المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هو ليس ~ بغاااااااااااام ~



Raba
12-01-2016, 12:31 PM
هو ليس "بغام"

الأحد، 10 كانون2/يناير 2016 21:40

الرؤية بقلم عائشة البلوشية


أتذكّر جيّدًا تلك الطفلة وأخأها من أبناء الجيران، اللذين كانا لا يشاركان معنا في اللعب، ودائمًا يكونان منعزلين يتابعان فقط، ويتّقيان ضوء الشمس الساطع بيدهما، وكأنّهما يحاولان أن يتفاديا صفعة آتية، وأتذكر كذلك صراخ أخيها عندما كان والده يضربه ضربًا مبرحًا بسبب عدم قدرته على التعلّم عندما دخل إلى المدرسة، وكان والده ينعته بالغباء قائلا "بغام وبتتم طول عمرك بغام"، وبغام في اللهجة العمانية الدارجة تطلق على الشخص الغبي جدًا، وكان الجيران يتراكضون في محاولات يائسة لإيقاف مسلسل الضرب المستمر، وينهرون الأب ويرد عليهم "البغومية طاشه من عيونه"، أي أنّ الغباء ينضح من عينيه، وبعد مدة انتقلت تلك الأسرة من الجوار، ولم يستطع ذلك الطفل وأخته إكمال الدراسة، فأجلست البنت في البيت حتى زوجوها بعد مدة، أمّا الولد فقد خرج من المدرسة بعد أن ظل يرسب في الصفين اﻷول والثاني الابتدائي وتجاوز مرّات الرسوب المسموح بها، وأصبح يساعد أباه في أعمال النخل والضواحي، حتى شبّ وهجر البلاد ملتحقًا بخاله الذي استوطن إحدى دول الخليج، وحصل على عمل هناك...

كنت طفلة أتفكّر في حالة اتقاء ذانك الطفلين وحجب أعينهما عنا، وﻷنني شهدت بأم عيني إحدى حالات الضرب الهستيري المؤلمة لذلك الطفل، حيث كنت وأبناء وبنات عم والدي - رزقني الله بره- نتلصص من فوق جدار الضاحية الطيني، ورأينا الأب ممسكا بـ"كربة" ويضربه بشكل هستيري، والـ"كربة" بفتح الكاف وتسكين الراء هي ذلك الجزء السميك الذي يربط الزورة (السعفة) بقمة النخلة، وهي إحدى أدوات العقاب التي جادت بها الطبيعة، وللعودة لاستغرابي، فقد كنت أظن بأنّهما يخفيان "البغوميّة" بثني الذراع على العينين حتى لا نراها، ولكنني لم أكنﻷفهم لماذا يخشيان أشعة الشمس الساطعة هكذا..

"هيلين أيرلين" أمريكية اكتشفت منذ حوالي ثلاثين عاما متلازمة الحساسية الضوئية، والتي عرفت منذ ذلك الحين بـ"متلازمة ايرلين"، ولا يزال الجدل يثار حول هذه المتلازمة، ومنهم من يشكك في حقيقة وجودها، وهي وراثية وقد تصيب الشخص الطبيعي الذي لا يعاني من أية أمراض، ولا يمكن للمتلازمة أن تظهر أو تشخص إلا في حالة التركيز الشديد، مثل القراءة أو السياقة أو التذكر، فيصبح الشخص غير قادر على الرؤية، وكانت الصدفة البحتة هي ما ساعد هيلين إيرلين في اكتشاف طريقة العلاج، عندما استخدمت الشفافيّات الملونة القرائية، ولهذه المتلازمة درجات متفاوتة الشدة، والتي تؤثر على الإدراك، وبالتالي إلى الصعوبات الأكاديميّة في التعلم، بسبب الجهد الذي يبذله المتعلم ليتمكن من القراءة، وقد تصل لدرجة الصعوبة إلى عدم القدرة على تمييز الوجوه، والذي بدوره يشكل عائقًا في تذكّر أسمائهم، وهذا سوف يؤثر سلبيًا على نفسية الطالب وسلوكه، فينعزل وينطوي ولا يتمكن من تكوين صداقات، ويصبح مثارًا للسخرية من زملائه، ومتلازمة إيرلين تتلخص ببساطة أنّ المصاب بها لا يرى الكلمات كما يراها الإنسان العادي، فترددات الضوء المنعكسة عن الصفحة البيضاء تسبب إجهادًا سريعا للعين، مما يعيق قدرة الطالب على القراءة، ولحداثة اكتشاف المتلازمة فإنّها تعالج في خمس وأربعين دولة حول العالم فقط، وأنّ العربية الأولى التي حصلت على ترخيص من الأمريكية هلين إيرلين لتشخيص المتلازمة وعلاجها هي اليمنية "منن"..

كنت في طريقي إلى المنزل وحتى أتجنب ازدحام دوار الموالح، عرجت يمينا قبل الدوار، فسلكت طريقا يمر أمام جامع الحق، لألمح على ميمنتي لائحة كتب عليها مركز الأيادي البيضاء، فوقع الاسم - لجمال معناه- في نفسي، لأتفاجأ بعد مدة بأنّ مالكة المركز هي إحدى الزميلات التي درست وإيّاها في رحاب كليّة التربية في تخصص اللغة الإنجليزية بجامعة السلطان قابوس، ومما زاد من عمق الفخر بها عندما قالت لي بأنّ أقوى أنواع الإرادة تولد من رحم المعاناة، حيث استقالت من وظيفتها في مركز اللغات بالجامعة، لتبحث عن حل لفلذة كبدها الذي يعاني نوعًا من الإعاقة وصعوبات في التعلّم، فما كان منها إلا أن أنشأت مركز الأيادي البيضاء، أحد الأمثلة القليلة لريادة الأعمال الاجتماعيّة غير الربحية في السلطنة، وأخذت في تدريب نفسها والتعاقد مع متخصصين في مختلف أنواع الصعوبات، لتصبح عائشة باعبود أول عمانيّة متخصصة مؤهلة في تشخيص وعلاج متلازمة إيرلين في السلطنة، وأثارت إعجابي ودهشتي في آن واحد عندما أخبرتني عن إحدى تجاربها التطوعيّة في إحدى مدارس الحلقة الأولى للتعليم الأساسي في ولاية السيب، حيث قامت بتشخيص جميع الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم، وجاءت النتيجة الصادمة بأنّ 46% من الطلاب يعانون من متلازمة إيرلين، فما كان منها إلا أتت بالنظارات الخاصة لجميع الأطفال من المصنع الخاص بالولايات المتحدة، وظلت متواصلة مع المدرسة، لتسعد بنتاج عملها في التحسّن الملحوظ لحوالي 90% من الطلاب، فازداد فضولي لمعرفة المزيد عن هذه المتلازمة، فطفقت أقرأ وأشاهد كل ما يتعلق بها، مما جعلني أشعر بالأسى على أطفالنا الذين لا نعرف سبب تأخر القراءة لديهم، ونظنّ بأنّها ربما ديسلكسيا أو غيرها من الأمور، فعادت بي الذاكرة إلى الطفولة وابن الجيران، فقلت في نفسي المسكين لم يكن "بغام" بل ربما كان يعاني من متلازمة إيرلين...

إنّ هذا العصر يظهر لنا الكثير من الجديد في كل مجال، وتسارع العلوم المختلفة يفرز لنا آثارا جانبية كثيرة، تمامًا مثل الدواء، يعالج أمرًا ويؤثر على جوانب أخرى، وعلاج هذه المتلازمة إذا ما تواجدت منفردة، سهل جدا من خلال الشفافيات القرائية، حيث يمكن للطفل أن يختار ما بين عشرة ألوان مختلفة، ولكن يجب تشخيصه من خلال اختبارات خاصة، وعندما سألتها هل ينحصر التشخيص على الأطفال فقط، قالت لي: بل هو لجميع الأعمار، لدرجة أن المصاب بالمتلازمة من البالغين، قد يتسبب في حوادث سير مؤسفة أحيانا، دون أن يعي بأنه مصاب وأن الحل سهل جدا ويكمن في ارتداء نظارة خاصة أو عدسة لاصقة تتدرج إلى خمسة وسبعين لونا، لذلك وجب علينا توعية المجتمع بأهمية تشخيص هذه المتلازمة، وكان اهتمامها بتوعية وتدريب المعلمات في جميع المدارس الحكومية هو جل حديثها، وذلك حتى نرفع عن كاهل الطفل التصنيف في فئة الصعوبات، ونتيجة ﻷهمية الأمر واستعداد القطاع الخاص الرائع للمساهمة في رفد المجتمع بالدعم، ستقوم وزارة التربية والتعليم بعون الله في التنسيق مع المركز لبث الوعي حول متلازمة إيرلين في المدارس، وتدريب معلمات الحلقة الأولى على أنجع السبل للعلاج، ولا أخفيكم سرا بأن حماسها انتقل إليّ شغفا، فالطفل هو أهم لبنة في المجتمع، ﻷنه الصفحة البيضاء النقية التي نكتب عليها مستقبل بلادنا وعالمنا..

توقيع: "ما لم يأتك برضا الله، لا تطلبه بغضبه".

هذه المقاله كفيلة بان نثقف أنفسنا قليلاً راقت لي حروفها فأحببت من يشاركني في قراءتها
مودتي

سلطنتي فخري
12-01-2016, 12:35 PM
ﻷنه الصفحة البيضاء النقية التي نكتب عليها مستقبل بلادنا وعالمنا
جمييييييل جدا اختيارك .. شكرا لك ..نهارك سعيد

حنــان
12-01-2016, 12:44 PM
رائع جدا
و نحتاج لمثل هذا التثقيف ..

مائة بيسة
12-01-2016, 12:45 PM
طرح جميل سعدت بقراءته

حبي خالص
12-01-2016, 12:49 PM
مقوله جدا مفيده
ربما هي اولى الخطوات لنتعرف عن هذه المتلازمه
التي قد نكون غافلين عنها
جزاك ربي خير الجزاء على النقل أختي

طبيب الزجاج
12-01-2016, 12:52 PM
نحتاج لمثل هذه الثقافة التي تنقذ الجيل الواعد من الجهل والادراك بأسلوب التربيه



شكرا لك

،إستثنائي،
12-01-2016, 08:57 PM
شكرا اختي ضي
مقال جميل جدا وفقتي في النقل

ســــ المحبه ــــهم
12-01-2016, 10:24 PM
طرح رائع ....
بارك الله فيك

صمت الشفاه
12-01-2016, 10:28 PM
مقال جميل بما يحمله
تقديري لكم

اسطورة لن تتكرر
12-01-2016, 10:57 PM
فالطفل هو أهم لبنة في المجتمع، ﻷنه الصفحة البيضاء النقية التي نكتب عليها مستقبل بلادنا وعالمنا..


ضــــــــــــي
كالعادة ابداع رائع
وطرح يستحق المتابعة
شكراً لك
بانتظار الجديد القادم دمت بكل خير

Raba
14-01-2016, 05:27 PM
لكل من مر هنا بالغ شكري لحضوركم واستفادتكم من الموضوع
لأنني في بعض الأحيان أرى اننا نحتاج لإعادة النظر في بعض
أمور الحياة وبالأخص الأمور التي تخص مجتمعنا العربي ،،،