المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهل الباطن
راحوا الطيبين؟!
عبدالله الشيدي
17/9/2014م
أزمةٌ كبيرةٌ تلك التي نعيشها في هذه الأيام، فلم يعد يكفي الإنسان منا مجرّد العيش، بل سعى ليعيش أحسن وأرفع وأجل مما يستطيع، فتباهى بالقصور التي لا يملك، والسيارات التي لا يستعمل أو لا يريد أصلاً، وزرع في أولاده أنك يجب أن تكون أحسن من فلان إبن جاره، فزجّ به في المدارس الخاصة، وتغنّى بمنصبٍ جديدٍ ربما لن يعمّر فيه طويلاً. ولم يعِ الإنسان بعد بأنه يغير جلده للأسف الشديد.
كان نفس الإنسان هذا يعيش في منزل بطابقٍ واحدٍ وثلاث غرف يحوي على ثلاث أسر، وكان المكان واسعاً جداً لإستقبال الضيوف، بل وحتى مبيتهم، وقد تعلم في مدارسٍ غابت عنها حتى أبسط مظاهر الحضارة ومن منا لا يتذكر الكرسي ثلاثي المقاعد؟!!، والسيارة الوحيدة التي كانت تخدم الحي من فئة " البيك-أب" ولا أخفيكم سراً عن الجمال الذي كنا نراه في "الكريل" أو القمرة الخلفية لتلك السيارة حتى أننا كنّا نأبى الجلوس على المقاعد المخملية لرتابتها ومللها، بل كان الجالس عليها يُعتبر في شرعنا معاقباً ذلك اليوم. وكان ذلك الإنسان أسعد ما يكون على رغم بساطته، فكانت قناعته تسبي إليه جميع ملذات الحياة دون أن يكون له نصيبٌ في تذوّقها.
والعجبُ كلّ العجب في التحول الرأسمالي الذي قلب الموازين رأساً على عقب، فبالرغم من أن الإنسان لا يزال هو نفس الإنسان، إلا أنه راح ليسكن قصراً غلب على أروقته الظلام لأنها لا تجد من يعبرها، فالقصر بغرفه الفارهة المتعددة يسكنه شخصين وطفلين وخادمة، وبقيّة الغرف تسمع لأبوابها صريراً بسبب الصدأ الذي تراكم على سانداتها، ويرجع الإنسان ليقول لك بأنه يحس بأن البيت ضيق ؟!! وأنه يبحث عن مقاول لزيادة الطابق الثاني!!؟ وأن سيارته الحالية لا تكفي إحتياجاته ويبحث عن سيارة عائلية بسبعة مقاعد، لتحمل من عليها يا صديقي!!؟؟ ولم تعد المدرسة الحكومية تنفع لتعليم إبني الذي سيذهب للمدرسة للمرة الأولى، ولقد سمعت عن مدرسة خاصة أفتتحت حديثاً ثنائية اللغة صحيح أنها غالية قليلاً لكن كل ذلك يهون في سبيل أن يتعلم طفلي!!؟؟ يا رجل أولم تتعلم أنت، وأم الطفل بل وحتى مدرّسه أو مدرّسته في المدارس الحكومية!!؟؟ بل هي الموضة يا صاحبي .. هي الموضة
فبعد أن كانت الثلاثمائة ريال التي يستلمها الأب ليربيك أنت وخمسةً من أخوتك على الأقل، وعلى كاهله أيضاً أسرته وأمه وأبيه تكفيكم جميعاً، ما عاد الألف والألفين يكفي لك أنت وزوجتك وأبنيك وخادمة، بل وزيادةٌ على ذلك أنك لست سعيداً أبداً ولا تجد وقتاً لأسرتك. فسبحان الله رحم الله من قال "راحوا الطيبين ".