المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جميل مطر يكتب عن "التقسيم الجديد" للشرق الأوسط: مستقبل العرب يُصنع الآن في الموصل وحلب



ابا مازن
20-10-2016, 03:24 PM
الشرق الأوسط الجديد جاري صنعه الآن على نار غير هادئة. شهور أو سنوات قليلة ويتوقف العرب عن وصف أنفسهم بضحايا مؤامرة اشترك في صياغتها وتنفيذها المستر سايكس والمسيو بيكو. فثمة سردية جديدة تجري صياغتها بين أطراف أخرى. لم يفعل العرب شيئا لوقف أو منع مؤامرة سايكس بيكو وهم لا يفعلون شيئا الآن لمنع "مؤامرة" هم أنفسهم بسكوتهم وسوء سياساتهم مشاركون فيها، لن تكون المؤامرة في السردية العربية القادمة من صنع فرنسا وبريطانيا العظمى ولكن في الغالب سوف تحكي عن حرب باردة نشأت لتوها بين روسيا والولايات المتحدة وصراع على النفوذ والقواعد. سوف يصرون أيضا في سرديتهم الجديدة على أن العرب والمسلمين مستهدفون دائما بالتقسيم من دون شعوب العالم، وأن العالم خائف ومرتعب من عواقب قوتهم إذا توحدوا. يعرفون أن الغرب يسعى لوحدة الدول المكونة له، أمريكا توحدت بعد حرب ضارية وأوروبا توحدت بعد حروب عديدة دموية، ومع ذلك، أو هكذا تقول الرواية العربية، لا تريد أوروبا وأمريكا أن ترى الشرق الأوسط وبخاصة الأمة العربية إلا كيانات منفصلة ومتنازعة.

لن تكون السردية العربية السردية الوحيدة التي سوف تحكي قصة التقسيم الجديد للشرق الأوسط. لقد بدأت تتضح الخطوط العامة لسردية أخرى يجري تسريب أو ابتداع أجزاء منها. هذه السردية، أو السرديات، سوف تصدر عن عواصم الغرب، وسوف تركز على تحميل العرب مسئولية تقسيم التقسيم. بعض العرب انشأوا منظمات الإرهاب وتعمدوا نشر الخراب والدمار في بلاد خصومهم، بعض آخر ساهم إراديا أو غافلا أو تابعا في تمويل هذه المنظمات بعد أن تخلى عنها شكلا، أو تبرأ، منها مؤسسوها. بعض ثالث التهى بالثروة حتى قامت الثورة لتكشف عمق وخطورة التمسك بطائفية مدمرة للأديان قبل الأوطان، وتدفع قوى وتيارات عديدة لإشعال نيران في كل مكان يجري على ضوئها وحرارتها تهجير طوائف غير مرغوب فيها أو تجميع أبناء طائفة بعينها في أرض معينة وضمن حدود ترسمها النيران المشتعلة والصفقات الوحشية الجارية في كل أنحاء البلاد العربية. بعض رابع راح يقتبس من الغرب والشرق أسوأ ما عنده من أساليب حكم وقمع ليقيم استبداده الخاص في حدود دولته القطرية معتمدا على حماية دولة أو دول أجنبية.


***

أفهم بعض ما يجرى على مستوى القمة الدولية، وما يجري هذه الأيام كثير جدا ولا أزعم أنني أستطيع في ظل حالة السيولة وأجواء السباق الساخن أن ألّم بأكثره. أفهم مثلا أن روسيا، الدولة التي فقدت مكانها في القمة الدولية، عادت تستجمع نفوذا وتحالفات وقدرات على ممارسة الضغوط من أجل استرداد موقع أو جزء من موقع في شريحة القيادة الدولية. اختارت وأظن أنها أحسنت الاختيار، حين قرر فلاديمير بوتين أن الشرق الأوسط بحال انفراطه الراهنة وتدهور الأوضاع الداخلية في معظم بلدانه يمثل الساحة المناسبة التي يمكن الدخول منها إلى شريحة القيادة. قد أوافق على رأي آخرين بأنه ما كان يمكن أن يختار منطقة أخرى ساحة تمهد للعودة. ففي الشرق الأقصى كافة المحاذير تتجاوز إمكاناته، فضلا عن أن سباقا مماثلا جاري هناك في أشكال مختلفة. كذلك إفريقيا. فهي ليست ساحة مناسبة لأنها في الوقت الحالي عادت أو أعيدت إلى وضعها حين كانت قارة مفتوحة للنهب من جانب جميع الدول الصاعدة على السلم الإمبريالي. الصين موجودة هناك الآن وفي ركابها لتلحق بها أو تتجاوزها اليابان في أول سباق بينهما خارج آسيا، رأيناهما منذ أيام قليلة في جيبوتي، بلد القواعد بامتياز، يتسابقان على إقامة قاعدة بحرية ثانية أو ثالثة. هناك أيضا في إفريقيا دول طامحة مثل تركيا وإيران تسعى وراء الفتات ودول بأحلام استعادة هيمنة مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. المؤكد على كل حال أنه في سباق من هذا النوع لا أمل لروسيا في أن يكون لها السبق فأفريقيا الجديدة تعطي بقدر ما تأخذ ولا أظن أن روسيا قادرة في الأجل القصير أو المتوسط على مد خطوط سكك حديد وإقامة سدود وشراء مناجم وتطوير التعليم. من ناحية أخرى لم تكن أمريكا اللاتينية في أي وقت مضى تستحق الكلفة السياسية الباهظة التي يتطلبها سباق على القمة الدولية. درس تعلمته دول أوروبا على امتداد قرنين وتعلمته موسكو السوفييتية على امتداد سنوات الحرب الباردة.

***

يبقى الشرق الأوسط، ساحة مناسبة بدرجة استثنائية. أتحدث هنا عن الشرق الأوسط في مفهومنا، حيث يوجد العالم العربي قلبه النابض حينا قصيرا والساكت حينا طويلا ولكنه بقي في كل الأحيان مصدر طاقته العاطفية والعقائدية. لن ينكر التاريخ أن هذا القلب العربي حاول قدر استطاعته لفترة خلال القرن العشرين أن يحصل على مكانة متقدمة في سباقات الدول الكبرى وأنه فشل في الاستفادة من أي سباق من هذه السباقات. نجح في أشياء قليلة. نجح في أن يجعل دولا أخرى في الشرق الأوسط تحتل في وقت من الأوقات مكانة الهامش أو النتوءات، هي الآن مشاركة بقوة في صنع مستقبل الإقليم. نجح في المحافظة شكلا على الجامعة العربية كأول تنظيم إقليمي يقام بعد الحرب العالمية الثانية وفشل موضوعيا في الاستفادة منه لأن الدول الأعضاء خافت منه فأبقته دائما عند حدوده الدنيا.

لا شيء يجمع العرب الآن. لا اهتمام بهم في العالم الخارجي إلا بقدر الأحزان والمتاعب التي يتسببون فيها لشعوب هذا العالم. هم الآن مصدر الإرهاب تمويلا وتجنيدا وتنظيما، هم الذين استعادوا لعروبتهم مكانة الهوية المميزة ثم عادوا وفرطوا فيها لصالح هويات ثانوية. قرأت مؤخرا لكاتب كبير يحذر، أو لعله كان يدعو، إلى أن "العربي" كصفة لن تلصق إلا بأبناء الطائفة السنية الناطقين بالعربية. وبالتالي لن تضم جامعة الدول العربية في عضويتها إلا الدول السنية الصافية وربما دول أخرى لا تعترف بحق انتماء أفراد أو جماعة لهوية أخرى. أو أن تقوم منظمة إقليمية أخرى سنية الهوية تحل محل الجامعة ذات الهوية العربية ومنظمة التعاون ذات الهوية الاسلامية.

***

لم يجتمع العرب على عقيدة أمن واحدة كالتي اجتمعت عليها دول حلف الأطلسي ولا على منهج تنموي واحد كالذي اجتمعت عليه دول الاتحاد الأوروبي. بقيت ويجب أن نعترف بهذا، بقيت معظم دولها معلقة بين ضرورات الارتفاع إلى مستوى الدولة الوطنية أو التمسك بوضع دولة العائلة الواحدة أو دولة الحزب الواحد أو دولة الرجل الواحد. قامت ثورة عربية واجهضت. أجهضتها قوى دولية وإقليمية عديدة لم تشأ رؤية المنطقة العربية وقد قامت فيها دول قومية حديثة على أسس العدالة والكرامة والحرية، أي لم تشأ أن ترى منطقة ترفض أن تكون ساحة مناسبة لسباق دولي جديد أو ساحة مستباحة لتقسيم المقسمات. ها نحن ندفع ثمن الإجهاض، ندفعه دما وثروات مهدرة وحروبا أهلية وانفراطات طائفية وأرضا مستباحة وإرهابا وحشيا ونزاعات وشكوك متبادلة بين الحكام وهجرات مليونية، ها نحن نعود بعد الإجهاض ساحة مناسبة للغرباء المتنافسين. رغم ذلك بدأنا نقرأ الخطوط الأولى للسردية العربية التي سنورثها للأجيال القادمة، عدنا في السردية الجديدة ضحايا مؤامرة دولية شريرة. جاري الآن في الموصل وحلب صنع مستقبلنا. لا أحد مهتم بأخذ رأينا أو طلب مساعدتنا. ولا أحد عندنا حريص على تأكيد أن الموصل وحلب مدينتان عربيتان يوظفهما غرباء للدخول إلى مستقبل جديد للمنطقة.

***

الموصل وحلب تستحقان قمة عربية. شرعية القمة كمؤسسة عربية جامعة هي الآن على المحك. غيابها يحمل رسالة تقول إن شيئا انتهى وشيئا أو أشياء جديدة تبدأ والقمة العربية ليست بينها

http://arabic.cnn.com/middleeast/2016/10/20/iraq-syria-mosul-aleppo-opinion#315

ابا مازن
20-10-2016, 04:28 PM
الصفقة “السرية” الجديدة: حلب للروس وحلفائهم.. الموصل لامريكا وحلفائها.. والاتفاق الذي توصل اليه اردوغان مع “صديقه” بوتين على انسحاب “النصرة” من حلب اول التطبيقات العملية والأيام المقبلة ستكشف الكثير

عبد الباري عطوان


نعترف بأننا عندما نتناول أمور منطقتنا العربية وتطورات ازماتها لا نتردد في اعلان ايماننا بنظرية “المؤامرة” دون أي تحفظ، ليس لأننا مندفعين او نميل الى اطلاق الاحكام دون تمحيص ودراسة، وانما لأننا اكتوينا، وما زلنا، بنيران هذه المؤامرات، وندفع ثمنا غاليا من دمائنا، واستقرار بلداننا، ووحدتها الترابية والجغرافية.

نطرح هذه المقدمة بمناسبة ما يجري حاليا في مدينة حلب من أوضاع انسانية مؤلمة، وتخلي المجتمع الدولي، بما في ذلك “أصدقاء الشعب السوري”، عن هذه المدينة، واكثر من ربع مليون من أبنائها يعيشون تحت حصار خانق.

اليوم (الأربعاء) اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي تعهد في مناسبات عديدة بأنه لن يسمح بسقوط حلب، وسيدافع عن سكانها، انه اتفق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال مكالمة هاتفية بينهما، على انسحاب مقاتلي “فتح الشام” او “النصرة” سابقا، من حلب، وأضاف في كلمة القاها امام نحو 400 من ممثلي المناطق والاحياء التركية (المخاتير) في انقرة “اعطينا اصدقاءنا الأوامر الضرورية في هذا الشأن” ورأى الرئيس التركي “ان انسحاب جبهة فتح الشام والتي كانت محسوبة على شبكة القاعدة الإرهابية، سيحقق السلام للسكان في حلب”.


***




فرص نجاح هذا الاتفاق التركي الروسي الذي اعلن عنه الرئيس اردوغان، تبدو كبيرة جدا للوهلة الأولى لانه يشكل خطوة مهمة لحقن الدماء، وإنقاذ أرواح السكان الأبرياء المحاصرين، لان وجود قوات “فتح الشام” الذي قال المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا ان عددهم في حدود 900 مقاتل، لن يمنع سقوط المدينة في يد قوات التحالف الروسي السوري الذي يملك الطيران والدبابات والقدرات القتالية العالية، مثلما يملك الإرادة لمواصلة القصف الجوي والبري حتى القضاء على هؤلاء المقاتلين المصنفين على قائمة الإرهاب الدولي، حسب القوانين الامريكية والغربية.

جبهة “فتح الشام” كانت وما زالت مثل فصائل سورية اخرى، ضحية خدعة عربية أمريكية كبرى عندما طالبها بعض حلفائها في الخليج بفك ارتباطها بتنظيم “القاعدة” وتغيير اسمها، وتعهدوا لها وقائدها، بنفي تهمة الإرهاب عنها، وإعادة تقديمها للغرب كفصيل سوري معتدل يكون له مكان بارز في مستقبل سورية.

قيادة “النصرة” بلعت هذا الطعم، وصدقت هذه الوعود، لتكتشف ان هناك اتفاقا أمريكيا روسيا على تصنيفها، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة لهذا الهدف لأنها جبهة إرهابية، اسوة بغريمتها “الدولة الإسلامية”.

اين الحلفاء العرب، اين ذهبت وعودهم وتعهداتهم ومحطات تلفزتهم؟ الجميع اختفوا وتركوها وجنودها وحلفاءها من فصائل أخرى تواجه قدرها وحدها، تواجه هذا الخيار الصعب، اما البقاء وفي هذه الحالة استمرار القصف الجوي دون ان تملك القدرات العسكرية لمواجهته، وهذا يعني الفناء التام ومعهم آلاف من أبناء المدينة، واما الانسحاب الى ملاذ آمن، ولكن الى حين.

لا نعرف ما اذا كانت جبهة “فتح الشام” ستقبل بهذا الاتفاق بين اردوغان وبوتين، ولكن ما نعرفه انه ليس امامها أي خيار آخر غير القبول به والخروج من حلب الشرقية، لان رفضها يعني إعطاء الذريعة للقضاء عليها وقواتها، والحاضنة المدنية الشعبية لها.


***



قيادة المعارضة السورية بشقيها في كل من الرياض وإسطنبول صبت جام غضبها على المبعوث الدولي دي ميستورا عندما طرح قبل أسبوع مبادرة مماثلة، وتعهد ان يرافق شخصيا قوات جبهة فتح الشام في حال موافقتهم على الخروج الى مكان آمن، وبما يؤدي الى فك الحصار عن المدنيين المحاصرين ووقف القصف الجوي لاحيائهم، وتلقى الرجل، أي ديمستورا، سلسلة من الشتائم واتهامات التخوين، والعمالة للنظام في دمشق، الى جانب المطالبة لفصله من وظيفته.

لا نعتقد ان قيادة المعارضة هذه ستوجه الاتهامات نفسها ولا حتى واحد من المئة منها الى الرئيس اردوغان، او دول مجموعة “أصدقاء سورية” وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية لاسباب يعرفها الجميع.

نظرية المؤامرة التي بدأنا بها هذا المقال واضحة.. حلب للروس وحلفائهم.. والموصل للامريكان وحلفائهم.. اما غير ذلك فهو فصول لمسرحية جرى اعدادها بشكل مدروس، وستكشف الأيام والاسابيع والاشهر المقبلة عن فصول جديدة ومرعبة منها مليئة بالمفاجآت.. والأيام بيننا.