الإجازة الرسمية بين المعارضة والتأييد
*الإجازة الرسمية بين المعارضة والتأييد*
عزة بنت محمد الكميانية- كاتبة عُمانية
في السنوات الأخيرة ظهر بعض الكتاب الذين ينتقدون الإجازة الرسمية التي تمنح في المناسبات المختلفة، لأنهم يعتقدون أنها أحد الأسباب في تردّي اقتصاد البلد، وبعضهم أتعب نفسه في حساب الخسائر التي يتعرض لها اقتصاد ما خلال تلك الإجازة وكأن الجانب المادي هو الأهم دون أي حساب للجانب المعنوي الذي لا يمكن أن نقيّمه بالمال، بالرغم من أن اجتماع الأهل والتفافهم حول بعضهم لا يساوي الملايين من المال، ولم نعلم يوما أن اقتصاد دولة ما تردى بسبب الإجازات إنما اقتصاد البلدان يضعف لأسباب كثيرة منها الفساد والكسل وعدم التزام الموظفين بالقيام بواجباتهم، وعدم اكتراث المسؤولين بتنويع مصادر الدخل ووضع خطط لزيادة الدخل بعيدا عن الاعتماد على مصدر دخل متذبذب وناضب، ولو أن هؤلاء وعوا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” لما وصل حال كثير من الدول العربية لما وصلت إليه.
لم تكن الإجازات يوما عبئا على اقتصاد الدول، ففي أوروبا يمنح الموظفون والطلبة إجازة الكريسماس لمدة شهر دون أن يؤثر ذلك على الاقتصاد غير إجازة الايستر التي تمنح بداية الربيع وتمتد لمدة أسبوع أو أسبوعين، غير الإجازات الأخرى التي تمنح طوال السنة، وفي اسكوتلندا يوجد إجازة اسمها ( لونج ويكند) أو إجازة الأسبوع الطويلة تمنح بما لا يقل عن عشرين مرة في السنة بحيث يضم يوم الاثنين لإجازة نهاية الأسبوع مع السبت والأحد، وفي سنغافورة يعمل الموظفون أربعة أيام في الأسبوع، وفي ماليزيا تبدأ إجازة نهاية الأسبوع منذ موعد صلاة الجمعة وتمتد ليومي السبت والأحد، وقرأت قبل أشهر أن إحدى الدول الأوروبية تريد أن تخفض ساعات العمل لأن الإجهاد في العمل يؤدي لمشاكل صحية ونفسية كثيرة، أما في الدول التي تقدس العمل، ولا يأخذ موظفوها إجازات ويمتد عملهم لساعات طويلة في اليوم، نلاحظ أنها هي الدول التي تكون فيها نسبة الانتحار عالية جدا، كاليابان مثلا، فلا يستغرب أحد إذا رأى هناك أحدهم يأخذ قيلولة قصيرة في القطار أو حتى في الشارع؛ فجدول عمله المكتظ لا يسمح له بالعودة للبيت والهناء بدفء العائلة، ولا بأخذ قيلولة في فراشه الوثير، فما فائدة الركض واللهاث إن كان لن يهنأ في حياته؟!
عندما يدخل الإنسان في دائرة المشاريع الخاصة تبدأ نظرته للمال تختلف، لذلك نجد أصحاب الأعمال هم أكثر البشر لهاثا وراء المال، وليس عيبا أن يهتم المسلم بالكسب والربح الحلال ولكن لكل شيء قدر، وإن لم يكبح المرء زمام أمره منذ البداية سيكتشف لاحقا أنه أصبح عبدًا للمال، ولن يسمح لنفسه أن يخسر صفقة مربحة في سبيل منح عائلته وأطفاله فسحة ممتعة، فالصفقة أهم، وتظل حياته تدور هكذا وتكون الضحية العائلة، ثم نفسه التي يرهقها بالأعمال، وغالبا يرفه هؤلاء عن أنفسهم بعيدا عن العائلة بضرب عصفورين بحجر، عمل وترفيه ولكن بعيدا عن الأسرة.
نعلم جيدا أن عمان بلد كبير – ولله الحمد- ومعظم المواطنين ينتظرون الإجازات بشغف لأنها فرصتهم لعبور مئات الكيلومترات ليهنأوا بقضاء الإجازة مع الأهل، ليعودوا بعدها لعملهم أو دراستهم بروح جديدة وذهن متقد وحماس كبير، فالإجازة فرصة للهرب من أعباء الحياة والاختلاء بالذات أو الاجتماع مع الأهل لتجديد الدماء وتفريغ النفس من أعبائها المتراكمة.
وسؤالي لهؤلاء الذين يتحدثون بلغة الأرقام، وبلغة الربح والخسارة، بكم تقيمون فرحة أم تنتظر الإجازة بلهفة ليلتف حولها أولادها المتناثرون في البلاد كلٌ يتبع رزقه؟ وبكم تقيمون فرحة أب ينتظر أولاده بشوق ليقوموا عنه ببعض الأعمال التي أثقلت كاهله، وفرحة زوجة وأولاد ينتظرون رب أسرتهم ليؤوب للبيت لبضعة أيام لتهنأ العائلة فيها بعيدا عن اللهث وراء الأعمال، بكم تقيمون كل ذلك؟؟
إنها أشياء تحس ويشعر بها ولكن لا تشترى بالمال.