المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغائب الذي لن يعود



حنااايا..الروح
20-09-2016, 10:18 AM
قام من النوم مذعوراً وقطرات العرق تتراقص على جبينه. على الرغم من الجو الشديد البرودة
قلب بصره في أرجاه المكان فتلقاه سقف الغرفة المزين بالنقوش القديمة
تنفسا عميق فهو في بين أحضان غرفته
ترى ماتفسير هذا الحلم التي يراوده مرارا...حلم مزعج تتجسد فيه البشاعة بكل تفاصيلها
انسابت الى نفسه رائحه مألوفة لطالما احبها
هي رائحة القهوة التي تحمسها الام على الجمرباعثة شعور بالدفى والحنان في هذا الجو البارد
أدرك ان الفجر قد لاح ولابد للذهاب الى البحرباكر
خرج مقتربا من امه الملتحفة بالشال والمتكورة على نفسها تحاول ان تتصدى به بروده النسمات البارده القادمة من البحر.
احتضن رأسها وقبله بكل الحب قائلا(صبحك اللهبالخير يامي) التفتت اليه بابتسامه مشرقة(بالنور والسرور هلا حامد تعال القهوة جاهزة)
جلس صامتا وكأنه يحاول ان يداري ملامح وجهه الشاردة لكنها أدركت من أصفرار وجهه ان هناك خطب ما..(خير يا ولدي وش فيك)
اجاب وهو يحاول تحاشي النظر الي عينيها(سلامة راسك يمه بس قايم من الرقاد ومصدع) ابتسمت له وهي غير راضية عن تلك الاجابة فهي تعرفه حق المعرفة
أنهى قهوته سريعا وودع امه ذاهبا الى البحر
حامد هو الابن الاكبر لام حامد. توفي والده غرقا بعد 3سنوات من ولادته تاركا خلفة أرمله شابه التي لم تتجاوز ال18عشر وطفلا ذو الثلاث سنوات وتوأمين في احشائهما لم يعلماماذا خبئت لهم الدنيا
تقدم الكثير لخطبتها متعهدين بكفالة صغيرهاوما في بطنها الا انها رفضت جميع العروض وقررت ان تتفرغ لتربية ابنائها (حامدوالتؤامين سعد وساعد)
وهي اليوم في منتصف الثلاثينيات ولا تزال بجمالها وأشراقتها...كانت ترى في اولادها التعويض العادل من الحياة المجحفة...
خرج حامد قاصدا شاطئ البحر حيث أصوات الصيادين والمتعالية ..منهم من يدندن بالالحان الشجية ومنهم من يعمل بكل همة ونشاط في اخراج الاسماك من الشباك بمساعدة الزوجات والابناء تمهيدا لنقلها للفرضة او(العصة) كما كانت تسمى للمزايدة عليها (المناداة)
أبتعد حامد عنهم وسار بمحاذاة الشاطئ حتى وصل إلى بقعه لا يعكر سكونها سوى أمواج البحر التى تصافح الرمال وسرب لطيور النورس التي تجمعت حول بعضها وكأنها تنصت الى قصة تقصها احداهن
لم يكن يعلم بأن احدهم كان يتبعه ..كان سارحافي الخيال حتى تفرق سرب الطيور وتناثرت وقبل ان يستدير الى الخلف كان كف صديقه خالد يربت على كتفه(انت هنا وانا ادور عليك؟؟ مريت البيت ولقيت خالتي أم حامد وقالت انك طلعت من نص ساعة)
اجابه بابتسامة باردة( هلا خلود كيف أصبحت....ياخي ضايق بارضي ومن الصبح ).أقتضب وجه خالد وبادره بسؤال غير متوقع(رجعلك الحلم مرة ثانية؟) لم ينتظر الاجابة .فملامح حامد كفيلة باظهار ما خلف اضلاعه
(طيب ليش ما خبرت خالتي ام حامد يمكن تعرف تفسره)نظر اليه نظره حانقة(انت استخفيت؟ امي لو اخبرها بالحلم كان منعتني اطلع البحر معاكم وانا ماصدقت تخليني.انت عارف بعد وفاة الوالد صارت تخاف من البحر)

ضحك خالد وكأنه تذكر شيئا( ايه أذكر لما كنانلعب مرة على سيفة البحر وتأخرنا للمغرب وكانت تدور عليك ولما شافتك وثيابك خرسةماي أقشرتك بعسو لين بغيت تموت ههههههه)

سأل خالد في سؤال جادك :خلود شو رأيك بالشركة الانجليزية الي تحفر للميناء الجديديقولوا رواتبهم زينه وشغلهم راحة
رد خالد:هالسالفة منتهيه.انت عارف رأي أهلنافهذي السالفة..ما يبونا نحتك بهالشركة ولا بالانجليز
هذولا ناس مالهم دين ..لا صلاة ولا عبادة وكلوقتهم خمرة وزمرة
تنفس حامد بخيبة
(ياثقل دمك انت...خلنا نروح زين)

قفلا عائدين وشرعا يجهزان لركوب البحر ويضعان الشباك (الغل) في المركباستعدادا للصيد
خرجا مع اول خيط للصباح وبعد غياب ساعات عادا محملين بأسماك الكوفر والبياح والشعري
فالمنطقة تتميز بجبال وحواف صخرية تعتبر بيئةخصبة للاسماك القاعية
عادالى البيت محملا باسماك البياح لعلمه عشق اخوته لهذا النوع من السمك

بعد الاستحمام ذهب لاخذ قيلولة الى ان يجهزالغداء
قامت الام باعداد محمر بياح (نوع من انواع الارزالمطبوخ بالسكر) وسمك مشوي ثم اجتمعت معابنائها في فناء البيت على وجبة غداء تفوح منها راحة المحبة
.................................................. .................................................. .................................................. .................................................. .................................................. ..

فجر يوم جديد ينهض التؤامان لاحضار الشهاداتفهما الان بالصف الثالث الاعدادي وقداجتازا السنوات الماضية بامتياز
ترقبت الام عودتهما وما انا عادا وهم يحملان الشهادات بمراكز متقدمة حتى احتضنتهما الام ( روح خبر حامد يذبح التيس الاحمرويسلخه..بنسوي عرسيه وبنوزع على الحارة كلها)
تمت مراسم تحضير الوليمة ثم توزيعها علىالبيوت والحارات

سعد وساعد توأمين لهما نفس القواسم المشتركة..أفكارهم وتطلعاتهم متطابقة
سعد( شو رايك نفاتح امي ونخبرها ان بنشتغل فيالاجازة في الشركة الانجليزية
منهانكسب خبرة ومنها نجمع كم بيسة عشان تنفعنا لما نروح العاصمة للثانوية)

تنهد ساعد وأجاب...(انت عارف رأيي بس امي مابترضى ولا عمي وخوالي
ماأعرف ليش ماخذين هالفكرة عن الشركة
ترى هالمشروع بيوفر وظايف كثير ..)

(طيب شو رايك نكلم حامد بهالموضوع يمكن يقدريقنع أمي؟؟)
ضحك سعد :اذا حامد بجلالة قدره ماقادر يفاتحامي عشان شغله بالشركه..تباه يتوسط لنا؟؟ اقول أنخمد بس أنخمد)
.................................................. .................................................. ...........................................

في الصباح الباكرنهض حامد كعادته مذعورا من الحلم الذى بات يقض مضجعه...
حلم يتكرر بنفس التفاصيل ..يكبته بين أضلاعه ولا يسمع لاحد بان يشاركه مخاوفه سوى صديقه خالد
يرى نفسه غارقا في كثبان من الرمال..يلاحقه وحش مبهم الملامح لا يتبين منه سوى أسنانه الكبيرة والتمداخله
يحاول الهروب.. صقران يحومان فوق راسه محاولين
انتشاله
لكن الوحش يتمكن منه ويشطره نصفين
ثم يرى والده يأخذ بيده ويمضي به الى مالانهاية.....)
أصابه التخاذل وكتم انفاسه غم وهم

قررالذهاب واخبار صديقه انه لن يذهب الىالبحر برفقته
اراد الخروج فوجد امه أمامه بوجهها البشوشقبل راسها قبلة طويلة
ثم استأذنها ذاهبا للبحر لملاقاته رفيقه..لكن قبل ان يقفل باب الدار عاد الى امه وتأملها طويلا
أحتضنها حتى تشبعت رئتاه بعطر الياس الذي تخضب به شعرها..نظر في عينيها طويلا وقال....(ادعيلي يالغالية)
ردت عليه(الله يرضى عليك يا روحي)
خرج مسرعا ليجد زميله يشتاظ غضبا لتأخره وقداحضر معه شخص أخر محل حامد
فبادره بنبرة سخرية(لوماجيت..ليش ماكملت رقادك يالرثعة)
صمت حامد ولم يستطيع الرد فخالد في حاله لنيستطيع تفهم عذره انه هو تخلف عن مرافقتهم

(روح خلاص روح..الناس ترزقت ورجعت ونحن نحرسك من الفجر..يالله يا ناصر سرينا)
حامد بضيق(خلاص زين راحت علي نومه..انا جاي معكم يالصدعة ...صايرة كأنك ديده شيخوه بهاللعيان)
ذهبالثلاثة وخاضوا عرض البحر وكانوا يصطادون السمك بالخيط(مايعرف بالحداق)
وهو القاء خيط نايلون به صناره وما ان تلتقفه السمك يسحب الىالقارب ثم يرمى مرة اخرى
بعد مضى ساعات عادوا بأعداد قليلة من اسماك السهوة
ناصر كان اكبر سناً من حامد وخالد وذو درايةكافية بأخطار البحر وذلك لكثرة تجاربه مع والده في البحر
وبعد ان يأسوا من صيد المزيد وبسبب الشمس الحارقة قرروا النزول الى البحر
لينتعشوا ويبردوا تلك الاجساد التى انهكتهاالحرارة..ظلوا يسبحون ويغوصون حتى اكتفوا
صعد ناصر وخالد الى القارب بينما ظل حامديسامرهم وهو في عرض البحر
وفجأة اتسعت عيناخالد وبدت عليه علامه الهلع ( حامد تعال اطلع من البحر المح سواد يتحرك تحتك...)

ارتعب حامد وراى ذلك الظل الذي يحوم حوله...(وش هذا جرجور ولا هيش؟؟)
تفحص ناصر الماء جيدا وقال( شكلها ذيبة الله يسلمنا من شرها)
كانت سمكة القرش اكبر من القارب وكانت تحوم بشكل دائري حول حامد واحيانا تدفعه بمقدمة أنفها
(حامد اثبت ولا تتحرك جمد جسمك..وان شاء الله بتروح)..ناصر بصوت خافت
مرت الساعات وحامد بدأ تضعف قواه..كنت السمكةتبتعد عنه ولكنها تاتي مسرعة كلما شعرت بحركة منه وكأنها تشتم رائحة دماءه من جسده
اخيرا قرروا القيام بحاوله اخيرة..
قال ناصر(مافي حل الا ان نرمي السمك بعيد ولما تروح الذيبة للسمكة بنرفعه للقارب
بدأوا التجربة في اول سمكة وبالفعل سبح القرش الى السمكة وفي لمح البصر والتقف السمكةثم عاد يحوم تحت اقدام حامد الذي لم يسعف الوقت اصحابه لسحبه بالوقت المناسب
كرروا التجربة وكانت السمك تلتقف الاسماك ثم تعود في بسرعة البرق
لم يتبقى سوى سمكة واحدة تعلقت امال الشابين بها كتعلق حامد بهما...مر عليه شريط الحلم بتفاصيله وأدرك انه لن ينجو
كأنه عرف أخيرا تفاصيل الرؤيا التى افزعته ليال طوال
قام ناصر برمي السمكة الى ابعد مدى استطاع بلوغه وثم حاولا سحبه بقوة من الماء
لم يحسبا ان سمكة القرش في منتصف المسافة بين حامد والسمكة الملقاة وما ان شعرت بان جسمه يتملص من البحر حتى قفلت ادراجها واوثبت عليه وثبه من منصف جسده رافقته صرخة حامد الى ضاعت وسط اتساع البحر وغاصت السمكة وحامد بين فكيها
اهتز القارب من قوة الصدمة.. تذكر خالد حامد وتفاصيل حلمه .. تيقن هلاكه ولكن من الفاجعة اخذ يصرخ حتى فقد وعيه
اما ناصر فقد حاول ان يتماسك ويقلب في البحرلعل وعسى يستطيع حامد ان يخلص نفسه من بين براثن ذاك القرش المفترس..تأمل بمعجزة ودعا رباه يالله
لحظات مرت أستفاق فيها خالد وهو لا يدركه ماالذي حدث توا
كانت الدموع والبكاء يملئ القارب ..وكل لحظةتمر تتضاءل فيها فرص نجاة حامد
خالد( يارب رحمتك..وش أقول لخالتي أمحامد..انا السبب ..أنا السبب)
فجأة ترأءى لهم شي يطفوا على السطح وسط بركة حمراء من الدماء تتسع شيئا فشيئا
لم يكن سوى جسد حامد حاولو ا توجيه القارب وانتشاله ليفزعهم بشاعة المنظر..كان جسمة منشطر الى نصفين
طفى الجزء العلوي ليكون شاهدا لما حدث بينماالتهم القرش النصف السفلى...قاموا بغطاء ماتبقى من جثته بملابسه
ناصر(يالله ياخالد ..ترى المكان صار خطيرعلينا..الدم بيجذب وحوش زيادة وبيزيد عدد الجراجير)
ابتعدوا متوجهين الى القرية التى ما ان وصلهاالنبا حتى اكتست بالسواد وخيم الحزن دروبها وحاراتها
مرت ايام العزاء صعبة مريرة على كل من عرف حامد..اما خالد فقد اعتكف في بيته واضرب عن الطعام فبشاعة الفقد كان وطئها شديدعلى نفسه
اماأمه فقد ذبلت وذهب بريق عينيها من كثرة البكاء..كانت تترد عليها ذكرى لحظاته الاخيرة معها..تقبيله لرأسها وعودتها لاحتضانها
وكأنه كان يرتوي من حبها..ربما هي فراسة منها لعلمه بأن ذهابه ليس له رجوع
أقسمت ان لا تسمح للبحر ان يختطف المزيد من احبائها
ذهبت الي الحاج سعيد
احدى الذين التحقوا بالشركة الانجليزية وحملت معها اوراق سعد وساعد طالبة منه توظيفهما حتى تقطع كل صلة لهما بهذا البحر الجاحد
مرت الايام...التحق سعد وساعد بدورة تدريبيةفي الادارة وذلك تمهيدا لالحاقهم بالعمل كمشرفي عمال
ام ام حامد فكثيرا ما كانت تجلس امام الباب وكأنها تنتظر عودة غائب قد يطل في اي لحظة
يتهادى لها خيال حامد قادما من البحر بشعره الذي تتساقط منه قطرات الماء المالحة
وبجسده الملطخ بحبات الرمال وقطع المحار الصغيرة
حاملا لها سكمة التقطها من خياشيمها
بجسمه الممشوق مع سمرة زادته جمال ووسامه اضافتها لفحة الشمس
تسقط منها دمعة حارة تعيدها لواقعها المر بان غائبها ابدا لن يعود

نوارة الكون
20-09-2016, 10:44 AM
صحيح الغائب لايعود
كم شخص فقدناه بس بعدنا ننتظر رجعته مع انا عارفين انه ماراح يرجع
قصه مؤلمه
تسلمين اختي

أميرة الروح
20-09-2016, 11:33 AM
قصة مؤلمة ومؤثرة:(
بارك الله فيك عالطرح

حنااايا..الروح
21-09-2016, 09:57 AM
صحيح الغائب لايعود
كم شخص فقدناه بس بعدنا ننتظر رجعته مع انا عارفين انه ماراح يرجع
قصه مؤلمه
تسلمين اختي


قصة مؤلمة ومؤثرة:(
بارك الله فيك عالطرح
جزيل الشكر والتقدير على المرور
تمنياتي لكن بالسعادة الدائمة

ورد القرنفل 1
25-09-2016, 10:10 PM
قصة رائعه وحزينة جدا
سلمت اناملك
بارك الله فيك،،

حنااايا..الروح
02-10-2016, 09:11 AM
قصة رائعه وحزينة جدا
سلمت اناملك
بارك الله فيك،،

جزيل الشكر والتقدير لك عزيزتي على المرور
تمنياتي لك بالتوفيق

احساس روح
02-10-2016, 01:41 PM
قصة مؤلمة
تسلمي حنايا....