بقرة الحي!
عبدالله الشيدي
1/10/2019م
يُروى أن حياً كان يعيشُ على ما تنتجهُ له بقرةٌ وحيدةٌ وهي التي كانت المدللةُ لديهم لأن جميع الحي يعيشُ على كرمها وجودة لبنها وجبنها وسمنها. كان كل الحي يقتسمُ ما تدُرّهُ عليهم تلك الولود الحلوب، ويقومون بإعادة تصفيته وتكريره ليستخلصوا منه ما يقتاتون به، والفائضُ عن حاجتهم يقايضونه بمشترياتهم الأخرى، وأصبحت تلكم البقرة مصدراً مهماً ليكتفي بها الحيُّ وتلوذُ بهِ بعيداً عن ذُلِّ السؤال.
وفجأةً مرضت تلك البقرةُ وتراجع منسوبُ فيضها وغدقها، ولم يهتم أحدٌ من سكان ذلك الحي لأمر البقرة بقدر اهتمامه بنصيبه من إنتاجها! وراح الحي يستهمُ فيما بينه، ويُضاربُ سادته على شراء أكبر قدرٍ يستطيعون، غير آبهين بمن هم دونهم، إذ أنهم اشتغلوا بالمحافظة على وجاهتهم، أكثر من اشتغالهم بحاجتهم.
ازدادت البقرةُ هُزالاً وضعفاً حتى غدى الجلدُ ملتصقاً بالعظم منها، ونضب الضرع، وقحط الحي، والحيُ لا يزالُ يستهم في البقرةِ! فقائلٌ هي للذبحِ منال، وآخرُ يرى البيع مآل، وأختلفَ الجمعُ ولم ينل أيُّ الفريقين من الآخر، فظل الأمرُ سجال!
فأنبرى للأمرِ كومار، الهنديُ الذي جاء من خلف البحار، يا قوم دعوني لها ففي بلدي قداسةٌ تُحيي هذه الأبقار، وأنا لها طبيبٌ ماهرٌ سهّار، فسلّم الحيُّ بقرته كومار، وما له في ذلك خيار، فالكلُ يشهدُ لأمانتكَ كومار، فقد نهلتَ من ضرعها أقدار، وسدنت لها خادماً مغوار، فألقى من وراء الحشد تلك البسمة كومار، وهز الرأس وكم برع في هذا المضمار؟! مطيعٌ كعادتك مستر كومار!
ساق الهنديُ البقرة إلى كل عشب وخَضَار، وزيّن بقرة الحي بوارفِ الدثار، والحيُّ يُقسمُ بحياتك يا أخ كومار، لقد أعدت للحي المسار، وفي يومٍ فقدَ الحيُ بقرته وأخيهم كومار، فراحوا يبحثون في كُلِّ بيداءٍ وقفار، حتى جاءهم من أقصى الحي رجلٌ يسعى، بيعت البقرةُ ومات الحيُّ ولاذ الهنديُّ بالفرار. شكراً لأخينا كومار! فنحنُ نعلمُ اليومَ أنَّ الحيَّ يسكُنُهُ ثُلّة أبقار.
