المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العزلة



الفضل10
14-04-2016, 08:03 AM
كنت مع شيخي العالم الرباني الذي منه أنهل ما يحيي قلبي وما يقربني من ربي ، وكما هي عادتي اتحين الفرص كي أنال من فيض التجارب التي هي رصيد شيخي التي استقاها من رحلة العمر التي قضاها بين جنبات هذهِ الحياة ،

فسألت شيخي قائلاً :
بما تنصحني شيخي ؟
قال : " إلزم بيتك " !

ما كان مني الوقوف على أعداد حروف الإجابة ، ولا الإكتفاء بظاهر الإجازة بأن يكون جلوسي في البيت لي عادة ، بل تعمقت وغصت في المعنى لكوني أعرف الشيخ جيدا ، فليس من المنطق أن يأمرني بترك الدعوة ، وطلب العلم ؛ وفعل الخير خارج نطاق البيت ليكون البيت لي مسقر و مستودع ! وعندما قلبت نظري فيما يجول من حولي من عبر حري بمن يمر عليها أن يقف وقفة بصير ، فما عادت القلوب تتسع ، وما عادت الناس تطيل حبل العذر لكل من وقع في الخطأ وأتى بما به الصدر ينخلع _ الا ما رحم ربي _ حينها بحثت عن السلامة التي بها أجني ثمار القرار الذي مني يصدر ويسثار ، فقلت في " العزلة " الحل بها يصدق ، فبنيت عليه ورسمت ذلكَ الواقع الذي بين أطواره أتقدم وأكبر ، وما أربكني هو حكم " العزلة " ! أتكون إختيار ؟! أم أنها نوع من الأقدار ؟! بعيدا عن التعمق في المعنى وجدت في " العزلة " راحة الأبدان والأذهان ، وسلامة القلب من الأضغان ، ومقربة من رب الإنس والجان ، غير أني رسمت بيت العزلة جاعلا له نوافذا كي أرى من خلالها ما يستجد في الكون ، وأرمق نجوم الليل ، وأرى تعاقب الفصول وما يقع في نهار اليوم والليل ، ومنها الحفاظ على _ الأكسجين _ كي لا يفرغ في مخدع " العزلة " ، وتتجدد الحياة بنفس جديد ، ومنها أستقبل طيور الأمل وأودعها بقلب مطمئن ببزوغ فجر قريب ، بعيداً عن أضواء الشهرة ، وبعيداً عن انتقاد رفاق العشرة ، ومنها أبني وأقيم بنياني لأبعث خلقا آخر وقد أحاطت بي هالة الثقة بالنفس ، وعرفت حقيقة الذات ، فقد خبرت الحياة وأنا بين هذا وذاك ، فانسلخ منها غالب عمري بين جلاد يجلد الذات ، وبين جاحد يكفر بالثبات في معمعة الحياة .

الفضل10
14-04-2016, 08:03 AM
العزلة :

لعل البعض يرى فيها خير الوسيلة للدفاع ، وأنها تكون استراحة يلتقط فيها الأنفاس ، بحيث لا تكون " سرمدية " فيها تدفن المواهب والأفكار ، قد يكون فيها ومنها يكون البناء ، ومراجعة النفس ، ومعرفة الأخطاء ، وتضميد الجراح ، ليس شرطاً أن يصطحب في معناها الهروب بمعناه الإنهزامي ، الذليل ، المذل ! بل هي فرصة للإنقطاع ، والتفرد بالذات أما نرى العلماء ، والفلاسفة ، ومن يعكفون ويداومون على ذاكَ من أجل ترويض النفس ، ومراجعة الذات ، ويجعلون من العزلة فرصة لتصفية _ وفلترة _ ما تزاحم وتراكم على القلب حتى غدا رانا أطبق عليه ، ولم يستثني من ذاكَ العقل فشل بذلك تفكيره ! فمن ضجيج الناس تسلو الروح ويستريح العقل والقلب من دوامة الإختلاف والخلاف ، ليكون التبصر يشع سناه ويخرج من رحم الهدوء والتروي ، وما عنيت " بالعزلة " تلك التي يجعل المرء من هامة الجبل له مأوى يعصمه من أمزجة ، ونفسيات ، ومشارب الناس ! فلا عاصم اليوم من مخالطة الناس ! .

الفضل10
14-04-2016, 08:04 AM
أود أن نجتمع ليكون بيننا اتفاقا ووفاق بأن ؛
" العزلة ليست حلا بالمطلق " ،
من هنا تبقى نقطة الحوار في كنه هذهِ العزلة ؟ وتوقيتها ؟ وهل هناك فترة محددة بعدها يخرج المرء من تلكم العزلة التي فرضها على نفسه ؟ فمن تأمل وقرأ في السير يجد بأن العزلة تكون خيارا ملحا إذا ترادفت الفتن ، وعلى صوت الغوغاء ليشرق بذاك الصباح وتغيب شمس ذلكَ المساء ، وتحدث سفهاء الناس بما يجهلون معناه ! ولنا أن ننظر في واقعنا اليوم لنجد ما ذكر ماثلا أمام أعين الأنام ، وما توارى أطم وأعظم مما رأته العينان ، أو خطه بنان ، أو نطق به لسان ! ومع هذا لا يكون فرضا واجب النفاذ ، بل يلجأ للإعتزال من أجل النظر فيما فيه صالحه ذلك النفر و صالح العباد ، ولعلي طرحت موضوعي بسبب ولوجي في هذا الأمر وعشت واقعه ، ليكون بساطا نتحاور فيه ليستفيد كل منا ،
دعوني اسوق تجربتي لتكون لكم مثال :
فقد نشأت في كنف مجموعة من الأصدقاء تجاوزت تلك الصداقة معناها الثابت ، ليتحرك ليتوسع ويدخل في معنى الأخوة ، ولكن وبالرغم من تلك الصحبة الصالحة تخللها داعي الفتنة ، لتنقلب تلكم الأخوة لأقرب من العداوة ، وكان الشيطان لنا ظهيرا ، فاستمر أولئك النفر ، وكانت بصمتهم واضحة في المجتمع ، وذكرهم يلهج به كل لسان ، وما خفي من حقيقة أمرهم لا يعلم به غير عالم السر والإعلان _ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي _ حينها قررت الإعتزال عن تلكم الفتنة التي أرهقت بدني وعقلي ، واشتغلت في طلب العلم وتقويم ذاتي ، فبحمد الله كانت تلك العزلة لي خير ونماء ، فمن ذاك المثال الذي سقته لكم عن تجربتي يتجلى القصد من تلكم " العزلة " التي اقصدها ، ولم أقصد بالعزلة هو هجر كل الناس حتى منهم الأرحام ، ومن ذلكَ يقيس كل مار على موضوعي في دواعي كثيرة تستوجب الوقوف على قرار الإعتزال ، ولكن بالضوابط الشرعية ، كي لا ينجر للملاحقات الشرعية لتطاله يد المسائلة !

إذا قصدت العزلة بمعناها :
" إعتزال ما من شأنه يضيع النفس والوقت في توافه الأمور ، والوقوف على صغائر الأمور ، كي لا تمر الأيام والأعوام من غير جني أي فائدة تضاف لرصيد ذلكَ الإنسان ! أما إذا ما أجدبت أرض وشح ماءها ما على المرء غير البحث عن أرض أخرى ليلقي فيها بذور الخير ، لتنبت وتثمر الخير العميم ، لينتفع منه جميع العالمين " .

الفضل10
14-04-2016, 08:05 AM
هنالك من العبارات لا تتعدى بضع حروف ،
ولكن تحوي في معناها من الحكم الألوف ،
تصنف من أجلها مجلدات لتكون منهاجا ودروس يستفيد منها المارون عليها ، فما علينا غير توسيع مداركنا ونسبح في معاني ما نتلقاه ولكن نضعها في ميزان الشرع وحسن الظن كي لا نظلم الناس حقوقهم ، ولكم أن تقتبسوا وتستخلصوا من تلكم النصيحة لذلك الطالب للنصيحة من سيد الأنام فاقتضبها في بضع حروف في ظاهرها ، ولكن تعجز عن حمل معانيها سطور الصفحات :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني .
قال : (لا تغضب فردد مرارا قال : لا تغضب) رواه البخاري .
فمن علم ما معنى الغضب وأنه سنام كل جريمة وشر _ مالم يكن في سبيل الله _ علم عظم تلك الكلمات البسيطة في عدد حروفها وعظم معنى حقيقتها .

كيف لا ؟! وقد أتي عليه السلام :
" جوامع الكلم " .

الفضل10
14-04-2016, 08:05 AM
ولكون المرء مجبول على مخالطة من يماثلهم ، ولا تكون السلامة إلا في وضع مسافة أمان كي لا يقع الإنسان فيما يجلب له الملام ، فجينات الناس لا يكون فيها الإختلاف ولكن في ما عداه يوجد الإختلاف ، والإنسان بصير وطبيب نفسه فإذا ما وجد ما يريح قلبه وينمي مواهبه ، ويزيد في عطاءه أناخ مطية بذله وجاهد في سبيل بلوغ هدفه ، وإذا ما وجد ضيق فضاء العطاء ، وقوبل ذاكَ الجهد بالنكران ، أعد لنفسه صومعة عزلته ليمكث منتظراً انفراجة وانكشاف غيمة التحبيط والتخثير ، ليجدد دماء الإجتهاد لينطلق من جديد بعزم من حديد .

الفضل10
14-04-2016, 08:06 AM
تخرج تلك العزلة عن ربقة الجهد الذي يبذل ، ومن أوجه ذلك إعادة النشاط في بدن العطاء ، والبحث عن مساحات أخرى لتكون امتدادا لرقعة ذلك الجهد ، وما مساعدة الناس إلا رأس أولويات من يحتسب من الله الأجر ، فكما أوضحت هي فترة نقاهة ، واستراحة محارب يراجع فيها الحساب ، ويعيد مراجعة أوراقه ليباشر بعد ذاك حثيث سعيه .

لا إفراط ولا تفريط " .
" وخير الأمور أوسطها " .
وما على المرء إلا استلهام المصالح التي بها يقضي على مشاغبات الظروف وما على السطح يطفو ، فالنفس كائن حي تخضع لتقلبات وتجاذبات الخارج ليكون الأثر في داخل المرء ، من هنا كان لزاماً لمعالجة هذا القلب بأخذ إجازة بها يجدد الوعد والعهد .

وما تلك التربصات بفرصة سانحة من أجل الخلوة بالنفس إلا مطلب يطلبه من يريد راحة النفس ففيها الأنس ومراجعة الذات .

الفضل10
14-04-2016, 08:08 AM
لعل البعض يجد في بعض الأطروحات ما يوافق ذاكَ الذي أرهق نفسه ، وأضعف عزمة ولا غرابة في حال من يطوي ساعات يومه وهو يحصي أعدادا لا حصر لها تتفاوت ثقافاتها ، وتختلف أخلاقها ، وتتباين مشاربها فهو أولى من غيره ليأخذ فترة راحة ونقاهة ، ولكن يراعي في ذلكَ واجبه وما يرضي ربه وضميره ، وخاصةً إذا كان في رأس الحربة ليكون مديراً لكل واردة وشاردة ، ولي في أذن ذلكَ المتربع على هضبة المسؤولية همسة ؛
لا تجعل من كلمات بعض الجهال مساحة تشوش بها تركيزك ، ولا تعير للمتباكين سمعك ، ولا يضيرك من يهدد شخصك بدعوة تقرب بها أجلك ! وما عليك إلا إمضاء أمرك ونهيك وفق قانون أبرم والجميع أقر برسمه وبنده ، فما دعوة الظالم إلا مهلكة لنفسه ، فلا يكون الإنزواء هو الحل بل الإستمرار ، وأن يجعل المرء من الحكمة زاد بذله ورد مناكفات من يتربص به ويريد بذاك قتله _ قتل مهارته ، وما حباه الله من علم ، وفهم وما منه عليه من فضله _ .

همس الأفكار
14-04-2016, 09:12 AM
أستاذ الفضل
هذا الموضوع الذي كنت أبحث عنه !!
فالعظماء جعلوا العزلة لهم عادة
كلما وجدوا أن أنفسهم تبدلت
أو حتى في أوقات ضعفهم نجدهم يبتعدون عن الناس..

سأعود بإذن الله لنستفيد من خبراتكم ونطرح عليكم بعض الأسئلة
يستحق التمييز والتثبيت
بارك الله فيك

الفضل10
14-04-2016, 09:50 AM
أستاذ الفضل
هذا الموضوع الذي كنت أبحث عنه !!
فالعظماء جعلوا العزلة لهم عادة
كلما وجدوا أن أنفسهم تبدلت
أو حتى في أوقات ضعفهم نجدهم يبتعدون عن الناس..

سأعود بإذن الله لنستفيد من خبراتكم ونطرح عليكم بعض الأسئلة
يستحق التمييز والتثبيت
بارك الله فيك

أستاذتي الكريمة /

لا زلت أحبو على طريق الحياة ،
وما زلت أتعلم ولن أبلغ ذاك حتى وإن مُدت لي حياة .

أنا هنا من أجل أن نكون في فضاء الواقع نتشارك الوصل ،
نُرادف ونتبادل التجارب كي نخرج بما يكون لنا سنا حقيقة ،
بها نرى جانب من جوانب الحياة وما يكون من نتاجه فرع وأصل .

في انتظار ما نتعلمه منكم فكونوا بالقرب ....

نـــــــقــــــــاء
14-04-2016, 11:14 AM
النفس بحاجة إلى العزلة بعيدا عن ضوضاء وصخب الحياة ففي العزلة والهدوء تستقر النفس وتبدع ..
كل الشكر لك
طرح يستحق التقييم

همس الأفكار
18-04-2016, 02:29 PM
عدت من جديد..

لم أكن أعرف معنى العزلة !
ولكني عرفتها من صديقتي*
التي كانت تخلو بنفسها كلما ضاقت بها الحياة
تقول أريد أن أضبط نفسي !!!

فكنت أتعجب لأنني اذا تضايقت اتمنى ان يكون احد بجانبي يخفف عني ..
فكيف بها تبتعد عن الناس؟

ثم قرأت عن هذا الموضوع في احد المواقع ..
وادركت أننا بحاجة الى هذه اللحظات كي نراجع أوراق الحياة
ونعيد لأنفسنا قوتها من جديد !
لأننا دائماً نعيش في زحمة الحياة وننشغل من الصباح الى المساء
ولانجد وقتاً نرتب فيه أوضاعنا ونحسّن من أخلاقنا!
ونقوي علاقتنا برب الأرض والسماء...

كم أتمنى أن ابتعد عن كل شيء واخلو بنفسي


بارك الله فيك