المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال للتاريخ: ماذا فعلنا؟



سمــّــو الأمــيــر
12-01-2016, 07:13 PM
سؤال للتاريخ: ماذا فعلنا؟(30)
التخطيط
د. صالح الفهدي

كنتُ في طريقي إلى إحدى الجامعات المحليّة حيثُ دعيتُ لمناسبةٍ فيها، سلكتُ الطريقَ الذي اعتدتهُ سابقاً، لكنني تفاجأتُ بغلقِ مدخلهِ السابق، فاتصلتُ بأحد مسؤولي الجامعة الذي أكّد لي بأن الخيار الأفضل لدي هو القيامُ بدورةٍ كاملة تستغرق ربع الساعةِ كي أصل إلى جامعةٍ أنظرُ إلى مبناها قبالتي دون أن أستطيع الوصول إليها بأقصر الطرق..!!

التخطيطُ عمليةٌ شاملةٌ متكاملةٌ لا يمكن الإخلال بأحد أركانها ابتداءً من صنع العقيدة الوطنية التي تشكّل القاعدة الروحية والنفسية والفكرية للتخطيط إلى وضع الإستراتيجيات ذات الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية والأمنية والفكرية والمالية إلى تأهيل الكوادر البشرية المناسبة لتطبيقها على أرض الواقع، مروراً نحو الخطوات العملية التي تقوم بتنفيذها مؤسسات واقعية والنظم والقوانين المشرّعة والمؤسسات التي تتابع وتراقب وتحاسب وتقيّم الأداء والتطبيق..
أمّا أن تتكرّر الأخطاءَ، وتستمر المشكلات وكأن العقول تتناقل ذات الجينات فتلك مشكلة كأداء لا يمكن استمرار أيّ وطنٍ بها.. لقد قال أحدُ أعداء العرب الذين حلّلوا ثقافتهم:"إنك ترى العرب يتحمسون في بداية الفكرةِ والمشروع، ولكن سرعان ما تفترُ هممهم، وتتراخى حماستهم على مرّ الوقت"..! هذا الكلامُ نلمسهُ واقعاً في القمم العربية التي يشوبها الحماس، فتصدر القرارات الإقتصادية والمالية والسياسية ثم لا تسمعُ عن تطبيقها فيما بعد، مما يعني أنها لم تُبنَ عن قناعة، أو لم تلقَ من يقوم بتنفيذها على الأرض، أو يتخلى عنها الذين ضربوا لها الصدور لها بالأمس في "موقعة التصويت"..!

لقد أختزلَتْ عقولنا فكرة التخطيط في تخطيط المدن والطرق والمشاريع الإسمنتية، بينما التخطيط الحقيقي هو أشمل من ذلك وأهم إذ يبدأُ بالإنسانِ كصاحبِ مشروعٍ حضاري، قبل أن يكون صاحبَ مهنةٍ وحرفة..! ولنا في ماليزيا دروساً عظيمة نخطيءُ إن لم نتعلمها، فحينَ قرّر مهاتير محمد رئيس وزرائها الأسبق الإنتقال بماليزيا من وضعها من زراعة الأرز والمطاط إلى الصناعات المتقدمة والتكنولوجيا اهتمّ بالتعليم ليس في ناحية صقلِ المهارات والقدرات وحسب بل وقبلها في تعزيز الوطنية وروح الإنتماء الوطني وذلك بإضافة مواد تنمّي المعاني الوطني منذ السنة السادسة للطفل..! ثم تدرجت المواد الفنية والمهنية لتنمية وصقل المهارات، الأمر الذي ساعد على تبيّن الإستعدادات، ووضوح الإتجاهات، وتحديد الميولات.

لقد وضعت ماليزيا مهاتير الرؤية المستقبلية 2020 لثلاثين عاماً (1990-2020) من أجل تحقيق نمو بمعدل 7% على امتداد السنوات الثلاثين..! يقول الدكتور مهاتير محمد في مقالة له بعنوان"ماليزيا.. الطريق إلى الأمام 2020":" بحلول عام 2020 ، ستكون ماليزيا أمة موحدة ، ومجتمعاً يمتلك الثقة بنفسه، معزّزاً بالقيم القيم المعنوية والأخلاقية القوية، في أجواء من الديمقراطية، والليبرالية، والتسامح، وفي ظل رعاية اقتصادية عادلة، ومنصفة، ومتطورة ومزدهرة، تمتلك اقتصاداً قادراً على المنافسة والديناميكية والقوة والمرونة" .

ولأجل ذلك ركّز على تنمية الموارد البشرية مطالباً القطاع الخاص بأن يكون له الدور الأكبر في تدريب القوى العاملة، وإعدادهم من أجل التغيير، وداعياً إلى الإهتمام بميولهم وقدراتهم، ورفع مستوى مهاراتهم، وتوظيفها بصورة صحيحة، ومكافأتهم في إسهاماتهم.
لقد وضع مهاتير محمد سلسلة من الإصلاحيات والإستراتيجيات من أجل مضاعفة الدخل السنوي واصفاً ذلك بـ "الهدف البطولي" وقد كان ضمن تلك التوجهات تقليص دور الحكومة في الإنتاج الإقتصادي والمشاريع التجارية، ومؤكداً على أن تجربة النهضة في ماليزيا ليست بالتجربة السهلة، لولا أن وضع الجميع مصلحة ماليزيا نصب أعينهم.

هذه تجربة من التجارب الناجحة في التخطيط الإقتصادي، وهي ماثلةٌ أمامنا في كل جوانبها العلمية، والبشرية، والإقتصادية، والتقنية، والإجتماعية لكي نتعلم منها، وقد قلتُ ذلك لأستاذ جامعي ماليزي متخصص في التعليم المستمر يُدعى Abu Daud bin Silong من جامعة Putra الماليزية حين تعرّفت عليه في مؤتمر الموارد البشرية عبر أوروبا المنعقد في نيوكاسل بالمملكة المتحدة في 2010م :"إننا نفتخر بكم أيها الماليزيون، ونتخذكم مثلاً لنا نحن المسلمون" لكن تمنيت أن يكون لكلامي هذا ما أدلّل عليه في الواقع..!.

إن الأزمات التي تمرُّ على الشعوبِ تكشف أخطائها، وتوضّح بكل جلاءٍ الخطأ من الصواب، بيد أن التوقف عند الأخطاء، وضياعِ الوقتِ عندها لا يُجدي نفعاً بغير الإصلاح، فإذا كانت الأزمات تدفع الأوطان إلى مراجعة سياساتها في الإنفاق على مختلفِ القطاعات فإن ذلك لا يجب أن يكون لمجرد تغطيةٍ لعجز الموازنات وإنّما كدورسٍ يجب تعلّمها، وسياساتٍ يجب تطبيقها فـ"الأزمة تلدُ الهمّة" كما يقول جمال الدين الأفغاني.

لكن الأوطان بحاجة دائمة إلى مخططين ذوي قدرات فائقة في التنبوء بالمستقبل، والقراءة الواعية للأحداثِ، فإن توفّر هؤلاءِ استطاعت الأوطان أن تتجاوز كل أزمةٍ مستقبلية، ولنا في قصّة ملك مصر والنبي يوسف عليه السلام عبرةً حيثُ ولاه اقتصاد مصر من أجل التحضير لأزمةٍ معيشية فادحة مقبلة على مصر، فقد عرض خدماته على الملك قائلاً على لسان الحق سبحانه وتعالى:"قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " (يوسف 55)، ولم يتوانَ الملكُ من توليته أمرَ الإقتصاد لما وجده فيه من فطنةٍ، وتنبؤ، بل وخطّة واضحةٍ، وعزمٍ مبين فقال له على لسان ربِّ العزّة:"إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ "(يوسف 54)، فكان ما كان من عملٍ دؤوبٍ، وتخطيطٍ سليمٍ، وفكرٍ عظيم استطاع أن ينجو بجميع الأمصار المحيطةِ وليس بمصر وحدها من أزمةٍ طاحنة أهلكت الحرثَ والنسل..! وتعقيباً على هذا يقول الدكتور نظمي خليل أبو العطا :" فإذا أردنا إصلاحا لأحوالنا فعلينا بالتمكين العلمي الأخلاقي لأبنائنا، وبناء جسور الثقة والمحبة بين العلماء وأهل الخبرة والمتنفذين وأهل السياسة لنكون كما قال الملك لسيدنا يوسف "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ "(يوسف 54)، وهذه دعوة قرآنية لمد جسور الثقة والإخلاص بين الخبراء والسياسيين حتى تستقر الأمور وتقل الفتن ويتفرغ كل لعمله واتقانه في ثقة وأمانة".

أمّا إن لم يتوفر أهل الخبرةِ، والأمانة، والإخلاص، والتخطيط السليم فإن الأوطان بلاشك واقعةً في عوائق ومصاعب متكررة لا يعلم مدى ضررها عليها، لأن أول ما يضعه هؤلاء أمامهم هو مصلحة أنفسهم متجاهلين مصلحة الوطنِ العليا..!

ومن الطرائفِ في أمر التخطيطِ أن مجموعة من الخبراء دعوا إلى اجتماع في عام 1860 لمناقشة مستقبل مدينة نيويورك بعد 100 عام، فاجتمع الخبراء وخرجوا مجمعين على نتيجة واحدة وهي: أن مدينة نيويورك ستختفي من الوجود بعد مائة عام أي بحلول عام 1960..!! والسبب يكمنُ في "تحليلهم الثاقب" أنه إذا استمر عدد السكان في الإرتفاع بالمعدل آنذاك، فإن سكان نييورك سيحتاجون إلى ستة ملايين حصان لكي يتمكنوا من التنقل، وسيكون التعامل مع روث هذا العدد الهائل من الأحصنة مستحيلا لأن السكان سيكونون غارقين في روث عمقه 4 أقدام..!! ما لم يأخذه هؤلاءِ "الخبراء العباقرة" في حسبانهم هو الروح الإبداعية للبشر، إذ وصل عدد المصانع في عام 1900 إلى ألف مصنع للسيارات أي فقط بعد 40 عاماً من اجتماعهم العظيم هذا.. وها هي اليوم مدينة نيويورك مزدهرة لا يعيقها روث الستة ملايين حصان..!!

التخطيط هو أساسُ بناء الأوطان، وهو عملية مترابطة الحلقات، شاملة العناصر، وهو من الإشكاليات التي يعانيها العرب ليس في العصر الحاضر وحسب بل ومن عصور سابقة إذ يذكر المؤرخ ابن خلدون في مقدمته الشهيرة :"أن المباني التي كانت تختطها العرب يسرع إليها الخراب إلا في الأقل، والسبب في ذلك شأن البداوة والبعد عن الصنائع كما قدمناه فلا تكون المباني وثيقة في تشييدها وله -والله أعلم- وجه آخر وهو أمسّ به وذلك قلة مراعاتهم لحسن الاختيار في اختطاط المدن، كما قلناه في المكان وطيب الهواء، و المياه والمزارع والمراعي فإنه بالتفاوت في هذا تتفاوت جودة المصر ورداءته من حيث العمران الطبيعي". هل يكشفُ هذا الكلام معاناتنا التاريخية في التخطيط، وضعف عنايتنا به؟! هذا سؤال لا أتركهُ للخبراءِ وإنّما للواقع الذي هو أفصحُ ناطقٍ، وأصدقُ شاهد..!

أبا سالم
12-01-2016, 09:43 PM
السلام عليكم ..
لم نفعل شيء .. ما زلنا جالسين
رجل على رجل ..
لا نصنع و لا نقوم بأي اختراع قد يذكر ..
و ما زال بناء الانسان يسير ببطء السلحفاة .

و في زمننا الحالي أي دولة
لا تعتمد على نفسها فستكون في أخر
الأمم ..

و حبيت اشوف رد ناقل الموضوع .. فجميل ان نرى
منك تعليق و لو بالقصير بما انك قمت بنقله .

ابو المعتصم بالله
13-01-2016, 08:17 AM
* على الحكومة أن تقوم في هذه المرحلة على اهتمام اكبر ورعاية أوفر للشباب من اجل تعزيز مكتسباته في العلم والمعرفة ، وفي زيادة مشاركته في مسيرة التنمية الشاملة - ودمتم في حفظ الله تعالى.

أفتخر عمانيه
13-01-2016, 10:57 AM
الله المستعان


شكرا على الموضوع


تحياتي لكم