤمّن له بطاقة طائرة، ويدفع قيمة جواز السفر، ويصطحبه معه إلى دولة أوروبية، ويمنحه مبلغاً من المال ليستعين به في بناء وضعه المهني. وضحك سميح وهو يتذكر المبلغ الضئيل. ترى لو عرف ناجي حجم أمواله المخبأة في البئر هل كان سيكتفي بهذا المبلغ الهزيل؟.. ربما، ولكنه كان مستعداً ليدفع نصف ثروته من أجل الخروج من هذا السجن اللعين إلى الحياة الرحبة.

في اليوم التالي، أيقظه ناجي من نوم عميق. أمضى ليلته متوغلاً داخل أحلام مبهرة، والآن يجب أن يبدأ بتنفيذ الخطة الدقيقة. وسارا معاً عبر القاووش وسط حركة ضوضاء يثيرها السجناء خلال فترة النهار. خرجا إلى ساحة السجن، وتوغلا في منطقة فارغة، وبدأ ناجي يعيد تفاصيل خطة الهروب، ثم أخرج زجاجة دواء وهو يحدد عدد الحبات المطلوب تناولها تدريجياً، والوقت المطلوب لإنهاء هذه الزجاجة.

في الليلة التالية سقط ناجي على أرض القاووش فصرخ السجناء طالبين الحارس الليلي. وحين وصل طبيب السجن المناوب طلب نقله إلى المستشفى فوراً. أراد الحراس نقله إلى مستشفى السجن لكن الطبيب صرخ بحدة طالباً سيارة إسعاف بسرعة لأن السم توغل في جسده ويجب الإسراع في إنقاذه. وفجأة ارتج صمت الليل إثر صدور صوت اصطدام جسد آخر بأرض القاووش. التفت الجميع وصرخوا: سميح.. انه سميح.. ويبدو انه أكل مع ناجي طعاما واحداً.

في غرفة واحدة كان سميح وناجي ملقيين على سريرين صغيرين، بينما باب الغرفة محاط برجال الشرطة لحراسة السجينين الخاضعين للعلاج من تسمم غذائي مفاجئ.

فجأة نهض ناجي واقترب من سميح وايقظه بصوت هامس وقدم اليه كوب ماء وثلاث حبات دواء. فتناول الاخير الدواء، وبدأ يشعر بالحيوية تتسرب عبر جسده. ثم سأل ناجي عن الخطوة التالية، فأومأ إليه بابتسامة ثقة وهو ينظر إلى ساعته. ثم حمل قطعة بخور وأشعلها واتجه نحو الباب بحذر وترقب، بينما سميح يراقب خطواته بذهول وخوف.

حين عاد ناجي إلى الداخل كانت ابتسامته مشعة للمرة الأولى. أشار برأسه إلى سميح مطالباً بالسرعة في الحركة. ونظر إلى ساعته، وأمسك جهاز الهاتف وتحدث بعبارات قليلة، وبعد دقائق دخل موظف الهاتف في المستشفى وهو يحمل ألبسة حديثة. أخذ ناجي الألبسة وقدّم للموظف مبلغاً مالياً وهو يطلب منه الذهاب إلى النوم.

حين عبر ناجي مع سميح باب المستشفى كان الصمت يغلف نهايات الليل. أسرعا نحو الطريق وهما يتلفتان بحذر، ووسط صخب الشارع الواسع شعرا أنهما عادا إلى حياة الحرية.

أمام بيته العربي القديم وقف سميح مملوءاً بسعادة عميقة. أخرج المفتاح من جيبه وفتح الباب الخشبي المتهالك ليدخل البيت المهجور منذ دخل السجن لأن زوجته رجاء خرجت وعادت إلى بيت أهلها مصعوقة إثر القبض على زوجها وكشف ارتباطه بعلاقة عاطفية مع ابنة الحي سعاد.

هرع سميح إلى المطبخ. أزاح ألواحاً من الخشب وأشياء قديمة من فوق إحدى الزوايا، وأمسك بقطعة حديدية مغروسة في بلاط الأرض ورفعها إلى الأعلى ثم أزاحها لتظهر بئر عميقة مظللة بضوء المطبخ الشحيح وظلام الأعماق الداكن. وبدأ يبحث عن سلسال حديدي وضعه سابقا بالقرب من البئر. قبل ما يقارب السنة علّق السلسال في دائرة حديدية مثبتة في سقف المطبخ وحمل صندوق الثروة ونزل إلى البئر الفارغة من الماء وركن الصندوق بعناية ودقة. وحينما تم القبض عليه مع أفراد عصابة محترفة، اعترف عن كل السرقات وأخفى سرقة الفيللا الضخمة الكائنة بعيداً عن المدينة.

حين أصبح السلسال معلقاً في سقف المطبخ، طلب سميح من ناجي أن ينزل إلى البئر لأنه ضئيل الحجم ويستطيع النزول والخروج بسرعة فائقة. وامتثل ناجي لرغبته، ونزل إلى البئر بهدوء وكأنه متدرب على اللصوصية وليس ممرضاً في مستشفى طبي.

ومع مرور دقائق الانتظار الطويل، شعر سميح أنه يغوص في أفكار متضاربة. ماذا سيفعل الآن، وكيف سيلتقي بسعاد ليقنعها بالذهاب معه فوراً، وهل سيملك الوقت الكافي لإنهاء هذه الرغبة؟.. ثم نظر بشرود خفيف وهو يكتشف خطة جديدة. يجب أن يسافر أولاً، وبعد ذلك يتصل بسعاد هاتفياً ويطلب منها المجيء، ويحوّل إلى أهلها الأموال المطلوبة. انه الآن ثري، وعليه أن يعيش حياة مرفهة بعد زمن من القهر والحرمان والاعتماد على سرقات صغيرة. وفجأة أخرجته من أحلامه حركة في الخارج. لم يشعر بالخوف. ربما كان طيراً يصطدم بشيء ما في هذا الوقت المتأخر من الليل، أو ربما بدأت القطط بحركتها المعهودة. ومدد رأسه في البئر وسأل ناجي عن أسباب تأخره. أجابه ناجي بصوت مخنوق أنه يربط الصندوق بالسلسال الحديدي لكي لا يقع من بين يديه وهو يصعد من البئر.

وتنامت إليه من الخارج أصوات أخرى. أصغى قليلاً وشعر بالتوجس. إنها حركة أقدام تقترب بسرعة محافظة على هدوء حركتها في صمت الليل. واقترب قليلاً من باب المطبخ، لكنه فوجئ بدخول رجال الشرطة وهم ينظرون إليه بابتسامات ساخرة. وصرخ رجل الأمن:

لا تتحرك وإلا تعرضت للقتل.

وأيقن أنه محاصر بسياج من الأسلحة النارية، وعاجز عن الهرب، ولن يبقى في دوامة أحلامه سوى إنهاء مدة سنة والخروج إلى حرية ينقصها المال والسعادة ووجود سعاد في الحياة المأمولة.

حين أنهى أحد رجال الأمن إخراج ناجي من البئر، بدا الصندوق مغلفاً بطبقة من الصدأ، وبدت ابتسامة الانتصار مشعة على وجه ناجي، ولم تظهر ملامح المفاجأة على الممرض الطامح بالسفر إلى أوروبا مع أموال سميح.

حين ألقى رجال الأمن التحية على زميلهم الضابط ناجي باحترام وتقدير، أيقن سميح أنه وقع في فخ خطة محكمة. نظر إليه ناجي بملامح حزينة. إنه صديق الأيام السابقة، ولكن المهمة الأمنية لا تقدّر أهمية صداقة السجون.

عملاق الشعر
25-09-2014, 11:29 AM
حنايا

قصة رائعة جدا

سلمت يداك المبدعة وذوقك الراقي

Emtithal
25-09-2014, 09:34 PM
قصة رائعةة
كل الشكر لك ❤️
رزقك الله الجنة بغير حساب

نوارة الكون
27-09-2014, 09:22 AM
يسلمو اختيار متمنيز يالغلا ربي يعطيج العافيه

عطر الاحساس
27-09-2014, 02:14 PM
جمييلة
ننتظر آلمزيد من ج’ـمآل آطروح’ـآتك
دمت بهذآ التآلق والتميز♪

نديم الماضي
29-09-2014, 12:58 AM
هلا فيك حنا روح عابر
قصه رائعه
يعطيك العافيه