جولات مكوكية وسط بارقة أمل لإطفاء حريق ليبيا
منذ استلام برنادينو ليون منصبه ممثلاً للأمين العام ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا أغسطس الماضي، شرع في رحلات مكوكية بين المدن الليبية للاستماع لوجهات نظر الفرقاء في محاولة لرأب الصدع في بلد تتنازعه سلطتان تتوزعان على كامل جغرافيته، حكومة في البيضاء وبرلمان في بنغازي وقيادة جيش في المرج وجميعهم يحضون باعتراف دولي كمؤسسات شرعية، وحكومة في طرابلس ومؤتمر وطني عام منتهية ولايته ومليشيات مسلّحة تشكّل ما يعرف «فجر ليبيا» تحتل العاصمة طرابلس.
جال ليون كثيراً بين طرابلس وبنغازي مصطدماً بمواقف متصلّبة، فيما ترتع في البلاد جماعات متطرّفة لا تخفي صلتها وولاءها لجماعة الإخوان و«القاعدة» وأنصار الشريعة و«داعش». لم يخف تخوّفاته من تمسّك الطرف الخاسر في الانتخابات ولبسهم رداء المتطرفين الذين سيطروا على طرابلس واحتلوا مرافقها الحيوية ومؤسساتها فيما تنتصب المؤسسات الشرعية المعترف بها دوليا شرقي البلاد.قواعد صارمةومثّل دعم الدول الكبرى والجامعة العربية قواعد صارمة شكّلت «خريطة طريق» تقدّم بها ليون للفرقاء تقوم على أساس الاعتراف بشرعية البرلمان المنتخب شرطاً لبدء الحوار، داعياً إلى التحاق أعضاء مجلس النواب المقاطعين إلى جلساته حتى يكون ممثلاً لجميع الليبيين. وتمكّن ليون من عقد جلسة في مدينة غدامس تعد اختراقاً دبلوماسياً ونجاحا يحسب له حينما جلس إلى نواب من مدينة مصراتة الداعمة لفجر ليبيا ونواب من أعضاء برلمان طبرق.تحرّك مبعوثوعلى الرغم من العاصفة التي أثارها هذا اللقاء ومحاولات «فجر ليبيا» التشكيك في جدواه والتي وصلت حدود اتهام المشاركين فيه بخيانة «ثورة فبراير»، حوّل ليون الوجهة إلى الدفع بالحوار لتناول القضايا الإنسانية التي تمر بها البلاد، وتمدّد الجماعات الإرهابية التي أتت على الأخضر واليابس، وهي العوامل التي ساعدت ليون على التحرّك على الأرض، كما ساعده أيضاً تبدّل المواقف الدولية بعد أن غادرت البعثات الدبلوماسية ليبيا إثر عمليات الاستهداف للسفارات وخطف الديبلوماسيين وحالة الاضطراب الأمني.استثمار ظروفوخلق الاضطراب الأمني في ليبيا وموجة النزوح إحباطاً عند الليبيين في انتظار أي بارقة أمل وضاء في نهاية النفق المظلم، وهي فرصة اقتنص المبعوث الدولي ليعلن منتصف يناير الماضي من جنيف عن بدء الجولة الأولى من المحادثات أملاً في تشكيل وحدة وطنية تنهي النزاع الدموي، وانطلقت بالفعل الجولة بمشاركة ممثلين عن المجالس البلدية للمدن الليبية الكبرى وبغياب الأطراف المسلحة التي كان ليون يصر على عدم مشاركتها في صورة تمسّكها بحمل السلاح، واستمرت الجلسات على مدى يومين اتفقت خلالها الاطراف المتحاورة على استئنافها بعد أسبوع لإجراء جولة جديدة من الحوار.استمرار مساعوعلى الرغم من تعنّت المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته وإعلانه أواخر يناير عدم حضوره جولات الحوار الليبي في جنيف، إلّا أنّ ذلك لم يمنع ليون من الاستمرار في مساعيه لإذابة الجليد وتحريك عجلة الحوار لينجح في عقد الجولة الثانية رغم مقاطعة ممثلين عن المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته. ويتهيأ المشهد الآن لانعقاد الجولة الثالثة من الحوار الليبي والتي انعقدت في 11 فبراير 2015 بمدينة غدامس بمشاركة وفدين عن المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته والبرلمان الشرعي وقد ارجئت جلسات الحوار إلى نهاية الشهر الجاري بعد ذكرى الثورة الليبية، وسط تفاؤل أممي.بطلان عزلألغى مجلس النواب الليبي مطلع فبراير الجاري قانون العزل السياسي المثير للجدل الذي أقره المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته والذي يمنع كل من تولّى مناصب خلال حقبة العقيد الراحل معمر القذافي من تولي أي مناصب رسمية أو حكومية في الدولة الليبية. ومن شأن إلغاء القانون فتح المجال أمام عدد من المسؤولين السابقين الذين عملوا مع نظام القذافي للترشّح لخوض أي انتخابات رئاسية أو برلمانية مقبلة، بما فيهم محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية، فضلاً عن آلاف الليبيين المهجرين والذين يسعى ليون لإقناع الكل بإشراكهم في الحوار.
