د.عبدالله باحجاج يكتب: التحالف الاسلامي .. مصلحة عمانية كذلك
كثر اللغط والجدال حول انضمام السلطنة للتحالف الإسلامي لمكافحة الارهاب بعد أن رفضته قبل عام، كل جهة قامت بتوظيفه لصالح أجندتها الخاصة، والبعض ربطه باللازمة المالية التي تعاني منها البلاد، وآخرين بدور بريطانيا التي عادت للخليج لتنشر مظلتها الأمنية على الدول الست جمعاء بعد التراجع الأمريكي النسبي عن المنطقة، كل هذه سياقات يجانبها الموضوعية الشكلية، لكنها تفتقر للسياقات التحليلية والاستقرائية والتاريخية لفهم الموقف العماني المتغير من التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
فتلك المقاربات العلمية المتعددة، لو احتكمنا لها سوف تضعنا في جوهر السياق الموضوعي على عكس لو اعتمدنا مقاربة علمية واحدة لفهم الموقف العماني، مثلما جنحت إليه تلكم التفسيرات باعتمادها المقاربة التحليلية فقط، مما أغرق في نتاجها الكثير من الأقلام العمانية عبر ردود فعل تحليلية أحادية التفسير والتأويل، وذلك عندما اعتبرت الانضمام سيكون صوريا أي شكليا، رغم أن بيان وزارة الخارجية كان واضحا وضوح الشمس، وهو ما ننطلق منه مستخدمين كل المقاربات العملية لاستجلاء دوافع النقلة العمانية من الرفض للتحالف إلى المشاركة فيه الآن، ولماذا الآن ؟
جاء تبريرات وزارة الخارجية العمانية لقضية الانضمام للتحالف الإسلامي، بأنه يأتي في سياق الفهم المشترك للدول الإسلامية، وعلى وجه الخصوص دور قيادة السعودية على أهمية تحقيق السلام والامن والاستقرار في المناطق التي يسودها العنف الارهابي المسلح.
وعبارة “الفهم المشترك” يعني أن المفاهيم والرؤى تتلاقى الآن حول تحقيق السلام والأمن والاستقرار في مناطق الإرهاب الإقليمية، وهذا يعني أنه لم تتوفر عند إنشاء هذا التحالف عام 2015م فهما متفقا ولا مشتركا، وإنما كانت تسوده الضبابية التي كانت تفسر بالعدائية للأنظمة والشعوب، وذات حمولة مذهبية اقصائية، من هنا، كان الموقف الأول منطقيا مع التسليم بجوهر الفكرة والانتظار حتى تتضح الرؤى والأهداف، حيث كان الموقف العماني في حينها مرحبا به ، ولكنه رافضا المشاركة فيه، بسبب تلكم الخلفيات.
وقد كانت هناك مجموعة تساؤلات دون إجابة، مثل: التحالف ضد من؟ وما هي عدد قواته؟ وما هو مستقبله؟ وما هي حجم ميزانيته ونصيب الدول المشاركة؟ ولماذا تكون الرياض مقر قيادته؟
وقد حللنا هذه التساؤلات بكل تفاصيلها وخلفياتها في لقاءنا أمس الأول في منتدى الوصال مع الزميل موسى الفرعي، ووقفنا من خلال حوار ذهني عاصف عند عبارة “الفهم المشترك” الواردة في بيان وزارة الخارجية، ففيها حمولات دلالية قطعية، تفسر لنا السبب الحقيقي وراء الانضمام العماني الآن للتحالف الإسلامي العسكري، فهي تعني التلاقي المرحلي الآن بين الرؤية العمانية مع الرؤية الإسلامية وبالذات السعودية لمكافحة الإرهاب، على عكس إبان ولادة هذا الكيان، الذي كان يمكن أن يفسر في حينها بتحول السياسة الخارجية العمانية مما قد يؤثر ذلك سلبا على أدوارها في الأزمة اليمنية، خاصة وأن الاعتقادات التي صاحبت هذه الولادة، كانت ترجح مشاركة هذا التحالف الإسلامي في الحرب اليمينة، كما كان سيؤثر على علاقة مسقط بطهران في ظل اعتقاد أخر، بان وراءه بعد مذهبي إقليمي .
هل حملت الدول الست إلى الفهم الصحيح والرؤية الواضحة لدور ومستقبل التحالف الإسلامي أم كان سببه القناعة الذاتية؟ ليس هذا الأهم ، إنما يكمن في أن الإرهاب المسلح بدأ ينحسر في المنطقة، وانها -أي المنطقة- تدخل في مرحلة جديدة لا تقل خطورة عن مرحلة خيار القوة العسكرية على الإرهاب، فالقاعدة وداعش منتشرة في المنطقة بصورة تدعو للقلق.
من هنا لمسقط مصلحة وطنية خالصة، يكفي بها لوحدها من مبرر للانضمام، وهى أنها سوف تستفيد في حالة انضمامها الى التحالف من القدرات المعلوماتية والاستخبارية وقواعد البيانات المتوفرة في الدول الإسلامية، كما إن مشاركتها بعد أن تقاربت رؤيتها مع الاشقاء تبعث مع الدول الإسلامية للعالم رسالة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وهى أن المسلمين ليس لهم علاقة بهذا الشر المستطير الذي دمر العالم الإسلامي قبل أن تصل شروره إلى كل مكان في العالم.
ولا نذهب مع الكتابات التي تتوقع مشاركة عمانية صورية -أي شكلية-في التحالف الإسلامي، فبيان وزارة الخارجية كان واضحا في هذه المسألة، ففي فقرة أخرى منه تنص أن السلطنة سوف تبذل كل الجهود مع الأشقاء والأصدقاء لتوفير بيئة إقليمية يسودها الأمن والسلام في هذه المرحلة التي يتوجب تعاون كل الأطراف لتحقيقها، وهنا لا يشترط العمل العسكري، فهناك أسلحة أخرى لها ذات الاهمية العسكرية بل هي الأفضل في مرحلة انحسار الإرهاب المسلح، وهي الأسلحة الفكرية والإعلامية والمالية والاقتصادية.
لن ننكر أو نخفي هاجسنا من احتمالية توغل الارهاب الفكري لبلادنا في مرحلة انحساره المسلح، وسعيه لاختطاف أجيالنا نحو التعصب والتكفير، وبالتالي، فإن انضمام مسقط للتحالف لن يكون صوريا، وقد صدقت التصريحات الخليجية الرسمية عندما أعلت من ترحيب انضمام السلطنة الآن للتحالف الإسلامي، لأنها تعلم تجربتها في تحصين مجتمعها، وتعلم مدى جديتها إذا ما اقتنعت في الدخول في عمل جماعي مشترك، ونعلم علم اليقين، أن محاربة الإرهاب ليس سلاحه الوحيد القوة العسكرية.
وهنا ينبغي أن نستحضر ولو سريعا تجربة البلاد في تحقيق السلم المجتمعي والاستقرار والأمن للبلاد، فهناك عدة مسارات اتخذها عاهل البلاد قبل استخدام القوة العسكرية، وأخرى موازية لها ، وحتى في حالة خيار القوة العسكرية، فلم تكن انتقامية ولا تدميرية، وإنما كانت ناعمة على المجتمع، بحيث لم تترك وراءها تداعيات تضرب الحاضر ولا المستقبل، فلم تحرق القوة العسكرية الجبال أو تقتلع الاشجار من أجل القضاء على بقايا العنف الرافض للمرحلة الوطنية الجديدة ، وإنما استخدمت الوسائل الاخر ، الإعلام والمال التنمية والاقتصاد والتعليم ، فنجحت في إعادة صناعة الذهنيات بتلك الأدوات وبسياسة عفا الله عما سلف، وكان لنا هذا الحاضر الآمن والمطمئن الذي نخشى عليه من أية اختراقات إرهابية في ظل تموقعات بلادنا الجغرافية .
مما تتقدم، نرى أن انضمام السلطنة للتحالف الاسلامي العسكري فيه مصلحة لها خاصة وللمنطقة عامة، وأن هذا الانضمام قد جاء الآن بعد أن تقاربت الرؤى، وتوافقت على الأهداف والنتائج، وبالتالي، نسحب مفردة المفاجأة من هذا الانضمام، ونعلي من شأن السياقات الطبيعية للممارسة السياسية للدبلوماسية العمانية، وفق ما أكدناه سابقا، ومن خلال لقائنا أمس الاول في منتدى الوصال، كما أننا مع ذهابنا عسكريا الى أية منطقة إرهابية – اتفاقا واتساقا مع الدول المعنية – تشكل تهديدا مباشرا لأمننا الوطني، ولن نستبعد استخدام القوة العمانية إذا ما انضجت قناعة التهديد، فالعدو متغير، وقد اصبحت قوى للادولة وليست دولة ، من هنا يحتم التغير في المسارات .
http://www.atheer.om/archives/359015...4%d8%a7%d9%85/
