المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المبادئ الخمسة في تنشئة الطفل!



princess zooz
30-09-2014, 10:04 AM
قال الأحنف بن قيس: "أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نصُول عند كل جليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمنحوك وُدهم، ويحبّوك جهدهم، ولا تكن عليهم قُفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قُربك ويملّوا حياتك".

لكن من أكبر التحديات التي تواجه الفرد المسلم والأمة المسلمة هي تنشئة الأبناء تنشئة تليق بمقام الخيرية التي رشحتنا له الرسالة القرآنية النبوية. ومن أهم الأسئلة التي تُطرح بهذا الصدد: كيف نُعِدُّ أبناءنا إعدادا وسطيا، متوازنا وشاملا يرضي الله تعالى ويعز أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هي المبادئ التي تلخص الطريقة المثلى في تربية "عماد ظهورنا"؟

إليك خمسة مبادئ كبرى جامعة، أراها -في نظري- كافية بتوفيق الله تعالى لتحقيق المطلوب:

1- مبدأ القدوة في لسان العرب القُدوة والقِدوة: الأُسْوة. يقال: فلان قدوة يقتدى به، والقدو: القُرب، فالوالد القدوة أسوة حسنة لأبنائه وبناته، ولا معنى للقدوة إن لم يكن قريبا منهم حسيا ومعنويا. يحيا معهم ويواسيهم ويتهمَّم معهم.

الطفل كائن طري، قريب عهد بربه، صفحة فطرية نقية، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة. فأبواه يُهودانه أو يُنصرانه أو يُمجّسانه"(1).

يفتح عيني بصره وبصيرته على والديه وأسرته، وأول ما يحتاجه هو القدوة الصالحة، أي كُن أنت أولا كما تريد ابنك أن يكون، ابدأ بنفسك وبمن تعول، صلاتك، قرآنك، خُلُقك، اهتمامك، طريقة معالجتك للقضايا والمشاكل العارضة في البيت وخارجه، ثم اقترب منه واسمع له واصحبه وتحبب إليه، كن صادقا معه في أقوالك وأفعالك، كن سخيا دون تبذير ومقتصدا دون تقتير، كن وفيا بعهودك ولا تواعده إلا بما تطيق فعله، ولا تراوغه فتلقنه الروغان، علِّمه التواضع عمليا مع إخوته والجيران والناس أجمعين، لا تبخسه حقه وحافظ له على حاجته، كن أمينا حريصا على الخير، وحليما متجاوزا عن الخطأ. احذر أن تلطخ صفاء فطرته بكدر الشكوك والظنون والمخاوف والأوهام.

الفعل أبلغ من القول

فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ - فَنَبَذَهُ وَقَالَ:- إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا" فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد.

قال العلماء: "فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول".

مستحيل أن تطمح أن يكون ابنك صالحاً وأنت لست بصالح. من خصائص الطفل أنه يتعلم بالفكرة، يتعلم بالصورة، لا يفرِّق بين المبدإ وبين الشخص الإنسان المتفوق الواعي "المثقف" يوجد عنده إمكان أن يفرق بين المبدإ وبين معتنقي المبدإ، لكن الطفل لا يستطيع ذلك. فاحذر أن يفضحك تصرفك.

قال عبد الواحد بن زياد: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه".

المربي مثال حي، أنموذج يمشي على الأرض، يخالط الناس ويعاشرهم بالمعروف. يحثهم على المعروف ويسبقهم إليه. يحذرهم من المنكر ويسترهم عليه.

قد تجد أباً يحمل اسما من أسماء المسلمين ووُلد من أبوين مسلمين (جزى الله عنا والدينا خير الجزاء بما حافظا على صلة رحم الفطرة من الأجداد إلى الأحفاد)، لكن بالتعامل اليومي يكْلم دينه ويخْرم مروءته. فكيف يطمح هذا الأب أن يكون ابنه مسلماً تقياً ورعاً نقياً طاهراً عفيفاً وهو ليس كذلك ؟ فأبواه يُتلِفانه. لا تـنهَ عن خُلُق وتأتي مثلـه *** عـارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُالصدق يهدي إلى البر

جاء في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟. قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ".

الذي يكذب في أقواله، في تجارته، يسيء إلى جيرانه، يأكل أموال الناس، يشهد الزور، يدمن على التدخين أو الخمر، يغش، يُزوِّر، يقطع رحمه... فكيف يحقق قدوةً لبنيه؟ وكيف لا يتبعه ابنه في انحرافه؟ وقديما قيل: "من شَبه أباه فما ظلم" و"كما تدين تُدان".

الصدق دوام الحال ودوام الاستقامة. وفي الحديث: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ..."(2).

تَمثَّل الحكمة القائلة: "الولد نية أبيه"، فأي ولدٍ تُحب؟ وأي أولاد نحب أن يمثلوا أمتنا في المستقبل؟ ولا تظن أن الأبناء لا يقتدون، فهم يتتبعون سلوك الآباء بدقة لا نشعر بها، ويجعلون منهم مثالا وأنموذجا يحتذون به في حياتهم، وهم لا يقبلون منهم القول بلا فعل، وإن لم نفعل فإننا سننشئ منهم جيلا متكلما من غير عمل، بطَّالاً سبَهْللا، وتلك هي الكارثة.

يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}. سورة الصف

القدوة والأدب

إن لم نقدم لأبنائنا نماذج ناجحة في أخلاقها وأعمالها لتقتدي بها فإنها ستولي ظهرها لمظاهر الحضارة الغالبة الهاجمة علينا في بيوتنا ومؤسساتنا، وتتلقف منتجاتها بلهفة وتسليم. وإن لم نراجع خُططنا التربوية والتعليمية والإعلامية، وباب التفسخ والمسخ أمسى مترعا أمام الناشئة، فلا حاجة للشكوى العاجزة والحوقلة الباردة فيما بعد. إن لم يتأدب الأبناء بآداب الإسلام فالسبل ميسرة لآداب الانحلال والإلحاد والميوعة.

يقول مالك بن أنس رضي الله عنه: "لما أرسلتني أمي إلى التعليم، أوصتني بقولها اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه". الأدب قبل العلم. وأدب الأب مقدم على أدب الابن. وعن الإمام علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حُب نبيكم، وحُب آل بيته، وتلاوة القرآن". رواه الطبراني

يقول الشاعر أبو الأسود الدؤلي:يا أيها الرجل المعـلم غيـره *** هــلاَّ لنفسك كان ذا التـعليـم

تصف الدواء لذي السقام ولذي *** الضنى كيما يصح به وأنت سقيم

ونراك تصلح بالرشاد عقولـنا *** وأبدا أنت من الرشـاد عـديـم

فابدأ بنفسك فانْـهها عن غيِّها *** فـإذا انتهتْ عنه فأنـت حكيـم

فهناك يقبل ما تقول ويهتـدى *** بالقـول منك وينفـع التعـلـيم

2- مبدأ الرفق الرفق ضد العنف والغلظة والشدة، ويفيد معاني اللين واليسر والتُّؤَدة والصبر والحِلم، قال الله تعالى رضا بخُلق رسوله المجتبى صلى الله عليه وسلم: {فبما رحمةٍ من الله لِنت لهم. ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر. فإذا عزمت فتوكل على الله} سورة آل عمران 153

عليك بالرفق

قال المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ" رواه مسلم-واللفظ له- والترمذي وأحمد . وقال مخاطبًا أمنا عائشة رضي الله عنها: "عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ" رواه مسلم. الرفق مزية وزَيْن، والعنف منقصة وشَيْن.

ومن الرفق ملاعبة ومداعبة الأطفال وحثهم على اللعب ليبعدوا عنهم الخمول والكسل وأتعاب الدروس، وقد قال أحد الآباء موصيا أبناءه: "يا بَني العبوا فإن المروءة لا تكون إلا بعد اللعب".

قال بن مسكويه: "منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعلم دائماً يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه".

لا تكن قُفلا

حبِّب لأبنائك الدين برفق، واغرس في قلوبهم الإيمان ببِشْر، ربِّهم على خصال حُب الله وحُب رسوله صلى الله عليه وسلم، حافظ لهم على الفطرة فهي أغلى ما يملكون.

دعهم يأخذون حقهم من اللعب، فلعب الولد جد، بل ساعدهم وأبدِ اهتمامك بإنجازاتهم في اللعب وشجعهم على الإبداع، ولا تكن عليهم قُفلا غليظا. لهذا قيل: من كان له صبّي فليستصب له.

المربي الرفيق هو الذي ينوِّع الأساليب ويغض الطرف عن العثرات، ويعالج الأخطاء بحكمة ورحمة، ولا يعيِّر أحدا بلقب مكروه، ولا يجهز على الغير في حال الضعف أو الفشل، بل ينهض ويحفز ويواسي ويُعين. المربي حليم كريم.

لا تكن قاسيا ولا جافيا، فالقسوة تورث الخوف والجبن والاضطراب النفسي والخجل والتردد، والعنف على الأطفال يجعلهم يبتعدون عن الآباء ويفضلون غيابهم، أو كما قال الأحنف بن قيس: "لا تكن عليهم قفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قُربك ويملُّوا حياتك". وإذا رأيت ما لا يعجب {فاصفح الصفح الجميل} سورة الحجر، الآية 85، ولا تكثر العتاب ولا تفرط في العقاب. ومن ستر مسلما ستره الله، وأولى الناس بالستر أهل بيتك.

إذا أُكره القلب عمي

لا تقمع طفلك ولا تُعنِّف عليه، وتذكر قول الحبيب المربي صلى الله عليه وسلم: {... وما دخل العنف في شيء إلا شانه}، وقد توصل خبراء التربية إلى أن الضرب لا يؤدي إلى إزاحة السلوك المرفوض المعاقب عليه ولا إلى محوه نهائيا وإنما إلى تصريفه بطرق عنيفة وأكثر حدة. فالطفل الذي يُضرب كثيرا يفضل الانعزال عن والديه، ليأكل وحده وينام وحده ويجلس وحده، ويمكن أن تصل بعض الحالات إلى الانطواء أو الانحراف. إن القلب إذا أُكره عمي. {إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.

3- مبدأ الثقة من معاني الثقة الربط والإحكام، فالوالد الثقة يربط به ابنه عاطفيا وفكريا كي يحسن الاقتداء به في تصرفه وتفكيره، وإذا كان الوالد قدوة لولده فإنه سيكون محط ثقة له، يصدقه ويتبعه ويفاتحه بالمذاكرة والحوار الحكيم في مختلف القضايا النفسية والاجتماعية وغيرها، وينصت لتوجيهه ويعمل بنصيحته. وكذلك العكس، على الأب أن يثق بابنه ويفوِّض له بعض الأعمال، حتى لا يكون عاجزا عن تدبير أموره فبالأحرى أمور غيره، وحتى لا يصير منطويا على ذاته يمنعه جبنه من التحمل والاقتحام.

ومن هذا المبدإ ينبغي أن يدرك الطفل حقوقه وواجباته بلطف وسهولة، حتى لا يخلط بين ما له وما عليه، مثلما تلزم مكافأته مقابل كل إنجاز ناجح، وتشجيعه على التوكل والتخطيط والإقدام، ليتربى على المواجهة الميدانية والجرأة والشجاعة والإنجاز.

كان المسلمون يعلّمون أبناءهم  كما أوصى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم- السباحة والرماية وركوب الخيل، وكلها أعمال يتدرب فيها المرء على معاني الرجولة والقوة والحزم والجهاد والمسؤولية والتحدي. تدريب تمتزج فيه الجدية بالتشويق.

من معاني الثقة صحبة الولد إلى مجالس الكبار، وإرساله لقضاء بعض المهام والمصالح والحوائج التي تتعلق بالأسرة حتى يتحقق الانسجام بين أفراد البيت، ف "الأسرة القوية عماد الأمة القوية، والأم المربية المُصلحة عماد الأسرة".

4- مبدأ المسؤولية دع له هامش الحرية وهامش الخطأ ولا ترسخ فيه التبعية العمياء والإمعية الصماء، فالتربية لا تشترط التكلف والتصنع والكمال. والأخذ بمبدإ المسؤولية يفتح باب الحرِّيّة بطريقة منظمة لا تعدِّي فيها ولا ظلم، وبالتالي فإن من شأن التربية على المسؤولية أن تزيح الفوضى والانحراف والتواكل من حياة الأبناء.

استعمل ابنك وتعاون معه ولا تتركه عاجزا، حاوره ولا تستعلِ عليه، فَوِّض له إنجاز بعض المهام وشجعه في حالة النجاح ولا تلُمه في حالة الفشل بل اجعل من فشله مناسبة لأخذ الدرس والعبرة لتجاوز المعيقات واقتحام العقبات، وقِس على الشاهد الغائب. {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}.

بيِّن لابنك تحملك للمسؤولية قولا وفعلا، حتى تكون درسا له في حياته، ولا تغشه فإن الطبع يسترق، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" حديث صحيح.

لقنه معاني الرقابة الإلهية والعناية الربانية، حتى ترتبط عنده المسؤولية بخشية الله تعالى في السر والعلن. "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

وأخيرا لا تفرط في حماية الولد حتى تتكون عنده شخصية اتكالية جبانة غير قادرة على الاقتحام وتحمل المسؤولية والإنجاز.(3)

5- مبدأ الاستقلالية ادع الله تعالى أولا أن يرزقك ذرية صالحة مُصلحة والتمس الأوقات والأماكن التي يستجاب فيها الدعاء (4) ثم دع لولدك الاختيار، فالإكراه لا يولد إلا الرفض والعناد، دعه يستقل في اختياره ويستقل بموقفه ما لم يكن ذلك خطرا عليه، احترم فيه أذواقه ولا تُكرهّ على الفعل، بل حبب إليه الاستقلالية وامنحه فرصة الترجيح واتخاذ القرار ولو أخطأ. فقد يظن بعضنا أن النيابة عن الطفل في اختياراته قمين بتوجيهه الاتجاه الصحيح، وهذا خطأ لأن الطفل لم يتعلم من هذا السلوك إلا العجز والكسل والجبن والبخل. قال الأستاذ عبد الله الشيباني في حوار مع إسلام أونلاين: "الأخطاء التربوية التي يجب أن نتفاداها هي المغالاة في الاحتضان الذي يضعف المناعة النفسية للشخصية، يجب أن نترك للطفل مجالا حرا يكتسب فيه تجربته بتعرضه لأمور ومعاملات تصنع فيه هذه المناعة. فحماية الطفل الزائدة وتتبعه في الصغيرة والكبيرة تزمته نفسيا وتضعف قدرته على التفاعل مع محيطه".

ومما يعين على تنمية مهارة الاستقلالية تشجيع الابن على الاقتحام والاختلاف (الذي لا يُفسد للود قضية)، مع التنويه بإنجازاته والتغاضي عن هفواته وإخفاقاته، إذ قد يأخذ من التجربة الفاشلة من الدروس ما لم يدركه من التجربة الناجحة. ففي حالة النجاح يجب أن تقدم له الجائزة الجميلة والمُقدرة عنده هو لا التي نُقدرها نحن، فتقدير الأطفال ليس هو تقدير الكبار.

واستمر في صحبته، في الحديث: "داعبه سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا"، لذلك ينبغي أن نكف عن محاولاتنا جعل الطفل يفكر بعقولنا ويتصرف بمنطق الكبار.

إن استقلال الشخصية، ركن رئيس في سمات القدوة، حتى يتحرر المقتدي من قيد التبعية والتقليد الساذج، فيكون مؤثراً لا متأثراً، فاعلا لا مفعولا. وقد ورد عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا وإذا أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم". وحذِّره من رفقة السوء ونافخي الكير، فكما تكون الإمامة والأسوة في الخير، فهناك قدوة الضلالة الذي ينظر إليه الناس على أنه مثلهم الأعلى، فإن زلَّ زلوا معه، وإن عاد إلى الصواب بعد ذلك قد لا يعودون.

واعلم أن الطفل في سنواته الأولى يميل إلى أن نشعره بذاتيته وأناه الخاصة، وبأنه فرد له مكانته في المجموع، يستطيع أن يقوم بأعمال كثيرة، ويجب أن يلقى الاستحسان والتشجيع والمكافأة. ويكوّن بعض الأطفال في هذا السن المبكر بعض الاتجاهات بطريقة لا شعورية، ومن هذه الاتجاهات ما يتكون نحو الوالدين، فالوالد في نظر أغلب الأطفال رمز للسلطة. يقول"ملوجل": "إن هذه الاتجاهات التي يكونها الأطفال في صغرهم، وما يصاحبها من شعور بالكراهية، توجه في المستقبل نحو المجتمع بصفه عامة، كما أن الكثير من جرائم الأحداث يرجع في أصله إلى كراهية الأطفال للسلطة".

عطر الاحساس
30-09-2014, 08:56 PM
يعطيك العافيه آلمعلومـآت