المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الديمقراطيّة العمانيّة، ونهج الخليفة عمر بن الخطاب



BLUEBIRD1978
23-09-2016, 11:19 AM
تعتبر الديمقراطية الإسلامية العمانية بالدستور الأباضي الذي تسير عليه هو الأول من نوعه في العالم العربي والإسلامي، حيث تم وضع هذا الدستور بأسسه الأولى في النصف الثاني من القرن الأول الهجري (السابع ميلادي) وبرز أكثر، وبتفاصيل أوسع في القرنين الخامس والسادس الهجري.

هذا الدستور يأخذ على عاتقه الالتزام بالوفاء، والإسلام المعتدل السمح، والتقاليد العربية النبيلة للوصول إلى النظام الديمقراطي العماني من خلال انتخاب الإمام على عدة أسس هي:

1 – مبدأ الإجماع والتعاقد (الشورى والبيعة).

2 – مبدأ الانتخاب الحر للإمام.

3-الدستور.

4 – مؤسسات الإمامة.

5 – مبدأ استقلال القانون والمساواة.

وتشكّل التركيبة القبلية للمجتمع العماني، والمؤسسة السياسية، والاستقلال الإداري، والقضائي للمناطق، والمحافظات إلا في الأمور العليا نقاط استناد هامة لإكمال نظام الديمقراطية العمانية في تاريخ الأمة العمانية، وجميعها شكّلت جملة مبادئ ارتكزت عليها الثقافة الوطنية للسياسة العمانية، والإرادة العامة في المجتمع.

ويستند مبدأ الإمامة في دستوره إلى نظام الشورى في إدارة شؤون الدولة والمجتمع ويرمي إلى توحيد الأمة وتحقيق مبدأ الإجماع بالانتخاب الحر للإمام الذي يجب أن يكون نزيها مستقيما دينيا وأخلاقيا بصرف النظر عن انتمائه القبلي أو الاجتماعي لتكتمل شروط بيعته.

والبيعة هي نص دستوري تعاقدي ملزم للإمام ومجسد لإدارة الأمة التي يمثلها العلماء فقط المعروفون بأهل الحل والعقد.

لقد شكل هذا الدستور على بساطته الإطار العام للإمامة، ومؤسساتها، ومسيرتها عبر الزمن وشكل التعبير الحقيقي لروح الديمقراطية الإسلامية العمانية.

وتعتبر مجالس الإمامة هي الأولى من نوعها التي أنشئت في العالم العربي، والإسلامي منذ النصف الثاني للقرن الأول الهجري مثلما أسلفنا، وتتألف من مجلس العلماء الذي يشبه اليوم مجلس الشيوخ، والمجلس العام.

ويعتبر العلماء أهل الحل والعقد هم المحرك الأساسي لهذه المجالس، فلعبوا دورا هاما ورائدا في توطيد الإمامة في عمان خلال ما يقارب اثني عشر قرنا، إذ كان هؤلاء العلماء قادة المجتمع، وضميره.

لقد استند نظام الإمامة على التركيبة القبلية للمجتمع العماني، ومن المهم الإشارة إلى أن هذه المؤسسة القبلية التي غالبا ما أسئ فهمها من جانب المثقفين خاصة هي المؤسسة السياسية الأولى الأكثر توقا للحرية، وهي المصدر الأول لقوانين العرف العربي، ومستودع قيم ديمقراطية تمارسها في أدق الشؤون اليومية، ولذلك استجابت هذه المؤسسة في عمان لمبدأ الإجماع والتعاقد، ومبدأ الشورى، والانتخاب الحر للإمام.

إلّا أن القبلية في بعض الأحيان، وفي حال انعدام التوازن القلبي في الإمامة غالبا ما تفرز عصبيتها القبلية التي تسهم في كثير من الأحيان في إسقاط الإمامة نفسها.

وعطفا على ما ذكر، فإن نظام الإمامة في عمان عبّر على مدى أكثر من ألف عام عن دولة الخلافة، وقدّم مثلا أعلى للدولة الإسلامية، وكانت الشريعة هي المصدر الأساسي الرئيس لتشريعه، وكان يمثّل التطبيق الفعلي لمبادئ الإجماع والتعاقد الضامن الفصل بين السلطتين التشريعية، والتنفيذية، وهو جوهر الثقافة السياسية العمانية، وكان العلماء عبر التاريخ هم المجلس التشريعي الدائم للدولة، وكان الفرد العماني يتجاوب بشكل إيجابي مع هذا النوع من الديمقراطية في انتخاب الإمام.

إنّ خضوع الفرد العماني الطوعي، وشبه الكامل لأمته لا ينقص أبدا من مكانته بوصفه مواطنا حرا، بل هو تأكيد لمواطنته، وفرديته كشخص كامل الحقوق في مجتمع يقيس تكامله بميزان مشاركة أفراده فيه، لأن الحرية الفردية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تحقيق الحرية الجماعية، فالمواطن يجد في نكران الذات الطوعي لمصلحة الأمة نوعا من التشريف لشخصه، فبمقدار ما يعطي يحقق ذاته، ولا يمكن في واقع الحال فهم القيم الديمقراطية التي خلقها التاريخ، وطورها المجتمع العماني إن لم نفهم ارتباطها بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والروحية للإنسان العماني .

لقد امتزجت الديمقراطية في عمان مع الدين من خلال الفكر الإباضي الذي يعود عمقه في التاريخ الإسلامي إلى دولة الخلفاء الراشدين، وتحديدا في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة، فيعتبر العمانيون بفكرهم هذا الوحيدون الذين حافظوا عبر القرون، وعن طريق نظام الإمامة على تطبيق مبدأ الإجماع، والتعاقد مع اتخاذهم من دولة الخلافة الراشدة المثل الأعلى في سعيهم إلى إقامة وبناء إمامة نموذجية لدولة إسلامية مؤمنة بمبدأ الشورى في الحكم، وهذا الشكل من الديمقراطية العمانية يعتبر الأول من نوعه في العالم تجسّد في نظام الإمامة الدستوري المعتدل القادر على ضمان استمرار الديمقراطية وتجذرها تدريجيا في المجتمع العماني عبر التاريخ، وبمثابرة مدهشة في المحافظة على ممارسة انتخاب الأئمة داخل البلاد رغم الهزات التي تعرضت لها الإمامة على مر الأزمنة كحروب الإمامة مع الدولة الأموية، والعباسية، وفتنة عزل الإمام الصلت بن مالك، والحروب الأهلية المؤسفة بصراعها السياسي، والقبلي، والفكري بين المدرسة النزوانية، والرستاقية ، والاستعمار البرتغالي والفتنة التي أسقطت الإمامة اليعربية في نهاية عهدها، والغزو الفارسي، ومواجهة التنافس الفرنسي البريطاني الاستعماري على المنطقة.

يقول كيلي مفسرا هذه العزيمة القوية لدى العمانيين في التمسك بنظام الإمامة: ” كانت النظرية الإباضية – للديمقراطية العمانية – قد ترسخت في وجدان العمانيين إلى حد غدا معه مستحيلا استئصالها فضلا عن أنها ارتبطت في أذهانهم بالاستقلال فالصراع “.

نظام الإمامة في الديمقراطية العمانية:

يستند الفكر الاباضي في الديمقراطية العمانية إلى خمسة مصادر تشريعية تشكّل قاعدة الدستور السياسي، وروح الفلسفة الاجتماعية، وهي:

– القرآن

– السنّة

– الإجماع

– القياس

– الاستدلال

مراتب الإمامة، وطرق المبايعة:

وفق دستور الديمقراطية العمانية في انتخاب الإمام يجب أن يكون الإمام عادلا، حكيما، شجاعا ،شريفا، قادرا على نشر العدالة، والسهر على حقوق الناس، ومصالحهم، وأن يحكمهم حسب الشريعة الدينية، ولا ينبغي للإمام أن يكون حقودا، ولا بخيلا، ولا حسودا، ولا غدارا، وألا يكون مقعدا، ولا أعمى، ولا أبكم، ولا أصم، بل ينبغي أن يكون الإمام أتقى أهل زمانه، وإن كان فقيها عالما، فيصنّف إماما قويّا، ولا يلزم في بيعته شرط الرجوع لأهل الحل، والعقد من العلماء قبل أن يتخذ أيّ قرار مع الإبقاء على مبدأ الشورى أساسيا في إدارة الشؤون الدينية والسياسية للإمامة.

وأما الإمام الضعيف، أي إمام الدفاع الذي لا يتمتع شخصيا باعتبار ديني أو روحي بين أهل الحل والعقد يجب عليه أن يعود للمؤسسة التشريعية التي يمثّلها العلماء من أهل الحل، والعقد في اتخاذ أيّ قرار.

إجراءات انتخاب الأئمة في عمان:

تقسم إجراءات انتخاب الإمامة في نظام الديمقراطية العمانية إلى ثلاث مراحل:

1 – بعد وفاة الإمام أو خلعه، تجري مباشرة مشاورات بين العلماء حول أسماء المرشحين المقترحة لهذا المنصب متحررين من كل التأثيرات القبلية، والعشائرية، ودون التقيد بفترة زمنية محددة، بل ترك ذلك حسب الظروف.

2 – عندما تجتمع المشاورات على شخصية واحدة محدّدة تكتمل فيها الشروط يقدم المرشح من جانب أحد العلماء، ويجب أن يحصل كشرط أساسي على موافقة، ودعم ستة علماء آخرين على الأقل لتتم عملية البيعة، وقد اعتمدت الديمقراطية العمانية في مبدأ النصاب الانتخابي، أي نصاب الستة أصوات على نهج الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) المطابق للسنّة، والإجماع، حينما قام الخليفة الفاروق، وهو على فراش الموت باختيار ستة رجال من بين أصحابه ( سعد بن أبي وقاص ، علي بن أبي طالب ، عثمان بن عفان ، عبدالرحمن بن عوف ، الزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيدالله) وعهد إليهم بأمر الاجتماع بعد وفاته بثلاثة أيام لانتخاب خليفة للمسلمين، وبموجب هذه السابقة من الخليفة عمر بن الخطاب أصبح نصاب الأصوات الستة لدى العمانيين في ديمقراطيتهم مبدأ ثابتا، وأحد بنودهم الدستورية، وفي حالة تقديم عدة مترشحين يتمتعون جميعهم بالشروط المطلوبة، يختار العلماء الإمام وفق الظروف التي تمر بها البلاد، فإذا كانت البلاد تعيش في سلام واستقرار فإن المرشح الأجدر هو العالم الفقيه الأعرف بالشريعة، وأما إذا كانت البلاد غير مستقرة، وتمر بفترة اضطرابات، فإن المرشح الأفضل هو الذي يملك صفات القائد، والقوة، والمؤهلات العسكرية، وهذا دليل على مرونة الفكر، وتسامحه الذي يسير عليه العمانيون في انتخابهم لإمامهم، فهو ليس نظاما ثيوقراطيا ( الحكم ديني )، بل هو ذو طبيعة زمنية، ودنيوية تفرضها الظروف حسب المتغيرات ، ولا يحق للمترشح بعد اختياره الاعتذار، لأن ذلك قد يؤدي إلى فتنة، وانقسام بين العلماء أهل الحل والعقد وبالتالي انقسام الشعب ، ولذلك يعتبر المرشح الرافض للإمامة متمرّدا، وليس جديرا بثقة العلماء.

3 – بعد اختيار الشخص المناسب للإمامة، يتقدم إلى أهل البلاد لإتمام بيعته التي تجري في حضور العلماء، ورؤساء القبائل، إذ تتخذ صيغ البيعة شكلا احتفاليا واستفتاء حقيقيا يؤدي المرشح خلالها القسم، فيمسك أحد العلماء يد المرشح ليتلو أمام الجميع نصّ البيعة، وفيما يلي على سبيل المثال نص لبيعة الإمام عزان بن قيس (1869م): ” لقد بايعناك على شرط ألا تعقد راية، ولا تنفذ حكما، ولا تقضي أمرا إلا برأي المسلمين، ومشورتهم، وقد بايعناك على إنفاذ أحكام الله، وإقامة حدوده، وقبض الجبايات، وإقامة الجمعات، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وأن لا تأخذك في الله لومة لائم، وأن لا تجعل القوي ضعيفا حتى تأخذ منه حق الله، والعزيز ذليلا حتى تنفذ فيه أحكام الله، وأن تمضي على سبيل الحق، أو تفنى روحك فيه”.

وفي نهاية مراسم البيعة يتسلّم الإمام مقاليد الحكم في البلاد، وعلى الشعب طاعته، ولا يقبل أيّ اعتراض منهم بما أن الإمام حظي بقبول، ورضى أهل الحل، والعقد ودعمهم، وعلى الجميع أن يخضع لقرار العلماء الذين يمثّلون السلطة التشريعية، والأخلاقية العليا في الديمقراطية العمانية، وإن عارضت بعض القبائل هذه البيعة على الإمام الجديد إخضاعها بالقوة، مثلما فعل الإمام ناصر بن مرشد لتوحيد العمانيين ومواجهة العدو البرتغالي الغاشم على أهل عمان، فهو رئيس الدولة، والرئيس الشرعي لكل شيء.

مؤسسات الإمامة:

1 – العلماء (أهل الحل والعقد) :
يستند نظام الإمامة إلى مؤسسة أهل الحل والعقد التي تعتبر السلطة التشريعية العليا والمرجع الحقوقي والسياسي في الديمقراطية العمانية، فتحت إشرافهم المباشر يتم انتخاب الإمام أو خلعه وهم المسؤولون عن إدارة كل شؤون الإمامة ويشرفون على تطبيق مبدأ الشورى وهم القضاة، والمعلمون، والمؤرخون، والقادة الثوريون والمرجع الروحي، والأخلاقي للمجتمع، وضميره.

2 – المجلس:
يساعد الإمام في ممارسة سلطته مجلس الشورى، ويصل عدد أعضائه 15 عضوا تقريبا، ويرأسه الإمام وأعضاؤه الوزراء، والمستشارون، ويجتمع هذا المجلس عند الضرورة، وأحيانا مرة كل شهر، ولا يستطيع الإمام أن يقض أمرا ما لم يأخذ رأي مجلس الشورى، ويتم تنفيذ القرارات فيه بالأكثرية، وهي ما تعرف بالديمقراطية الاستشارية.

3 – الولاة:
يدير الإمام حكم البلاد عن طريق الولاة، ورؤساء العشائر كما يحق لأهالي المنطقة رفض الوالي المعين من قبل الإمام شريطة أن يكون السبب مناسبا، ومقنعا للإمام ولمجلس الشورى، ويجري تعين الولاة على نفس نمط بيعة الإمام لتطبيق العدالة بين الناس، ويحاط الوالي بوجهاء محليين، وعلماء، ورؤساء قبائل يشكّل لهم مجلسا استشاريا تقليديا لمساعدة الوالي، والقاضي في إدارة شؤون القرية.

4 – القضاة:
القاضي في عمان هو مرجع مؤسسي من الدرجة الأولى، ويتم تعينه من قبل الإمام دون بيعه، أو احتفال خاص، وجلّ القضاة هم من العلماء الذين يتمتعون بسلطات تشريعية، وقضائية مستقلة، ويبقى الرجوع للإمام في القضايا ذات الأهمية الخاصة فقط، وقد مثّل القضاء الاستقلال، والنزاهة، والقوة لدرجة أنه يستطيع أن يرغم الإمام للمثول إلى المحاكمة إن كان خصمه أي مواطن عادي تظلم منه، وأكبر مثال على ذلك قضية البدوي التي ربحها ضد الإمام الخليلي، وأجبره على المثول للقضاء للبت في مسألة خلاف بينه وبين الإمام على جمل .

5 – بيت المال :
تتغذى خزينة الإمامة من أربعة مصادر :
– الرسوم التجارية والرسوم الصادرة من المنتجات العمانية.
– الزكاة
– الضرائب التي تفرض على غير المسلمين ( التجار الأجانب).
– الغنائم التي يظفر بها الإمام من الحروب مع غير المسلمين.

ويتم الإشراف على النفقات من قبل الإمام نفسه، ولكنه لا يتصرف بالمال دون أخذ مشورة أهل الحل والعقد مع الخضوع للرقابة الدقيقة في أي صرف يتم خاصة إن كان خارج نطاق المصلحة العامة.

6 – الجيش :
رفض نظام الديمقراطية العمانية وجود جيش محترف خشية أن ينقلب الإمام إلى حاكم مستبد محاولين دائما الحفاظ على الطابع السلمي للإمامة، ويتم تجميع الجيش وتعبأته وقت أي خطر داهم الإمامة، والبلاد عن طريق المتطوعين، والمجندين من أبناء القبائل العمانية، وعلى الإمام أن يكون قائدا للجيش، وطاعته فرض على كل الرعايا.

7 – العلاقات الخارجية:
نظام وفكر الديمقراطية العمانية يقتضي أن تحترم الإمامة مبدأ الاعتدال وترفض مبدأ الخروج فلا هجوم ولا حرب ضد طرف آخر ما لم يكن معتديا.

*المرجع: عُمان الديمقراطية الإسلامية تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث 1500-1970م، د. حسن غباش، دار الفارابي – بيروت – لبنان، الطبعة الرابعة 2006م.



http://www.atheer.om/

BLUEBIRD1978
23-09-2016, 11:20 AM
الحمدلله رب العالمين

أفتخر عمانيه
23-09-2016, 02:59 PM
شكرا على الموضوع ينقل إلى السبلة الإسلامية والإدارة هناك لها حق التصرف في ابقائه تحياتي لكم

تباشيرالأمل
23-09-2016, 11:10 PM
شكرا لطارح الموضوع

ينقل لسبلة الثقافه

لمناسبة الموضوع لها

مع تحياتي
إدارة القسم الإسلامي

ورد القرنفل 1
23-09-2016, 11:28 PM
لك الشكر على المعلومات القيمة والرائعه المستفاد منها
جزاك الله خيرا
احترامي وتقديري،،