تعرفُ أنّكَ قريبٌ من اللهِ حين تكونُ قريبًا من كتابِه؛ وأن تكونَ قريبًا من كتابِه يعني أن تحبَّ كلامَه وتتعلّقَ بآياته، ويكونَ سماعُها بأذنكَ وترتيلُها بلسانك وحفظُها في صدرك هو غايةُ آمالكَ وكبرى أمانيك، ويكونَ تدبّرها والتفكّر فيها هو متعتك الأولى وأقصى مدارجِ السعادةِ عندك.. وأن يخشعَ كيانُك لمعانيها، وتتفاعلَ معها بعقلكَ وإدراككَ وأحاسيسكَ وعمقِ وجدانكَ، كما تهتزُّ أوصالكَ لها.. فتخشعُ عند آياتِ الهدايةِ، وترغبُ وترجو وتستبشرُ عندَ آياتِ الرجاء، وتسجدُ روحكَ ويخفقُ جنانُكَ وتخضعُ إرادتكَ وعلمُكَ وقدرتكَ، وتتواضعُ للهِ العظيمِ عند آيات الخلقِ والعلم، والقدرةِ والمشيئةِ والإعجاز، وتسبّحُ له أنفاسُكَ ونبضاتُ قلبك، وتثني على ملكِ الملوكِ ثناءً لا يستحقُّه ملكٌ في الوجودِ سواه.. وتقشعرُّ نفسكَ وترتجفُ لهُ رهبًا وخشيةً حين تتدبّرُ آيات العذاب؛ فيزيد تعظيمكَ لله وإجلالك له، وتزيدُ إيمانًا ويقينًا وتسليما..
ولا يكونُ هذا القربُ والاستمتاعُ والتفاعلُ والسعادة إلّا حين تفهمُ القرآنَ وتتأمّلُ معانيه، ولا يتأتّى ذلك الفهمُ وحسنُ التأمّلُ إلّا بفتحٍ من الله ونورٍ منه سبحانه.. وهذا الفتحُ لا يُعطى إلّا لمن شاء الله؛ بعد صدقٍ وإخلاصٍ وإنابة، وتذلّلٍ وانكسارٍ وافتقارٍ لله وحده، وصدق لجوءٍ إليهِ واستغناءٍ بهِ عن كلِّ ما سواه، وحسنِ ظنٍّ به، واستعانةٍ بألطافه، وكثرة استغفارٍ في السحَر، وذكرٍ له آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار، وسجودٍ متواصلٍ طويل يتخلّلهُ تبتُّلٌ وبكاءٌ ودعاء، يعقبُه سموٌّ وارتقاءٌ وارتفاعٌ وإجابة، وفرقانٌ ونورُ بصيرة.. وهذا كلُّهُ لا يكونُ إلّا لمن اصطفاهُ اللهُ وأحبَّه، وكان ذا قلبٍ سليم.
