المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
لو حكينا يا حبيبي
نبتدي منين الحكاية ؟!
بإمكانك أن تصل إلى بيت نزار قباني في دمشق القديمة من أكثر من طريق وعبر أكثر من باب وأكثر من سوق وحارة وزقاق .. وعندما أقول ( دمشق القديمة ) فثق أنني أعني هنا على نحو دقيق الحارات والأسواق القديمة المشهورة سياحيا بالشام/ دمشق العاصمة .. على فكرة .. عندما تسمع من سوري أو لبناني أو أردني أو فلسطيني يقول لك : رايح ع الشام .. فهو هنا يقصد تحديدا (دمشق) العاصمة السورية بقديمها وجديدها . تماما مثلما يقول المصريون في بقية المحافظات المصرية وخصوصا الصعيد : رايحين مصر ويقصدوا بها (القاهرة).
عاش الشاعر العربي العظيم المرحوم نزار قباني في حارة ( مئذنة الشحم ) في قلب دمشق القديمة . بيوت هذه الحارة بيوت دمشقية متقابلة يتوسطها زقاق أو سكة ضيقة بالكاد تعبرها سيارة واحدة وأحيانا يصعب ذلك فتقطع الطريق مشيا إليها . الشارع أو الزقاق قديم متشقق تكثر في بعض مسافاته الحفر الصغيرة . وأفضل أقرب طريق يوصلك مباشرة إلى بيت نزار قباني هو سوق ( مدحت باشا ) التراثي الذي تجد فيه كل ما يمكن أن تتخيله من مكسرات واواني زينة وسجاد دمشقي بالاضافة الى بعض المطاعم الشعبية والحديثة الجميلة جدا والتي تعد فيها كل ما نفسك تشتهيه من المأكولات الشامية اللذيذة جدا ناهيك عن الأكلات الشامية والتي ستطلب منها أكثر من صحن للذتها وهناك العطور الشرقية والغربية والمكتبات وبالأخص مكتبة شامينا بوك التي تقع قبل نهاية سوق مدحت باشا بقليل جهة اليمين ..
أنسب وقت لدخول حارات دمشق القديمة مثل حارة الجامع الاموي وباب توما وحارة اليهود والقلعة وغيرها هو الصباح الباكر .. حيث تضج السكك والشوارع الضيقة برائحة الياسمين الدمشقي الضواع أروع عطر طبيعي ينسكب على صباح يومك كله .. هناك شارع آخر ممكن يقودك إلى حارة مئذنة الشحم ويسمى ( المستقيم ) شارع طويل يقع وسط الحارات لكنه متوه جدا .. أنت اختصر المسافة وقل للسائق يوصلك إلى سوق مدحت باشا ومن هناك من السوق نفسه اتجه مباشرة الى حارة مئذنة الشحم .. ستنصدم عندما تصل إلى هذه الحارة بقدم البيوت التي فيها ( مع الأسف الشديد البيت الدمشقي الأصلي تغيرت كثيرا اليوم ملامحه عن السابق وبدلا من طابق واحد ستجد كثير بيوت في هذه الحارات من طابقين وكثير منها رحلت منها عائلاتها الأصلية وسكنت خارج دمشق القديم وقامت بتأجير بيوتها هذه للسياح أو لمن يأتي من خارج دمشق أو سوريا عموما والأسوأ من هذا تحويلها إلى مقاهي ومطاعم مما أفقدها طابعها المعماري الأصلي بكل وجهه الشرقي البديع ).. وأنت تمر في سكك هذه الحارات لا تستغرب من وجود شجر الياسمين بكثرة في البيوت وبرات البيوت وعلى الشرفات والأسطح أيضا كما أن شجرة النارنج لها مكانة خاصة في البيت الشامي وخاصة في دمشق وتستطيع أن ترى أغصانها تتدلى أمام البيت متعانقة مع شجرة أخرى من البيت المقابل في مشهد شاعري مستحيل أن لا يولد فيك إحساسا ما خصوصا إذا كنت شاعرا أو كاتبا أو فنانا أو لك علاقة بالأمور الجمالية والأدبية .. تسمع بين حين وآخر وأنت تجتاز سكة ضيقة معينة صوت فيروز أو ماجدة الرومي فتشعر بحميمية الجو وشاعرية المكان الممزوج برائحة الياسمين . ويا ويلك إذا طبت عليك فتاة دمشقية من بيت من هذه البيوت .. لن يخرج قلبك سالما أبدا . لذلك خذ حذرك هههههههههه
في حارة مئذنة الشحم هنا بالضبط في هذه الحارة الفقيرة القديمة جدا عاش نزار قباني ومن هذه الحارة انطلقت حركات المقاومة الوطنية ضد الفرنساوية أيام كانت سوريا تحت الانتداب الفرنسي .. هنا كتب نزار (طفولة نهد) و (خبز وحشيش وقمر) و (هل تسمعين صهيل أحزاني) وغيرها وغيرها من النصوص والدواوين .
مع الأسف بيت نزار تم بيعه لعائلة دمشقية تدعى آل نظام . آلمني جدا جدا هذا الشيء وتمنيت لو أن الحكومة السورية تدخلت واشترته بنفسها من عائلة المرحوم وحولته إلى مزار سياحي وثقافي لعشاق هذا الشاعر العظيم وما أكثرهم . بقي أن أقول أن قبر المرحوم نزار قباني مش بعيد أبدا عن حارته وبالتحديد في مقبرة ( باب الصغير ) لكن سيتعين عليك أن تقطع مسافة أخرى حتى تصل إلى المقبرة .
☆☆ من أبرز واطرف حكايات نزار مع المرأة والشعر قصته مع فتاة الدرج التي صادفها عندما تقابلا وجها لوجه وهما على السلم .. سقط نزار من طوله وهو يرى هذه الفتاة الأنيقة الجميلة جدا تعصف بنهار يومه بجمالها المدمر .. هجم عليه الشعر في تلك اللحظة ولم يكن لديه أي ورق ليكتب الكلمات التي باغتت مشاعره فجأة فاضطر أن يكتبها على علبة سيجارته حتى لا تضيع أو تهرب كلماتها منه . أعتقد أن القصيدة عنوانها مايا .. مش متأكد الآن .
@ بلقيس الراوي كانت الحب الحقيقي الوحيد في حياة نزار رغم أنه ( الله يغفر له ويسامحه ) أقام في حياته علاقات عاطفية كثيرة مع نساء كثيرات أغلبهن من الوسط الأدبي والثقافي . لكن بلقيس بالذات كانت أكثر من أثر في حياته وفي شعره وفي نفسيته أيضا والتي انهارت بعد مقتلها في تفجير سفارة العراق ببيروت فكتب مرثيته الخالدة فيها قصيدة (بلقيس) وكذلك بعدها هاجم بضراوة في شعره كل الأنظمة العربية وبخاصة في قصيدة (متى يعلنون وفاة العرب) التي أراها من الناحية العاطفية أشد حدة من قصائد سياسية أخرى كتبها مثل (خبز وحشيش وقمر) أو قصيدته التي قالها في تنابل الخليج والتي يقول فيها وكان صادقا في وصفه :
هجمَ النفطُ مثل ذئبٍ علينا
فارتمينا قتلى على نعليهِ
و قطعنا صلاتنا.. واقتنعنا
أنَّ مجدَ الغنيِّ في خصيتيهِ
أمريكا تجرّبُ السوطَ فينا
وتشدُّ الكبيرَ من أذنيهِ
و تبيعُ الأعرابَ أفلامَ فيديو
وتبيعُ الكولا إلى سيبويهِ
أمريكا ربٌّ.. وألفُ جبانٍ
بيننا راكعٌ على ركبتيهِ
& في الفن تبقى رائعته ( قارئة الفنجان ) التي غناها الفنان الخالد عبدالحليم حافظ من أجمل وأروع أعماله المرتبطة بالفن وكذلك قصيدة ( أيظن ) لنجاة الصغيرة و ( رسالة من إمرأة ) لفايزة أحمد وأيضا قصيدة ( كلمات ) أروع وأعذب ما غنته الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي من قصائد لهذا الشاعر العظيم .
بقي أن أقول أن موت نزار قباني ترك فراغا كبيرا ومخيفا ومحزنا في راهن الشعر العربي المعاصر وقد يكون نزار آخر أنبياء الشعر واعظمهم على الإطلاق بعد المتنبي .
ألف ألف رحمة ونور عليك يا أبا عمر .
سعيد مصبح الغافري
________________