المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطر الدمار يلقي بظلاله على مدن العراق



بدر الدجى
08-06-2016, 10:47 AM
ينسب المؤرخ الروماني تاسيتس العبارات التالية المليئة بالمرارة للقائد القبلي البريطاني «كالغاكوس»، عن الدمار الذي ألحقه الجيش الروماني بالبريطانيين منذ ألفي عام: «إنهم يحولون البلاد إلى صحراء قاحلة، ويطلقون على ذلك سلاماً». كلمات الاستنكار تلك تردد صداها على مر العصور، وطُبقت على العديد من دعوات التهدئة، لكنها تبدو على نحو غريب ملائمة لما يحدث حالياً في العراق.
فقد أطبقت قوة كبيرة مؤلفة من حوالي 20 ألف جندي عراقي وقوات خاصة وشرطة فيدرالية وقوات شيعية شبه عسكرية على مدينة الفلوجة، التي سيطر عليها تنظيم «داعش» منذ مطلع عام 2014، وذلك بدعم من القوة التدميرية للطيران العسكري للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ومن دون هذا الدعم الجوي الوثيق، لما تمكنت القوات المناهضة لـ«داعش» في العراق وسوريا من تحقيق انتصاراتها الأخيرة.
وقد قال محافظ كركوك نجم الدين كريم في مقابلة مع صحيفة «اندبندنت»: «أعتقد أن القوات الحكومية سوف تستولي على الفلوجة، لكن المدينة ستتعرض للدمار في سياق ذلك».
أضرار هائلة
وتنذر السوابق لهذا الهجوم بالسوء. فقد استعاد الجيش العراقي بدعم من طيران التحالف السيطرة على مدينة الرمادي من «داعش» في ديسمبر الماضي، لكن أكثر من 70% من مباني المحافظة دُمرت، والأغلبية العظمى من سكانها البالغ عددهم 400 ألف نسمة ما زالوا في عداد النازحين. وفيما نجمت بعض الأضرار عن تفخيخ «داعش» للمباني، إلا أن معظمها كان بسبب الضربات الجوية الـ 600 التي شنها التحالف، ونيران مدفعية الجيش العراقي. وكنت في عين العرب، البلدة التي حاول التنظيم الاستيلاء عليها في حصار دام أربعة أشهر ونصف الشهر، إلى أن تم دحره من قبل المقاتلين الأكراد السوريين و700 ضربة جوية أميركية، أسفرت عن دك ثلاثة أرباع مبانيها.
وفي الفلوجة، كان هناك، أخيراً، حوالي 900 مقاتل لـ«داعش» متمرسين ويلحقون أشد الإصابات بالمهاجمين من خلال القنص والعبوات الناسفة والأفخاخ الملغمة وقذائف الهاون والتفجيرات الانتحارية. ويمكن القول إنه لا يوجد بديل للاستخدام المكثف للقوة الجوية، إذا ما أريد إلحاق الهزيمة بمقاتلي «داعش» المتمرسين في القتال، لكن كما كان الوضع في كثير من الأحيان في حربي العراق وسوريا، فإن ما يحدد نوع الحرب التي تشن هي الأولويات السياسية.
في حالة الفلوجة، وسابقتها الرمادي، دعمت الولايات المتحدة القوات النظامية للحكومة العراقية، وحلفاء مقبولين سياسياً مثل ميليشيات العشائر السنية، لكنها لا تريد أن تقدم دعماً جوياً للقوات شبه العسكرية الشيعية الأكثر عدداً والمدججة بالسلاح والمتمثلة بالحشد الشعبي، والتي تراها طائفية.
قوات محدودة
وتكمن المشكلة في أن القوات العراقية تتمتع بفعالية قتالية محدودة عددياً، وتصل وفقاً لبعض الحسابات إلى لواءين أو 5 آلاف جندي، بالإضافة إلى فرقتين ضمن الجيش النظامي. لكن العديد من تلك الوحدات ينبغي إبقاؤها في بغداد أو أماكن أخرى على خط الجبهة الطويل.
وبلغ حجم القوة المهاجمة التي استولت أخيراً على الرمادي 750 عنصرا من القوات الخاصة العراقية، عملت كقوة تطهير بعد استهداف مقاتلي «داعش» من الجو. وهذه الاستراتيجية في استخدام عدد محدود من القوات البرية التي تتمتع بدرجة عالية من المهارة، مع مزيج من اختصاصيين أميركيين بإمكانهم طلب شن ضربات جوية ضد أي نقطة مقاومة، تعد منطقية من الناحية العسكرية.
وفيما يجري تدمير المدن والمراكز السكانية في العراق بشكل منهجي، يلاحظ أيضا غياب الاحتجاجات في العالم، وهذا لا يحصل لأن حملة القصف الحالية، كما هو متعارف عليه في الحروب الجوية يجري تبريرها من قبل منفذيها بأنها بالغة الدقة، وعاكفة على إبقاء عدد الضحايا بين المدنيين في حدوده الدنيا. لكن هناك شعوراً منتشراً بين الناس بأن أي وسيلة هي مبررة عندما تستخدم في هزيمة حركة بهذه الهمجية مثل «داعش».
وتصر الولايات المتحدة وحلفاؤها على ضرورة أن تكون الحكومة في بغداد أكثر شمولاً في تمثيلها لمن عاشوا سابقاً في ظل سيطرة «داعش»، لكن ذلك لن يحدث فرقاً كبيراً، إذا تحولت الأماكن التي يقطنونها إلى أنقاض.
حسابات
ما سيحصل في الفلوجة في الأشهر المقبلة له أهمية، لأنه قد يخبرنا بما سيحصل في حال كانت هناك محاولة من قبل الحكومة العراقية والبشمركة الكردية والتحالف الدولي، لاستعادة الموصل .
وقد ترغب الولايات المتحدة في الاستيلاء عليها هذا العام. ويعتقد محافظ كركوك نجم الدين كريم أن الرئيس أوباما سيحاول جاهداً إخراج «داعش» من الموصل قبل نهاية ولايته«. وهذا لا يدعو لكثير من الاستغراب، حيث إن خسارة المدينة وصعود»داعش«كانا ربما من أسوأ حساباته الخاطئة خلال سنواته في المنصب. لكن حتى لو حُررت الموصل، فلن تنتهي الحرب، لأن خمسة ملايين من العرب السنة في العراق لم يُمنحوا بديلاً لـ»داعش".