سهل الباطن
19-02-2016, 07:13 PM
أخطاء تؤثر في الجميع:
تلك كانت أخطاء لا خوف منها على المجتمع، فعلَّم رسول الله أصحابها وأرشدهم إلى الصواب في رفقٍ وحِلم، لكن هناك في المجتمع نوع آخر من الأخطاء لا يمكن السكوت عنه ولا التغاضي عن أصحابه؛ لأنَّ لها أثرَها الكبير في المجتمع، "وذلك كأن يحدث خطأ شرعي من أشخاص لهم حيثيَّة خاصة، أو تجاوز الخطأُ حدودَ الفردية والجزئية، وأخذ يمثِّل بداية فتنة أو انحرافٍ عن المنهج، على أن هذا الغضب يكون غضبًا توجيهيًّا، من غير إسفاف ولا إسراف، بل على قدر الحاجة"(3)
أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟
ولقد غضِب رسول الله من عمر بن الخطاب - المبشَّر بالجنة - ولم يتساهل معه عندما شعَر بخطر يمكن أن يهدِّد الدين وثباته في قلوب أصحابه، وذلك حين أتاه عمر ومعه نسخة من التوراة، ليقرأها عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فها هو جابر - رضي الله عنه - يروي لنا ذلك الموقف:
أتى عمر بن الخطاب النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: فغضِب وقال: ((أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده،لقد جئتكم بها بيضاءَ نقيَّة، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحقٍّ، فتُكذِّبوا به، أو بباطل، فتُصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أنَّ موسى كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتَّبعني))(4)
كلمة واضحة لا تحتمل تأويلاً، إنها مرحلة لا زال القرآن يتنزَّل فيها، وإن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - حريص على ألا يدخل الشك أو الخَلْطُ قلوبَ أتْباعه، فكان النهي الصريح الواضح.
أفتَّان أنت يا معاذ؟!
ثم تراه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يغضب من تطويل بعض أصحابه الصلاةَ، وهم أئمة بعد أن كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن ذلك؛ لِما فيه من تعسير ومشقَّة، ولِما يؤدي إليه من فتنة لبعض الضعفاء والمعذورين وذِوِي الأشغال، يوجه صحابته إلى تصحيح هذا الخطأ؛ لأنه قد يُنفِّر الناس عن الدين، ويُبعدهم عنه.
يروي لنا أبو مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطوِّل بنا فلان، فما رأيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في موعظة أشدَّ غضبًا من يومئذ، فقال: ((أيها الناس، إنكم مُنفرون، فمن صلى بالناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة))[5] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn5).
وها هو يقول الشيء نفسه لمعاذ - رضي الله عنه - فقد كان معاذ بن جبل من أقرب الصحابة إلى رسول الله، ومن أكثرهم حرصًا على طلب العلم، فكان تعامُل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أخطائه مختلفًا عن تعامُله مع أخطاء غيره.
كان معاذ يصلي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - العِشاء، ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إمامًا بهم في مسجدهم، فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة، رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم، فكبر مصليًّا بهم، أقبل فتًى من قومه ودخَل معه في الصلاة، فلما أتَمَّ معاذ الفاتحة، قال {وَلاَ الضَّالِّينَ}، فقالوا: {آمِين}، ثم افتتَح معاذ سورة البقرة، كان الناس في تلك الأيام يتعبون في العمل في مزارعهم ورعْيهم دوابَّهم طوال النهار، ثم لا يكادون يصلون العشاء حتى يأْووا إلى فُرُشهم، وقف هذا الشاب في الصلاة ومعاذ يقرأ ويقرأ، فلما طالت الصلاة على الفتى، أتمَّ صلاته وحْده، وخرج من المسجد وانطلَق إلى بيته، انتهى معاذ من الصلاة، فقال له بعض القوم: يا معاذ، فلان دخل معنا في الصلاة، ثم خرج منها لما أطَلت، فغضِب معاذ، وقال: إن هذا به لنفاق، لأُخبرنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالذي صنع، فأبلغوا ذلك الشابَّ بكلام معاذ، فقال الفتى: وأنا لأخبرنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالذي صنع، فغدوا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى، فقال الفتى: يا رسول الله، يُطيل المُكث عندك، ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة، والله يا رسول الله، إنا لنتأخَّر عن صلاة العشاء مما يطوِّل بنا معاذ، فسأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - معاذًا: ماذا تقرأ؟!
فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة، وجعل يعدِّد السوَر الطوال، فغضِب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَمَّا علِم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة، وكيف صارت الصلاة ثقيلة عليهم، فالتفت إلى معاذ وقال: ((أفتَّان أنت يا معاذ؟! يعني تريد أن تفتن الناس وتبغِّضهم في دينهم، ن
اقرأ بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1]، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1][6] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn6).
وقد غضب الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أيضًا من اختصام الصحابة وتُجادلِهم في القدر، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: خرج رسول الله على أصحابه، وهم يختصمون في القدر، فكأنما يُفْقَأُ في وجهه حَبُّ الرمان من الغضب، فقال: ((بهذا أُمِرتم؟ أو لهذا خُلِقتم؟ تَضربون القرآن بعضه ببعض؟ بهذا هلَكت الأمم قبلكم))[7] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn7).
ما رايكم في تعامل النبي مع اصحابه وتعاملنا نحن مع من يخطئ في حق قومه؟؟؟
سنناقش هذا المحور لننتقل الى سلسلة جديدة
بارك الله فيكم
تلك كانت أخطاء لا خوف منها على المجتمع، فعلَّم رسول الله أصحابها وأرشدهم إلى الصواب في رفقٍ وحِلم، لكن هناك في المجتمع نوع آخر من الأخطاء لا يمكن السكوت عنه ولا التغاضي عن أصحابه؛ لأنَّ لها أثرَها الكبير في المجتمع، "وذلك كأن يحدث خطأ شرعي من أشخاص لهم حيثيَّة خاصة، أو تجاوز الخطأُ حدودَ الفردية والجزئية، وأخذ يمثِّل بداية فتنة أو انحرافٍ عن المنهج، على أن هذا الغضب يكون غضبًا توجيهيًّا، من غير إسفاف ولا إسراف، بل على قدر الحاجة"(3)
أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟
ولقد غضِب رسول الله من عمر بن الخطاب - المبشَّر بالجنة - ولم يتساهل معه عندما شعَر بخطر يمكن أن يهدِّد الدين وثباته في قلوب أصحابه، وذلك حين أتاه عمر ومعه نسخة من التوراة، ليقرأها عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فها هو جابر - رضي الله عنه - يروي لنا ذلك الموقف:
أتى عمر بن الخطاب النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: فغضِب وقال: ((أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده،لقد جئتكم بها بيضاءَ نقيَّة، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحقٍّ، فتُكذِّبوا به، أو بباطل، فتُصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أنَّ موسى كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتَّبعني))(4)
كلمة واضحة لا تحتمل تأويلاً، إنها مرحلة لا زال القرآن يتنزَّل فيها، وإن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - حريص على ألا يدخل الشك أو الخَلْطُ قلوبَ أتْباعه، فكان النهي الصريح الواضح.
أفتَّان أنت يا معاذ؟!
ثم تراه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يغضب من تطويل بعض أصحابه الصلاةَ، وهم أئمة بعد أن كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن ذلك؛ لِما فيه من تعسير ومشقَّة، ولِما يؤدي إليه من فتنة لبعض الضعفاء والمعذورين وذِوِي الأشغال، يوجه صحابته إلى تصحيح هذا الخطأ؛ لأنه قد يُنفِّر الناس عن الدين، ويُبعدهم عنه.
يروي لنا أبو مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطوِّل بنا فلان، فما رأيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في موعظة أشدَّ غضبًا من يومئذ، فقال: ((أيها الناس، إنكم مُنفرون، فمن صلى بالناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة))[5] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn5).
وها هو يقول الشيء نفسه لمعاذ - رضي الله عنه - فقد كان معاذ بن جبل من أقرب الصحابة إلى رسول الله، ومن أكثرهم حرصًا على طلب العلم، فكان تعامُل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أخطائه مختلفًا عن تعامُله مع أخطاء غيره.
كان معاذ يصلي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - العِشاء، ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إمامًا بهم في مسجدهم، فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة، رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم، فكبر مصليًّا بهم، أقبل فتًى من قومه ودخَل معه في الصلاة، فلما أتَمَّ معاذ الفاتحة، قال {وَلاَ الضَّالِّينَ}، فقالوا: {آمِين}، ثم افتتَح معاذ سورة البقرة، كان الناس في تلك الأيام يتعبون في العمل في مزارعهم ورعْيهم دوابَّهم طوال النهار، ثم لا يكادون يصلون العشاء حتى يأْووا إلى فُرُشهم، وقف هذا الشاب في الصلاة ومعاذ يقرأ ويقرأ، فلما طالت الصلاة على الفتى، أتمَّ صلاته وحْده، وخرج من المسجد وانطلَق إلى بيته، انتهى معاذ من الصلاة، فقال له بعض القوم: يا معاذ، فلان دخل معنا في الصلاة، ثم خرج منها لما أطَلت، فغضِب معاذ، وقال: إن هذا به لنفاق، لأُخبرنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالذي صنع، فأبلغوا ذلك الشابَّ بكلام معاذ، فقال الفتى: وأنا لأخبرنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالذي صنع، فغدوا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى، فقال الفتى: يا رسول الله، يُطيل المُكث عندك، ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة، والله يا رسول الله، إنا لنتأخَّر عن صلاة العشاء مما يطوِّل بنا معاذ، فسأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - معاذًا: ماذا تقرأ؟!
فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة، وجعل يعدِّد السوَر الطوال، فغضِب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَمَّا علِم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة، وكيف صارت الصلاة ثقيلة عليهم، فالتفت إلى معاذ وقال: ((أفتَّان أنت يا معاذ؟! يعني تريد أن تفتن الناس وتبغِّضهم في دينهم، ن
اقرأ بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1]، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1][6] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn6).
وقد غضب الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أيضًا من اختصام الصحابة وتُجادلِهم في القدر، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: خرج رسول الله على أصحابه، وهم يختصمون في القدر، فكأنما يُفْقَأُ في وجهه حَبُّ الرمان من الغضب، فقال: ((بهذا أُمِرتم؟ أو لهذا خُلِقتم؟ تَضربون القرآن بعضه ببعض؟ بهذا هلَكت الأمم قبلكم))[7] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn7).
ما رايكم في تعامل النبي مع اصحابه وتعاملنا نحن مع من يخطئ في حق قومه؟؟؟
سنناقش هذا المحور لننتقل الى سلسلة جديدة
بارك الله فيكم