-
تقضي الشريعة الإسلامية بأنه لا صيام لشهر رمضان حتى تثبت الرؤية
، وقد كان الصوم في يوم الشك مثار خلاف بين الفقهاء.
ومن طريف ما يروي أن (شريكًا) قاضي المسلمين على عهد (الرشيد)،
كان في مجلس الخليفة في يوم الشك والفقهاء عنده، فلم يزالوا جلوسًا
إلى الظهر ينتظرون الأنباء من هنا وهناك، فجاءت بأن الهلال لم يره
أحد البارحة، وكان بين يدي الخليفة تفاح، فطرح إلى كل من الجالسين تفاحة،
فأكلوا إلا القاضي (شريكًا)، فإنه لم يقرب تفاحته.
فأراد الفقيه الكبير (أبو يوسف) أن يوقع بين الخليفة وقاضيه
، فقال: انظر يا أمير المؤمنين إلى قاضيك يخالفك؛ إذ إنه أبى
أن يأكل ويريد أن يتم صيام اليوم.
ووجد القاضي نفسه في مأزق، ولكن بديهته أسعفته بقوله:
"لم أخالفك يا أمير المؤمنين، بل هو الذي خالفك... إنما أنت
إمام ونحن الرعية لا نفطر حتى تفطر أنت، وليس لنا أن نتقدمك".
قال الخليفة: (صدقت)، ثم أكل وبعده أكل شريك.
المصدر: كتاب (رمضانيات.. أدب فن نوادر) للأستاذ مصطفى عبد الرحمن.
2-
خرج الحجاج ذات يوم قائظٍ، فأُحضر له الغذاء، فقال: اطلبوا من يتغذى معنا.
فطلبوا، فلم يجدوا إلاَّ أعرابيًّا، فأتوا به، فدار بين الحجاج والأعرابي هذا الحوار:
الحجاج: هلم أيها الأعرابي لنتناول طعام الغذاء.
الأعرابي: قد دعاني من هو أكرم منك فأجبته.
الحجاج: من هو؟
الأعرابي: الله تبارك وتعالى، دعاني إلى الصيام فأنا صائم.
الحجاج: تصومُ في مثل هذا اليوم على حَرِّه.
الأعرابي: صمتُ ليوم أشد منه حرًّا.
الحجاج: أفطر اليوم وصُمْ غدًا.
الأعرابي: أوَيضمن الأمير أن أعيش إلى الغد؟
الحجاج: ليس ذلك إليَّ، فعِلمُ ذلك عند الله.
الأعرابي: فكيف تسألني عاجلاً بآجلٍ ليس إليه من سبيل؟!
الحجاج: إنه طعام طيب.
الأعرابي: والله ما طيَّبه خبّازُك وطباخك، ولكن طيبته العافية.
الحجاج: بالله ما رأيت مثل هذا.. جزاك الله خيرًا أيها الأعرابي، وأمر له بجائزة.
.
3-
لإنسان على ما جُبل عليه، وهذا ما حدث فعلاً لأحد الشباب؛ حيث قرَّر أن يصوم
يومًا تطوّعًا في الصيف، فأمسك عن الطعام والشراب، وما لبث أن غابت قضية
الصيام عن ذهنه، فلما أتى وقت الغداء تناول وجبة دسمة من الأرز واللحم
وغير ذلك من أطايب الطعام، كل ذلك وهو ناسٍ أنه صائم.
بل إنه أتبع طعامه بالكثير من الفواكه الطازجة، وبعد انتهائه من غدائه الدسم تذكّر أنه صائم،
ثم ذهب إلى صلاة العصر ونسي مرة أخرى أنه صائم، فشرب كوبين من الشاي الثقيل،
ثم تذكر مرة أخرى أنه صائم، ولا يزال هذا الشاب يتساءل حتى يومنا هذا: يا تُرى، هل صيامي صحيح؟!
-
حتى يغيروا ما بأنفسهم
حيانًا لا يأخذ اللهُ عز وجل بعضَ الظالمين بسرعة كما يتمنَّى المظلومون؛
لأن المظلومين -وإن كانوا مؤمنين- فإنهم يرتكبون أخطاءً غير مقبولة
شرعًا؛ خاصة إن كانوا يُمَثِّلون الإسلام، فلو رفع اللهُ سبحانه الظلمَ؛
فإن الناس يعتقدون أنَّ طريقة المظلومين كانت صائبة، وهي ليست
كذلك، فيكون الأمر فتنة لهم، وتعريفًا خاطئًا بالإسلام، وسيبقى المظلومون
على مخالفاتهم الشرعية، وهذا يضرُّهم في الدنيا والآخرة.
وحَلُّ المُعضلة يكون بمراجعة المظلومين لأحوالهم على الكتاب والسُّنَّة؛
فإن كانوا على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الظلم الواقع
بهم يكون ابتلاءً يحتاج للصبر، وإن كانوا على غير طريقته صلى الله
عليه وسلم عَدَّلوا المسار، وعادوا إلى الله، وعندها يُغَيِّر اللهُ الحالَ بكُن فيكون.
وقد ربط اللهُ عز وجل تغييره سبحانه للأحوال بتغيير الناس لأنفسهم، فلو
عادوا إليه أنعم عليهم، ولو بَعُدوا عنه سحب منهم النعمة؛
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
-
قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
يغضب بعض المؤمنين الصالحين من توجيه اللوم إليهم
عند حدوث مصيبة من المصائب، ويتعلَّلون بعِلَلٍ شتَّى
كلها يهدف إلى تبرئة الذات من الخطأ؛ فبعضهم
يقول: إنَّ الوقت ليس مناسبًا للعتاب؛ لأننا في مصاب.
وبعضهم يقول: مِن الأفضل أن نُوَجِّه اللوم إلى الظالمين
المعتدين بدلًا من جلد الذات. وبعضهم يُبَرِّر الأخطاء،
ويلتمس الأعذار، ولسان حاله يقول -وإن كان لا يُصَرِّح-: نحن قومٌ بلا خطايا.
ويعتقد أن "الدنيا" قد تلعب بالصحابة؛ لكنها لا تلعب أبدًا به
أو بإخوانه وقادته، وبعضهم يصبُّ جام غضبه على اللائم،
وقد يتَّهمه بالخيانة أو التخاذل أو الجهل، وبعضهم له
مبرراته الأخرى التي لا تنتهي.
خلاصة الأمر أن المصابين لا يُريدون أن يسمعوا
أنهم "من المحتمل" أن يكونوا هم أحد الأسباب في المشكلة.
وليس معنى البحث عن الأخطاء أن الظالم معذور في ظلمه للناس
، أو أن الله عز وجل سيعفيه من العقاب ما دام أن المظلومين أخطئوا،
ولكن هذه ليست قضيتنا في الواقع؛ إنما قضيتنا هي الخروج من المأزق،
وخروجنا من المأزق لن يكون باستجداء العدل من الظالمين، وإنما يكون
"بالعمل" على إصلاح الذات؛ حتى نكون أهلًا لأن يرفع اللهُ عز وجل الغُمَّة
عنَّا، وهذا يحتاج إلى مكاشفة ومحاسبة وإنابة وتوبة.
إنَّ الله عز وجل خاطب المخطئين في غزوة أحد خطابًا كاشفًا
وسريعًا -وفي وقت المصيبة- كشف به عن خبايا القلوب،
وقَصَرَ السبب في المصيبة على المؤمنين،
فقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ
أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
[آل عمران:165]،
-
اللهم وفقنا لصيامه وإجعلنا من عتقائك من النار
-
في الصيام طهر لقلوبنا و صفاء لأرواحنا , ونقاء لضمائرنا وقرب من خالقنا وبارئنا , فالصوم جامعة روحية كبرى فيها يتخلص العبد من كل ما علق به من أمراض و علل و أسقام , فيها يتخلق العبد بالأخلاق الكريمة و العواطف النبيلة , شعاره الحلم و العفو والصفح و كتم الغيظ , و الانفاق و البذل و العطاء , الذي هو ديدن النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم و الذي هو كمال الايمان وتمام الاسلام .
وللصيام فوائد كثيرة روحية واجتماعية وصحية وهي :
1) الفوائد الروحية :
الصوم يعود الصبر و يقوي عليه , ويعلم ضبط النفس , ويوحد في النفس ملكة التقوى ويربيها فيخاف الانسان ربه ويراقب مولاه في السر و العلن ويعمل بكتاب الله ويقتدي بسنة رسول الله , ويكون المؤمن على استعداد دائما للقاء الله عز وجل , يقول الله تبارك وتعالى :
( ياايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) سورة البقرة الاية 182
2) الفوائد الاجتماعية :
يعود النظام و الاتحاد و حب العدل و المساواة , و ايجاد عاطفة الرحمة , وتنمية روابط الألفة و المسارعة الى الاحسان و التسابق الى الخيرات, وصون المجتمع من الشرور و المفاسد.
فالصائم حين يكف نفسه من ضروريات الحياة , يدرك مايعانيه الفقير المحروم من الجوع و الحرمان, وما يشعر به البئس و المحتاج من الفاقة و العوز, فترق نفسه وتفيض بالحنان والعطف ويلين قلبه فيتفجر بالجود و السخاء, ولذلك فان أفضل الصدقة صدقة رمضان, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : من فطر صائما على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصلى عليه جبرائيل ليلة القدر )
وقد ورد في السنة مايدل على أن للانفاق في هذا الشهر فضلا على الانفاق في بقية الشهور , يدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود الناس, وكان أجود الناس في رمضان )
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل رمضان أطلق كل اسير, و أعطى كل سائل وفرج عن كل مكروب .
وعن النبي صلى اله عليه وسلم أن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها, قالوا لمن هذه يارسول الله, فقال : لمن طيب الكلام, واطعم الطعام, وادام الصيام, و صلى بالليل والناس نيام )
وقد جعل الله رمضان وقتا لافاضة الخير والبر على عباده أضعاف مايفيضها في غيره, فكانت الصدقة فيه أعظم اجرا وأكثر ثوابا منها في غيره, ولذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم اي الصدقة افضل ؟ فقال : صدقة في رمضان .
وفي هذا حث على الاكثار من الصدقة فيه, وتحريض على مزيد الانفاق في أيامه ولياليه على البائسين المعوزين.
فعن معاذ بن جبل رضي اله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لي : يامعاد الا أدلك على أبواب الخير, فقلت بلى يا رسول الله فقال: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار...) ومعنى أن الصوم جنة بالضمة على حرف الجيم :أي وقاية وستر من المعاصي .
3) الفوائد الصحية :
من الفوائد الصحية للصوم تطهير الأمعاء و اصلاح المعدة, و تنظيف البدن من الفضلات و الرواسب, وتخفيف السمنة وثقل البدن بالشحم يقول رسول الله صلى اله عليه وسلم : ( صوموا تصحوا) .
وقال صلوات الله وسلامه عليه, وهو ينطق بالحكمة وكعنوان للحفاظ على صحة الابدان و الأنفس.
عن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه ويلم يقول : ما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه, بحسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه, فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه, وثلث لنفسه ) .
والصوم وقاية لكثير من الأمراض البدنية المستعصية التي تفتك ببني الانسان مثل التخمة وضغط الدم, وتصلب الشرايين و السكر وتضخم الكبد و الطحال و اضطرابات الأمعاء المزمنة والتهاب الكلى الحاد وأمراض القلب...الخ.
والصائمون الصابرون في جنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين, فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :
( ان في الجنة بابا يقال له الريان, يدخل منه الصائمون يوم القيامة , لا يدخل منه أحد غيرهم, يقال: أين الصائمون فيقومون, فاذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).
-
ملف كامل عن شهر رمضان
الفصل اللأول
وقفات
و فوائد و آداب
أولاً:
استقبال شهر رمضان:
كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم يهنئ أصحابه بقدوم شهر رمضان، كما في الحديث الذي
رواه سلمان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه و سلم خطب في آخر يوم من شعبان، فقال:
"قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر جعل الله صيامه فريضة، و قيام ليله تطوعاً،
شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة
فيما سواه، و من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، و هو شهر
الصبر، و الصبر ثوابه الجنة، و شهر المواساة، و شهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطّر
فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، و عتقاً لرقبته من النار، و كان له مثل أجره من غير
أن ينقص من أجر الصائم شيء" قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر
الصائم، قال: "يعطي الله هذا الأجر لمن فطر صائماً على مذقة لبن، أو شربة
ماء، أو تمرة، و من أشبع فيه صائماً، أو من سقى فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربة
لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما
ربكم، و خصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن
لا إله إلا الله، و الاستغفار، و أما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألونه
الجنة، و تستعيذون به من النار"(أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم 1887).
و
روي أيضاً أنه عليه الصلاة و السلام كان يفرح بقدوم رمضان، فكان إذا دخل رجب يقول:
"اللهم بارك لنا في رجب و شعبان، و بلَّغنا رمضان"
و
هكذا كان السلف -رحمهم الله- يفرحون به، و يدعون الله به، فكانوا يدعون الله ستة
أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، فتكون سنتهم كلها
اهتماماً برمضان.
و
في حديث مرفوع رواه ابن أبي الدنيا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "لو
تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان".
و
نشاهد الناس عامة، مطيعهم و عاصيهم، أفرادهم و جماعاتهم، يفرحون بحلول الشهر
الكريم، و يظهرون جداً و نشاطاً عندما يأتي أول الشهر؛ فنجدهم يسارعون الخُطا إلى
المساجد، و يكثرون من القراءة و من الأذكار، و كذلك نجدهم يتعبدون بالكثير من
العبادات في أوقات متعددة، و لكن يظهر في كثير منهم السأم و التعب بعد مدة وجيزة!
فيقصِّرون، أو يخلّون في كثير من الأعمال! نسأل الله العافية.
ثانياً:
من فوائد الصيام:
إن
الله سبحانه و تعالى ما شرع هذا الصيام لأجل مس الجوع و الظمأ، و ما شرع هذا
الصيام لأجل أن نعذب أنفسنا، بل لابد من فوائد لهذا الصيام قد تظهر و قد تخفى على
الكثير، و من هذه الفوائد:
1- حصول التقوى:
فإن
الله لما أمر بالصيام قرنه بالتقوى، كما في قول الله تعالى: ((كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))(البقرة:183)، فجعل التقوى مترتبة على
الصيام.
و
لكن متى تحصل التقوى للصائم؟
التقوى
هي: توقِّي عذاب الله، و توقي سخطه، و أن يجعل العبد بينه و بين معصية الله
حاجزاً، و وقاية، و ستراً منيعاً.
و
لا شك أن الصيام من أسباب حصول التقوى، ذلك أن الإنسان ما دام ممسكاً في نهاره عن
هذه المفطرات -التي هي الطعام و الشراب و النساء- فإنه متى دعته نفسه في نهاره إلى
معصية من المعاصي رجع إلى نفسه فقال:
كيف
أفعل معصية و أنا متلبس بطاعة الله؟!
بل
كيف أترك المباحات و أفعل المحرمات؟!!
و
لهذا ذكر العلماء أنه لا يتم الصيام بترك المباحات إلا بعد أن يتقرب العبد بترك
المحرمات في كل زمان؛ و المحرمات مثل: المعاملات الربوية، و الغش، و الخداع، و كسب
المال الحرام، و أخذ المال بغير حق، و نحو ذلك كالسرقة، و النهب، و هذه محرمة في
كل وقت، و تزداد حرمتها مع أفضلية الزمان كشهر رمضان.
و
من المحرمات كذلك: محرمات اللسان؛ كالغيبة، و النميمة، و السباب، و الشتم، و
اللعن، و القذف، و ما إلى ذلك. فإن هذه كلها محرمات في كل حال، و لا يتم الصيام
حقيقة، و يثاب عليه إلا مع تركها.
روى
الإمام أحمد في مسنده(5/431) عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"أن امرأتين صامتا فكادتا أن تموتا من العطش، فذكرتا للنبي صلى الله عليه و
سلم، فأعرض عنهما، ثم ذكرتا له، فأعرض عنهما، ثم دعاهما فأمرهما أن يتقيئا فتقيئتا
ملء قدح قيحاً و دماً و صديداً و لحماً عبيطاً! فقال: "إن هاتين صامتا عما
أحل الله، و أفطرتا على ما حرم الله عز و جل عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى
فجعلتا يأكلان لحوم الناس".
و
لأجل ذلك ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه و سلم: "ليس الصيام
من الطعام و الشراب، إنما الصيام من اللغو و الرفث"(أخرجه البيهقي في السنن
الكبرى: 4/270). و قال صلى الله عليه و سلم: "رب صائم حظه من صيامه الجوع و
العطش، و رب قائم حظه من قيامه السهر".
و
يقول بعضهم شعراً:
إذا لم يكن في السمع مني تصــاون
و في بصري غض، و في منطـقي
صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظمأ
و إن قلت: إني صمت يومي،
فما صمت!
فلا
بد أن يحفظ الصائم جوارحه.
روي
عن جابر رضي الله عنه أنه قال: "إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و لسانك عن الغيبة
و النميمة، و دع أذى الجار، و ليكن عليك سكينة و وقار،و لا تجعل يوم صومك و يوم
فطرك سواء"(ذكره ابن رجب في لطائف المعارف و غيره).
فالذي
يفعل الحرام و هو صائم لا شك أنه لم يتأثر بالصوم، فمن يصوم ثم يرتكب الآثام فليس
من أهل التقوى، فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه و سلم: "من لم يدع قول
الزور و العمل به و الجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه".
2- حفظ الجوارح عن المعاصي:
و
من حِكَمِ الصيام و فوائده أن الإنسان يحفظ وجدانه، و يحفظ جوارحه عن المعاصي، فلا
يقربها، حتى يتم بذلك صيامه، و حتى يتعود بعد ذلك على البعد عن هذه المحرمات
دائماً.
فالإنسان
إذا دعته نفسه إلى أن يتكلم بالزور، أو بالفجور، أو يعمل منكراً: من سب، أو شتم،
أو غير ذلك، تذكر أنه في عبادة، فقال: كيف أتقرب بهذه العبادة، و أضيف إليها
معصية؟!
ليس
من الإنصاف أن يكون في وقت واحد و في حالة واحدة جامعاً بين الأمرين: الطاعة و
المعصية! إن معصيته قد تفسد طاعته، و تمحو ثوابها. فالإنسان مأمور أن يكون محافظاً
على الطاعة في كل أوقاته، و لكن في وقت الصيام أشد.
و
كثير من الناس وقوا أنفسهم في شهر رمضان ثلاثين يوماً، أو تسعة عشرين يوماً عن
المحرمات، فوقاهم الله بقية أعمارهم منها.
و
كثير من الناس كانوا يشربون الخمر، أو الدخان، و ما أشبه ذلك، ثم قهروا أنفسهم في
هذا الشهر، و غلبوها، و فطموها عن شهواتها، و حمتهم معرفتهم لعظم هذه العبادة ألا
يجمعوا معها معصية، و استمروا على ذلك الحال، محافظين على أنفسهم، إلى أن انقضت
أيام الشهر و كان ذلك سبباً لتوبتهم و إقلاعهم و استمرارهم على ذلك الترك لهذه
المحرمات، فكان لهم في هذا الصيام فائدة عظيمة.
و
هكذا أيضاً إذا حافظ العبد على قيامه، و استمر عليه، حمله ذلك على الإكثار من تلك
العبادة فإذا تعبد الإنسان بترك المفطرات، و الصيام لله تعالى، دعاه إيمانه، و
دعاه يقينه، و قلبه السليم إلى أن يتقرب بغيرهما من العبادات.
فتجده
طوال نهاره يحاسب نفسه ماذا عملت؟ و ماذا تزودت؟
تجده
طوال يومه محافظاً على وقته لئلا يضيع بلا فائدة؛ فإذا كان جالساً وحده انشغل
بقراءة، أو بذكر، أو بدعاء، أو يتذكر آلاء الله و آياته.
و
إذا كان في وقت صلاة، صلى ما كتب له من ليل أو نهار، و إن دخلت الصلاة أقبل عليها
بقلبه و قالبه، و أخذ يتأمل و يتفكر ما يقول فيها؛ فيكون الصيام بذلك سبباً في
كثرة الأعمال و القربات كما يكون سبباً للمنع من المحرمات.
-
3- حمية للبدن:
و من حكمة الله تعالى في هذا الصيام أيضاً
أن فيه حمية للبدن عن الفضلات.
و لا شك أن الحمية من أقوى أنواع الأدوية
والعلاجات، فالصيام يُكسب البدن المناعة و القوة، كما يكسبه أيضاً تدرُّباً على
الصبر و احتمال الجوع والعطش، حتى إذا ما تعرض له بعد ذلك فإذا هو قد اعتاد عليه،
فكان في ذلك منفعة عظيمة.
4- تذكر الفقراء و الذين يموتون
جوعاً:
و
من الحكم الجليلة التي شرع لها الصيام أن يشعر الإنسان بالجوع فترة الصيام
فيتذكَّر أهل الجوع دائماً من المساكين و الفقراء، ليرأف بهم، و يرحمهم، و يتصدق
عليهم.
فشُرع
الصيام لأجل أن يتضرع الإنسان -إذا ما أحسَّ بالجوع- فيدعو ربه، كما ورد في
الحديث: "إن النبي صلى الله عليه و سلم عرضت عليه جبال مكة ذهباً، فقال: لا
يا رب بل أرضى بأن أجوع يوماً، و أشبع يوماً، فإذا جُعْتُ تضرعتُ إليك و ذكرتك، و
إذا شبعت حمدتك و شكرتك"(أخرجه الترمذي برقم 2347 و قال حديث حسن). فذكر أن
الجوع سببٌ للتضرع و الذكر. فالإنسان إذا أحس بالجوع تضرع إلى الله.
و
من الحكم في الصيام أن الإنسان يقلل من الطعام حتى يحس بأثر الجوع، فيتضرع و يدعو
الله، و يتواضع له، و يكون ذاكراً له، مقبلاً إليه، متواضعاً بين يديه.
و
نلاحظ كثيراً من الناس أنهم لا يحسون بأثر هذا الجوع في هذه الأزمنة، و ذلك أنهم
عند الإفطار يجمعون من المأكولات و المشتهيات ما يملؤون به بطونهم، و يستمرون في
الأكل طوال ليلهم، متلذذين بأنواع المأكولات حتى إذا ما أتى النهار و قد مُلئت
بطونهم مكثوا طوال نهارهم في راحة، أو في نوم أو ما أشبه ذلك إلى أن يأتي الليل
فلا يحس أحدهم بأنه صائم، و لا يظهر عليه أثر الصوم.
و
من المعلوم أن هذا الحال لم يكن من الصحابة و السلف الأولين، فإنهم كانوا يقللون
من المأكل في إفطارهم و في سحورهم، و لا يأكلون إلا ما يقتاتون به و يقيم أصلابهم،
كما أنهم كانوا طوال نهارهم منشغلين في أعمالهم الدينية و الدنيوية، و لذلك لا بد
و أن يظهر عليهم أثر الجوع والتعب، و لكنهم يحتسبون ذلك عند الله. فينبغي للمسلم
ألا يكون همه المأكل، و أن يعمل حتى يكون للصوم آثاره و فوائده.
5- تخفيف حدة الشهوة:
و قد جعل النبي صلى الله عليه و سلم الصوم
للشباب وجَاءً أي: مخففاً من حدة الشهوة كما في قوله صلى الله عليه و سلم:
"يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر و أحصن
للفرج، و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له و جاء". (متفق عليه). ذلك أن
الصوم يكسر حدة شهوة النكاح.
و كثير من الناس الآن يصومون، لكنهم لا
يجدون لهذا الصيام أثراً لتخفيف حدة الشهوة، و ذلك أنهم لم يذوقوا ألم الجوع و
العطش و التعب، بل ظلت نفوسهم متعبة بالشهوات، و أنّى لهم أن يتركوها و قد أضافوا
إلى صومهم كل ما تعف النفس عن رؤيته من أفلام خليعة و مسلسلات ماجنة.
ثالثاً:
خصوصية الصيام:
إن
الصيام عبادة بدنية قوامُها ترك المفطرات المعروفة، و لما كان ترك هذه المفطرات
سراً بين العبد و بين ربه، فإنه مما لا شك فيه أنه متى تم هذا العمل فيما بين
الإنسان و بين الله كان ذلك أعظم لأجره، و أجزل لثوابه. و قد ذكر ذلك كثير من
العلماء، فقالوا: إن الصيام سر بين العبد و بين الله. و قالوا: إن ملائكة الحفظة
لا تكتبه، لأن الإنسان إذا صام لا يطّلع عليه إلا الله.
فإذا
صمت فمن الذي يراك في كل حركاتك، و في كل أوقاتك؟!
إن
من يغفل عن مراقبة الله له يمكنه أن يفعل ما يريد فيتناول طعامه و شرابه دون ما
خوف من الله عز و جل. و لكن العبد المؤمن يعلم أن معه من يراقبه، و أن عليه رقيب
عتيد؛ يعلم أن ربه يراه قال تعالى: ((الذي يراك حين تقوم * و تقلبك في
الساجدين))(الشعراء:218-219).
فإذا
كان العبد يؤمن بأن الله تعالى هو المطّلع عليه وحده، كان ذلك مما يحمله على أن
يخلص في عمله، كما يحمله على الإخلاص في كل الحالات، و يبقى معه في كل شهور السنة.
فإذا
راقبت الله تعالى، و حفظت صيامك، في سرّك و جهرك، في الأسواق و في البيوت، و لم
تتناول ما يفسد صومك، و عرفت أن الله يراقبك فلماذا تعود إلى هذه المعاصي بعد
رمضان، و قد حرّمها الله عليك؟!
إذا
كان الله تعالى قد حرم علينا الكذب، و القذف، و سائر المحرمات من محرمات اللسان، و
محرمات الفرج، و محرمات اليد، و ما سواها. فلماذا نقدم عليها في غير رمضان؟!
أليس
الذي يراقبنا في رمضان هو الذي يراقبنا في سائر الأوقات؟
فيجب
على المسلم أن يستحضر ربه دائماً، فإنه عليه رقيب يعلم ما تكنه نفسه، يقول تعالى:
((و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه، و نحن أقرب إليه من حبل
الوريد))(ق:16).
-
الفصل الثاني
.............
أحكام الصيام
إن أحكام الصيام بحمد الله واضحة جلية ذلك
لأن الصيام يتردد على المسلم كل عام و يصوم الاتقياء -إضافة إلى هذا- في أثناء
السنة تطوعاً طمعاً أن يثيبهم الله تعالى عليه، و لكن لا بد أن نذكر شيئاً يسيراً
من أحكام الصيام.
أولاً: الصيام الواجب و صيام التطوع:
إن الصيام الواجب الذي هو فرض من فرائض
الإسلام، و ركن من أركانه، هو شهر رمضان، و ما سواه فإنه تطوع: ((فمن تطوع خيراً
فهو خير له))(البقرة:184).
و الدليل على وجوبه و فرضه قوله تعالى: ((يا
أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون))(البقرة:183). أي: فرض عليكم. و قوله صلى الله عليه و سلم: "بني
الإسلام على خمس:… و ذكر منها: و صوم رمضان".
و الصيام فريضة كان أو نافلة: هو الإمساك عن
المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس. و الذي يَلْزَمُهُ هذا الإمساك هو
المكلف، أما غير المكلف كالمجنون أو الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف فهذا لا صيام
عليه، و كذلك الكافر الذي طلب منه شرطه و هو الإسلام.
فالصيام إذاً يجب على المسلم المكلف، يعني
البالغ العاقل القادر؛ فالمسلم يخرج الكافر، و المكلف يخرج الصغير و المجنون، و
القادر يخرج المريض و نحوه من المعذورين، و إن كان يجب عليه القضاء أو الفدية.
ثانياً:
مفطرات الصيام:
(أ) المفطرات الحسية:
إن
المفطرات الحسية التي تنافي هذا الصيام معروفة و أهمها: الأكل، و الشرب، و النكاح،
و لكن يعفى في الأكل و الشرب عن الناسي، فإذا فعل شيئاً منها ناسياً عُفي عنه لقول
النبي صلى الله عليه و سلم كما في الصحيح: "إذا نسي فأكل و شرب فليتم صومه،
فإنما أطعمه الله و سقاه".
و
نأتي على شيء من التفصيل في هذه المفطرات:
1- الأكل و الشرب:
إذا
أفطر بهما فليس عليه إلا القضاء إذا أفطر لعذر، أما إذا أفطر لغير عذر فقد وقع في
ذنب كبير كما ورد عنه صلى الله عليه و سلم: "من أفطر يوماً في رمضان من غير
عذر لم يقضه عنه صيام الدهر، و إن صامه".
فالذي
يفطر في شهر رمضان متعمداً دون أن يكون له عذر من مرض أو سفر، أو نحو ذلك، يعتبر
قد تهاون بهذا الركن، و أقدم على ما يفسده فهو كمن يترك الصلاة عمداً.
و
يذهب بعض العلماء إلى كفر من أفطر من غير عذر، و لا حاجة به إلى الإفطار، و إنما
هو تهاون، و كذلك من ترك الصلاة بدون عذر فيذهب أيضاً بعض العلماء إلى أنه كافر
لكونه تهاون بما فرضه الله دون أن يكون له عذر، و لكن مع ذلك عليه التوبة، و عليه
الإنابة، و عدم العودة إلى هذا الفعل، و عليه إكمال شهره، و المحافظة عليه في بقية
عمره.
2- النكاح:
إذا جامع الرجل أهله في نهار رمضان فإن عليه
القضاء مع الكفارة التي هي كفارة الظهار، التي ذكرها الله تعالى في أول سورة
المجادلة فقال تعالى: ((و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به و الله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا
بالله و رسوله و تلك حدود الله و للكافرين عذاب أليم))(المجادلة:3-4). فكذلك كفارة
المُواقع أهله في نهار رمضان.
و يقع هذا من كثير من الشباب الذين ينامون
مع أزواجهم بعد صلاة الفجر فلا يملك أحدهم نفسه و خاصة إذا كان لا ينام مع أهله في
الليل، فإذا نام في النهار لم يأمن أن تثور منه الشهوة. فلذلك يرشد الشاب المسلم
أن ينام مع أهله في الليل، حتى يعطي نفسه شهوته المباحة، و يسلم من تناول هذه
الشهوة المحرمة في النهار، و التي توقعه في كفارة كبيرة.
و هناك مفطرات أخرى غير الأكل و الشرب و
الجماع، و من هذه المفطرات:
3- القيء:
ثبت أنه صلى الله عليه و سلم قال: "من
استقاء عمداً فعليه القضاء، و من ذرعه القيء فلا قضاء عليه".
فمن تعمد إخراج القيء فإن عليه القضاء لكونه
تعمد إخراج ما يفطر صومه، و من غلبه و خرج قهراً، فلا قضاء عليه، لكونه لم يتسبب
في ذلك.
4- خروج الدم من جرح أو رعاف:
إذا خرج الدم عن غلبة فإنه لا قضاء عليه، و
إذا تعمد إخراجه، فالقياس أنه يفطر كالقيء، و لكن إذا خرج بدون اختيار منه، أو كان
بحاجة إلى ذلك كخلع ضرس و نحوه، فله أن يتحّفظ عن دخوله مع ريقه، أو ابتلاع شيء،
فإن تحفظ فالصحيح أيضاً أنه لا يؤثر على صومه.
-
الحجامة:
ذهب
الإمام أحمد إلى أن الحجامة تفطر، و استدل بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم:
"أفطر الحاجم و المحجوم". و هو حديث متواتر، رواه عدد من الصحابة كما في
شرح الزركشي، و لو لم يكن منه شيء في الصحيحين، و لكن منه أحاديث ثابتة عن شداد و
ثوبان و غيرهما لا طعن فيها على الصحيح.
و
فطر الحاجم؛ في ذلك الوقت لأنه يمتص الدم و يكرر امتصاصه، فيختلط بريقه فلا يؤمن
أن يبتلع منه شيئاً، و لكن في هذه الأزمنة وجدت محاجم ليس فيها امتصاص، إنما هي
آلات يضغط عليها فتمسكه، و تمتص الدم، ففي هذه الحال قد يقال لا يفطر الحاجم إلا
أن يكون لتسببه في إفطار غيره.
و
أما المحجوم فإنه يفطر لخروج هذا الدم الكثير منه فيقاس على خروج دم الحائض.
6- نقل الدم بالإبرة:
لو أخذ الدم فيما يسمى بالتحليل، أو التبرع
لمنحه للمريض، فإذا كان هذا الدم كثيراً فإنه يلحق بالحجامة، و أما الدم القليل
بالإبرة، و ما يؤخذ للتحليل فالصحيح أنه لا يفطر لكونه ليس حجامة و لا يلحق بها.
7- الضرب بالإبرة:
و فيه تفصيل:
فإذا كانت الحقنة مغذية و مقوية فإنها تفطر،
و ذلك لقيامها مقام الطعام، و الشراب. فالمغذي هو الذي يدخل مع العروق و يقوم مقام
الطعام و الشراب، و على هذا فالإبر المغذية و المقوية التي تكسب البدن قوة تفطر؛
لأنها قامت مقام الأكل و نابت عنه.
أما الإبر الأخرى التي هي إبر يسيرة للتهدئة
أو لتصفية الجسم، أو ما أشبه ذلك، فالأولى و الصحيح أنها لا بأس بها للحاجة، و لا
تفطر الصائم.
(ب)
المفطرات المعنوية:
و
كما أن على الصائم أن يمسك عن المفطرات الحسية كالأكل و الشرب و غيره، فإن عليه
أيضاً أن يمسك عن المفطرات المعنوية التي تنقص الصيام، كما ورد في الحديث الشريف:
"ليس الصيام عن الطعام و الشراب إنما الصيام عن اللغو و الرفث"(سبق
تخريجه).
فعلى
الصائم أن يمسك عن الكلام السيئ الذي فيه مضرة على غيره و مشقة، حتى يحوز أجر
الصيام كما تقدم.
ثالثاً:
صيام أهل الأعذار:
إذا
احتاج المرء إلى الأكل أو الشرب لمرض أو لسفر أو نحو ذلك، فإنه معذور فيأكل بقدر
حاجته و يقضي كما أباح الله ذلك للمريض و للمسافر لقوله تعالى: ((فمن كان منكم
مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر))(البقرة:184). و لمزيد من الفائدة فإننا نذكر
بعض الأحكام الخاصة بصيام أهل الأعذار فمن ذلك:
1- صيام المسافر.
2- صيام المريض.
3-
صيام الكبير.
4-
صيام المرأة الحامل أو المرضع و الحائض و النفساء.
-
الفصل الثالث
..................
قيام الليل
لا شك أن الصلاة من أفضل القربات، و أنها
عبادة دينية لا تصلح إلا لله تعالى، و اختصت بأعمال من القربات، مثل: الركوع و
السجود، و القيام و القعود، و الرفع و الخفض، و الدعاء و الابتهال، و الذكر لله، و
القراءة، و غير ذلك مما اختصت به فكانت أشرف العبادات البدنية.
و لما كانت الصلاة كذلك فقد فرضها الله
تعالى على عباده فريضة مستمرة طوال العام و العمر، و كررها في اليوم خمس مرات، لما
لها من أكبر الأثر في حياة المسلم.
و لما كانت من أهم الأعمال و القربات لله
تعالى، فقد شرع لعباده أيضاً أن يتقربوا بنوافلها. فمدح الذين يكثرون من الصلاة، و
خصوصاً في الليل، فأمر نبيه صلى الله عليه و سلم بقوله: ((يا أيها المزمل * قم
الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه و رتل القرآن
ترتيلاً))(المزمل:1-4). و قال تعالى: ((و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً
محموداً))(الإسراء:79).
فأمر نبيه أن يتهجد من الليل بهذا القرآن، و
الأمر له شريعة لأمته، فإن أمته تبع له، فهو أسوتهم و قدوتهم.
قيام
النبي صلى الله عليه و سلم:
لقد
امتثل النبي صلى الله عليه و سلم أمر الله تعالى: ((يا أيها المزمل * قم الليل إلا
قليلاً))(المزمل:1-2)، فكان يقوم نصف الليل، أو ثلثه، أو نحو ذلك طوال سنته، و كان
يصلي من الليل ما شاء، و يطيل في الصلاة.
و
قد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم كان يخص شهر رمضان بمزيد من الاهتمام، فقد قال صلى
الله عليه و سلم: "من قام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه". متفق عليه.
و
قيام رمضان هو قيامه بالتهجد، بالصلاة ذات الخشوع، و ذات الدعاء في هذه الليالي
الشريفة.
و
قد حث عليه السلام أمته على هذه الصلاة، فكانوا يتقربون بها، تارة يصلونها وحدهم،
و تارة يصلونها معه صلى الله عليه و سلم، فتوفي و هم يصلون أوزاعاً. يصلي في
المسجد جماعة، أو ثلاث جماعات، أو أربع، و قد صلّى بهم صلى الله عليه و سلم في
حياته ثلاث ليال متوالية جماعة، يصلي بهم نصف الليل أو ثلثه، أو نحو ذلك.
لكنه
و بعد أن رأى حرص الصحابة على قيام الليل معه و مداومتهم على ذلك و ازدحام المسجد
بهم خشي أن يُفرض عليهم ذلك القيام و الاجتماع، فيعجزون فلا يحافظون و يستمرون
عليه، فأمرهم أن يصلوا فرادى في أماكنهم.
ثم
إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمعهم على هذه الصلاة التي تسمى صلاة التراويح،
فجمعهم عليها لما أمن أنها لن تفرض عليهم؛ لأنه قد انقطع الوحي بوفاة النبي صلى
الله عليه و سلم .
فأجمع
المسلمون أهل السنة على هذا التهجد خلافاً للرافضة، و بقي كذلك إلى هذا الزمان
يصلون في مساجدهم جماعة عشرين ركعة، أو ثلاث عشرة، أو ستاً و ثلاثين، أو إحدى و
أربعين، على حسب اجتهادات العلماء.
فرأى
بعضهم أن يصلي إحدى و أربعين ركعة كما أثر ذلك عن مالك و غيره من الأئمة.
و
رأى آخرون أن يصلي سبعاً و ثلاثين في صلاة الوتر، أو تسعاً و ثلاثين، و قالوا: إن
هذا يخفف على الناس، و يكون فيه قطع لليالي في الصلاة.
و
رأى آخرون أن يصلي ثلاثاً و عشرين، و اختار ذلك أكثر العلماء كما حكاه الترمذي عن
أكثر الأئمة.
و
رأى آخرون أن يصلوا إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة.
و
الكل جائز، و لكن لابد أن تكون الصلاة باطمئنان و خشوع و خضوع و حضور قلب، حتى
تحصل الحكمة و الفائدة التي لأجلها شرعت الصلاة.
و
قد أجاز العلماء الزيادة على إحدى عشرة ركعة، و اعتبروا ذلك بالزمان،
فقالوا: إن من صلى تسعاً و ثلاثين ركعة في ساعتين كمن صلى إحدى عشرة في ساعتين،
فيكون الأجر على قدر الزمان، لا على قدر العدد، أو كثرة الركعات.
قيام السلف رضي الله عنهم:
كانت سُنة السلف رحمهم الله أنهم يصلون هذه
الصلاة في نصف الليل، أو في ثلثه؛ أي ثلاث ساعات، كلها في تهجد، فإذا كان الليل
طويلاً صلوا أربع ساعات أو أكثر، و إن كان قصيراً صلوا نحو ثلاث ساعات كلها في
التراويح. هكذا كانت صلاتهم، فإما أن يقللوا عدد الركعات و يطيلوا القيام و الركوع
و السجود، و إما أن يزيدوا في عدد الركعات و يخففوا الأركان، و يقللوا القراءة،
حتى تكون بمقدار هذه الساعات الثلاث أو الأربع أو نحوها. و قد روى مالك و غيره
أنهم أحياناً يحيون الليل فلا ينصرفون إلا قرب الفجر بحيث يستحثون الخدم بإحضار
السحور.
و لكن في هذه الأزمنة، نشاهد أن الناس قد
استولى عليهم الكسل و شغلتهم أمور دنياهم، فصاروا ينظرون لمن يصلي ربع هذه الصلاة
أو ثلثها، فيعدونه مكثراً، بل يعدون القراءة المتوسطة، طويلة! و إذا قرأ إمامهم
عليهم سورة فأطالها، يقول قائلهم: أطلتَ فخفِّف!!
و لا شك أن الذين يملُّون من هذه الصلاة هم
الكسالى الذين لا يرغبون في هذه العبادة، ذلك أن من فضل هذه الصلاة أن يجعلها
المؤمن سرور قلبه، و راحة بدنه، و ينبغي أن يجعلها المؤمن قرة عينه كما كانت قرة
عين النبي صلى الله عليه و سلم.، و ينبغي للمسلم أن يجعل جنس الصلاة راحة بدنه، و
شفاءه و دواءه، و أن يستعين بها على حاجاته، أليس الله تعالى يقول: ((و استعينوا
بالصبر و الصلاة))(البقرة:45)؟!
و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا
حزبه أمر فزع إلى الصلاة. فإذا دخل في الصلاة نسي همومه و غمومه، و خلي بربه، و
سُرّ قلبه بأنسه بالله تعالى.
فهذه هي الحكمة من إطالة الصلاة و من الركون
إليها. فالذين يستثقلون هذه الصلاة إذا صلى أحدهم في ساعة، أو نحوها أو أقل من ذلك
عَدُّوا ذلك إطالة و تنفيراً هم الكسالى مع أن هذا نقص للصلاة و عدم طمأنينة، و
إخراج لها عن ماهيتها؛ فإنا مأمورون في الصلاة أن نقرأ و نرتل، و مأمورون أن لا
ننقص في رمضان عن ختم القرآن مرة أو مرتين.
و لقد كان السلف رحمهم الله يقرؤون، و
يزيدون في القراءة؛ فكانوا يقرؤون سورة البقرة في ثماني ركعات -و هي جزآن و نصف
الجزء تقريباً- و نحن نرى أن بعض أهل زماننا يصلي سورة البقرة في ثمانين ركعة!!
فأين الفرق بين أولئك، و هؤلاء؟!!
و نرى آخرين يقتصرون على نصف القرآن أو
ثلثيه!! و لا شك أن هذا هو الكسل بعينه!
و نقول لمن يرغب أن يقتدي بنبيه صلى الله
عليه و سلم، و أن يكون حقاً من أتباعه، عليه أن يأتي بهذه الصلاة بطمأنينة -سواء
رغب المصلون أم لم يرغبوا- فيبين لهم أن هذه هي الصلاة التي تجزئ في القيام و هي
التي حث عليها الرسول صلى الله عليه و سلم أن تكون في خشوع و اطمئنان، و هي ما كان
عليه سلف هذه الأمة من الصحابة و تابعيهم رضي الله عنهم أجمعين.
فالقراءة المعتادة أن يختم القرآن في ليلة
سبع و عشرين، أو نحوها. و قد أدركت أئمة يختمون في رمضان ثلاث ختمات، حيث إنهم مع
أناس يحبون سماع القرآن، و يحبون الخشوع في الصلاة، و إطالتها بينما هناك أناس لا
يقرؤون إلا قدراً قليلاً من القرآن.
فإذا كنت إماماً لأناس فعليك أن تصلي بهم
الصلاة النبوية، التي تكون بها مدركاً للحكمة من هذه العبادة، محصلاً للثواب و
الأجر الذي أعده الله عز و جل لمن قام الليل و تهجد، و رتل القرآن ترتيلاً.
تنبيـــه:
و هنا أنبه على أمر مهم لمن كان من عادته
قيام الليل (أي التهجد) طوال السنة فإنه لا ينبغي له أن يقطع عادته السنوية لأن
الصلاة آخر الليل مشهودة، كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه و سلم.
فإذا صليت أول الليل ما تيسر لك من هذه
التراويح فحافظ أيضاً على صلاة آخر الليل بما تستطيعه قلّ أو كثر، و بهذا تكون
محافظاً على العبادات.
و هكذا أيضاً تحافظ على السنن الرواتب -التي
قبل الصلاة و بعدها- فإذا طمعت في الزيادة في هذا الوقت فلا تدخر وسعاً.
روي عن بعض السلف: أن الأعمال تضاعف في شهر
رمضان، فركعة في رمضان تعدل ألف ركعة فيما سواه، و الحسنة فيه بألف حسنة فيما
سواه، و الفريضة تعدل سبعين فريضة فيما سواه، و من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير
كان كمن أدى فريضة فيما سواه. كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله في وظائف رمضان.
-
الفصل الرابع
الاعتكــــاف
حقيقة الاعتكاف:
الأصل في الاعتكاف أنه الإقامة في المكان
طويلاً، و لزومه، و الاشتغال فيه، و كان المشركون يعكفون عند الأوثان كما في قوله
تعالى: ((فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم))(الأعراف:138). و قول إبراهيم عليه
السلام: ((ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون))(الأنبياء:52). و قولهم: ((نعبد
أصناماً فنظل لها عاكفين))(الشعراء:71).
و جعل الله عكوف المسلم و اعتكافه لزوم
المسجد، فقال تعالى: ((أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع
السجود))(البقرة:125). و قال تعالى: ((و لا تقربوهن و أنتم عاكفون في
المساجد))(البقرة:187). فجعل العكوف لزوم المساجد.
فالأصل أن المعتكف يفرّغ نفسه و ينفرد في
مكان و يشغل نفسه بالعبادة، و ينقطع عن الدنيا و ينقطع عن أهلها.
فالاعتكاف هو لزوم المسجد طاعة لله تعالى، و
القصد منه التفرغ للعبادة. و أن لا يخرج من المسجد إلا لضرورة ملحة لا يجد منها
بداً، كأن يحضر طعامه و شرابه إذا لم يجد من يحضره له، و كذلك الخروج للخلاء و
للوضوء و غير ذلك.
قال ابن رجب رحمه الله: معنى الاعتكاف و
حقيقته: "قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق".
الحكمة من الاعتكاف:
إن الحكمة من الاعتكاف الانقطاعُ عن الدنيا،
و عن الانشغال بها و بأهلها، و التفرغ للعبادة، و الاستكثار منها. و إنما كان
الاعتكاف في المساجد لأجل ألا يترك صلاة الجماعة مع المسلمين التي هي علامة و شعيرة
من شعائر الإسلام.
فضل الزمان و فضل المكان:
فإذا عزم المسلم على الاعتكاف فعليه أن
يختار المسجد الذي تصلى فيه الجمعة، حتى لا يخرج إلا عند انتهاء مدة الاعتكاف، و
الأفضل أن يكون في زمان فاضل تضاعف فيه العبادات حتى يجمع بين فضل الزمان و فضل
المكان.
فالاعتكاف مثلاً في المساجد الثلاثة: المسجد
الحرام، و المسجد النبوي، و المسجد الأقصى له ميزته، و ذلك لفضل العبادة بتلك
المساجد، و أما بقية مساجد الدنيا فإنها متساوية إلا أن المسجد الذي يكون قديماً
تكون العبادة فيه أفضل لقدم العبادة فيه فيختار المسجد الأقدم.
مدة
الاعتكاف:
إذا
أراد المسلم أن يعتكف؛ فأقل الاعتكاف يوم و ليلة، يعني أربعاً و عشرين ساعة حتى
يصدق عليه أنه معتكف، و ما عدا ذلك فيه خلاف؛ فبعضهم يرى أن من اعتكف يوماً أي من
طلوع الشمس إلى غروبها، أو ليلة من غروبها إلى طلوعها يكون اعتكافاً، و بعضهم يرى
أنه لابد من يوم و ليلة حتى يتحقق الحديث.
محظورات
الاعتكاف:
يشتغل
المعتكف بكل ما يقربه إلى الله عز و جل من صلاة و تلاوة للقرآن الكريم و مدارسته،
كما أنه ينقطع عن العلاقات الدنيوية فينقطع عن الزيارات، فلا يفتح باب الزيارة لمن
يزوره إلا قليلاً لحاجته. فقد ثبت أن بعض نساء النبي صلى الله عليه و سلم كنّ
يأتين إليه و هو معتكف و يتحدثن معه قليلاً.
أما
فتح باب الزيارة للأهل و الأولاد و الأصدقاء فإنه يجعل المسجد كالبيت، لا فرق
بينهما، كما أنه يفتح الباب أمام الكلام الذي لا فائدة منه.
و
كذلك على المعتكف ألا ينشغل بالدنيا و بأهلها، فلا يسال من رأى، و لا من سمع عن
أمر من أمور الدنيا، و لا عن خبر من أخبارها، و لا يهتم بأمر من أمورها. و بعد ذلك
يعكف على العبادة؛ فينتقل من جنس الصلاة سواء التراويح أو غيرها، أو التقرب
بالرواتب و نحوها، ينتقل إلى القراءة و الذكر، و الدعاء و الابتهال إلى الله، و ما
أشبه ذلك مع حضور القلب حتى يجمع بين خشوع القلب و حضوره، و بين التكلم باللسان مع
اتصافه أيضاً بالخشوع و الخضوع.
و
لأجل ذلك ذكر ابن رجب أن بعضهم يقول في تعريف الاعتكاف: (أنه قطع العلائق عن
الخلائق للاتصال بخدمة الخالق). و العلائق بمعنى العلاقات فتقطع علاقتك بفلان و
فلان، و تنقطع منها عن جميع الخلائق، و يتصل قلبك بربك بحيث يكون ذكر الله على
قلبك دائماً، نائماً و يقظان، قائماً و قاعداً و مضطجعاً.
تذكر
الله في كل حالاتك، و تتأمل، و تعقل ما تقول إذا كنت مشتغلاً بذلك. و إن قرأت
القرآن قرأته بتدبر.
و
قد أدركنا قبل أربعين سنة، أو خمسين سنة آباءنا و مشايخنا كانوا يعتكفون، و لا
يُخلُّونَ بالاعتكاف، و كانوا يعكفون على القرآن، حيث رزقهم الله حفظ القرآن و
سهولته، فكانوا يختمونه كل يوم غالباً، أو كل يومين مع التدبر!! ذلك لأنه شغلهم
الشاغل في ليلهم و نهارهم، إلا أنه فقط يؤتى بأكله، بفطوره و سحوره، و أحياناً
يقتصر على السحور. فيتناول في الإفطار تمرات قليلة،و لا يتناول عشاءً، و يجعل
عشاءه سحوراً.
هكذا
أدركنا مشايخنا؛ يخرج الواحد منهم لقضاء الحاجة فقط، و للوضوء، لا يعود مريضاً، و
لا يشهد جنازة، و لا يعود أهله، و لا يفتح باب زيارة و لا غير ذلك.
هكذا
المعتكف الذي يريد أن يكتب له أجر هذا الاعتكاف، و يقتدي في ذلك بسنة نبيه صلى
الله عليه و سلم، فإنه صلى الله عليه و سلم ما ترك الاعتكاف في سنة من السنوات إلا
سنة واحدة في رمضان لما دخل معتكفه اعتكف معه بعض نسائه، و ضربت كل واحدة منهن
قبة، فلما رأى الأقبية في المسجد أنكر ذلك، و عرف أن هذا منافسة. فعند ذلك ترك
الاعتكاف تلك السنة و اعتكف في شوال، و كان في الغالب يعتكف في العشر الأواخر من
رمضان. و اعتكف مرة أو مرتين في العشر الأوسط.
و
الاعتكاف -كما سبق- كان للاستكثار من الطاعة، و لطلب أن يحظى العبد بالمغفرة، و
المغفرة لها أسباب، و من أسبابها في رمضان: الصيام إيماناً و احتساباً. و قيام
رمضان إيماناً و احتساباً. و كذلك قيام ليلة القدر إيماناً و احتساباً. فيحرص
العبد على أن يحظى بسبب من أسباب مغفرة الذنوب التي اقترفها فيما مضى من عمره.