ذات الإنسان وتقديرها:
ذات الإنسان هي انعكاسٌ لكل ما بداخله، وهي تمثل وجهته في الحياة وقدراته، وطموحاته، أي: إنها تمثل نظرة الإنسان لنفسه، وقدراته، ومهاراته.. ذات الإنسان هي نتاج الخبرات والمواقف التي يمر بها..
فالذّات: هي سمات الإنسان، وطابعه الخاص، وهي مستوى الأداء مع مدى تأثره بالبيئة المحيطة به..
بمعنى آخر: هي اعتقاد الشخص المكون عن نفسه أو تقييمه لنفسه من حيث إمكانياته، ومنجزاته، وأهدافه، ومواطن قوَّته، وضعفه، وعلاقاته بالآخرين، ومدى استقلاليته واعتماده على نفسه.. أي: كيف يرى الإنسان نفسه؟..
تقدير الذات: هو الثَّمن الذي تراه يساوي نفسك؛ أي: كيف تسوم قيمة هذه الذات التي تعيش بداخلك، أو هو المكان العالي الذي ترى ذاتك تستحقه.. هو احترامك لها، ووقوفك تبجيلاً لإنجازاتها.. لأنّها الأعجوبة الأولى من عجائب الدنيا السبعة..
"العجائب سبعة، والإنسان أعجبها، وهو قادرٌ أن يحقق أي شيءٍ لو لم تقف نفسه في وجهه". (د. صلاح شفيع)
تقدير الذات هو البوابة والمفتاح لكل أنواع النجاح الأخرى المنشودة؛ فمهما حاول الإنسان الوصول إلى مبتغاه، لن يكون ذلك ممكناً إذا كان تقديرُهُ لذاته وتقييمه لها ضعيفاً، وذاك لأنّه يرى نفسه غير قادرٍ، وغير مؤهلٍ، وغير مستحق لذلك النجاح.
دون أن تحترم ذاتك وتقدرها حق قدرها، لا يمكن أن تتصور أنها ذاتٌ فعالة في أرض الوجود.
"إن احتقار الذات دمارٌ للغايات، ولا يمكن لشخصٍ يحتقر ذاته أن ينجز مهمته، وينفع أمته". (أ. د. بشير صالح الرشيدي)
وتقدير الذات لا يولد مع الإنسان، بل هو مكتسَب من تجاربه في الحياة، وطريقة رد فعله تجاه التحديات، والمشكلات في حياته.
وهناك علاماتٌ تظهر على الشخص ذي التقدير المنخفض للذات، منها: الانطوائية، الخوف من التحدُّث أمام الناس، إرضاء الآخرين لتجنُّب سماع النّقد منهم، أو بالمقابل: العدوانية، وعدم تقبل النقد، هي صور من ضعف تقدير الذات؛ لأنها عملية هروب من مواجهة مشكلات النفس..
هل تقدير الذات هو الثقة بالنفس؟
إنّ الثقة بالنفس هي نتيجة تقدير الذات، وبالتالي: من لا يملك تقديراً لذاته، فإنّه يفقد ثقته بنفسه لاحقاً.
كما أنّ الهروب من مواجهة مشكلاتنا وجروحنا الداخلية، وتغطيتها وعدم الرغبة في إثارة الحديث عنها، يقلل من تقديرنا لذواتنا.. أما مواجهتها ومعالجتها بسرعةٍ، (اقتل الوحش وهو صغير)؛ فإنّه يزيد من السعر ويحسن من نظرتنا لأنفسنا، وهذا يتطلب شجاعة في أن يعترف الإنسان باخطائه، وبعيوب نفسه ومشاكله، ليتمكن من العلاج، لأنّ العلاج هو الخطوة الثانية بعد تحليل نوع المرض..
إذاً: المهمة الأولى في معالجة نقص تقدير الذات، هي رفع مستوى الشجاعة عند كلٍّ منّا، ليواجه عيوبَهُ ويعمل على حلها.
ورفع مستوى الشجاعة يكون بالحديث الإيجابي للنفس، بأنّها غالية وعزيزة، ولها قدر عالٍ عند صاحبها، وبالتالي، فإن حبها، وحب الخير لها، يدعوان بالتأكيد إلى خليصها من أي شوائب أو عيوب قد تنقص من قَدرها أو تضعفها.
وهناك من خلط الأمور، وفَهم أن تقدير الذات هو التكبر، والتعالي على البشر!.. إن تقديرك لذاتك هو عكس هذا الفهم تماماً..
وما هو إلّا تكريم النفس التي خلقها الله وآتاها العقل، لتتميز به عن سائر المخلوقات..
إنّ التقدير الذاتي، يؤدي لاحقاً إلى تعلم وامتلاك مهارة التحفيز الداخلي، والتي تجعل من الإنسان العادي شخصيةً فريدةً مميزةً.
أبرز سمات الأشخاص أصحاب الحس المرتفع بتقدير الذات، المؤدي إلى التحفيز الدائم لها:
1- شدة الحب لله؛ لأنّهم يستمدون من قربهم، وحبهم للملك الخالق، المتصف بالعلوِّ والسُّمو، الذي يمنحهم قوةً وطاقةً داخلية، تمكنهم من الوصول إلى ما يحبون.
2- الهدوء والسكينة والتصالح مع الذات ليكونوا كما يقال: (كُن أنت نفسكَ).
3- الحماس والعزيمة والإصرار على تحقيق الأهداف.
"إنّ الإصرار أروع هبة من الذكاء.. والمصرُّ على هدفه وإن كانت قدراته ضئيلةً يصل إلى الهدف.. ولا يصل إليه الموهوب ذو القدرات العالية. في مفهومي: أنّ النجاح إصرار". (د. صلاح شفيع)
4- يحافظون على رؤيةٍ واضحةٍ للطريق الذي يسيرون فيه.
5- الإيجابية والتفاؤل: فهم يتحدثون مع أنفسهم دائماً بإيجابيةٍ، ويملؤون قاموسهم بالكلمات التي تزيد من تقديرهم الذاتي، فلا يطلقون على أنفسهم القاباً سلبيةً مثل: (أنا فاشل – أنا كسول).. وإنما إذا كان ولابدّ يقولون: (مررت بموقفٍ تعثرت فيه، وسأحاول أن أكون أفضل في المرة القادمة.. أو شعرت بحالةٍ من الخمول والتعب سأتجاوزها وأنشط نفسي أكثر..).
"لابدّ أن نكون دائماً عمليين، وواقعيين، ومتفائلين". (سمو الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم)
6- العلاقات الاجتماعية المتوازنة، والإيمان بمبدأي: التعاون والتكامل بين الأفراد.