المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب في بَطْنِ الحُوْتِ



الصديق المجنون
25-11-2015, 12:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم اخترت لكم كتاب عجبني كثير وهو
كتاب في بطن الحوت للكاتب الدكتور محمد العريفي
طبعا الكتاب يحتوي على مجموعه من القصص الواقعيه
والتي حدثت في العصر الحديث ومنها ما حدث في عصر الماضي
وجميعها تحمل معاني جميله واتنى انا اكون نجحت في اختيار هذه المجموعه لكم


.. في بطن الحوت ..
كل الناس يذكرون الله عند الشدائد ..
لكن منهم من يذكره ويطيعه .. فإذا زالت الشدة عصاه ونساه ..
ومنهم من يستمر صلاحه وتوبته ..
يونس عليه السلام .. دعا قومه إلى الإيمان .. فأعرضوا وتكبروا .. فغضب .. وركب البحر مع سفينة .. فلما ثقلت بهم خافوا أن يغرقوا جميعاً .. فعلموا أنه لا بد أن يخففوا الحمل بإلقاء أحد ركابها إلى البحر .. عملوا القرعة مراراً فوقعت على يونس .. ألقوه في البحر .. فالتقمه الحوت .. ثم نزل به إلى الأعماق ..
كل شيء حدث بسرعة .. يونس في الظلمات ..
تسمع حوله .. فإذا به يسمع تسبيح الحصى الذي في قعر البحر ..
فانتفض .. ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ..
فقرعت كلماته أبواب السماء .. فنزل عليه الفرج ..
هذا خبر يونس النبي عليه الصلاة والسلام ..
أما يونس اليوم فيقول :
كنت شاباً أظن أن الحياة .. مال وفير .. وفراش وثير .. ومركب وطيء ..
وكان يوم جمعة .. جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ ..
وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة ..
سمعت النداء حي على الصلاة .. حي على الفلاح ..
أقسم أني سمعت الأذان طوال حياتي .. ولكني لم أفقه يوماً معنى كلمة فلاح ..
طبع الشيطان على قلبي .. حتى صارت كلمات الأذان كأنها تقال بلغة لا أفهمها ..
كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم .. ويجتمعون للصلاة ..
ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء ..
استعداداً لرحلة تحت الماء..
لبسنا عدة الغوص .. ودخلنا البحر .. بعدنا عن الشاطئ ..
حتى صرنا في بطن البحر ..
كان كل شيء على ما يرام .. الرحلة جميلة ..
وفي غمرة المتعة .. فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم .. ولتمده بالهواء من الأنبوب .. وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي .. وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي... وبدأت أموت ..
بدأت رئتي تستغيث وتنتفض .. تريد هواء .. أي هواء ..
أخذت اضطرب .. البحر مظلم .. رفاقي بعيدون عني ..
بدأت أدرك خطورة الموقف .. إنني أموت ..
بدأت أشهق .. وأشرق بالماء المالح..
بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني ..
مع أول شهقة .. عرفت كم أنا ضعيف ..
بضع قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو القوي الجبار ..
آمنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه... حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء .. إلا أني كنت على عمق كبير ..
ليست المشكلة أن أموت .. المشكلة كيف سألقى الله ؟!
إذا سألني عن عملي .. ماذا سأقول ؟
أما ما أحاسب عنه .. الصلاة .. وقد ضيعتها ..
تذكرت الشهادتين .. فأردت أن يختم لي بهما ..
فقلت أشهـ .. فغصَّ حلقي .. وكأن يداً خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها ..
حاولت جاهداً .. أشهـ .. أشهـ .. بدأ قلبي يصرخ : ربي ارجعون .. ربي ارجعون .. ساعة .. دقيقة .. لحظة .. ولكن هيهات..
بدأت أفقد الشعور بكل شيء .. أحاطت بي ظلمة غريبة ..
هذا آخر ما أتذكر ..
لكن رحمة ربي كانت أوسع ..
فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى ..
انقشعت الظلمة .. فتحت عيني .. فإذا أحد الأصحاب ..
يثبت خرطوم الهواء في فمي ..
ويحاول إنعاشي .. ونحن مازلنا في بطن البحر ..
رأيت ابتسامة على محياه .. فهمت منها أنني بخير ..
عندها صاح قلبي .. ولساني .. وكل خلية في جسدي ..
أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمد رسول الله .. الحمد لله ..
خرجت من الماء .. وأنا شخص أخر ..
تغيرت نظرتي للحياة ..
أصبحت الأيام تزيدني من الله قرباً .. أدركت سرَّ وجودي في الحياة .. تذكرت قول الله ( إلا ليعبدون ) ..
صحيح .. ما خلقنا عبثاً ..
مرت أيام .. فتذكرت تلك الحادثة ..
فذهبت إلى البحر .. ولبست لباس الغوص ..
ثم أقبلت إلى الماء .. وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر ..
وسجدت لله تعالى سجدة ما أذكر اني سجدت مثلها في حياتي ..
في مكان لا أظن أن إنساناً قبلي قد سجد فيه لله تعالى ..
عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم أمين ..



سارة ..

الإشارة حمراء .. والطريق مليء بالسيارات .. .لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق ..
تباً لهذه الإشارة إنها طويلة .. يا ليتني كنت في الصف الأول .. لكنت قطعتها ..
الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات ..
أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حيناً آخر ..
أضاءت الإشارة اللون الأخضر .. ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع .. تحركت السيارات .. تجاوزت الأول ..كدت اصطدم بالثاني .. قيادتي للسيارة أفزعت من حولي..
حاولت أن أسرع .. لكنني لم أستطع ..
مضى الوقت.. وضاع الموعد.. ولم أجد الأصدقاء .. لقد ذهبوا..
إلى أين أذهب ؟.. احترت في الإجابة .. أطلقت زفرة من صدري .. ياليتني كنت أعرف مكانهم..
السيارة تمضي بهدوء .. انطلقت أفكر .. أيقظني منبه سيارة أخرى .. نظرت إلى صاحب السيارة بغضب .. وأشرت إليه بيدي .. تمهل الدنيا لن تطير .. ونسيت حالي قبل دقائق..
قررت أن أقضي السهرة في البيت .. إنها فكرة جيده .. فابنتي الوحيدة مريضة .. والأفضل أن أكون قريباً منها..
أوقفت السيارة أمام محل الفيديو .. نزلت إلى المحل .. اخترت عدة أفلام .. وانطلقت إلى المنزل..
فتحت الباب .. ناديت على زوجتي .. احضري الشاهي والمكسرات..
دخلت إلى الغرفة .. "يالها من زوجة معقدة" .. الآن ستقول لي:"اتق الله يا أحمد".. لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها.. لكنها زوجة مطيعة.. طيبة.. تشقى من أجل سعادتي..
دخلت ومعها الشاهي والمكسرات.. ابتسمت في وجهي .. قالت : لابد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت..
قلت : نعم .. تعالي واجلسي .. فرِحت وهمت أن تجلس ..
وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز .. فانطلقت الموسيقى الصاخبة ..
أرخت المسكينة رأسها وقالت : اتق الله يا أحمد.. وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة.. فهي لا تسمع الموسيقى ..
ارتفعت الأصوات في الغرفة .. موسيقى .. صراخ .. ضحكات.. وانطلقت أشرب الشاهي .. وأتناول المكسرات .. وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز..
انتهى الشريط الأول .. والشريط الثاني ..
الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ..
فجأة .. مقبض الباب يتحرك ببطء .. صرخت : ماذا تريدين ؟ .. لم أسمع جواباً..
انفتح الباب.. دخلت ابنتي المريضة ..
فاجأني الموقف .. سكت برهة ولم أتكلم ..
اقتربت مني .. نظرت إليَّ بهدوووء .. ثم قالت : اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا ..
ثم انصرفت وأغلقت الباب..
ناديتها .. سارة .. سارة .. لم تجب .. انطلقت خلفها..
لا أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟..
فتحت باب الغرفة.. وجدتها سبقتني إلى فراشها .. ونامت في حضن أُمها.. إنها هي..
عدت إلى غرفة الجلوس .. أغلقت جهاز الفيديو .. صوت ابنتي يملأ الغرفة .. اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا ..
قشعريرة سرت في جسدي .. تصبب العرق من رأسي..
لا أدري ماذا أصابني ..
ما عدت أسمع إلا صوتها .. ولا أرى إلا صورتها .. كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد .. ترك صلاة .. معاصٍ .. دخان .. أفلام خليعة ..
أيقظتني من الغفلة.. تسارعت نبضات قلبي .. وألقيت بجسدي على الأرض..
حاولت أن أنام .. لكنني لم أستطع .. مضى الوقت سريعاً ..
صور من الماضي استعرضتها أمامي .. ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد .. اتق الله .. اتق الله ..
وهنا .. ارتفع صوت الأذان .. اهتزت جوانحي .. ارتعدت فرائصي ..
رعشة سرت في أطرافي .. جعل يردد : " الصلاة خيرٌ من النوم " .. قلت : صدقت .. الصلاة خير من النوم .. أوووه .. لقد كنت نائماً كل هذه السنين..
توضأت وخرجت إلى المسجد .. مشيت في الطريق وكأني لا أعرفه ..
كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟ ..
وطيور السماء تقول : مرحباً بالنائم الذي استيقظ أخيراً..
دخلت المسجد .. صليت ركعتين .. وجلست اقرأ القرآن ..
تلعثمت في القراءة ..
منذ زمن لم أقرأ القرآن ..
شعرت أن القرآن يسألني : لم هجرتني منذ سنوات .. ألستُ كلام ربك ..
أخذت أردد في سورة الزمر : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) .. عجباً .. جميعاً .. ما أرحم الله بنا ..
تمنيت أن استمر في القراءة .. لكن المؤذن .. أقام الصلاة .. تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس .. وقفت في الصف .. وكأنني غريب..
انتهت الصلاة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس ..
عدت إلى البيت.. فتحت باب الغرفة .. ألقيت نظرة على زوجتي وسارة ..
كانتا نائمتين .. تركتهما وخرجت إلى العمل ..
ليس من عادتي الذهاب مبكراً إلى العمل ..
تفاجأ الزملاء بوجودي ..
انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية ..
لم أبال بما يقولون .. تسمرت عيناي على الباب .. أنتظر قدوم إبراهيم ..
زميلي في المكتب .. والذي طالما نصحني ..
إنه شخص طيب الأخلاق .. حسن المعاملة ..
حضر إبراهيم .. فقمت من مكاني استقبله .. لم يصدق عينيه ..
سألني : أنت أحمد ؟!!..
قلت : نعم .. جذبت يده .. وقلت : أريد أن أحدثك ..
قال : لا بأس .. نتحدث في المكتب .. قلت : لا .. نذهب إلى الاستراحة..
صمت إبراهيم .. وراح يصغي لكلماتي .. حدثته بحديث البارحة ..
أمتلأت عيناه بالدموع .. وابتسم ابتسامة عريضه .. قال لي :
ذاك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي..
كان يوماً حافلاً بالنشاط والجدية .. رغم أني لم أنم منذ البارحة ..
ابتسامة تعلو وجهي .. تفانٍ في العمل ..
المراجعون يتجهون نحوي .. يطلبون مني مساعدتهم .. بعضهم قال لي :
ما هذا النشاط؟!..أجبته : إنها صلاة الفجر في المسجد..
مسكين إبراهيم .. كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام ..
لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب ..
نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوته القلوب..
مضى الوقت ولم أشعر بالتعب والإرهاق ..
قال لي إبراهيم : أحمد .. يجب أن تذهب إلى البيت .. فإنك لم تنم منذ البارحة .. وسأقوم بعملك ..
نظرت إلى الساعة .. لم يبق على أذان الظهر سوى دقائق .. قررت البقاء..
أذن المؤذن .. فسارعت إلى المسجد .. جلست في الصف الأول ..
شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصلاة..
بعد الصلاة انطلقت إلى البيت ..
في الطريق انتابني شعور بالقلق .. يا ترى كيف حال سارة ؟..
شعرت بانقباض .. لا أدري لماذا ؟!
أحسست أن الطريق هذه المرة طويل .. ازداد الخوف .. رفعت رأسي إلى السماء ..
دعوت الله أن يعجل بشفاء ابنتي..
وصلت إلى البيت .. فتحت الباب .. ناديت زوجتي .. لم أسمع جواباً ..
دخلت الغرفة مسرعاً ..
زوجتي منطوية على نفسها تبكي ..
التفتت إليَّ .. صرخت وهي تبكي : لقد ماتت سارة ..
لم أتبين ما تقول .. اندفعت نحو سارة .. ضممتها إلى صدري ..
حاولت حملها .. سقطت يدها نحو الأرض .. جسمها بارد ..
كذلك يداها وقدماها .. نبضها .. أنفاسها .. لم أسمع شيئاً ..
نظرت إلى وجهها .. نورٌ يتلألأ .. كأنه كوكب دري ..
ايقظتها .. حركتها .. هززتها ..
صرخت أمها : سارة .. سارة .. لقد ماتت .. ماتت .. وانخرطت في البكاء..
لم أصدق ما أرى .. كأنه حلم ..
انهمرت الدموع من عيني .. أخذت أشهق ..
أنظر إلى وجهها الجميل .. وشعرها الناعم ..
أقبِّل فمها الصغير .. كأنها تردد الآن : عيب عليك .. عيب عليك .. يا بابا ..
تذكرت أن هذه مصيبة .. أخذت أردد .. لا حول ولا قوة إلا بالله ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
اتصلت بإبراهيم .. قلت له : تعال فوراً .. لقد ماتت سارة ..
النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي ..
انتهين من تغسيلها .. لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء ..
نادتني زوجتي ..
دخلت كي أودع سارة الوداع الأخير .. كدت أسقط على الأرض .. تماسكت ..
قبلتها على جبينها ..
عاهدتها على الثبات حتى الممات .. نظرت إلى أمها .. فإذا هي زائغة العينين .. شاحبة الوجه .. تنتفض ..
قلت لها : لا تحزني .. فقد ذهبت إلى الجنة بإذن الله .. هناك سنلتقي .. فشمري كي تشفع لنا ..
ثم قرأت قوله تعالى : {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كل امرئٍ بما كسب رهين}..
بكت الأم وبكيت أنا..
صلينا عليها صلاة الجنازة .. ثم سرنا بها إلى المقبرة ..
أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي..
وصلنا المقبرة .. المكان موحش .. مخيف .. توجهنا إلى القبر ..
وقفت على شفير القبر .. هنا سأضع ابنتي .. أمسك إبراهيم بكتفي وقال : اصبر يا أحمد..
نزلت إلى القبر ..
إنها دارك يا أحمد .. ربما اليوم وربما غداً ..
ماذا أعددت لهذه الدار ..
ناداني إبراهيم : أحمد خذ البنت .. وضعتها على صدري .. وددت لو أدفنها فيه ..
ضممتها .. قبلتها ..
ثم وضعتها على شقها الأيمن .. وقلت : بسم الله وعلى ملة رسول الله ..
صففت اللبن .. سددت كل المنافذ ..
خرجت من القبر .. بدأ الناس يهيلون التراب .. لم أملك دموعي..

يتبع ~~

الصديق المجنون
25-11-2015, 12:45 PM
وغدراتي وفجراتي !!

ربنا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا ..
ومن سعة رحمته .. أنه عرض التوبة على كل أحد ..
مهما أشرك العبد وكفر .. أو طغى وتجبر ..
فإن الرحمة معروضة عليه .. وباب التوبة مشرع بين يديه ..
وانظر إلى ذاك الشيخ الهرم .. الذي .. كبر سنه .. وانحنى ظهره .. ورق عظمه ..
أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو جالس بين أصحابه يوماً ..
يجر خطاه .. وقد سقط حاجباه على عينيه .. وهو يدّعم على عصا ..
جاء يمشي .. حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال بصوت تصارعه الآلام ..
يا رسول الله .. أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها .. فلم يترك منها شيئاً ..
وهو في ذلك لم يترك حاجة .. ولا داجة .. أي صغيرة ولا كبيرة .. إلا أتاها ..
لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم .. فهل لذلك من توبة ؟
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره إليه .. فإذا شيخ قد انحنى ظهره .. واضطرب أمره ..
قد هده مر السنين والأعوام .. وأهلكته الشهوات والآلام ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : فهل أسلمت ؟
قال : أما أنا .. فأشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم: تفعل الخيرات .. وتترك السيئات .. فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ..
فقال الشيخ : وغدراتي .. وفجراتني ..
فقال : نعم ..
فصاح الشيخ : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..
فما زال يكبر حتى توارى عنهم ..
الحديث : رواه الطبراني والبزار ، وقال المنذري : إسناده جيد قوي ،وقال ابن حجر هو على شرط الصحيح .

* * * * * * * * * *

.. الجبال الراسيات ..

في أول بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو إلى الإسلام في مكة سراً .. وكان المسلمون يختفون بدينهم ..
فلما تكامل عددهم ثمانية وثلاثين رجلاً ..
ألحَّ أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور ..
فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر .. إنا قليل ..
فلم يزل أبو بكر يلح عليه حتى خرج صلى الله عليه وسلم .. إلى المسجد .. وخرج المسلمون معه.. وتفرقوا في نواحي المسجد .. كل رجل في عشيرته..
وقام أبو بكر في الناس خطيباً .. فكان أول خطيب دعا إلى الله .. فلما رأى المشركون من يسفه آلهتهم .. ويتنقص دينهم ..
ثاروا على أبي بكر وعلى المسلمين ..
فجعلوا يضرِبونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً ..
وأبو بكر يجهر بالدين .. فأحاط به جمع منهم ..
فضربوه .. حتى وقع على الأرض .. وهو كهل قد قارب عمره الخمسين سنة ..
ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة .. وجعل يطأ على بطنه وصدره .. ويضربه بنعلين مخصوفين .. ويحرفهما على وجهه .. حتى مزق لحم وجهه .. وجعلت دماؤه تسيل .. حتى ما يعرف وجهه من أنفه .. وأبو بكر مغمى عليه ..
فجاءت قبيلته بنو تيم يتعادون .. ودفعوا المشركين عنه ..
وحملوه في ثوب .. ولا يشكون في موته .. حتى أدخلوه منزله ..
وقعد أبوه وقومه عند رأسه .. يكلمونه فلا يجيب ..
حتى إذا كان آخر النهار .. أفاق .. وفتح عينيه .. فكان أول كلمة تكلم بها ان قال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟؟
فغضب أبوه وسبه .. ثم خرج من عنده ..
فقعدت أمه عند رأسه .. تجتهد أن تطعمه أو تسقيه .. وتلحّ عليه ..
وهو يردد : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقالت : والله مالي علم بصاحبك ..
فقال : اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب .. فسليها عنه .. وكانت أم جميل مسلمة تكتم إسلامها ..
فخرجت أمه حتى جاءت أم جميل فقالت :
إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟
فخافت أم جميل أن يكتشفوا إسلامها .. فقالت : ما أعرف أبا بكر .. ولا محمداً .. ولكن إن أحببت مضيت معك إلى ابنك ..
قالت : نعم .. فمضت معها ..
فلما دخلت على أبي بكر .. وجدته صريعاً دنفاً .. ممزق الوجه .. ودماؤه تسيل ..
فبكت وقالت : والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر .. وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم ..
فالتفت إليها أبو بكر .. وما يكاد يطيق .. فقال : يا أم جميل .. ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فنظرت أم جميل إلى أم أبي بكر وكانت لم تسلم بعد .. فخشيت أن تخبر الكفار بأسرار المسلمين ..
فقالت أم جميل لأبي بكر : هذه أمك تسمع ..
قال : فلا شيء عليك منها ..
قالت : رسول الله صلى الله عليه وسلم سالمٌ صالحٌ .. قال : فأين هو ؟
قالت : في دار أبي الأرقم ..
فقالت أمه : قد عرفت خبر صاحبك .. فكل واشرب الآن ..
فقال : لا .. إن لله علي أن لا أذوق طعاماً أو شراباً .. حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأراه بعيني ..
فأمهلتاه .. حتى إذا أظلم الليل .. وهدأ الناس ..
حاول أن يقوم .. فلم يستطع .. خرجت به أمه وأم جميل يتكئ عليهما .. حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام .. أكب عليه يقبله ..
وأكبَّ عليه المسلمون .. ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة ..
وأبو بكر يقول : بأبي وأمي أنت يا رسول الله .. ليس بي من بأس .. إلا ما نال الفاسق من وجهي ..
ثم قال أبو بكر : يا رسول الله .. هذه أمي برة بولدها .. وأنت رجل مبارك .. فادعها إلى الله عز وجل .. وادع الله لها .. عسى الله أن يستنقذها بك من النار ..
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم دعاها إلى الله .. فأسلمت ..
فانظر إلى هذا الجبل الراسي .. أبي بكر رضي الله عنه .. وتأمل في حرصه على الدعوة إلى الله .. واعجب من قوة ثباته على الدين ..

* * * * * * * * * *
قال : معاذ الله ..

كان شاباً فقيراً .. يعمل بائعاً .. يتجول في الطرقات ..
وكانت هي امرأة فارغة .. لا تكف عن التعرض للحرام .. كانت مصيدة للشيطان ..
مرّ ذات يوم بجانب بيتها .. أطلت من طرف الباب وسألته عن بضاعته فأخبرها ..
طلبت منه أن يدخل لترى البضاعة .. فلما دخل أغلقت الباب ..
ثم دعته إلى الحرام .. فصاح بها .. معاذ الله ..

وتذكر حاله عندما تذهب اللذات .. وتبقى الحسرات ..
تذكر يوم تشهد عليها أعضاؤه التي متعتها بالزنا ..
رجله التي مشى بها.. يده التي لمس بها.. لسانه الذي تكلم به..
بل تشهد عليه .. كل ذرة من ذراته .. وكل شعرة من شعراته ..
تذكر حرارة النيران .. وعذاب الرحمن ..

يوم يعلق الزناة في النار.. ويضربون بسياط من حديد .. فإذا استغاث أحدهم من الضرب.. نادته الملائكة : أين كان هذا الصوت وأنت تضحك.. وتفرح.. وتمرح.. ولا تراقب الله ولا تستحي منه..!!

تذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( يا أمة محمد.. والله إنه لا أحد أغير من الله.. أن يزنى عبده.. أو تزني أمته.. يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم.. لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ) ..

تذكر يوم رأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه رجالاً ونساءً عراة في مكان ضيق مثل التنور .. أسفله واسع وأعلاه ضيق .. وهم يصيحون ويصرخون .. وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم .. فإذا أتاهم ذلك اللهب صاحوا من شدة حره .. فقال صلى الله عليه وسلم : من هؤلاء يا جبريل ؟
قال : هؤلاء الزناة والزواني .. فهذا عذابهم إلى يوم القيامة ..
ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .. نسأل الله العفو والعافية .

قالت له نفسه : افعل وتب .. قال .. أعوذ بالله .. كيف أهتكت ستر ربي .. كيف أنظر إلى امرأة لا تحل لي والله عز وجل من فوقنا .. ينظر إلينا .. كيف نختفي من الخلق .. ونفجر أمام الخالق ..
فبقي ساكناً يفكر في مخرج .. وينظر على الباب ..

فصاحت به الفاجرة : والله إن لم تفعل ما أريده منك صرخت .. فيحضر الناس فأقول : هذا الشاب.. هجم عليَّ في داري .. فما ينتظرك بعدها إلا القتل أو السجن ..
فأخذ الشاب العفيف يرتجف .. خوّفها بالله فلم تنزجر ..
فلما رأى ذلك .. فكر في حيلة يتخلص بها ..
فقال : أريد الخلاء .. الحمام .. فأشارت له إليه ..
فلما دخل الخلاء .. نظر إلى نوافذه فإذا هو لا يستطيع الهرب من خلالها ..
ففكر في طريقة يتخلص بها ..
فأقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط ..
وجعل يأخذ منه ويلقي على ثيابه.. ويديه.. وجسده..
ثم خرج إليها.. فلما رأته صاحت .. وألقت في وجهه بضاعته .. وطردته من البيت ..
فمضى يمشي في الطريق .. والصبيان يصيحون وراءه : مجنون.. مجنون..
حتى وصل بيته.. فأزال عنه النجاسة.. واغتسل..
فلم يزل يُشمُّ منه رائحة المسك.. حتى مات..


منقول

نـــــــقــــــــاء
26-11-2015, 08:34 AM
بارك الله فيك أخي الصديق المجنون

الصديق المجنون
26-11-2015, 11:00 AM
بارك الله فيك أخي الصديق المجنون

كل الشكر لك ع مرورك الطيب