-
على رِسْلِك... فَتِلْكَ دِيَارُهُمْ عَلَى سَفْحٍ شَاهِقٍ،
وَسُدٍّ مَانِعٍ، وَمُحَالٌ وُرُودُهُ، أَصْنَافُ المَحَاذِرِ كَسَيْفٍ نَابِضٍ،
عَلَى رَأْسِ خَاسِرٍ، آمَالٌ ثَكْلَى تَسَرْبَلَتْ بِالسَّوَادِ دَهْرًا،
ووُفُودُ العَوْنِ لَا يَنْقَطِعُ نَسْلُهُمْ، وَعَلَى أَبْوَابِ الصُّدُودِ كَانَ
حَتْفُهُمْ، إِصْرَارٌ عَلَى الوُصُولِ، مَعَ يَقِينٍ بِالمُحَالِ.
أَحْيَانًا...
أَرْتَوِي قَلْبِي بِرَجَاءِ اليُسْرِ بَعْدَ العُسْرِ،
وَأَقُولُ إِنَّ اللَّيْلَ يُجَلِّيهِ الصُّبْحُ،
أَحْذَرُ أَنْ أَقَعَ فِي تَيِّهِ الجُبِّ مِنَ اليَأْسِ،
فَمَا أَتَيْنَا مِنَ الصَّبْرِ إِلَّا القَلِيلَ.
-
عَلَى غَرْفِ القَصْدِ... نِلْنَا المَقَاصِدَ."
-
تأمَّلتُ في الحنينِ فقلتُ: شوقٌ
أصغرُ من زهرٍ وأكبرُ من مَرْوَا
هو كفُّ غيبٍ في الضلوعِ تُسقّيني
دمعاً، ويبقى بعدَ كلِّ جفا جفا
وبعيدُ مَنْ تهوى جسورٌ واصلةٌ
والليلُ يخفيهِ وشررٌ في الدُّجَى
-
وإذا تغنَّى طائرٌ في الغُصنِ يَشْجُو
أسمعتُ مِنْ وَجْدي صداهُ فأبكي
>
لا تَقطَعُ الأيامُ حَبْلَ مُناجاةٍ
بين الضلوعِ والنجومِ بلا حُجُبِ
-
في ظِلِّ الغُروبِ، حينَ تَهفو النَّفْسُ شَوْقًا، وتَغْفو العَيْنُ وَجْدًا...
أيُّها الحَبيبُ الغائِبُ الحاضِرُ في أَعْمَاقِ الرُّوحِ،
هَاجَتْ بِذِكْرَاكَ الذِّكْرَياتُ، فَأرْوَتْ قَلْبِيَ العَطْشَانَ نَبْعًا،
وَحَرَّكَتْ فِي أضْلُعي لَوْعَةَ الوِدَادِ إعْصارًا!
كَمْ مرَّةٍ ألمَحُ طَلَّتَكَ فِي ضَوْءِ القَمَرِ،
وأَسْمَعُ نَبْرَاتِ صَوْتِكَ فِي حَفيفِ الشَّجَرِ؟!
كَمْ مرَّةٍ أَظُنُّ نَسَمَةَ اللَّيْلِ نَفَسًا مِنْ نَفَسِكَ الدَّافِئِ،
فَتَهْتِزُّ مَشاعِرِي شِغَافًا، وتَنْهَضُ الذِّكْرَى شَغَفًا!
لَقَدْ صِرْتُ كَالسَّفِينَةِ فِي لُجَّةِ البُعْدِ تَتَلَوَّى،
تَحْمِلُ أَمَلًا كَالشَّمْعِ يَذُوبُ، وصَبْرًا كَالصَّخْرِ يَتأَسَّى...
يَا حُبِّي الَّذِي مَلَأَ الدُّنْيَا عِطْرًا ثُمَّ رَحَلَ،
تَرَكْتَنِي أَسْتَرْجِعُ اللَّحَظَاتِ كَالطِّفْلِ يَلْتَقِطُ قِطَعَ الزُّجَاجِ مِنَ الرِّمالِ،
بَيْنَ أَصَابِعِي تَنْزَفُ الأيَّامُ، وفي قَلْبِي تَتَأَلَّقُ صُوَرُكَ نَجْمًا!
غَريبٌ هَذَا الحَنِينُ...
يُذِيبُ الزَّمَنَ نَدًى، ويُعِيدُ المَاضِيَ حَاضِرًا،
يَجْعَلُ البُعْدَ قُرْبًا، والصَّمْتَ حَدِيثًا طَوِيلاً!
فَاصْبِرْ عَلَيَّ يَا غَالِي، فَرُبَّمَا تَلْتَقِي الأَرْوَاحُ قَرِيبًا،
كَمَا تَلْتَقِي الأَغْصَانُ عِنْدَ الفَجْرِ، بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْ هُجُوعِ الرِّياحِ وَالْغُيُومِ.
-
يا طيفَ مَنْ أَسكنَ قلبي..
كيفَ تُغيبُ جسدًا ويحضرُ ظلُّه في الظلامِ؟
كيفَ تَكونُ بعيدًا وذِكراكَ كالقُربى تُلامِسُ أوتارَ روحي سَحرًا؟
ألمحُ وجهَكَ في ضَوءِ القمرِ..
وألمسُ حُبَّكَ في نَسيمِ السَّحَرِ..
وأسمعُ همسَكَ في صَمتِ الليلِ..
كأنَّ البُعدَ حلمٌ، واللقاءَ انتظارٌ على عَتَبةِ الأيّامِ!
لا تَعتبْ عليَّ إنْ كلَّمتُ الظلامَ..
فالشوقُ يُذيبُ زمنًا، ويخلقُ من شَظايا الذِّكرى عالَمًا..
نلتقي فيهِ كفراشاتِ الفجرِ،
تعبقُ بأحلامٍ.. لم تكتملْ بعدُ!
-
العهدُ بيننا لم يُنسَ.. يسكنُ القلبَ كالوشمِ
ونظلُّ نرقبُ الشُرفاتِ.. لعَلَّ حنينكِ يَطلَعُ.
-
أيامٌ كالندى.. لم تتبخَّرْ في سِجِلّ الزمنِ
ما زلنا نقرأها.. كحروفٍ منقوشةٍ على الجفونِ .
-
ذكرياتٌ تُشبهُ الجمرَ..
تحتَ الرمادِ تختبئُ
كلما هبَّتْ رياحُ الزمنِ..
أعادتْ جراحَنا تتأججُ .
-
صَعبٌ أن تُضيءَ في عُتمةٍ لا تُبصرُ ضوءَكْ،
أقسى أن تُنيرَ فلا يَرَوا إلا ظِلالَ حُجُبِهمْ!
تَحملُ عبءَ اليقينِ في ديارِ الجَهالةِ،
وتسيرُ ضدَّ التيارِ فَتُكسرُ أضلاعُ قاربِكَ!
* * *
كُلَّما ارتقيتَ جبلاً، أرسلوا حجارةَ السُّخريةْ،
كُلَّما ناجيتَ بالحِكمةِ، صاحوا: "هذا شَطَطٌ وَخُرافةْ!"
تُصارعُ الوَحلَ لِتُزهِرَ وَردةً،
فإذا بها تذوي بينَ أنيابِ العواصفِ!
* * *
تجرعُ كأسَ العزلةِ: رحيقُ المُخالفِ للمألوفْ،
وتحملُ جراحَ الغُربةِ: سِمَةُ العاقِلِ في زَمنِ الجَهْلِ!
حينَ يَنثني ظهرُكَ، تُدركُ أنَّ الزمنَ خانَكْ:
لحظةُ العودةِ ماتتْ، وبَقيتَ أسيرَ ميدانِ المعركةِ!
* * *
الهزيمةُ هنا ليستْ انكسارَ السَّيفِ،
بلْ انكسارَ الرُّوحِ بينَ أنقاضِ اليَأسِ!
الطعنةُ ليستْ من خَلفٍ، بلْ من صَدْرٍ ظننتَهُ حِصناً!
هذا الموتُ البطيءُ: ثمنٌ لفِكرٍ تجرَّأَ أنْ يَكون!
* * *
أنْ تُسَلِّمَ بالهزيمةِ: اعترافٌ بأنَّكَ حَاولْتَ،
ألا تُسلِّمَ: وَقوفٌ على حافةِ الهاويةِ!
هنا المفارقةُ:
الاستسلامُ نَصرٌ مَدفونٌ،
والمقاومةُ هزيمةٌ مُتوجةٌ!
* * *
فَخُّ المُثقفِ أنَّهُ يَرى المَصيرَ قبلَ وُقوعِهِ،
ويَسيرُ إليهَ بعينينِ مفتوحتين!
فإذا نجا مِنْ وَحلِ الجَهالةِ،
غَرِقَ في نهرِ الوَحدةِ!