لماذا عشقت قابوس ؟؟!
كتبه : عادل السعيدي
إن المتأمل في شخصية قابوس .. يقف مذهولا لما تحويه هذه الشخصية من سمات وخصائص تفردت بها .. وقـَلّ في التأريخ البشري أن يوجد لها نظائر وأشباه ..
كتابتي عن قابوس .. ليس لأنه سلطان بلادي الواجب حبه .. أو تـَـمـَـلـُّـق منافق أو خائفا من عقاب .. فالسلطان لا يملك نفع نفسه أو ضرها فضلا عن نفعي أو ضري .. فالنافع الضار هو الله وحده لا شريك له ..
ولكنني - بكل تجرد وحيادية - أخذت على عاتقي دراسة هذه الشخصية الفريدة .. وما تجمعه من نقائض وأضداد .. وكم دعوت إلى تحليل ودراسة حياته وشخصيته .. فهو منهج متكامل للشخصية الإنسانية .. وليس مجرد قائد يحكم بلدا ..
1 - قابوس الثبات :
يتميز المنهج القابوسي بالثبات على القيم والأخلاق والمبادئ السامية .. منذ نعومة أظافره .. درس في بريطانيا وتخرج منها .. وتدرب في ألمانيا .. ولكنه ظل ثابتا على قـِـيــَـمـِــهِ وعاداته وتقاليده .. دراسته في أوربا لم تجعله منسلخا من إسلاميته وعروبته .. بل ظل محافظا عليها .. وأخذ من أوروبا ما هو إيجابي .. فيه خير وصلاح البلاد والعباد ..
وظل محافظا على ثوابته في فترة حكمه التي تتجاوز 46 عاما .. ولم نشهد تغيرا في مواقفه أو آرائه .. فلم يصادق أحدا ثم خاصمه .. ولم يتوجـّـه لأمر ثم عدل عنه ..
2- قابوس الخفاء :
يتحرك المنهج القابوسي في خفاء تام .. فليس من عبيد الإعلام وعشاق الشهرة .. وليس من المجاهرين بإنفاقهم وبذلهم وعطائهم .. عطاءاته وكرمه كالغيث الهاطل .. ولكن في سِرّيـّة تامة .. بحيث لا تعلم يساره ما تنفق يمينه . ولم يـحدث طوال سنوات حكمه أن صرح بعمل إنساني قام به .. أو مساعدة قدمها لأحد أبدا ..
3- قابوس البروتوكول :
جمع هذا المنهج بين الأخلاق الإسلامية السمحة وبين العادات العمانية الأصيلة وبين البروتوكولات الدولية .. فهو هو في شبابه وفي تقدم سـِـنــِّـه .. لم يلحظ عليه أنه خالف - سواء عن قصد أو غير قصد - أَيــًّـا منها .. حتى وهو في مرضه .. ظهر في خطابه لشعبه بما عهدوه منه .. ونزل من الطائرة على أرض الوطن ملتزما بها .. كنزوله منها أول مرة عام 1970 م .. بالرغم مما نعلمه من حالته الصحية إلا أنه الأبي الذي لا يتنازل عن بروتوكولاته وأخلاقياته .. وما حدث أن قدَّم رجله اليسرى على اليمنى أبدا .. ولو استدعى الأمر فإنه يقف ويقدم رجله اليمنى ثم يكمل .. وهذا أدب إسلامي رفيع قـَـلــَّـما يلتزم به أحد ..
4 - قابوس التواضع :
حاكم بلد لأكثر من 46 سنة .. وهو سلطان من سلالة سلاطين .. له تأريخ ضارب بجذوره في العالم .. ويحمل كل الحب والاحترام والتقدير من شعبه أولا ثم من العالم .. إلا أنه لم يتحدث في أي خطاب أو لقاء أو اجتماع عن نفسه وعن إنجازاته .. بل دائما يبدأ كلامه بالشكر والثناء لله عز وجل لتوفيقه وعونه .. ويختم بالدعاء والطلب منه التوفيق والسداد .. وإن أثنى فهو يثني على الحكومة وعلى الأجهزة الأمنية والعسكرية والقطاعين العام والخاص وعلى الشعب .. ولم يتحدث - ولو لمرة واحدة - عن إنجاز شخصي - بالرغم من كثرتها ووفرتها - .
5- قابوس الإلقاء :
يتميز هذا المنهج بقدرته الإبداعية في فنون الإلقاء .. فهو خطيب منبر مـُـفـَـوَّه .. له أسلوبه الخطابي البليغ .. وله أسلوبه الحواري البديع .. يتقن بمهارة عالية فنون الإلقاء .. فيختار للخطاب الجماعي أسلوبه المناسب .. وللاجتماعات أسلوبها .. وللقاءات أسلوبها ..
بأداء فائق وحرفية عالية .
6- قابوس الهندام :
يتميز هذا المنهج باختيار الهندام المناسب للمواقف المختلفة .. لا يلبس بشكل عشوائي أبدا .. له حكمة ونظرة ثاقبة في اختيار الزِّيّ الذي سيحضر به في المواقف المختلفة .. ولكل زِّيّ دلالة وإيحاءات تعبيرية .. والعجيب في الأمر - أن مظهره الخارجي يتناسب مع أي هندام سواء كان مدنيا أم عسكريا .. وهذا أمر نادر .. فليس كل لبس يليق ويزهو على مظهرنا الخارجي .. وهذا موضوع واضح يدركه المتخصصون في الأزياء والحضور الكاريزمي .
7- قابوس العلم والثقافة:
المنهج القابوسي موسوعي العلم والثقافة فهو ضليع في علوم الشريعة الإسلامية سواء علوم الشريعة أم علوم الحقيقة .. وعالم بالفلك والتأريخ بشكل منقطع النظير .. وهو مجيد للغة العربية الفصحى واللغة الإنجليزية والألمانية .. ومتقن للعلوم العسكرية والسياسية والاجتماعية .. وهو متذوق للأدب والفنون الموسيقية .. ورسام ماهر ومصور محترف وفارس مغوار ويجيد استخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة ..
8- قابوس العدالة :
يتميز المنهج القابوسي بتحقيق العدالة في كل الجوانب وعلى جميع طبقات المجتمع .. فليس لديه تحيز أو محاباة لقبيلة أو مذهب أو طائفة .. فهو قابوس الجميع .. وزع المناصب الكبيرة والمتوسطة والصغيرة على أبناء شعبه بكل حيادية وموضوعية .. مراعيا أن يضع الشخص المناسب في المكان المناسب ..
9- قابوس الإنسانية :
يهتم المنهج القابوسي بالإنسان أيا كان .. نظرته وطموحاته وأماله .. تجاوزت حدود بلده الجغرافية .. وتجاوزت قوميته العربية .. وأمته الإسلامية .. لتصل إلى كل الناس .. يفرح لفرح أي مجتمع إنساني .. ويتألم لألم أي مجتمع .. طوال حياته لم يفرح لمصيبة تعرض لها من يخالفه في دينه أو فكره ولم يتطاول على أي دين أو مجتمع ولم يتعرض بالقول والفعل لأي بشر .. وعندما تـَـمَّ ترسيم الحدود الجغرافية والسياسية بين عمان الحبيبة ودول الجوار الشقيقة كانت أوامره صريحة وواضحة بأن نتنازل عن كم كيلو متر أهون من أن تراق قطرة دم واحدة .. ولو تنازلنا عن بعض الأراضي فهي لن تذهب بعيدا فهذه دول إخواننا وأحبابنا وفائدتهم فائدتنا .. وما إن يسمع عن بلد تعرض لمصيبة إلا هـَـبَّ لمساعدتها دون تردد أو مماطلة .
10- قابوس التـَّدرُّج :
تميز المنهج القابوسي بالتـَّدرُّج والانتقال في سلم النهضة بخطى واثقة وهادئة .. تماشيا مع تطور المجتمع العماني وظروفه الحياتية العامة .. فلا تسرع عشوائي قد يقودنا للأمام خطوة ثم يرجعنا للخلف خطوات .. بل خطط استراتيجية واضحة ومرنة وعقلانية ..
11- قابوس التقوى :
يتميز المنهج القابوسي بالتقوى والورع والتواضع .. وقوة العلاقة الروحية بالسماء .. ومن يلحظ صلاته وخشوعه فيها يدرك ذلك جيدا .. وسمته ووقاره .. حتى وهو في بريطانيا وألمانيا كان مستمسكا بحبل الله المتين والعروة الوثقى .. هذا لا يعني عصمته.. فهو مثل بقية البشر ولا معصوم إلا المعصوم..
12- قابوس الأضداد :
لقد جمع المنهج القابوسي في شخصيته الكثير من المتناقضات والأضداد التي لا يمكن جمعها مع بعضها .. إلا أنه استطاع ذلك بكل اتزان وتكاملية وشمولية .. فهو المحافظ الذي لا يتنازل عن قيمه وأخلاقه وهو المبتعث للدراسة في أوروبا .. فاستطاع أن يجمع بين الأصالة والحداثة ..
وهو أيضا العسكري - صاحب أعلى رتبة عسكرية - بين العرب وهو المدني صاحب النهضة المباركة .. حيث استطاع بإتقان مزاوجة الصفات العسكرية كالشدة والحزم والالتزام والانضباط والهيبة والصفات المدنية كالحلم والتواضع والهدوء .. وبهذه المزاوجة الفريدة استطاع قيادة بلده العزيز .. فهو الحليم في موضع الحلم والشديد في موضع الشدة .. المرن في بعض المواقف والحازم في أخرى ..
وكثيرا ما تـَشـُدُّني مشيته العسكرية في لباسه العسكري .. ومشيته المدنية في لباسه المدني .. يتقنها بشكل يضاهي الكثير من أقرانه من حكام دول العالم ..
13- قابوس السلام :
يتميز المنهج القابوسي بأنه رجل السلام العالمي .. ولن أسهب الكتابة هنا فحصوله على جائزة السلام الدولية من أمريكا في 16 أكتوبر 1998م.. وجائزة السلام من روسيا في 18 يوليو 2007 م .. وجائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي من الهند عام 2007 م دليل قاطع وبرهان ساطع على ما يحمل في قلبه الكبير من حب ومودة وخير وسلام للبشرية جمعاء ..
ولعل عناية المولى الكريم اقتضت أن يكون هذا الإنسان منفردا في كل شيء .. حتى في اسمه .. فاسمه قابوس .. اسم فريد من أسماء العرب ..
ختاما أقول :
(( قابوس بن سعيد منهج إنسان ونظام حياة ودستور حكم وشريعة قيادة ومنظومة ثقافة .. وليس مجرد بشر عاش في حقبة معينة من التأريخ سلطانا على بلد عربي يدعى عمان )) .
كتبه : عادل السعيدي
23 . يوليو . 2017
