عبدالناصر سلام الغوري: ايران والخليج: براغماتية هنا.. وتهور هناك

عبدالناصر سلام الغوري



لطالما وصفت السياسية الخارجية لدول الخليج العربي في تعاملاتها مع المحيط الدولي بالبرغماتية وهو ما ساعدها في الاحتفاظ بقدر كبير من الاصدقاء الذين ساعدوا في استمرارية انظمتها المتصلبة فيما يخص الحقوق والحريات لدى المواطن الخليجي بمساعدة الفورة النفطية بدون ادنى شك في ذلك .



غير ان تلك السياسية البرغماتية لطالما كانت متصلبة ودائما ما كانت تصدر نتيجه اهواء وامزجة صانعي تلك السياسة على المستوى الاقليمي فيما يخص قضايا المنطقة بحيث استطاعت وبجدارة خبير محترف من اشعال فتيل التوتر والاضطراب في اغلب الدول العربية كذلك الامر مع ايران التي لا نستطيع ان نجد مبرر لتعامل تلكم الدول بذلك الشكل من العجرفة والتحجر تجاه اي بوادر وحلول يمكنها من ايجاد نقاط مشتركة معها .


المتابع لتصريحات مسؤولي السياسة الخارجية لدول الخليج عبر السنوات الماضية وبالذات المملكة العربية السعودية يلاحظ ان الهدف منها اثارة غضب المارد الايراني لجعله يخرج عن طوره وينزلق الى خيارات غير محمودة العواقب لاسباب نجهلها .


قبل يومين قام وزير الخارجية الكويتي بالذهاب الى ايران حاملا رسالة من دول الخليج لعرضها على المسؤولين الايرانيين تتضمن اسس للحوار وازالة العقبات فيما بين تلك الاطراف .



في الملف الاقليمي خسرت دول الخليج مجتمعة عدة ملفات لصالح الجمهورية الاسلامية التي استطاعت دون اي خسائر تذكر بعكس الأولى التي انفقت المليارات لتحقيق انتصارات وكبح النفوذ الايراني المتصاعد والمستمر في المنطقة سواء في لبنان وسوريا والعراق واليمن وقريبا مصر , السبب لا يعود للجبروت الايراني بقدر ما هو نتيجة للغباء الخليجي في رؤيته وتصوراته لأزمات المنطقة .


كما تمت التضحية بالعراق من قبل دول الخليج التي باعته بثمن بخس للولايات المتحدة واستطاعت ايران جني ثمار تلك الصفقة بكل دهاء , لبنان ايضا استطاع الخروج من هيمنة المملكة السعودية وهو ما ترجم في ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية والامر ايضا في سوريا تم تدمير سوريا بفعل المليارات الخليجية التي ضخت للمعارضة بشكل اسلحة ومعدات عسكرية غير ان التدخل الروسي احبط كل أمل خليجي بالانتصار وبدأت تخرج من الازمة السورية كما يتسلل اللص .


صرفت مليارات او بالمعنى الصحيح مئات المليارات بسبب تدخل دول الخليج بقيادة السعودية بشكل مباشر بكل ألآتها العسكرية والاعلامية والاقتصادية ضد افقر دولة عربية على الاطلاق , شعب يكافح منذ نعومة اظفاره جيل بعد جيل لينتصر على ازماته وصراعاته الداخلية والنتيجة اليمن خرج والى الابد من كونه حديقة خلفيه والحرب التي شنت على شعبه لم تكن سوى صك عتق من عبودية استمرت ستون عام .


لم تكن دول الخليج تحمي أمنها القومي وامن انظمتها وشعوبها وقيم الحياة التي الفوها وهم يحرقون محطيهم وامنهم القومي لصالح الأمن القومي الخليجي فالأخير ليس مستقل عن منظومة الأمن القومي العربي بقدر ما يكون جزء منه وبخرابه لا قيمة ولا ضمان للأمن القومي الخليجي .

ادركت الدول الخليجية مخاطر ذلك الرهان الخاسر التي رمت بكل اوراقها من اجله فطار وزير الخارجية الكويتي الى ايران بتفويض من قبل ملوك وامراء دول الخليج لاتقاء عاصفة النار التي اشعلوها حولهم ..


ليست ايران بالدولة التي تسيرها وتوجهها العواطف والمشاعر التي نعيشها ونبني سياستنا واستراتيجياتنا وفقا لها نحن العرب , ان كان في العالم من نظام معقد بيروقراطيا ومؤسساتيا كالنظام الامريكي فهو النظام الايراني الأمر الذي يستوجب من دول الخليج المرونة والعمل بعقلية رجال الدولة لا بعقلية مشائخ القبيلة والذي انتهجته دول الخليج في التعامل مع اي خلاف اقليمي مع بعض الدول العربية .


نتمنى ان تكون سياسة دول الخليج تجاه قضايا وازمات المنطقة بنفس البرغماتية التي تنتهجها مع المجتمع الدولي وخاصة الغربي فهذا الخيار افضل من سابقيه والذي مزق المنطقة وفتتها وجزئها الى كنتونات ضعيفة مهترئة .


واذا نظرنا الى اليمن فإن الغبي فقط من يكابر ان السعودية لم تهزم في اليمن ووراها عشر دول مجتمعة انسحبت تدريجيا من الازمة اليمنية ولم تبقى سوى الامارات المتحدة والمملكة السعودية فقط , ف عامين من عمر الحرب التي شنتها السعودية على اليمن لم تحقق فيها اي انتصار باستثناء عدن فقط .

البعض يقامرويؤكد ان المملكة استعادت بما يقدر من 70 % من مجمل اراضي الجمهورية اجيبه كمواطن يمني ان تلك المساحات من الاراضي تمثل بما نسبته 20 % من مجمل السكان المتمركزين في شمال شرق اليمن ناهيكم عن ان الدولة اليمنية الفقيرة لم تكن حاضرة في تلك المناطق عقود من الزمن .


نتمنى من المملكة ان تستسلم للمنطق وتكف عدوانها عن اليمن كون الشعب اليمني هو من يعاني من تلك الحرب والمآسي التي سببوها له وعليها التفكير ببدائل وخيارات اخرى كونها لن تستطيع الانتصار في الحرب فأهل اليمن ادرى بشعابهموعليها ان تنسى ان ولو بمنطق الغريق الذي يستنجد بقشة لينجوا ان تتوهم ان هناك فرصة بالانتصار فتلك الفرصة ولت دون رجعة في اول شهر منذ بدء العدوان . ونتمنى ان تكون بنفس العقلانية التي تتعامل بها مع الدول الاخرى ذات النفوذ القوي ك ايران .

http://www.raialyoum.com/?p=611982