المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاميرة النائمة ... للكاتب بدر العبري



صدى صوت
12-12-2015, 01:55 PM
* بدر العبري :

في الحكايات الخرافية (والتي بالطبع لم تُقرأ علينا ونحن صغار!) يأتي فارس فوق حصان أبيض ليُقبل الأميرة النائمة لينقذها من غفوتها الأبدية وسط دهشة وفرح الأقزام السبعة، لا داعي للقول بالطبع أن هذا لا يحدث إلا في الأفلام والحكايات الخيالية، ولكن ما يحدث في أحيان كثيرة هو أن هناك “صفعة” ما توقظنا من أحلام الواقع ومن غفواتنا الطويلة.

-١-
عمان أميرة: شعباً وحكومة.
أميرة تدوخ فرحةً وحياءً وأنوثة إذا ما غازلها أحدهم، تختالُ في مشيتها لآلاف التغريدات و “البوستات” والمقالات الصحفية والتقارير التلفزيونية على أثر النشوة من كلمةٍ غزلية (كانت كلمةً عن حق أم كلمةً لـ [تضبيطها]). أميرة ذات غنج ودلال [تُبرطم] و [تُكشَر] في وجه من ليس فقط يخطأ بحقها بل ومن يتجاهلها أيضاً؛ كأيَ جميلة أخرى تخرج بجميع زينتها وتغضب لأن أحدهم لم يُعرها اهتماماً. وزعلها كفرحها سريع وواضح.. ليس عليك سوى أن ترى وجه هذه الجميلة لتعرف أن أحدهم اليوم استثارها بتجاهله أو بتعليقه.

لكن هذه الأميرة (وكأي جميلة أخرى تقريباً) مشغولة بالقشور وبـ [الميكب] والزينة و [سمعتها] ومظهرها أكثر عن شيء آخر؛ يأتي لون المناكير أولاً ومن بعده طوفان فواتير شراءه.

-٢-
نحن اليوم مشغولون بأطنان من الأحاديث عن القشور التي أصبحت فُلُكاً ندور حوله، منغمسون حتى الأخير في “خصوصيتنا العمانية” لدرجة أننا أصبحنا نتدخل في مقاسات وخطوط ملابسنا، وباسمها صار التدخل في الحريات الشخصية أمراً مستساغاً، وصرنا نقسم المواضيع إلى قسطاطين.. قسطاطٌ هو مع قيمنا المحلية (التي لم ولن نستطيع تحديدها) وقسطاطٌ آخر عرضهُ مُباح. وصار “تاريخنا” المجيد التليد هو أكثرُ ما نفخر وُنفاخر به، وباسم “الإمبراطورية العمانية” صرنا نشن غزواتنا على سلالة “ساحل عمان”؛ وليس منا رجلٌ رشيد ينبهنا إلى أننا نفتخر و [نصارخ] بتاريخنا الذي كان إمبراطورية فماذا عن تاريخنا/حاضرنا الذي أضعنا فيه هذه الإمبراطورية؟ لم لا نبكِ مثل النساء ملكاً لما نحافظ عليه مثل الرجال؟ و نُعيب على الكثيرين عيشهم في صراعات ما قبل ١٤٠٠ سنة؛ أولسنا نعيشها نحن أيضاً معهم؟! مع فارق عدد السنوات والموضوع.

كل هذا [النفخ] في أشياء تملكها كل شعوب الأرض بطريقة أو أخرى (نعم.. صدق أو لا تصدق كلٌ لديهم خصوصيتهم وتاريخهم!) لن ينفع يوم لا ينفع نفخٌ ولا برميل نفط، أطنان الأوراق الصحفية المُستهلكة في كتابة شجون عاطفية (والتي نتناول غداءنا فوقها غالباً) وأطنان الجيجابايتات في العالم الرقمي (التي لا نملك تجاهها شيئاً لحين ابتكار “غداء رقمي” يمكننا تناوله فوقها) الضائعة في سبيل تنويمنا أو لعق أحذيةٍ ما (مهما تكون ماركة الحذاء فهو يظل حذاءً!) ليست سوى مخدر لطيف وإشغال لعقولنا عن التفكير فيما يجب أن نفكر فيه وفي القضايا المصيرية التي يجب معالجتها بدلاً من تحليل خطاب لا يُحلل أو النزاع على ما لا يجب أن يُتنازع حوله. والخوف كل الخوف أن يأتي يوم فيه نسمع فيه أحداً يصرخ فينا مستنهضاً “صحيحٌ أنك تموت جوعاً لكنك حفيد أسد البحار أحمد بن ماجد.. ارفع راسك أنت عماني”.

يجب أن نعي أن خطاب تمجيد الماضي أو الاحتفاء بـ[مناكير] الحاضر التي لا تفيد ولا تنفع هي لا تُسيَطر سوى على الأمم المهزومة التي لا شيء حقيقي لديها في حاضرها لتحتفي فيه، بينما يطالبنا وزير بأن “نتفهم” ما سيأتي به انخفاض سعر النفط وآخر يستغفلنا بأنه “لا داعي للقلق” هناك أمم أخرى تتحدث عن ما بعد نضوب ثروتها النفطية وعن احتياطاتها المالية بأرقام وخطط رأيناها ونراها، هل يمكننا كأمة أن ننهض بعيداً عن الاحتفاء بالحكمة التي لا مثيل لها ونعلن علناً (لا في جلسة سرية كموعدٍ غراميَ بين اثنين لن يتزوجا!) عن خططنا لما بعد النفط وقبله؟!

أولم يحن الوقت لنحلل أفعالنا لا أقوالنا؟
أولم تُسمعنا الحكومة معزوفة “تنويع مصادر الدخل” منذ عقود؟ مالذي حدث؟ أين هو تطبيق هذا على أرض الواقع؟ ألا تملك الحكومة – أو الجهات الرقابية المعنية من السُلطات المنفصلة- [أكسل شيت] لتقارن فيه بين الذي قالته وما قامت به؟

أجزم أنه لو أن فتاة جميلة رددت “تنويع مصادر الدخل” طيلة هذه العقود لكانت اليوم قد ولدت “مصادر دخل” [صغنونات] تغنيها عن ذل السؤال ومضنة العيش وتبجح النفط عليها!

-٣-
لستُ ضد الكتابة العاطفية للوطن، ولا للاحتفال بمناسباته ومنجزاته أو التغني به وبحكمة قائده أو قياداته، فلكل الأمم -العظمى منها والصغرى والمتناهية الصغر- مناسباتٌ واحتفاءات وكتابات في هذا المجال. بل هو أمرٌ لا بد منه نظراً لطبيعتنا البشرية.
لكن الخطأ كل الخطأ أن تصبح تلك العواطف هي محور اهتماماتنا ومركزه، أتفهم أن يكون كل شعر شاعر ما هو حول حب الوطن والتغزل فيه فأنا لا أتوقع منه -كشاعر- أن ينظم لي قصيدة في “تنويع مصادر الدخل” ولكنني لا أتفهم أن يتخصص كاتب مقالات في التغزل بالوطن وبقوامه دون أن يُقدم في نهاية مسيرته الكتابية أي شيء خارج هذا الخط، ما هو الشيء الذي ينقص قارئيه فقدمه لهم؟ [شويَة وطنية]؟!

لدينا بالتأكيد قليلٌ من الضوء الذي يأتي من آخر النفق؛ لدينا سياستنا الخارجية المتوازنة وتماسكنا الداخلي وسط طوفان من الدول المنقسمة على ذواتها وغيرها مما يستحق الإشادة؛ ولكن مالذي بعد ذلك؟ هل سياستنا الخارجية ستمنعني من قول “معلوم دبي؟ عمان سيم سيم هناك”؟! هل تمساكنا الداخلي سيصمد حقاً أم سيكون مصيره كمصير لبنان حين تشرذمت إثر حرب أهلية ظنها الناس لن تتجاوز الأسابيع فإذا بها تستمر هي وآثارها لعقود؟ هل نجحنا في تسويق أمننا وأماننا لجلب استثمارات يٌشار لها بالبنان؟

هل.. وهل..

-٥-
ختاماً فإنني أظن أن انخفاض أسعار النفط إن استمر سيكون القبلة (القاسية!) التي نصحى من خلالها من غفوة الأوهام الكاذبة والمفاخرات التي لن تسمن عن جوع، وكل ما يُقال اليوم عن منجزات وحِكَم مقياسه غداً في أرض الواقع، ولنر حينها إن كان كل ذلك الكلام الشاعري سيصمد أمام برميل نفط انخفض لما دون الـ ٤٠ دولاراً!


(نشر في مجلة الفلق)