على أي بطون يجب أن تربط الأحزمة؟
د. سيف بن ناصر المعمري
في ظل هذه التحليلات اليومية للوضع الاقتصادية وتأثيراته على المواطنين نجد البعض يحاول الابتعاد عن الحلبة الرئيسية التي يجب أن يتكلم مع أصحابها، نجده يحوم حول الحمى يخشى أن يرتع فيه، الحمى الذي يعمل جاهدا على إبعاد نفسه عن تحمل المسؤولية أو عن التضحية في هذه المرحلة عن بعض المكاسب التي يعرف الجميع أنه حصل عليها -ولا يزال -ليس نتيجة جدارة أو استحاق، وفي ظل هذه الخطابات التي ترفع من أجل التضحية من أجل الوطن لم يخرج علينا أي أحد من الذين بطونهم ممتلئة طوال هذه السنين من امتيازات هذا الوطن رابطا حزاما قاسيا من أجل الوطن، ونحن نعلم مدى حاجتنا في هذه الفترة لتقديم القدوة للآخرين لكل ما ننادي به حتى يكون له معنى وتطبيقا.
لما أذن يخاطب هؤلاء البسطاء بمثل هذه اللغة والشعارات وهم ليس لديهم اصلا حزام ليشدوه على بطونهم الضعيفة، ما الذي سوف نستفيده من عصر بطون لا تحمل شيئا يمكن أن يستفاد منه، هذه البطون التي نريدها أن تشد الأحزمة وتضحي وتتعقل وهم في أوضاع اقتصادية لا احد يريد أن يلتفت، لكي تشدوا على بطونهم الحزام يا أصحاب الأحزمة والكلمات التي لن يجني منها هذا الوطن في هذه الأوقات إلا الانحراف عن الطريق الذي يمكن أن تسلكه المعالجات الاقتصادية العميقة التي تنهض بالاقتصاد الوطني.
والسؤال لا يزال قائم أي بطون لابد أن تشد الأحزمة؟ في كل الحالات إذا كان الهدف اقتصادي فإن البطون المتخمة هي التي يجب تشد الأحزمة عليها إن أردنا التوفير، وإن كان الهدف صحي فإن شد الأحزمة على البطون الممتلئة سوف يجعلها أكثر صحة ويحفزها على أن تكون في وضع تعطي فيه أكثر مما تأخذ، وإن كان الهدف الديني فإن شد الأحزمة سيجعلها توفر بعضا مما تأخذ لتعطيه لأصحاب البطون الضعيفة، إذن دعوات شد البطون توجه إلى غير أصحابها ولذا لا يمكن أن نحقق بها أي من هذه الأهداف.
في الدول المتقدمة حين رفعوا هذا الشعار الكبير . طبقه أول من نادى به ..فهذا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون يسافر ومن معه من ووفود على الدرجة السياحية ويقللون النفقات ليوفروها لأولئك الذين لا يملكون اصلا أحزمة يشدونها على بطونهم الضعيفة، الذين يحملهم البعض عندنا مستقبل الأجيال القادمة.
لا أعرف من يجب عليه القيام بشد الأحزمة .هل من يملك ومتخم أم من لا يملك وبالكاد يستطيع سد متطلبات حياته في بلد كل شيء فيه باهظ الثمن.
لابد من احترام الظروف التي يعيش فيها المواطنين، وعدم السعي لاستثارة مشاعرهم بمثل هذه الطروحات التي تربط الأزمة لاقتصادية بهم، وتدعي أنهم يمثلون ضغطا بمطالبات غير منطقية، وبسلوكيات غير عقلانية، والواقع يقول أن الذين شدوا الأحزمة حتى الآن هم هؤلاء البسطاء الذين تقبلوا كل شيء من عدم الترقيات أو التوظيف، ودفعوا كل الزيادات على الرسوم الخدمية، فما الذي يمكن أن يفعلوه أكثر من ذلك هل يلزمون بيوتهم ولا يتحركون؟ أم يأكلون أياما ويصومون أياما أخرى؟ أم يتنازلون عن رواتبهم التي بالكاد تغطي تكاليف الحياة الغالية؟ أليس من الأجدر بدلا من التركيز على هؤلاء أن نشد الأحزمة على المناقصات والسياسات والعقود والامتيازات والمؤسسات التي بحكم الوضع يمكن الاستغناء عنها؟ من هنا يبدأ الطريق للحفاظ على حقوق أجيال المستقبل ..وكل الكلام في غير هذا الاتجاه يعتبر حرث في أرض غير الأرض التي يجب أن تحرث.
