المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال : مصلحتك انت قبل الوطن



صدى صوت
17-06-2016, 02:17 PM
أثير- أ.خليفة الهنائي

لست مع أولئك الذين يرددون؛ بالروح بالدم نفديك يا وطن. الأوطان ليست عطشى للدماء، والأرواحُ هي التي تصعد بالوطن ما لم تصعد إلى بارئها.

الوطن يستحق أن نضحي لأجله بالاهتمام بأنفسنا، بمصالحنا، بمستقبلنا، وبسعادتنا.

مصلحتك قبل الوطن؛ إذ لا تتحقق مصلحة الوطن إلا بتحقق مصالح سائر أبنائه.

الوطن ليس شوارع وعمارات وساحات وشواطئ ورمال وصحارى وجبال وحدائق ذات بهجة؛ الوطن هو الإنسان، الذي إن علا شأنه علا شأن وطنه، وإن قَلَّ شأنه قَلَّ شأن الوطن.

يُنكر الحق من ينكر حب الذات، ويغفل عن الحقيقة من يقرأ “ربِّ اغفر لي ولوالدي” ولا يرى بعد ذلك ضرورة تقديم مصلحة النفس قبل غيرها. “ضع صمام الأوكسجين ثم ساعد الذي بجانبك”؛ إنك إن عجزت عن التنفس فستهلك وحتماً ستعجز عن مساعدة غيرك.

ولكن! إياك أن تخطئ الطريق الصحيح لمصلحتك، كخطأ ذلك المتلذذ بأصناف الطعام الشهية، عندما يغلبه الشره فلا يلبث أن تدركه التخمة فيناله منها شر الجزاء.

مصلحتك أيها العاقل مصلحتان؛ قصيرة المدى تراها رأي العين، وبعيدة المدى وهي وعد الله الآتي، فإن رَجَّحْتَ مصلحتك الفانية على الباقية فاقرأ: “وكيف يرضون وهل يستبدلُ .. باقٍ بفانٍ من يعي ويعقلُ”!

وهنا هل يمكن لمتبصِّرٍ أن يسعى إلى مالٍ حرام، أو واسطةٍ غيرِ مشروعة، أو كسبٍ بالاعتداء على حق الآخرين؛ لتحقيق مصلحةٍ دنيوية ٍتظلُّ رخيصةًً مهما غلت، ووضيعةًً مهما غدت. ولو علم أنه بذلك أضاع مصلحتين لأدرك حجم خطيئته، وارعوى عن فعلته.

أما المصلحتان فهما مصلحته الحقيقيّة التي لن ينالها عند ربه بتضييع شروطها، إن نكص عن صراط الله المستقيم، ومصلحة وطنه التي تتناقص بعدم تحقيقه لمصلحته الخاصة بالطريق المشروع.

العاجزون هم أولئك الذين يجعلون الدناءة سُلَّمَهُم للصعود، والتجاوز مهارتَهم في السَّبْق، والتعدي وسيلَتهم للربح، وهدمَ بناءِ غيرهم طريقَهم إلى النَّجاح! وليتهم يدركون أن خسارتهم بذلك تكون مُرَكَّبَة، مهما بدا جميلاً في أعينهم بريقُ المنى، ووهجُ الحلم الخادع.

ألا يمكن للجميع أن يسعى إلى مصلحته مع الجميع؛ ليربح الكل من فضل الله، الذي جعل عطاءه غير محدود، وما له من نفاد؛ بل وأعطى وعده وهو أصدق الواعدين “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها”.

العاقل هو من يُحَوِّلُ الخسارةَ إلى ربح، والربحَ إلى ربحٍ أكبر، ووحده الذي يُحَوِّلُ الربحَ إلى خسارةٍ ظالمٌ لنفسه مبين؛ إن جعل ربحَه لا مشروعاً لينطوي في حقيقته على خسارةٍ من الصعب عليه تعويضُها.

لنفسكَ عليك أيها الإنسان حق، فلا تُهمل حقَّها بِظُلمها؛ فإن عَدَلْت معها استطال عدلُك إلى وطنك الذي يسمو بعدلك؛ ذلك العدلُ غيرُ المحدودِ بأحكامِ القضاة، ولا بقراراتِ المسؤولين، وإنما هو عدلٌ واسعُ المفهوم، يبدأ من عدلك مع نفسك، ومع أهلك، ومع غيرك قَرُبوا منك أو بَعُدوا، ليصل إلى مجتمعك الذي يكتمل بك، وبي، وبهم.

وعندئذ لن ننشد العدل لأنه لن يَضِلَّ طريقَه إلينا، فهو يعلم أهله، ويعرفُهم حقَّ المعرفة، وبغير ذلك سنبقى جميعاً ننشد عَدلَنا المفقود، الذي ساهم أكثرُنا في غيابه لنظلَّ على الوضع الذي يُشْبِهُهُ قولُ البهلاني: “أنشُدُها من مسجدٍ فمعهدٍ .. فمنهجٍ فَمَجْمعٍ فمُنتدى .. فلم أجد منشودتي في موضعٍ .. ثُمَّ حَدَستُ أنها رَهنُ الثرى”.

طبيب الزجاج
17-06-2016, 02:48 PM
كلام رائع شكرا لك اخي

سباع
17-06-2016, 05:01 PM
مقال أكثر من رائع شكرا للنقل

ابوقيس99
17-06-2016, 06:51 PM
تحياتي لك أيها الهنائي وتحياتي لك أيضا ابا سالم

shaker
17-06-2016, 09:53 PM
قلم رائع من أقلام ابناء بلدي فله التحية مني شخصيا , واعجبتني الأبيات التي جاء بها من الشاعر العماني الكبير البهلاني رحمه الله.
تقديري

صدى صوت
17-06-2016, 10:29 PM
فعلا .. مقال رائع هاديء لا يميل ميلا لجهة ونحن بحاجه لكتاب كهذا .. لا نحتاج لمقالات صارخوية تهاجم الدولة او تنقص من حق المواطن وتميل كل الميل لجهة معينه .. هناك من يغازل جهة معينه على حساب المواطن ليقال ان هذا الكاتب وطني ويأمل ان يشار اليه بالبنان ولا يظن انه يخسر ..
التعقل في الكتابة تنتج مقالات او مواضيع مهمه يحترمها القراء ..
وهذا ما نرجوه من كتابنا (لا ضرر ولا ضرار ) .

عيش السعداء
17-06-2016, 10:39 PM
الله
يوفقكم
ويحقق رغباتكم بأقرب وقت
ان شاء الله
فالدنيا وفالآخرة

اليقظان بن عمان
17-06-2016, 10:40 PM
مقال جميل!

البروفيسور عيسى
17-06-2016, 10:42 PM
تعودنا على كلماتك الرائعة يا خليفة الهنائي تحياتي لك.