قـصــــة أبـو الـروس مــع قــضــعــان*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
كان أبــو الــروس رجل تاجر و هـو التاجــر الوحيد في قريته وقـــد تزوج بامرأة من بنات بلدتــه
وعاش معها وعاشت معه في حب وئام تام مع أنها بنت شابة وهو قد خطه الشيب وطعن في السن*
وهي سليلة معشر قوم كرام ولكن الدهر جــار عـليهم وسلب الكثير من ممتلكاتهم*
وكانت هذه الزوجة الشابة قد رزقت منه بعض البنيات مما زاد علاقته بها وزادت علاقتها به*
ولكن الرجل يسير إلى الهرم بسرعه كبيرة لأن الانحدار إلى النهاية أسرع من الصعود إليها
والإنسان في حياته قد شبهوه بصاعد الجبال فهو يصعد رويدآ رويدآ فإذا بلغ القمة انحدر كجلمود*
صخر حطه السيل من أعلى*
وكان هذا التاجر مقتصدآ في معيشته ومقتصدآ في الأنفاق على زوجته وبناته وقد يتجاوز في انفاقه في بعض الحالات
إلى درجة البخل والتقتير وكانت زوجته لاتعارضه في شيء من تصرافته بل كانت تبدو في جميع الحالات*
راضية قانعة وكان من عادة هذا التاجر أن يشتري لأهله مرة في الأسبوع لحمآ*
وهو لايعمد إلى أطايب اللحم عندما يريد الشراء وإنما يشتري الرأس وما يتبعه من فراسن الشاة لأن هذه دائـم تكون رخيصة*
وهي في نظر هذا التاجر مغذية ومفيدة وفي شرائها بعض التوفير للمال*
وكان هذا التاجر قد تعامل مع أحد الجزارين بأن يشتري منه الرأس في يوم معلوم من كــل أسبوع وقد اشتهر هذا التاجر في قريته*
بهذه الطريقة حتى اشتهر عند الناس وصاروا لايعرفونه إلا باللقب الذي ألصقوه به وهو أبو الروس*
وفي يوم من الأيام أشـتـهى اللحم في غير موعده فذهب إلى الجزار يبحث عن الرأس وملحقاته من الفراسن فقال الجزار لقد بعته فقال التاجر
إنه لابد لي من رأس هذا اليوم وأنا محتاج له فلماذا لاتذبح ذبيحة أخرى فتبيعني رأسها وتبيع لحمها على الآخرين*
فقال الجزار إن القريه لاتحتمل أكثر من ذبيحة واحدة ولكن إذا كنت مصرآ على شراء الرأس في هذا اليوم فاذهب إلى القرية
الفلانية فهي قريبه منا فإن فيها جزارآ لايذبح ذبائحه إلا في وقت متأخر فإنك قد تجد عنده ماتريد*
وذهب التاجر إلى تلك القرية وكان بطيء السير فلم يصلها إلا متأخر وسأل عن الجزار حتى وصل إليه*
وطلب منه أن يبيعه رأس الذبيحة وفراسنها*
فقال له الجزار لقد جئت متأخرآ وقد بعت الرأس قبل تجي*
ولكن القرية التي بجوارنا فيها جزار يذبح أكثر من ذبيحة وقد تجد عنده أحد الرؤوس إذا أسرعت في سيرك*
وذهب التاجر إلى تلك القرية ولكنه لم يصلها إلا متأخرآ وعندما سأل الجزار لم يجد عنده شيئآ من طلبه*
ولكن الجزار نصحه بأن ينام في القرية فإذا جاء الصباح فإنه سوف يجد مطلوبة*
وكان الليل قد أقبل وهذا التاجر لايستطيع أن يعود إلى قريته في تلك الليلة الظلماء*
فقرر أن ينام في تلك القرية فإذا جاء الصباح عاد إلى قريته*
وكان هذا التاجر غير معروف في هذه القرية كما أنه لا يعرف شخصآ يستطيع أن يكون ضيفآ عنده فقرر أن ينام في المســجـد*
وتوضأ وذهب إلى المسجد لصلاة المغرب*
وعندما انتهى من صلاة المغرب لم يشعر إلا برجل بهي الطلعة جميل الشكل نظيف اللباس يسلم عليه فقد عرف أنه غريب*
فدعاه ليكون ضيفآ عنده في هذه الليلة فلم يكن من التاجر إلا أن فرح بهذه الدعوة واستجاب لها دون تـردد*
وذهب مع مضيفه إلى داره وقـام المضيف وأوقد النار ووضع عليها لـوازم القهوة والشاي ثم ذهب إلى أهله فإخبرهم أن لديه ضيفآ عزيزآ*
ثم عاد إلى ضيفه فصار يحادثه ويؤانسه ويسليه فتارةً يصب له القهوة وتارة يصب له الشاي*
وحان وقـت صلاة العشاء وسمعوا المؤذن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح فتوضأ الجميع ثم ساروا إلى المسجد*
فصلوا مع الجماعة ثم عادوا إلى منزل المضيف فوجدوا الأكل جاهزآ فقدم الرجل لضيفة مائدة عامرة بأطيب الطعام وأطيب اللحوم*
فأكلوا حتى شبعوا ثم انتقلوا إلى مجلس الرجال فوجدوا القهوة والشاهي جاهزين فصاروا يشربون ويتحدثون*
وكان التاجر يتعجب من كرم مضيفه ويريد أن يعرف شيئآ عن مصدر رزقه*
ولكنه لايستطيع أن يسأله عن ذالك مباشرة وبلا مقدمات ومناسبات*
ولهذا فقد صار الضيف يتحدث عن نفسه وعن السبب الذي جاء به إلى هذه القرية وقد أختلق سببآ يخالف الحقيقة*
وقال إنني تاجر من القريه الفلانيه واسمي فلان ابن فلان ولي دين على أحد الباديه الذي بلغني أنه يسكن بالقرب من قريتكم*
وقد جئت إلى هنا لهذا السبب فلم أجد البدوي الذي أطلبه*
وأدركني الليل وأنا ضعيف النظر فرأيت أن أنام في قريتكم وفي الصباح أعود إلى بلدتي*
وعندئذ رأى المضيف أن يصارح ضيفه بكل شيء كما صارحه ضيفه بكل شيء*
فقال المضيف لضيفه أنا رجل ليس عندي تجارة وليس عندي فلاحة وليس عندي عقار أستغله وأصرف من أجوره على نفسي*
وعلى من أعول ولكن الله قد وهبني صحة تامة وشكلآ مقبولآ ولسانآ معسولآ وقبولآ عند النساء فلاتراني*
امرأة إلا تعلقت بي ورغبت أن تكون زوجة لي وقد أعطاني الله قدرت فائقة على جميع ماتحبه المرأة من حديث عذب*
وأشعار مسلية وقصص غريبة بحيث أنني أستطيع أن أرضي زوجتي في النهار بالحديث العذب وفي الليل بما يطيب للنساء*
ولهذا فإنني إذا علمت أن رجلآ تاجرآ قد توفي وترك بعده أرملة وترك لها أموالآ فإنني أذهب إليها*
وأخطبها من أهلها فإذا رأوا مظهري وسمعوا حديثي وعرفوا أصلي وفصلي زوجوني وعندما أتزوج تجد مني زوجتي كلما تحب فتطلق
في يدي كـل أموالها فأنفق من تلك الأموال بكرم وسخاء فإذا نفد ماعندها بحثت عن أرملة أخرى تشبهها ثـم طلقت الأولى وتزوجت بالثانية*
وهكذا دواليك لاأكاد أنفد مال واحدة حتى أسمع عن أخرى مات زوجها فأتزوجها*
أما هذه الأيام فإن زوجتي الحالية لا يزال لديها بقايا من المال سوف أنفق منه وأقتصد فيه حتى يموت تاجر أخــر في القريه الفلانيه*
يلقب باأبـو الروس لأنه من شدة بخله لا يشتري لأهله إذا أشتهوا إلى اللحم إلا الروس لقلة ثمنها وزهد أكثر الناس فيها*
وهـو كما بلغني رجل كبير في السن ولديه زوجة شابة فإذا بلغتني وفاته فإنني سوف أطلق زوجتي هذه وأذهب إلى قرية أبو الروس فأتزوج بأرملته من أجل ماله*
وهكذا يكون رزقي وهذه هي طريقتي في الحياة فقال الضيف أبــو الروس إنها طريقة مريحة ومربحه وآراءوك في هذا الأمر صريحة والله سبحانةوتعالى*
قسم الأرزاق على عباده فجعل رزقك عن طريق الأرامل والإيتام*
وسمع أبو الروس هذا الكلام ووعاه وأسره في نفسه ولم يكشف لمضيفه أنه هو المعني بهذا الكلام وقال أبو الروس أييييه ياقضعان أثرك حاط عينك علي وتعد العده لي*
يعني منطبق عليك المثل الذي يقول حياته على الله ورزقه على خلق الله لكن هييين ياقضعان مدام العلم كــذا إن شـاء الله ســوف أحـرمـك من مــالي وأم عيـالـي*
وجاء الصباح فودع أبو الروس مضيفة قضعان وشكره على كرمه وحسن ضيافته ثم أخذ طريقة إلى قريته*
وعندما وصل إلي قريته توجه إلى حانوت الجزار فوجده قد ذبح ذبيحة جديدة وكان قد أعد له الرأس وما يتبعه من الفراسن وبمجرد وقوف أبـو الروس*
على الجزار قدم له الرأس فأعاده أبـو الروس إليه وقال لــه*
لقد سئمنا من أكل الرؤوس أيُه الجزار ومن الآن فصاعدآ لن نشتري شيئآ منها بل إنني سوف اشتري منك من أطايب ونوادر لـحـم الذبيحة*
فقال الجزار إن أطيب ما في الذبيحة فخذها فقال أبو الروس أعطني فخذآ كاملآ فقطع له فخذآ كاملآ وهو يتعجب من هذا التحول الغريب المفاجيء*
ولم يعرف شيئآ عن تلك الأسباب*
وذهب التاجر بهذه الفخذ إلى زوجته وأعطاها إياها فكان عجبها من هذا التحول أكثر من عجب الجزار فأخذتها وتعجبت من الأسباب التي جعلته*
يغير من عادته فما عهدته هكذا مع طول عشرتها له وقام التاجر يشتري كل غالي وثمين من المأكل والملبس لزوجته وبناته*
وبـعـد ذلك فلم يكن من الزوج إلا أن قص على زوجـتـه قصته الأخيرة في البحث عن الرأس وكيف ساقه هذا البحث إلى أن يكون ضيفآ على قضعان ووصف لها قضعان وكرمه*
وطريقته في الحياة و أنه صارحه بدون أن يعرف أنه التاجر الملقب باأبـو الرؤوس وبما كان يخطط له من الاستيلاء على ثروته وزوجته من بـعـده*
والإنفاق منها في بذخ وإسراف ثم أردف هذا التاجر إلى ماسبق قوله*
إننا نريد أن نأكل أموالنا قبل أن يأكلها قضعان ولن أبخل عليك أو على نفسي وأولادي بشيء بعد الآن*
ثم ختم حديثه بهذه الأبيات الشعرية التي ركز فيها على خلاصة تجربته فقال*
لاتعجبي يازوجتي من فعايلي*
..... لقيت مالي لو بقي مابقالنا*
نبي نبيد المال قبل يبيدنا*
..... وقبل يجي قضعان ياكل حلالنا*
يعطيه من ورثه لمن لاتعب به
..... وتحرم منه زوجاتنا مع عيالنا*
وبعد هذه الأبيات الشعرية وما فهمته منها قالت لزوجها إن الإسراف حرام والأ قتصاد نصف المعيشة وأنت بحول الله وقـوته تتمتع بصحة جيدة*
وأرجو أن يموت قضعان هذا قبل موتك لتأمن على زوجتك وبناتك وتأمن على ثروتك*
ثم استمرت الزوجة في مثل هذا الكلام الذي يبدد مخاوف زوجها من قضعان وخطره*
ولكن الزوج علق على كلام زوجته بقوله أنه لايوجد في هذه الدنيا قضعان واحد فقط ولكن يوجد فيها قضـاعـون كثيرون وقد رمتني الصدفة
في ضيافة أحدهم وأنا لاأشك بأن هناك الكثير من أمثاله القضاعـون*
وعند ذلـك رأت الزوجة أنه لافائدة من اقناع زوجها بأن قضعان سوف يموت قبله*
واستمر هذا التاجر ينفق على نفسه وعلى من يعولهم بكرم وسخاء منقطع النظير والله سبحانه هو مقلب القلوب وهو السميع البصير*
