عيني في الرستاق .. عبق التاريخ ومقصد محبي جمال الطبيعة
https://up.omaniaa.co/do.php?img=1680
يأتي تسميتها لوجود عين الكسفة فيها
الرستاق ـ من منى الخروصية:
يظهر أنّ سبب تسمية بلدة (عيني) بهذا الاسم هو وجود عين الكسفة فيها، وأصل التسمية (عَيني) بفتح العين، لكن درج في اللهجة نطقها بكسر العين (عِينِي) وأصبح هذا الاسم علماً للبلدة التي تقع فيها عين الكسفة، وينسب إليها من سكن بها فيُقال:(العيني)، وهذه التسمية للبلدة قديمة، إذ تنصّ عيها المؤلفات العمانية منذ القرن الثالث الهجري.
تقع البلدة في قلب الرستاق، وتحيط بها قرى أخرى تتبع الولاية، فمن الغرب يحدها مخطط فلج الحديث وهو من الأحياء السكنية الحديثة، ويمثّل امتداداً لبلدة (عيني) من جهة الغرب، ومن الشمال عقبة الرستاق، ومن الشرق علاية الرستاق، ومن الجنوب جبل الدعن، وهو امتداد لسلسلة الحجر الغربي.
(الوطن) التقت الدكتور أحمد الرمحي ـ أحد مواطني البلدة، وزارت البلدة للتعرف على جماليات هذه البلدة وعلمائها وآثارها.
حيث يُعد من أشهر العلماء (بنو هاشم) القُرِّيون الذين امتهنوا مهنة الطب، وبرعوا فيها تأليفاً وتطبيقاً، منهم الشيخ راشد بن عميرة بن ثاني صاحب كتاب (منهاج المتعلمين) وكتاب (فاكهة ابن السبيل)، ومن العلماء البارزين ببلدة (عيني) أيضاً الشيخ محمد بن سليمان بن المهنا العيني (القرن الخامس الهجري)، والشيخ القاضي علي بن سعيد بن علي الرمحي (القرن 12 هـ) صاحب كتاب (لقط الآثار المؤلف بصحار)، والشيخ مانع بن جاعد بن خميس الرمحي (القرن 11 هـ)، وهناك أيضاً منهم أعلام تقلّدوا مسؤليات بعُمان مثل: الشيخ سعيد بن علي بن ناصر الرمحي كان والياً على صحار في عهد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، والشيخ القاضي عبدالله بن راشد بن صالح الهاشمي كان قاضيًا في عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، ومن المشايخ المعاصرين الشيخ سعيد بن مطر المسقري الذي ألَّفَ عدَّة كُتُب في الرقائق وتزكية النفس وأخوه ناصر بن مطر المسقري.
* المواقع الأثرية
من المواقع الأثرية في (عيني) حصن الأبرق الذي يقع في أسفل الجبل وقد تهدم نظراً لقدمه، وهو مبني من الحجارة، يعود تاريخ بنائه إلى ما قبل الإسلام، كما توجد في البلدة مساجد أثرية مسجد الحجرة الذي بُني في عهد دولة اليعاربة، وله توثيق لبنائه في نقش صخري قديم، يؤرّخ لانتهاء إمامة لوفاة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي وقيام دولة الإمام سلطان بن سيف اليعربي، وكانت على جدران هذا المسجد كتابات وتوثيقات لتواريخ بعض الوفيات وبعض الأحداث التاريخية، ومن تلك المساجد أيضا مسجد الشوير ومسجد اللمد، وقد أُعيد بناء هذه المساجد عدا مسجد اللمد، ومن المعالم التاريخية أيضاً (حصن الرّماح) ذو الأبراج الثلاثة، ويبرز منه (برج الكسفة) المعروف قديماً بـ(برج الدَّواة)، الواقع مُطِلًّا على عين الكسفة من جهة الشرق، وكان هذا الحصن يمثّل حامية دفاعية عسكرية لمركز مدينة الرستاق من جهة الغرب، وبها أيضاً آثار (بيت الوقفان) الذي سكنه السيد طالب بن الإمام أحمد بن سعيد ثم وقفه بعد ذلك للمساجد، وكان بها مركض (مضمار) للخيول يمتدّ من (حصن الرماح) ثم يأخذ باتجاه الشمال، ولا يزال إلى عهد قريب يُعرف الطريق المرصوف حالياً المتّجه إلى عين الكسفة من الشمال باسم (مركاض الخيل)، وهناك بعض الحارات الأثرية والبيوت القديمة في (عيني) وهي مهجورة حالياً، ومنها ما هو مندثر.
* العيون المائية
وتعدّ (عين الكسفة) ببلدة عيني من العيون الداوودية، الساخن ماؤها، وهذا يعود إلى كونها مياهاً كبريتية تتدفق من باطن الأرض، تصل درجة حرارتها نحو (43) درجة، ويسمّى فلجها بالحمّام نظراً إلى حميم مائها الساخن، ويسيل هذا الفلج باتجاه الشرق من منبعه ليشكّل شبكة مياه واسعة تمتد بطول البلدة وعرضها، بنمط هندسي أبدعه الفكر العماني قديماً، يراعي فيه وضع العامد (الساقية) الرئيس إلى نقطة تجمّع تبعد نحو أكثر من مائتي متر من منبع العين، ونقطة تجمع الفلج هذه تسمّى (المطراح) وهو الشلال الذي يتدفق في بركة الفلج ومنها يبدأ توزيع مياه الفلج إلى المزراع الواقعة بعد هذا المطراح، أما المزارع الواقعة قبل هذا المطراح فلها تفريعات من العامد الرئيس، وتُدار مياه الفلج لمستحقيها حسب نظام توزيع قديم يستعمل فيه الأهالي نظام اللمد (المزولة الشمسية) في إدارة مياه الفلج نهاراً، وكانوا يستعملون الحساب على النجوم ليلاً إلى نهاية عقد الستينات من القرن الميلادي الماضي، ثم انتقلوا إلى حساب الساعة ليلاً، مع محافظتهم إلى الآن على نظام اللمد نهاراً.
وقد ساعدت تدفق عين الكسفة طوال أيام العام ـ بفضل الله ـ على أن تزدان بلدة عيني برقعة زراعية رائعة، بما فيها من البساتين والمزارع التي تمتد بطول البلدة وعرضها، ويكثر فيها زراعة النخيل كما هو الحال في البلدان العمانية الأخرى، وأكثر أصناف النخيل التي تجود فيها (قشّ الزَّبد)، فضلاً عن أصناف أخرى من النخيل.
* مدارس القرآن الكريم
من مدارس القرآن الكريم الأثرية القديمة التي أعيد بناؤها: مدرسة الشوير: الواقعة بجوار مسجد الشوير، ومدرسة الوقفان: الواقعة عند مسجد الوقفان.
والآن في هذا العهد الزاهر انتشرت هذه المدارس فأصبح تدريس القرآن الكريم إلى سناوت قريبة في مسجد الكسفة ومسجد الرمانية ومسجد المحمار.
* المساجد
المساجد في بلدة عيني كثيرة، ومنها ما يزال ببنائه القديم بالطين، وسبب كثرة المساجد حبّ الناس في ابتغاء الأجر من بناء المسجد لذلك تجد المساجد الصغيرة تتوزع بين المزارع بكثرة، مثل: مسجد غسّان، ومسجد الروضة، ومسجد الحاجر، ومسجد البستان .. وغيرها، وكان الناس في القديم يجمعهم مسجد الشوير لاتساعه، ثم انتقلوا بجواره في مسجد اللمد الواقع عند (لمد) الفلج، لكن هناك مساجد أخرى كثيرة أبرزها مسجد (الحجرة) المبني في عهد دولة اليعاربة، أما مسجد الكسفة فقد أعيد بناؤه في عقد الثمانينيات بطراز معماري جديد، ومن المساجد أيضاً: مسجد السّيادي، ومسجد البديعة، ومسجد الغريفة، ومسجد المشجرة، ومسجد البحيرية، ومسجد الرمانية، ومسجد القعوّة، ومسجد الإسباع، ومسجد قرن الدابة، ومسجد المحمار .. وغيرها.
* أوقاف (عيني):
يوجد ببلدة (عيني) كثير من الأراضي الموقوفة للمساجد ومدارس القرآن الكريم ومغسلة الأموات والمقبرة، وهي أوقاف قديمة مضى عليها مئات السنين، فثمار النخيل التابعة لأوقاف (عيني) تباع وفق موسم طناء النخيل وتُصرف العوائد المالية من البيع في مستلزمات تلك المساجد ومدارس القرآن .. وغيرها مما سبق ذكره، وفي عصر النهضة المباركة قام الوقف ببناء عقارات تجارية في أراضي الوقف الفضاء الواقعة على الخطّ التجاري لمركز الولاية، ويتولى إدارة هذه الأوقاف ممثلون عن أهالي البلدة تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
* الحارات القديمة:
أقدم الحارات التي تقع في قلب بلدة (عيني) (حارة الحجرة) التي يقع بها مسجد (الحجرة) المبني في عهد دولة اليعاربة، وتتشكل الحارة في تصميمها المعماري من وقوع المسجد مُطلاًّ صرحه الغربي على البساتين الزراعية، وبجواره من جهة الشمال (سبلة الرّماح) التي تُعدّ تجسيداً للعادات العمانية الأصيلة في اجتماع أهل البلدة بها، ثم تتشكل البيوت في خطّ شمالي من المسجد ثم خطّ شرقي منه يفصله عن هذه البيوت طريق واسع لا يقل عن ثلاثة أمتار.
والحارات في بلدة (عيني) تتوزع وفق التخطيط المعماري لها إذ يوجد بعيني طريقان رئيسيان يقطعان من الغرب إلى الشرق، الطريق الأول الواقع في وسطها ويمتد من عين الكسفة غرباً ويستمر إلى أن يصل إلى قلعة الرستاق شرقاً وهذا الطريق كان يسلكه أهل البلد والعابرون من غير أصحاب القوافل التجارية، أما أصحاب القوافل التجارية فكانوا يسلكون طريقاً آخر يقع شمال الطريق الأول ويمتد أيضاً من عند عين الكسفة غربا بمحاذاة (حصن عين الكسفة) ثم يمتد إلى أن ينتهي عند سوق الرستاق القديم شرقاً، وتسلكه غالباً القوافل التجارية القادمة من وادي السحتن ووادي بني غافر ومحافظة الظاهرة.
وعلى جوانب هذين الطريقين تتوزع الحارات القديمة، فعلى الطريق الأول بعد مجاوزة عين الكسفة شرقاً تتأتي حارة العُقّة، ثم الصردحة، ثم حارة الحجرة، وهناك طريق من حارة الحجرة يتجه جنوباً فيمرّ بحارة الحلمة، ثم الإسباع والصروم، ثم المليحة، والبقرية، والمحمار.
ومن حارة الحجرة أيضا في اتجاه الشرق هناك حارة السِّيَّاحِيَّة، والشريجة، والقعوة، ثم الخبّ، والبساتين، ثم الرمّانية، ويقع في جهة الشمال أيضا حارة الحيل، وحويرة الحصن، والزنفي، والغريفة، والمشجرة، والسابة، والمحلّ.
* الحِرَف والمشغولات:
كثير من الحرف والمشغولات التي كانت ببلدة عيني تُركت واندثرت بسبب استغناء الناس بالمنتج الصناعي المعاصر، ومن الحِرَف التي كانت موجودة وبقي منه القليل مثل صنع السَّعفيات، ولا سيما ما يتعلق بلوازم مهنة الزراعة، ولوازم العيد، ويعمل أهالي في التجاره ويقوم بعض من الاهالي بعمل المشغولات الفضيه وكذلك تبسيل بسر نخلة (المبسلي) عن طريق طبخه، ثم تجفيفه ثم بيعه، وكذلك صناعة الحلوى العُمانيّة، التي تستمر الحاجة إليها طوال العام ولا سيما في موسم العيد والمناسبات الاجتماعية
.
