https://www.gulfupp.com/do.php?img=94198
مشاهدة تغذيات RSS

سحر محمد

سقيا الماء في الحرم: تراث إسلامي يروي الظمأ ويغذي الإيمان

تقييم هذا المقال
سقيا الماء في الحرم: تراث إسلامي يروي الظمأ ويغذي الإيمان

في أحشاء المسجد الحرام، حيث يجتمع الملايين من ضيوف الرحمن تحت سماء مكة المكرمة، تبرز "سقيا الماء في الحرم" كرمز حي للكرم والرحمة الإسلامية. هذه السنة النبوية، التي أمر بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ليست مجرد توزيع للمياه الباردة، بل هي صدقة جارية تعين الحاج والمعتمر على أداء فريضته، وتذكر الجميع بقول النبي: "أفضل الصدقة سقي الماء". في هذا المقال، سنستعرض تاريخ هذه السقايا العريق، وجهودها الحديثة في موسم حج 1446هـ، وأهميتها الدينية والاجتماعية، مستندين إلى مصادر موثوقة لنقدم لك صورة شاملة عن هذا التراث الذي يستمر في إثراء الروح البشرية.
جذور التاريخ: من إبراهيم عليه السلام إلى عصر الرسول

يعود تاريخ سقيا الماء في الحرم إلى أصول بعيدة، مرتبطة بقصة النبي إبراهيم عليه السلام. وفقاً للرواية الإسلامية، حفرت زوجته هاجر بئر زمزم بحثاً عن الماء لابنها إسماعيل، فانفجر الماء برحمة الله، ليصبح مصدراً مقدساً يروي الحجاج إلى يومنا هذا. قبل الإسلام، كانت قبيلة قريش مسؤولة عن "السقاية"، وهي توفير المياه للحجاج القادمين من كل أنحاء الجزيرة العربية. تولى عبد المطالب جد النبي صلى الله عليه وسلم هذه المهمة بعد أن حفر بئر زمزم مرة أخرى، مما جعله رمزاً للكرم في مكة.
مع بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أصبحت السقايا جزءاً أصيلاً من السنة. كان الرسول يسقي الوفود من زمزم بنفسه، وأكد على أهميتها في الحديث الشريف: "من سقى مسلماً شربة ماء، سقاه الله يوم القيامة شربة من حوضي". في العصور الإسلامية اللاحقة، مثل العصر العباسي، أسس الخلفاء أنظمة وقفية لتوزيع المياه، مستخدمين قنوات من الجبال المحيطة بمكة. على سبيل المثال، أنشأت عين زبيدة – زوجة هارون الرشيد – أول وقف إسلامي لسقيا الحجاج في القرن الثاني الهجري، مما ساهم في نقل المياه من خارج المدينة إلى الحرم. هذا التراث استمر حتى العصر السعودي الحديث، حيث أصبحت السقايا مؤسسة منظمة تحت إشراف الدولة، مع التركيز على الاستدامة والتكنولوجيا.
الجهود الحديثة: سقيا 1446هـ وابتكارات العصر

في عام 1446هـ (2025م)، يشهد موسم الحج ازدهاراً في مشاريع سقيا الماء، مدعوماً برؤية المملكة 2030 لتعزيز السياحة الدينية. أطلقت جمعية الإحسان بمكة مشروعاً يوزع 24,500 عبوة ماء يومياً على الحجاج، بدءاً من 20 ذي القعدة، لتخفيف أثر الحرارة الشديدة في المشاعر المقدسة. كما دشنت جمعية سقيا الماء بمكة المكرمة حملة لتأمين 15 مليون عبوة ماء للحجاج والمعتمرين، باستخدام أجهزة تعبئة آلية متقدمة تضمن النظافة والتبريد.
من أبرز المبادرات:

  • جمعية نماء المكية للسقاية والرفادة: مشاريع مخصصة ليوم عرفة وعيد الأضحى، تشمل توزيعاً في أيام التشريق، مع التركيز على المناطق ذات الازدحام العالي.
  • منصة إحسان: تسمح بالتبرعات الإلكترونية لسقي آلاف الزوار في رمضان والحج، حيث بلغ عدد المستفيدين أكثر من 500,000 في السنوات الأخيرة.
  • جمعية طوى الخيرية: أول جمعية متخصصة في السقايا، تأسست عام 1437هـ، وتركز على التوعية بترشيد الاستهلاك.

هذه المشاريع لا تقتصر على الحج، بل تمتد إلى المعتمرين والزوار اليوميين، مستفيدة من التطبيقات الذكية لتحديد نقاط التوزيع وتقليل الهدر.
الأهمية الدينية والاجتماعية: أكثر من مجرد ماء

دينياً، تُعد سقيا الماء في الحرم من أفضل الأعمال الصالحة، إذ قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}، مما يجعلها صدقة تُضاعف الأجر في مكان البركة. اجتماعياً، تساهم في تعزيز الوحدة بين المسلمين من مختلف الجنسيات، حيث يلتقي الجميع حول كوب ماء بارد يخفف من إرهاق الطواف والسعي. دراسات تشير إلى أن هذه السقايا تقلل من حالات الجفاف بنسبة تصل إلى 40% بين الحجاج، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 48 درجة مئوية في الصيف.
اقتصادياً، تولد هذه المبادرات فرص عمل لآلاف المتطوعين والعاملين، وتعزز الصورة الدولية للسعودية كوجهة ضيافة. كما أنها تدعم الاستدامة البيئية من خلال استخدام مياه التحلية وبرامج إعادة التدوير، مما يجعلها نموذجاً للسياحة الدينية المسؤولة.
التحديات والمستقبل: نحو سقايا أكثر كفاءة

رغم التقدم، تواجه السقايا تحديات مثل الازدحام الشديد والتغير المناخي. في 1446هـ، خططت الجهات المعنية لنشر محطات ذكية تعمل بالطاقة الشمسية، وتوسيع التعاون الدولي لدعم المسلمين خارج مكة. كما أطلقت جمعية سقيا الماء حملات توعوية لترشيد الاستهلاك، مما يضمن استمرارية الموارد للأجيال القادمة.
خاتمة: شارك في رواية الظمأ

سقيا الماء في الحرم ليست تاريخاً قديماً، بل حياة نابضة تجمع بين الإرث والابتكار. في عام 1446هـ، أصبحت أكثر شمولاً وتأثيراً، مدعومة بجهود خيرية تجعل كل تبرع خطوة نحو الجنة. إذا كنت تخطط للحج أو العمرة، أو ترغب في المساهمة، زر منصات مثل إحسان أو جمعية سقيا الماء لتكون جزءاً من هذا التراث العظيم. ففي سقي الآخر، نروي أنفسنا أولاً.
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م