هل يلعب المال السياسي دورا في انتخابات مجلس الشورى ؟
مع اقتراب موعد إجراء انتخابات مجلس الشورى للفترة الثامنة في السلطنة، تعود المخاوف من استخدام ” المال السياسي” في التأثير على أصوات الناخبين وتوجيه الانتخابات عن طريق شراء الأصوات ودفع الرشاوي كما يصفه البعض.
ويرى كُتّاب وإعلاميون أن المال السياسي يؤثر على أداء مجلس الشورى ويوصل أعضاء غير مؤهلين للمجلس على حساب الأكفأ، ورغم أن القانون الانتخابي في السلطنة يُجرّم هذه الأفعال؛ إلا أن البعض يرى أن الوعي والثقافة الانتخابية لدى الناخبين غائب، مؤكدين أن الدور الرقابي المجتمعي والمؤسسي الرسمي يمكنها الحد من ظاهرة “شراء الأصوات” في انتخابات المجلس.
المال أداة الوصول إلى المجلس
يقول الكاتب أحمد الشيزاوي أنه يكاد لا يخلو تاريخ انتخابي ديمقراطي في العالم الحديث بالذات من استخدام للمال السياسي كأداة للوصول الى الكرسي المنشود، مستشهدًا بمقولة نعوم تشومسكي عن الديمقراطية “إن أفضل نظام سياسي تستطيع أن تشتريه بنقودك”.
وأضاف: المال السياسي مصطلح واسع التعريف يشمل المترشحين والمرشحين، وهو موجود في عُمان؛ إلا أنه تكون بعشوائية مقارنة مع الدول التي بها أحزاب ونقابات، والدور الذي يلعبه لا يتعدى طموح المرشحين السطحي وحب في الوجاهة في أغلب الأحيان، ويتساءل الشيزاوي هل هناك تصنيف للمال السياسي في الانتخابات العمانية .. مشروع أم غير مشروع ؟ وهل يؤخذ بشموليته ما قبل وبعد الانتخابات؟
دعم المرشح مقابل المال
وفي ذات السياق ترى المحامية وفاء الشعيبي أنه من المؤسف أن يتم استخدام المال السياسي في دعم ترشح أعضاء مجلس الشورى، وإن كان -ظاهرة طبيعية- كما يصفها البعض؛ حيث لن يكون الخيار أمام العقول اللاواعية سوى لمن يستخدم المال السياسي بطريقة أكثر سخاء، ولا تقتصر على عرض البرنامج الانتخابي فحسب! بل تصل في بعض الأحيان لدرجة شراء أصوات ناخبيه.
وتؤكّد الإعلامية رفيعة الطالعي أن المال السياسي يلعب دورًا سلبيا في انتخاب أعضاء مجلس الشورى، فترى أن المال السياسي يقضي على فكرة المنافسة بين المرشحين، المنافسة التي يفترض أن تبنى على الكفاءة والمؤهلات وشخصية المرشح. وبالتالي يؤثر على أداء مجلس الشورى وتقييم الناس له؛ فاستخدام المال السياسي يصرف الاهتمام عن المرشح الأكثر كفاءة، وأوضحت أن من يستخدم المال السياسي، هو لأجل إغراء الناس وصرف انتباههم عن رؤية ميزات المرشح الآخر الأكفأ.
وعندما يصبح بعد النتيجة مستخدمو المال السياسي أعضاءً في مجلس الشورى تظهر نقاط ضعفهم، وسوء أدائهم، ويبدأ الناس في التذمر والشكوى من جدوى انتخابات مجلس الشورى، مع أنه لا يجب ان يلوم الناس أحدا غير أنفسهم، خاصة أولئك الذين خضعوا لإغراء المال، بحسب قولها.
وأوضح الشيزاوي أن المال السياسي – طبيعيًا- يؤثر على حيادية أداء مجلس الشورى العماني؛ فإيقاع الفساد يشمل صور عديدة كحصول المترشح على قطعة أرض أو مبالغ نقدية أو هدايا من أجل تقنين الأصوات المطالبة بالإصلاح، وأكد على أن المال السياسي إذا توغل في عملية الانتخابات فان الغلبة تكون للرأسماليين، وأي كفء لا يملك المال لا يمكنه أن يدخل المجلس إلا إذا تعاقد مع رجال الأعمال والرأسماليين من أجل إيصاله للمجلس وهنا تبدأ المصالح!
القوانين .. هل هي كافية للردع؟
وفيما يتعلق بالجرائم الانتخابية وشراء الأصوات، تقول المحامية وفاء الشعيبي، أن المشرع العماني ينظر لهذه الأفعال على أنها “جنحة” وذلك وفقاً لنص الفقرتين (٦، ٨) من المادة (٦٩) من المرسوم السلطاني رقم ٢٠١٣/٥٨ وذلك بدلالة نص المادة (٣٠) من قانون الجزاء العماني رقم ٧٤/٧ ، بتجريمه من يرتكب أفعال “مخالفة القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية و شراء أصوات الناخبين” وذلك لعدم تلائمهما مع مبادئ العدل والمساواة والنزاهة في العملية الانتخابية.
وترى الشعيبي أن العقوبة بحديها الأدنى والأعلى الذي يصل للسجن مدة السنة الواحدة و الغرامة لمبلغ 4000 ر.ع كفيلة بتحقيق الردع العام عن اقتراف مثل هذه الأفعال، والتي وإن لم تكن ظاهرة فهي موجودة بصورة أو أخرى وأرى أن النص متماشياً مع الفعل المرتكب وكفيل بتقليل هذه الأفعال.
من جانبه يرى الشيزاوي أن القوانين وحدها لا تكفي في ظل غياب أدوات الرصد الحقوقية والتي بدورها تتلقى شكاوى المجتمع المدني ورصد سلوكيات كتوزيع هدايا لشراء الأصوات أو موائد غداء وعشاء مفرطة ونحوها، وكذلك الرصد المال من خلال مجموعة من الخبراء الماليين للتحقيق في رصد الرشاوي المالية النقدية والعينية واستهداف أهالي القرى والمناطق النائية بمبالغ تصل إلى 5 ريالات أحيانًا، فضلا عن الرصد الإعلامي لرصد المخالفات الدعائية في الوسائل الإعلامية المحلية.
ويبيّن الشيزاوي أن أفضل طريقة للحد من شراء الأصوات هي مشاركة أكبر نسبة من المثقفين والواعين، فلا يمكن لأي مرشح أن يشتري الأصوات النظيفة، داعيًا إلى تدشين حملة مضادة لشراء الأصوات، وبذلك سيتحول المجتمع المدني الى رقيب فاضح يساهم في تقنين المال السياسي ومحاصرته.
التوعية بالمشاركة السياسية
وكذلك ترى الطالعي أن أي قانون مهما بلغت صرامته يوجد مخالفون له؛ لهذا فهي ترى ضرورة التركيز على تعليم الأشخاص وتثقيفهم بأن أي مشاركة سياسية حقيقية تتطلب صدقا وأمانة في اختيار في ممثل الولاية، واختيار الشخص المناسب هي مسؤولية كل فرد، وعلى كل شخص أن يكون رقيبا على مصلحة المجتمع.
وأوضحت رفيعة الطالعي أن استمرار استخدام المال السياسي وقبول قطاعات واسعة من الناس ذلك، دليل على فساد هؤلاء ممن يقبلون المال ويقدمونه من جهة، وعلى عدم خوف من يقدمونه من القانون وعدم احترامهم له، وبالتالي هذا يقدح في أمانتهم، ومن باب أولى أن يعاقبوا بالحرمان من الاستمرار في الانتخابات وعدم مكافأتهم بالفوز وتمثيل الناس في مجلس الشورى.
رحمة البلوشي – البلد