المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تسببت الحرب الأهلية والخيانة في مجيء محمد بن نور لغزو عُمان؟



BLUEBIRD1978
17-06-2016, 07:50 PM
أثير – تاريخ عمان

الجميع يعلم بأن من أسباب الغزو الخارجي لأي بلد هو التناحر الداخلي، أو الحروب الأهلية التي تعصف بالأمم، وبكل المكتسبات التي تحققها المجتمعات وقت الرخاء ولا شك بأن التاريخ سلسلة من الأحداث، والشخصيات تصنع المجد، أو الخذلان لأي وطن.

والتاريخ العماني كذلك به من الصفحات الحزينة ما تكفي لأن تصبح دروسا وعبر يجب أن يتم الاستفادة منها لحاضر أجمل.

ومن هذه الصفحات الحزينة غزو عامل العباسيين محمد بن نور لعمان، وتلك الجرائم، والفظائع التي أرتكبها بحق العمانيين شيوخهم، وأطفالهم، ونسائهم، ولم يتسن له ذلك طبعا إلا بسبب الحروب الأهلية التي عصفت بعمان، وخيانة البعض من الداخل ولجوئهم للخارج، والاستعانة بهم.

لقد دخلت عمان في حروب أهلية مؤلمة بعد عزل الإمام الصلت بن مالك إذ ضعفت عمان، وقتل الكثير في هذه الفتنة، ومنها موقعة حرب القاع التي اندلعت بعد موقعة ازكي، ومقتل موسى بن موسى الأز كوي الذي كان سببا رئيسا لنشوب هذه الفتنة بعزله للإمام الصلت بن مالك التي تناحر فيها العمانيون بتعصب سياسي وقبلي، ولقد خرجت الكثير من الشخصيات المناصرة لموسى بن موسى للثأر له من الإمام عزان بن تميم المتسبب بمقتله، فدارت معركة شرسة بين الجيشين انتصر فيها مرة أخرى الإمام عزان بن تميم مع مقتل الكثير من قادة جيش الثائرين، وهروب أحدهم، وهو محمد بن القاسم السامي، وبشير بن المنذر للجوء إلى البريمي، ومنها ذهبوا مباشرة إلى البحرين للوالي العباسي محمد بن نور، وطلبوا منه التدخل لنصرتهم في عمان بغزوها والقضاء على خصومهم!

يأتي اختيار محمد بن القاسم السامي، وبشير بن المنذر للبحرين واللجوء إليها من منطلق العلاقات القديمة جدا بين البحرين، وعمان، فكثيرا ما كانت عمان، والبحرين تشكلان كتلة واحدة في التقسيم الإداري بالنسبة للخلافة الإسلامية، وبالتالي كانا على ثقة تامة من الحصول على دعم الوالي العباسي محمد بن نور لغزو عمان، والقضاء على منافسيهم بالسلطة، والإمامة، وما أن وصل محمد بن القاسم، وبشير بن المنذر للبحرين استقبلهما محمد بن نور، واستغل فرصة النزاع، والشقاق بين أهل عمان، ليغزوها، ولذلك أقترح الوالي العباسي على محمد بن القاسم السفر إلى بغداد؛ ليستأذن الخليفة المعتضد بالله لغزو عمان، وبالفعل وصل ابن القاسم إلى بغداد، واستخرج أمرا من الخليفة العباسي لواليه محمد بن نور لغزو عمان، وبسط نفوذ العباسيين فيها.

ولذلك شرع محمد بن بور مباشرة بعد أمر الخليفة بتجهيز جيش قوامه مثلما تذكر المصادر التاريخية 25 ألفا مجهزين بكامل عتادهم، وسرعان ما وصل الخبر إلى أهل عمان الأمر الذي أدى إلى وقوع الانقسامات الداخلية بين النزارية، واليمانية بشكل أكبر بدل توحيد الصفوف لمواجهة خطر الجيش العباسي، والوقوف مع الإمام للتصدي لهم.

كذلك دب الرعب، والخوف في أهل عمان، وخاصة المناطق الساحلية منها، كمنطقة الباطنة التي ستستقبل أول ضربات هذا الغزو الغاشم، فخرج منها الكثير بأموالهم، وذرياتهم إلى المناطق المجاورة، كهرمز وسيراف، وشيراز، والبصرة، وغيرها من البلاد التي كانت تربطهم بها علاقات تجارية وثيقة قديمة، وقد كان من أبرز الخارجين سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي بأولاده، وقومه متخذا من هرمز ملجأ له، ومن ثم وطنا إلى أن مات بها، وبقي فيها أولاده وأحفاده.

ولم تذكر الكثير من المصادر التاريخية، والإسلامية إلا قليلا منها السنة التي خرج فيها محمد بن بور للاعتداء على عمان، وأهلها، ولم تذكر كذلك الكثير من التفاصيل لتلك الجرائم التي ارتكبها بحق أهل عمان، ولكن الطبري قد ذكر، وقال في معرض حديثه عن حوادث سنة 280 هـ / 893م حين ذكر ” أن فيها افتتح محمد بن ثور عمان، وبعث برؤوس جماعة من أهلها”، وكذلك ذكر هذه الحادثة ابن الأثير حرفيا، وابن حوقل بشيء من الاختصار.

ومن ناحية أخرى يعتقد مايلز بأن الحملة استغرق تجهيزها خمسة أشهر، وانقسمت إلى فرقتين إحداهما من البصرة بحرا، والثانية برا عن طريق الإحساء بقيادة محمد بن بور مرورا بأبو ظبي، ومن ثم إلى البريمي لتلتقي الفرقتين هناك بعدما استطاع الجيش العباسي السيطرة على جلفار، والبريمي رغم المقاومة الباسلة فيهما في سنة 280هـ – 893هـ ، وبعدها توجه محمد بن بور بجيشه إلى نزوى عاصمة الإمامة، وقلب عمان النابض بعدما استمال معه القبائل النزارية لمواجهة، وقتال الإمام عزان بن تميم الذي فقد بعد معركة أزكي السابقة الكثير من الأنصار بالإضافة إلى إجهاد الأهالي أصلا في حروب أهلية استمرت 7 سنوات حزينة ذهب ضحيتها آلاف من العمانيين.

ولذلك خرج الإمام إلى سمد الشأن يلتمس النصرة من القبائل اليمانية المتواجدة في المنطقة الشرقية في الوقت الذي دخل محمد بن بور بجيشه نزوى وعاث فيها فسادا وقتلا بأهلها، ومن ثم توجه إلى سمد الشأن لملاقاة الإمام عزان بن تميم وبالفعل تم له ما أراد وقتل الإمام واجتز رأسه، وبعثه إلى الخليفة المعتضد كدليل على انتصاره، معلنا بذلك سقوط الإمامة في عمان، وخضوعها لسلطة الدولة العباسية.

في هذا الوقت استطاع رجل شجاع وهو الأهيف بن حمام الهنائي من الاتصال سرا بشيوخ عمان، وقبائلها لمحاربة الجيش العباسي، وطرده من عمان، وتوحيد الصفوف، وبالفعل تم له ذلك، وجمع جيشا غفيرا وتوجه به إلى نزوى لملاقاة محمد بن بور الذي ما أن سمع بالثوار العمانيين قادمين إليه لمحاربته حتى هرب متوجها إلى المناطق الساحلية فتمكن الأهيف من استعادة نزوى، وتوجه مباشرة لملاحقة الجيش العباسي حتى التقيا في السيب، ودارت بينهما معركة عنيفة كانت الغلبة فيها للعمانيين لولا المدد الذي جاء به أبو عبيده بن محمد السامي المتسبب الأول بكل هذا الغزو بخيانته لينقذ موقف من يغزو وطنه، فانقلبت موازين القوى للأسف للقوات الغازية، وحلفائهم من الداخل، وقتل في المعركة الأهيف بن حمام الهنائي الذي استشهد بعد أن سطر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ المقاومة العمانية ضد الغزاة، فتفرق أتباعه، وكان كل ذلك في سنة 280هـ – 893م

وبعد أن تم القضاء على المقاومة العمانية نتيجة خيانة البعض عاد محمد بن بور إلى نزوى للسيطرة عليها، ولكن هذه المرة عاث فسادا بشكل أكبر ، وقتلا في أهلها، وشمل ذلك حتى المناطق المجاورة ليبث الرعب في قلوب العمانيين الثوار، فاستباح الدماء، وحرق المكتبات، ودمر العديد من الأفلاج العمانية التي تعد عصب الحياة الزراعية في عمان، فقد استهدف كل البنى التحتية المتاحة آنذاك لأهل عمان وخاصة المناطق المحتلة ، حتى أن الشيخ السيابي شبهه بالحجاج بن يوسف الثقفي، ووصفه الحجاج الثاني كما جاءت تسميته ابن بور لما أحله من الخراب، والبوار بعمان.

وبعد أن قضى محمد بن بور على الثوار، رجع إلى البحرين، وعين ولاته على عمان، إذ جعل على نزوى عامله بحيرة الذي لم يدم طويلا بسبب ثورة الأهالي في نزوى الذين استطاعوا انهاء وجوده وقتله، ولذلك فقد كانت علاقة نزوى، والعباسيين مضطربة للغاية حتى تمكن العمانيون من مبايعة الإمام العادل سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب الرحيلي، وهو من أهل صحار وينحدر من عائلة لها مكانتها العلمية، والفقهية بعمان.

ولم تطالعنا من ناحية أخرى الكثير من المصادر التاريخية عن مصير محمد بن القاسم الذي تسبب بكل هذا الغزو، واستنجد بالعباسيين لغزو موطنه عمان، ولكن لا شك بأن أسرته أي اسرة بني سامة قد استفادت، وغنمت كثيرا جراء تعاونها مع السلطة العباسية.

وفي هذا الصدد يذكر السالمي بالتحفة ” أن الجبابرة تغلبوا على أهل عمان يسومونهم سوء العذاب أربعين سنة، وذلك بعد حروب محمد بن بور، ولعل هؤلاء الجبابرة كانوا من بني سامة وهم عشيرة موسى بن موسى” وهذا يعني أنهم كانوا ذوي نفوذ، وسلطة تحت حماية الدولة العباسية حتى سنة 316هـ -928م، كما دلت على ذلك العملات النقدية المكتشفة.

وأصبحت الحروب بين أئمة عمان، والعباسيين مستمرة بين كر وفر حتى نهاية الدولة العباسية، ولذلك، فإن عمان مثلما تم السيطرة عليها عن طريق الحروب الأهلية، والانقسامات الداخلية، والخيانات التي لجأت للخارج لجلب الغزاة فإنها في الوقت نفسه، لم تستسلم لكل ذلك فقط تمكنت في فترات كثيرة من توحيد الصفوف، وانتخاب الائمة، وتنظيم جيوش الثوار لطرد الولاة العباسيين، والغزاة من كل مكان كالقرامطة، والبويهيين، وأسرة بني مكرم.

المرجع: قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي، لمؤلفه علي بن سعيد الريامي، بيت الغشام للنشر والترجمة، الطبعة الأولى 2015م (مسقط).

اليقظان بن عمان
17-06-2016, 10:41 PM
التاريخ عبر و دروس لنا لكي نتعلم منه لمستقبلنا.

صدى صوت
18-06-2016, 02:11 PM
ينقل لسبلة الثقافه والابداع الفكري
مكانه الانسب .